سياسات المدرسة السوقية تجاه سلاطين إيموشاغ

انتباه، الفتح في نافذة جديدة. PDFطباعةإرسال إلى صديق

سياسة المدرسة السوقية تجاه سلاطين
( إموشاغ )
عرفت المدرسة الدينية السوقية بسياسة الاحتفاظ على السلم وعدم الانجرار في النزاعات القبلية وإثارة النعرات,والتحالفات التي لم تبن على أسس شرعية وكذلك عدم المشاركة في الاحترابات الداخلية التي قلما تهدأ نائرتها بين القبائل الطارقية,قبل الاستعمار الفرنسي  وساهمت هذه السياسة التي تنتهجها االمدرسة السوقية في صحراء أزواد, في توسيع دائرة نفوذ رجال العلم والدين فيها بين هذه القبائل نظرا لمكانة أهل الدين بينهم إضافة إلى عدم وجود ثارات وعداوات سابقة بين السوقيين وبين من حولهم من القبائل .


وكانت محافظتهم على السلم كما لايخفى نابعة عن التزامهم بتعاليم دينهم واستشعارهم للمسؤولية الملقاة على عواتقهم من قبل المجتمع الذي ينظر لهم على أنهم المثل العليا التي تمثل القدوة للجميع وكانواقد وجدوا أنفسهم أمام منطقة تموج في كثير من الأحيان بالفتن والغارات, فآثروا القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاضطلاع بدور المصلح الحامل لنبراس الهداية في ذلك الصقع من أرض الإسلام .
ولا ننسى أن مما  ساعدهم على الاحتفاظ بهذه السياسة ما يقوم به  سلاطين (إموشاغ) الذين يتولون زمام الأمور في صحراء أزواد, من توفير الحمايةلجميع من ينضوي تحت سلطتهم ولا سيما السوقيون الذين يمثلون السلطات الدينية ,فهم المدافعون المحامون عنهم في وجه الأخطار الداهمة, نظرا لمكانة العلماء والقضاة عندهم .
 وقد أفادتنا بعض المصادر التاريخيةفي المنطقة بأن ذلك التقسيم للأدوار كان نتيجة لاتفاق تاريخي أبرم بين سلاطين(إموشاغ) وعلماء السوقيين .


 وبعد ما بدأ (إموشاغ)يفقدون السيطرة على الأمور نتيجة للاستعمار الفرنسي الذي سجل أبناء قبائل الصحراء الأزوادية في مقاومته أرقى أنواع البطولات وحطموا فيه الرقم القياسي في معاني الشجاعة والصمود ورغم كل ذلك لم يسمح عدم تكافئ القوى لهم بالاستمرار  أكثر من ثلاثة عقود حافظ السوقيون على نفس  النهج  إلا أن وضعهم الأمني لم يزل في صحة واعتلال شأنهم في ذلك شأن غيرهم من القبائل في الصحراء الأزوادية .
مما سبق يتبين لنا أنه لم تكن السياسة غائبة في اهتمامات القادة الدينيين السوقيين, فلم يغيبوايوما من الأيام عما يجري بين الراعي والرعيةبل حرصواعلى إبداء موقفهم الديني البحت أمام زعماء الطوارق غير هيابين ولاوجلين, ولم يديروا ظهورهم لما يطرأ على المنطقة من أحداث, بل يكاد المنصف يجزم أن غالب ما وقع في تلك الحقب التاريخية, من اتفاقات ومعاهدات ومراسلات بين السلاطين وشته محابر وأقلام السوقيين وهذا ما جعل القضاة من السوقيين هم الأداة المعبرة عن سياسات الدولة الأمازيغية في الصحراء الطاريقية
والجدير بالذكر أن المعطيات التاريخية والوثائق التي بأيدينا سجلت اهتمام علماء السوقيين بمصير وطنهم قبل الاستعمار إلى وصول الزحف الفرنسي .
وكان لبعض النخب العلميةالسوقية مواقفهم الإصلاحية المشهودة المشهورة في كثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة, واحتفظت ذاكرة تاريخ الصحراء الأزوادية بممارسة هؤلاء العلماء دورهم الديني في الحفاظ على الروابط الودية وإن اقتضى الأمر أحيانا  عزل بعض السلاطين الذين لايتمتعون بالأهلية المطلوبة في إدارة شئون البلاد والعباد.
وأطلق علماء السوقيين مبادرات سياسية واجتماعية في هذا الاتجاه وأقنعوا زعماء (إيموشاغ)  لقبول هذه المبادرات ومن ذلك رسالةالشيخ هارون بن محمد الإدريسي السوقي إلى الإمام محمد بلو بن عثمان فودي يخطب فيها وده ويرسل إليه ببيعة علماء السوقيين له وكل هذا من أجل أن يكف عن غزو البلاد وإليك أبيات من قصيدته وهي:
إلى سيد سادت جدودته قبل       كذاك يسود بالجدود له النســـل
إلى الشيخ نجل الشيخ والعلم الذي  له اخضوضعت في عزها البيض  والكحل
حمدنا إليك الله جل جلالـه  بما اتضحت من نور مصباحك السبل
بعثت بهذي بيعة مستمـــرة      تقوم بما قامت به اليد والرجـــل
ولا يغيب عن الأذهان أن عالما من علماء السوقيين المشهورين هو الذي وفد على والي(إكدز)  االمنصب من قبل الخلافة العثمانيةلأخذ موافقته على تنصيب السلطان الأول لسلاطين       ( إموشاغ ) كاردنا بن أشود
وظل رجال العلم السوقيون على صلة بسلاطين (إموشاغ) بل هم همزة وصل بينهم وبين العامة في البلد, ولهم مواقف مع الظلمة منهم مشهورة ,لسنا بصدد ذكرها الآن وينبغي التنبيه إلى أن شكل السلطة في المجتمع الطارقي ينطلق في الغالب من واقع الغلبة والقوة فلم يكن هناك دستور موضوع ولامجالس ثابتة, إلا أن زعماء الطوارق في بداية الأمر يتمتعون بوازع ديني قوي مماسهل أمام قضاة السوقيين وعلمائهم أن يوزعوا السلطة إلى شقين اثنين سلطة تنفيذية للدفاع عن البلد أمام الأخطار وأخرى قضائية تتمتع بجميع الصلاحيات القضائية.


وهذه المعطيات تعطي دلالة على ما سبق من اهتمام علماء السوقيين بقضايا وطنهم ودفاعهم عنه.