طبقات أهل السوق

انتباه، الفتح في نافذة جديدة. PDFطباعةإرسال إلى صديق

طبقات أهل السوق:
رغم وحدة البلد واشتباك الأرحام بين السوقيين لكنهم في الحقيقة أبناء أخياف أعني من آباء شتى ولنفترض أن الأم واحدة وهي السوق أو تادمكة لهذا يصنفون في طبقات ثلاث:
الأولى :أصحاب السوق الأصليون ممن يعمره قبل الفتح الإسلامي وأصلهم من صنهاجة اللثام وقد ذكرهم الشيخ العتيق بن سعد الدين السوقي الإدريسي ونعتهم بنعوت جليلة كالسابقية في الإسلام والتمسك بتعاليمه ومثل لكثير من قبائلهم مع الإشارة إلى مناطقهم الجديدة.
الفئة الثانية .


من سلالة ناشري الإسلام ممن حملوا الدين إلى هذا البلد فخالطوهم وناكحوهم فتكونت منهم أمة إسلامية من بينها العلماء والأتقياء وطغت فيهم أخوة الإسلام على أخوة النسب الذي لم يولوه من الاهتمام أكثر من الحفاظ على أن أصولهم البعيدة راجعة إلى الصحابة دون الحفاظ أوكتابة الوسائط بين ذلك إلا في النادر,
فلاقيمة عندهم للمنافرات الجاهلية أو التعززات بالأنساب والأحساب فهونوا كل نسب أوسبب سوى سببه عليه الصلاة والسلام وبحسبهم ما يشملهم منه بعيدا عن تميمية أوعامرية,وقد ورد ذكر هذه الطبقة في رسائل ثلاثة من الأشراف ممن طرقوا المنطقة في الآونة الأخيرة منهم محمد بن الهادي السوقي الأدرعي في كتابه نصيحة الأمة في القرن الثالث عشر وسبقه إلى ذلك محمد بن محمد السوقي الإدريسي المعروف (إن البوش)في القرن الثاني عشر وفي القرن العاشر محمد بن عال السوقي الإدريسي فجاء في رسالة يخاطب فيها إسكيا"إسحاق"
اعلم أن السوقيين أصله لإمرون والسوق الذي ينسبون إليه بلد في (آضاغ) نزلته الصحابة في آخر غزواتهم فبنوا فيه مدنا عظيمة وجامعا ومصلى ومساجد وحفروا فيه آبارا كثيرة عدده أيقش يعني ألف ومائة وأحد عشر ونشروا فيه العلم وولدوا فيه فرجع من رجع وبقي كثير.. إلى أن قال: إن إمرون ذرية الصحابة بلاشك وخالهم عقبة المستجاب وقد ورثوا العلم والدين من آبائهم إلى اليوم والحمد لله تجد صبيا صغيرا منهم يغلب الكبار من غيرهم كحال أجدادهم من أهل الحجاز يحفظون فنون العلم كلها وما تغير دينهم منذ خلقهم الله تعالى إلى هذا اليوم بسبب من الأسباب وبذلك يعرفون في جميع البلاد وكل من شهد عند القاضي الأكبر الأستاذ النقي الذي لم ير مثله في بلادكم ولا في غيرها المجمع على علمه ودينه وعدالته صاحب تنبكتو محمود رحمه الله يطلب تزكيته إلا السوقيين فإنه قطع بأمانتهم وعدالتهم وقال : لا نطلب تزكيتهم وقد جربناهم فوجدنا أصلهم خالصا تابعين لأجدادهم في العلم والدين الخالص..إلخ ويبدو واضحا أنه يلفت هذا السلطان إلى مراعاة مميزاتهم الخاصة بهم من العلم وصفاء الدين والرجوع إلى أصول عربية.
(وإمرون )الذين وصفهم بهذا وذكر أن اسم السوقيين في الأصل إنما يطلق عليهم انقرضوا عن آخرهم ولم يبق لهم عقب اللهم إلا من جهة البنات.
