شذرات اليراع السوقي.

الشذرات جمع شذرة والشَّذْرَةُ من الخَرَزِ يُفَصَّلُ بها النَّظْمُ واليراع نوع من الأقلام التي تتخذ من القصب, وقد عرفته هنا بسبب أن اليراع وإن بدأ يختفي في واقع الكتابة في هذا العصر إلا أن أنامل الأجداد, لم تكن تعرف غيره, ولم يكن يخطر ببالهم أن يأتي وقت تكون فيه رقصات الأنامل على (الكيبورد) يمكن أن تحل محل اليراع والدواة, ولعل ما يخفف من ذلك أن السواد مازال ينشر ألويته الخفاقة على بياض (الشاشة), تماما مثل ماكان من قبل فترى المؤشر يمر يمنة ويسرة وصعودا وهبوطا, وبقيت هذه التقططقة على لوحة المفاتيح, تذكرنا بصرير يراع الأجداد حين يسطون على الورق, فيجيدون العبارة, ويتقنون الصناعة, فتنساب أسلات أقلامهم بمجاج الحكم وأوابد الشعر, وصنوفات العلم, حتى أنصتت لحديثهم آذان الزمان, أما سمعت أحدهم وهو الشيخ العلامة الشاعر إغلس بن محمد حين قال:

حيثما كنت باريا لليراعة ومليقا للنون مجت براعة

يوقن الرق إذعلاه ذراعي == أنني مفلق أجيد الصناعة

وتأتي المفارقة كبيرة بين عصرنا عصر اللصق والقص والنسخ وعصرهم فهم قوم عندهم من العلم ما يكفيهم, ومن الطاعة مايوصلهم, ومن الإخلاص ما يدنيهم, ومن القصد مايبلغهم المراد, ويرشدهم إلى شواطئ السداد والرشاد, لاحرمنا الله وإياكم من أخلاقهم.
إخوتي الأعزاء سوف نكون على موعد مع أهم النقاشات العلمية التي دارت رحاها بين علماء السوقيين, ويستضيفنا على مائدته الشيخ محمد محمود الأرواني التمبكتي السوقي, في أسئلته إلى كل من الشيخ محمود بن محمد الصالح الجلالي السوقي, والشيخ إغلس بن محمد المرسي السوقي,وهذا الجهد أهديه إلى الجميع وخاصة الشيخ الغالي أداس بن محمد, ولناعودة وتحياتي لكم بلاحدود.

هلا والله وغلا بأدينا السوقي الخرجي ..وألف سهلا بهذه الطرح الأدبي الراقي .وبهذا التقديم الجميل المحلق في فضاء الإبداع .. لذالك الحراك العلمي والثقافي الذي كان يحتدم مابين فترة وأخرى بين شيوخ وعلماء المنطقة فقد سعدنا بموضوع الحج بالطائرة .
وها أنت ياشيخنا تتحفنا بموضوع وحراك آخر لتلك الكوكبة من علمائنا في القرن االرابع عشر وهو قرن ملئ بالأحداث شكرا شيخنا الكريم ما زال قلمك معطاء

هدية مقبولة أديبنا اﻷريب السوقي الخرجي ، أثابك الله عليها خيرا.
ونحن في اﻻنتظار على أحر من الرضف.
لك خالص الود والتحية.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا أوان الشروع فيما وعدت به الإخوة الأفاضل, وحيث إن الموضوع طويل وهو عبارة كتاب يصل إلى مأتي صفحة فإننا نختار بعض الأسئلة, ونأخذ قدرا بسيطا من المقدمة لأن الغرض لايتعلق بها.

