نبذة عن الادب السوقي

انتباه، الفتح في نافذة جديدة. PDFطباعةإرسال إلى صديق

نبذة عن الأدب السوقي:
بالرغم من أننا لا نقدر على أن نمنح شعر السوقيين وحركتهم الأدبية نصيبا فوق حجمهما الحقيقي أو أكثر من مستواه الفكري والنضالي الذي يعطيه هذا الشعر نفسه أونعطي الشاعر مركبات أخرى لم تدر في خلده وفكره أصلا فإننا سوف نحاول إلقاء مزيد من الضوء في هذه المقدمة التعريفية بالحركة الأدبية السوقية على الأمور التالية:
1- مظاهر اهتمام السوقيين بالأدب العربي في الصحراء الطارقية.


2- الإنتاج الأدبي وثماره الشعرية والنثرية.
3- إشعاعات الحركة الأدبية السوقية وأثرها في تحريك الاهتمام باللغة العربية والأدب والشعر في المناطق (غاوا – منكا- تن بكتو- كيدال جمهورية مالي.
إن مما لاشك فيه أن  شمال صحراء (مالي) و(النيجر) و(بركينا فاسوا )كانت ضمن الأماكن التي حل فيها الأدب العربي عبر سياحته في العالم الإسلامي وانتقل من ضيف إلى مواطن مع درجة الشرف الأولى فسير على ظهرها قوافل الفصحى, ومواكب اللغى, ونشر فيها سرايا الشعر العربي تبث شآبيب العلم, وتجر جلابيب المعرفة بواسطة المدارس والمعاهد, التي أقامها السوقيون وغيرهم فوق أديم هذه الصحراء و كانت هذه المدارس ولا زالت سندا قويا للعلوم العربية وجوا عربيـا صحراويا, أمسك على العربية بيد, والدعوة والتعليم باليد الأخرى وكان تعلقهم بالشعر والأدب لا يدانيه إلا تعلق جميل ببثينة حين قال.
تعلَّقُ رُوحي روحَها قبلَ خلقِنا ومِنْ بعدِ ما كنَّا نِطافاً وفي المهدِ
فزادَ كمَا زِدنا فأصبحَ نامِياً وليسَ إذا مُتنا بمُنتقضِ العهـدِ

الإطار    المكاني                     للمدارس        السوقية.
 
الإطار   المكاني          للمدارس    السوقية.
على امتداد الضفتين الشرقية والغربية لنهر النيجر وصحراء (أزواد) من (كيدال ) إلى قيعان (أروان) في شمال إقليم المعلمة التاريخية (تن بكتو) مرورا بالعاصمة الإقليمية (غاوا) إلى الشمال الغربي (لنيامي) عاصمة جمهورية النيجر جنوبا, إلى العمق داخل أراضي جمهورية (بركينا فاسو) جنوبا أيضا تمتد مضارب قبائل السوقيين, وكانت هذه الرقعة منازل توزعهم الجغرافي هم ومن جاورهم من قبائل الطوارق والفلان والسنغاي, يتجولون مابين ضفتي نيل النيجر شتاء وصيفا ويتنقلون في الربيع بين سفوح الصحراء وسهولها ووديانها ويجولون بين تلك الأدواح والجنان حين يحلو صفير البلابل , وخرير الماء, حين تكون الصحراء عروسا مختالة في حلل الأزهار، متوجه بأكاليل الأشجار، موشحة بمناطق الأنهار عندما يرقص الغمام في الفضاء الرحب , وتبدو الشمس خلفه صفراء عاصبة الجبين, فترى القوم في تلك التخوم قبيل أن يطوي الليل وشاحه، و  يمتشق البدر بريقه,حين تتحرك أنسام العشي معطرة بشذا ورود أزهارها الشذية فكأن لسان حالهم يهتف ويقول:
لوْلاَكُمُ يَا أَهْلَ ذَاكَ الحِمَى ...           ماراح قلبي موثقا بالجراح ...         
أَسَرْتُمُ القَلْبَ فَيَكْفِيكُمُ ...             لاَتَقْتُلُونِى قَدْ رَميْتُ السِّلاحَ

نعم لورأيتهم حين يتحلقون للسمر ويرتشفون معتق الشاهي الأخضر على مقربة من إحدى رياض الصحراء الغناء التي (قد رق أديمها، ونمى خصيب رطيبها، وراق نسيمها، ونمَّ طيبها، وغنّى عندليبها، وتحركت عيدانها، وتمايلت أغصانها، وتنمقت أزهارها، ، وتسلسلت جداولها، وتبلبلت بلابلها وعزفت الرمال أحلى  انغامها) لرأيت مايجلب الأنس ويفتح النفس أورأيتهم بحللهم المصبغة بجميع ألوان الصحراء في فناء الخيام المشرعة الأبواب والتي يجول خلالها أذواد من الإبل يرد لقاحها إلى حقاقها فحل ملأ بهديره السمع وبجماله البصر يفيء إليها شباب السوقيين بهدوء وشوق إلى استماع شيء من الشعر العربي يتناوبون نشيده بنغماتهم الجميلة,حينا في المديح النبوي ,وتارة في شعرالتنبي والبحتري, وآونة في المعلقات العشر وغيرها من روائع الشعربي العربي.
ولعمري كم أ جروا في أسمارهم تلك حديث الشِّعر وصِفاتِه، وتولُّجِوا في تلك الليالي القمراء أبوابه وقَدحوا صَفاته, وسيروا فرسان الأفكار في ميدان هذا المضمار، ذلك هو ديدنهم وهجيراهم, وتلك هي ثروتهم وهذه هي أملاكهم يتقاسمون غلتها, حتى صار القريض بالنسبة لهم غنى وطول , بل مال يزكى حين يبلغ النصاب ويحول عليه الحول كما قال شاعر السوقيين محمود بن محمد الصالح الإدريسي السوقي:
أما القريض فإنه لي مال مالبلغ النصاب فحوله شوال
تلك هي مجالسهم كم شكى شعرائهم البعد عنها وتألم عن فراقها كما قال شاعرهم محمد بن عثمان السوقي الأدرعي.

ليتني لو تنفع الماسوف ليــت لم يلتني عن ذرى الأحباب ليت
أودعوا قلبي لما ودعــــوا من صنوفات الهوى كيت وكيت
إلى أن قال:
رو في حالي كي تروى عـــن     مسنـداتي أثــــرا فيما وعيــــــــــــــت
عن سهادي عن هيامي عن ضنى   عن جوى عن شغفي عن ذيت ذيت
تلك حالي قد قضى البين بهــا      فاقتضت أني لولا الـــروح ميـــت
وحالهم أشبه بحال من وصفه المظفر بن الفضل في كتابه (نضرة الإغريض في نصرة القريض) حين قال:
(وأسواق الفضائلِ لديه قائمةٌ على سوقها، وأيْنُقُ الفواضل من بين يديهِ تساقُ بوسوقِها، وغَلْوةُ خاطرِهِ لا تصل إليها غاياتُ الطّوق، وإذا قيسَ به سواهُ قيلَ: شبَّ عمروٌ عن الطّوْق، دارُه بأرَجِ الأدبِ دارِين، ومحلُه بحلولِ البركةِ قَمين).
دارٌ تَسيلُ بها سُيولُ فضائلٍ ...  وفواضِلٍ لمُسائلِ أو سائلِ
فالعُذْرُ مقبوضٌ بها عن آمِلٍ ... والعلم مبسوط بها للجاهل