الفئة الثالثة التي ورثت التسمية في القرون الأخيرة:
هذا هوالإطلاق الوصفي الأخير للقب السوقيين ويغلب على ذوي الأصول العربية من أشراف وأنصار وغيرهم ممن عرجوا على السوق في الفترات الأخيرة وإطلاقه على كثير منهم تعميم للوصف ربما للمشابهة أو لمناسبة ما كالخؤولة أو إمضاء فترة زمنية في نطاقه وإن قلت وهم من أشرنا إلى طروقهم أبوابه في أيامه الأخيرة معروفة أنسابهم وأصالتهم العربية وقد انتهت إليهم الرئاسة العلمية في تلك الربوع منذ القرن التاسع تاريخ وفود الشطر الثاني منهم ومن ذلك الاشتهار بالريادة العلمية في المنطقة و خصوا بحظوة عالية ومكانة متميزة عند سلاطين البلد فضلا عن سائر الطبقات فحكموا فيما سوى الشؤون الحربية من السياسات الدينية والدنيوية ولم يزالوا كذلك إلى أن دب الضعف والاختلال لسلطنة (إموشاغ) أعقاب حرب دامت عشرات السنين شارك فيها أغلب قبائلهم تحت رايات سلاطينهم وعلمائهم ضد المستعمر الفرنسي على أن نشاطهم الديني وإن تأثر بزوال السلطة التي أولتهم تلك المناصب لم يتوقف بل دأبوا في التعليم والإرشاد والإفتاء والوعظ مع أوضاع تتردى دائما إلى الأسوأ.
وقد أبقى  الله فيهم العلم والعمل وتناسلت منهم ذرية طيبة بعضها من بعض تنازعت ثدي المجد وتسابقت في المكرمات فلا غرو عمر الله بهم الإسلام من وإلى مدة خمسة قرون,وما غيروا ولا بدلوا ولا سئموا ولا ملوا بل هم كما قال بعض شعرائهم:
وإنا لأس للعلوم أساسها    أساة لثأي ساسة للمدارس 
ونحن براة لليراع رعاتها     وعاة لعهدها وعهد الكرارس
ونحن فروع من أصول تلقفت   فروع أصول من أصول حوارس
حوارس للمجد التليد وإنهم     هم الصيد إلا أنهم كالمقابس    
هم لقفونا النحو ثمت ثقفوا       خواطرنا قبل التياث الملابس
ولن تزال تجد في كتاباتهم الشعرية والنثرية الشدو بأصالتهم والحنين إلى بلادهم الأصلية والشعور بالغربة وإن طال بهم المقام بمهاجرهم كما قال بعضهم :
   ألم يك منشانا وممشى جدودنا
 بأم القرى نقري العدى بالترامس
فإذ أسلموا لله واستسلمواله                ونكست الأنصاب بين الكنائس
جمعنا جموعا واكتتبنا كتائبا            إلى الغرب بسلا لم تكن بالقناعس
فلما استكان الغرب للحق وارعوى     أقمنا عزين بين هاتي النسانس
ولأخرج من دائرة التعميم التي سادت ما قدمنا من المعلومات توضيحا لبعض الحقيقة وهي أن انتساب كثير من هؤلاء الأشراف والأنصار إلى السوق لاوجه له إلا على قاعدة العطف على المجاورة وليست من القواعد القطعية ولا الأغلبية.