وينقصنا هنا وجود أجوبة مشائخنا كاملة حيث إن الشيخ الأرواني يأخذمنها محل غرضه فقط ولايأتي بها كاملة.
يقول في مقدمة هذا الحوار العلمي الرصين.
قال فقير مولاه محمد محمود بن الشيخ سيدي ببكر بن القاضي .
( الحمد لله الذي علم بالقلم, علم الانسان مالم يعلم, بما اعلم له من مغمضات المسائل كل عَلم, ولم يجعل العلم في أزمان محصورا, ولافي بعض أهله مقصورا, بل أعطى لكل أحد بقدر ما يفهم, على ما كتب في الأزل وقسم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
فقد كنت رسمت أسئلة, على فنون شتى مشتملة, على وجه الامتحان, لبعض علماء الزمان, ودفعتها لبعض الأحباب, ليدفعها للمخصوص بها من أولي الألباب, فلماوقف عليها المسئول, تحير ولم يدر ما يقول, لأن من تخبط بغير منقول, كان ما يبدي كالفضول, غيرمعقول, ثم كان من الإرادة الربانية, والقدرة الصمدانية, أن بقيت نسخة المسائل, عند ذاك الحبيب الفاضل, أعني السيد المقصود, محمود بن حمود, حتى سافر إلى (غاوا) في بعض الاسفار, ولقى هنالك بعض العلماء الأخيار, من اخواننا أهل السوق, الذين جعلهم الله للعلوم أكبر سوق, فدفعها إليهم ليفتحوا له مغلقها, ويبينوا له مقيدها ومطلقها, لا أني قصدتهم تعيينا, حتى أفضي لهم عليها دينا, فأخذوها بقصد الجواب, وفتحها من كل باب, وكان من تقدم للجواب عنها وتصدى, وفي هوتها تردى, السيد السرسير, والعالم النحرير, المشهور بالتحرير, محمود بن محمد الصالح, ونابغة الزمان, ومبذ الأقران, محمد بن مَحمد بن اليمان, ...إلخ ومر إلى أن قال:
ثم إنهم بعد ما أجابوا, على زعمهم أنهم أصابوا, كتبوا لي أسئلة أنيقة, وأحاجى رشيقة, وغرائب دقيقة, ولطائف عريقة, مشتملة على لطائف صوفية, ونكت عقلية, وأسئلة فقهية , وأكثرها في العلوم العربية, من فرائد بيانية, ودرر نحوية, مما هو متعلق بالقرآن المبين, جامع علم الأولين والآخرين, حاوي جميع الشرائع, وشامل جميع البدائع, إلى أقال: فأوريت لها نار سهري,وعرضتها على محك نظري,وغصت بحور الأفكارومطارد الأنظار,بعدما أجريت حكم المسألة, على حديث النخلة,من جواز الامتحان بخلوص النية,والجواب عنه بصفاء الطوية.
المسألة الأولى:
أول ما أطالبك به سؤالك عن حقيقة أشياء لاتقبل على ظاهرها, منها ما جاء في صحيح الخبر كقوله عليه الصلاة والسلام, حاكيا عن الله تعالى (ما وسعني سماواتي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن, ومنها لايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصراوفؤادا ولسانا, فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش, ومنها أنا جليس من ذكرني إن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإخير منه, ومنها من تقرب مني شبرا تفربت منه ذراعا, ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا, ومن أتاني يمشي أتيته هرولة, ومنها ما جاء بلفظ العندية, نحو تجدني عند المنكسرة قلوبهم من أجلي, وبلفظ المعية كقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم, وبلفظ الاتحاد كقوله لعبده يوم القيامة ياابن آدم مرضتُ فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني, ومنها ماروي عنه عليه الصلاة والسلام لست كاحدكم أظل عند ربي يطعمني ويسقيني, وكقوله لي وقت لايسعني فيه غير ربي, فبين لي هذا بيانا شافيا, لايقبل بعده إشكالا).
قال الشيخ الأرواني فالجواب والله أعلم.
نعم أجيبك عنها جواباشافيا, وأنقل لك دليلا كافيا, ثم أنبهك أيها السيد الأغر, على خطئك في قولك منها ما جاء في صحيح الخبر, ثم أوردت حديث (ماوسعني..إلخ, وغيرذلك فأقول: إن هذه المسألة من المتشابه وعرفوا ما ورد من ذلك بآيات الصفات وحاديث الصفات, وجمهور أهل السنة وأهل الحديث على الايمان بها وتفويض معناها إلى الله تعالى, ولانفسرها مع تنزيهنا عن حقيقتها, وهذاهو مذهب السلف, ومذهب الخلف التأويل قال في جمع الجوامع مانصه: وماصح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر المعنى, وننزه عند سماع المشكل, ثم اختلف ايمتنا أنأول أم نفوض؟ منزهين مع اتفاقهم على أن جهلنا تفصيلها لايقدح إهـ, من جمع الجوامع.
وأما الحديث الذي قلت فيه ماورد في صحيح الخبر فقال السيوطي في الدررالمنتثرة لاأصل له وسئل الهيثمي في الفتاوى الحديثية عنه فقال لاأصل له, وقال الزكشي هو حديث باطل.
وأما حديث لايزال عبدي يتقرب ..إلخ فأجيب عنه بأجوبة.
1- أنه على سبيل التمثيل, والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاري فهو يحب طاعتي ويوثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
2- أن كليته مشغولة بي فلايصغي بسمعه إلا مايرضيني ولايرى ببصره إلاماأمرته به ولايبطش بيده إلا فيمايحل له,ولايسعى برجله إلا في طاعتي.
3- أن المعنى أجعل له مقاصده كأنه يراها بسمعه وبصره.
4- كنت له في النصرة كسمعه وبصره ورجله في المعاونة على عدوه .
5- أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلاما يحل سماعه وحافظ بصره كذلك.
6- أن يكون سمعه بمعنى مسموعه لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثلا (فلان أملي) يعني مأمولي, والمعنى أنه لايسمع الاذكري..إلخ.
وسبيلي أيها الإخوة في هذه الأسئلة الاختصار وعدم نقل الأمور التي أرى أنها تخالف منهجنا في الموقع, وسنكون على موعد قريب ببقية الأجوبة فهي ممتعة جداجدا.