ولقبوا نعتا على الجوار ما      رأيته كقول بعض القدما
كأن نسج العنكبوت المرمل    وفي بجاد بعده مزمـل
فهي ضرب من التجوز العقلي لعلاقة المجاورة والملابسة وإلا فالحقيقة أنها أسر مغربية إدريسية وأدرعية نزلت السوق أيام احتضاره ووداعه الأخير حدود القرن التاسع فانسحاب الوصف السوقي عليهم لما ذكرنا ولمعنى وصفي أشربه هذا اللقب لطول دورانه مع الشخصية العلمية الدينية وهو فعلا أبرز أوصاف هذه الأسر منذ طرقت الصحراء في التاريخ المشارإليه وينضاف إليه وصف ثان أشار إليه محمد المختار بن البكري السوقي الإدريسي من أعيانهم في القرن الحادي عشر الهجري في خطاب بعث به إلى أمير تنبكتو من باشاوات المغرب جاء فيه بعد التسليمات والتحيات (وبعد: فإني أنبهك على أنا وإن بعدنا عن تنبكتو وكنا في محاذاة كاو في صحرائها فلم ننزع أيدينا من طاعتك ولم نعد أنفسنا إلا من أهل تنبكتو لأنها موطن أسلافنا وأفيدك أيضا عن جماعتنا أنا شرفاء من أهل البيت النبوي وأن جدنا إبراهيم( بن سعيد بن المهدي بن عبد الله بن عبد الرحمن الشريف) الدغوغي المراكشي,وأن إقامتنا في هذه البلاد من أجل أن أمهاتنا وأخوالنا منها..) والرسالة كتبت في أواسط القرن الحادي عشر إبان فترة الحكم المغربي بتنبكتو وهذا الشريف يذكر لهذا القائدنسبهم وأن علاقتهم بتلك البلاد علاقة خؤولة وجوار وما زالوا ماسكين بأزمة أقلامهم إبعادا لما من شأنه أن يغطي حقيقتهم بحكم المجانسة والمجاورة .
تلك هي هجيراهم أنصارهم وشرفائهم كتابهم وشعرائهم وسجلهم الأدبي حافل بذلك هذا أحد شعرائهم القدامى يقول:
سائلن عنا الذي يعرفنا              بقرانا يوم تفسيرالكتب
أبنو عدنان أم من عجم            سيقولون هم هام العرب
أنحاس نحن أم من فضة         سيقولون هم عين الذهب
بلداء الوقت أم نقاده              سيقولون بهم قام الأدب
بخلاء الوقت أم أجواده         سيقولون بهم نجح الأرب
إلى أن قال:
بعضنا فهري جد والسوى خزرجي الجذر محمود الحسب
ويقولأحد شعرائهم إغلس بن محمد بن اليمان .
وآل (سوق) وإن عدت  قبائلهم    فإنها دون شـك يثربيـــات
فحرفة السوق مذكانوا بذاسلفت  وليس يوجدطباخ  وزيـــات
محقق لفنون العلم قاطبـــة        مشارك البعض  للطلاب   مشكاة يبدي لهم من خبايا العلم ماخفيت   له المسالك نفيه  وإثبـــات
ويقول أحد ثراثير بلغائهم محمود بن محمد الصالح السوقي الإدريسي.
إنا بنو يحيى بن ابراهيم   مــن       جد له إدريسنا     المغـــوار
شيخ المغاربة الذين سمعتمــوا        وأبو الرجال تجله الكفــار إنا بنو البطل ابن هاشم الـذي   هو صاحب الحملات والكرار
صهر النبي وسيف مولانا علـي         أعدائه الطعان والنحـــار
إلى أن قال :
ماكوننا غرباء في التكرور بالـ    موهي لنا حيث الرجال اكتاروا
ويقول شاعرهم المحمود بن يحيى السوقي الأنصاري.
لله قوم جدهم يعقـــــوب              وعصابة ينميهم  أيــوب
أصلان       للأنصار كل منهـم        بتواتر    متقادم  منســـوب
 ولكل فصل    منهما ذريـــة         حازت فضائل عدها المطلوب
 هم من هم     قوم أفاضل قادة    نبلاء   كل منهم   منــدوب
 ورثوا المفاخر    واقتفوواآباءهم   نصر وإيواء   هوى    مغلـوب
ويقول شاعرهم ومؤرخهم الحاج بن محمد أحمد السوقي الادرعي
سائلا عن أصلنا وهو جهــول          إننا مارابنا عنه   ذهـــــول
إننا من دوحة العز ومــــن        هامة العرب مـن أبناء البتــول
سادة الســادةأرباب الحجا     صفوة الصفوة من سبـط الرسول
وســواهم فتية من آل مــن   ن   صـروا المختـار فخر لا يزول
مـن بني الخزرج إخـوان الصفا   والوفـا فيهـم قديمـالا يحول
نصـروا أحمـد آوواصــحبه       نافـحوا عنه وعنهم من  يصول
زد على ذينك قـوما  شـاركوا       آل فـهر في اعتزكيف نجـــولهـم  مـــن عقبة جد  لهم            فاتـح الغرب جـبال وسهول
والقوافي شــاهـدات أننــا            عرب ننحتها كيف  نجـــول
ما اشتكى اللكـنة  فينا   مشتك      لا ولا عيا به  حين  يقـــول
إن تكـن في ريبة فاستفت مـن  ساجلونا في مجالات  العقـول
واسأل اللسـن من أرباب اللغى        هل رأوا من حدنا أدنى  فلول
أو رأوا من شمسـنا إذ بزغـت    فوق جو اللفظ والمعنى أفـول
قد ورثناها   وغذينا   بهـــا          وارتضعناها وكالأصل الفصول
ويقول أحد علمائهم عندما سئل عن أصله في الحجاز وهو أحمدا  بن عبدُ السوقي الإدريسي .
قالوامن أنت إلى أين المسيروماهذااللسان عرى من انتسابات
فقلت من ضئضئ العرباء من قدم      وللطوارق حكم       الاتصـالات
والأصل عدنان والإعراب يفصح بالـ    ـحق المبين بأوضح العبارا ت
تلك صور من تغني القوم بأصالتهم وتفاخرهم بها حتى إن الواحد منهم ربما يفتخر على ابن عمه في العشيرة الواحدة فاسمع إلى واحد منهم في مساجلة بينه وبين ابن عمه وهو محمد بن يوسف السوقي الإدريسي في مناطحة شعرية وقعت بينه وبين ابن عمه المرتضى بن محمد السوقي الإدريسي:
تفاخر بالتلقين والعرب نسبة     وما إن له بالعرب دوني الرفائع
وإني لمنمي إلى خير خيرة     وإني لا نذل ولا أنا راضــــــــع نمتني إلى الماحي الذي خضعت له عتاة وسبحت لديه اليرامع
ثقات أجلة هداة أهلة               أباة أدلة حماة سمادع
وآخر يقول لابن عمه من نفس الأسرة وهو الشيخ القاضي عيسى بن تحمد السوقي الإدريسي:
على أنا لدوحتنا اتحاد           كلانا عندها متلاقيان
كلا طرفي كلينا هاشمي       نماك إلى قريش من نماني
ولسنا قائلين إذا انتمينا         لو أنا من بني عبد المدان
وكثير غير ذلك ستقرأ وتجده بإذن الله في موقعك الجديد في مقالات حاشدة وبحوث طريفة نهديها للضيوف السادة والإخوة الكرام بكل حفاوة وطرافة.
وعذيرنا ممن يظن أننا نتناول هذا الموضوع بنرجسية, ونتكلم عن المجتمع السوقي على أنه مجتمع ملائكي لاتتناوله أدوات الاستثناء, ولاألوم من يتصورهذا لأن بعض من يكتبون اليوم عن قومهم ووطنهم, يتناولون المواضيع بهذه النرجسية,ونحن لانتبرأ من اعتزازنا بقومنا كلا, بل سوف يجد القارئ منا تماديا في هذا الحب وإصراراعلى هذه العاطفة الجياشة التي لاتكاد تجف حتى تستثارمن جديد, ولكن نفس الأبي تأبى له أن يتحدث عن نفسه بهذا أصلا والحق أننا اضطررنا إلى الكتابة في هذا الأمر لعدم وجود من يقوم بهذا غيرنا, ولأننا أقدر على استيفاء الكيل في التعريف بهم,وغيرنا لو تناولهم فلا يكاد ينجو من التطفيف.