المسألة الثانية.
قال السائل: ثم بعد معاينتك هذ الاحاديث, وكشف الحجاب عن غامضها فدونك أحاجي تتشعب في كل شعب, منها:
هل يلزم من عدم الدليل عدم المدلول؟.
الجواب والله سبحانه أعلم:
أنه لايلزم من عدم الدليل عدم المدلول, وهذا كثيرا ما يذكرونه في النوازل والشروح وغيرهم, وقال السبكي في جمع الجوامع ممزوجا بشرحه المحلي في مبحث قوادح العلة في الكلام على العكس مانصه:ونعني بانتفائه أي انتفاء الحكم في قولنا المتقدم انتفاء الحكم لاانتفاء العلة,انتفاء العلم او الظن به لانتفاءه في نفسه اذلايلزم من عدم الدليل الذي من جملة العلة, عدم المدلول للقطع بأن الله تعالى لو لم يخلق العالم الدال على وجوده , لم ينتف وجوده وإنما ينفي العلم به.
وكذا في حلولووغيره.
ولايخفى أن هذا النص هو عين المسألة بلا تخمين ولاريب, ونزيدك نصوصا قال السيوطي:
والعكس حده انتفاء الحكم=== لنفيها اعني انتفاء العلم
اذعدم ادليل ليس يلزم === منه لما دل عليه العدم
المسألة الثالثة.
قال السائل: أويلزم من عدم وجدان الدليل انتفاؤه؟.
الجواب: مذهب الأكثرأنه لايلزم من عدم وجدان الدليل انتفاء الحكم, وهذا منصوص في احلولو والمحلي وشروح الكوكب الساطع, وغير واحد من كتب الأصول, قال في جمع الجوامع ممزوجا بشرحه للمحلي مانصه: وكذا يدخل فيه انتفاء الحكم لانتفاء مدركه -أي الذي به يدرك- وهو الدليل بأن لم يجده المجتهد بعد الفحص الشديد فعدم وجدانه المظنون به انتفاؤه دليل على انتفاء الحكم, خلافا لأكثر قالوا: لايلزم من عدم وجدان الدليل انتفاؤه انتهى منه بلفظه.
يبدوأن الوجبة دسمة ولكننا سوف نحمض فهناك فوائد نحوية وبلاغية قادمة إن شاء الله تعالى.

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السوقي الخرجي

فأقول: إن هذه المسألة من المتشابه وعرفوا ما ورد من ذلك بآيات الصفات وحاديث الصفات, وجمهور أهل السنة وأهل الحديث على الايمان بها وتفويض معناها إلى الله تعالى, ولانفسرها مع تنزيهنا عن حقيقتها, وهذاهو مذهب السلف, ومذهب الخلف التأويل قال في جمع الجوامع مانصه: وماصح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر المعنى, وننزه عند سماع المشكل, ثم اختلف ايمتنا أنأول أم نفوض؟ منزهين مع اتفاقهم على أن جهلنا تفصيلها لايقدح إهـ, من جمع الجوامع.

.

شكرا للأديب/ الخرجي على إنزاله علينا مائدة من تراث رفيع، ونقله بأمانة كبيرة، حيث لم يهتم بهمسات تصحيحية كما اليعقوبي المدقق، وهذا لا يعد مأخذا على الأديب الخرجي، بل عليه أن ينقل فقط.
اما ما أرجوه من فضيلته أن يلخص الرحلة إلى وسط بحر الأسئلة، الصافي من اكدار العلة والمعلول، وتفويض الأشاعرة، وإثبات المثبتين، .........إلخ. وكله كلام لا نهاية له... لم لا وهو من معين الفلسفة.
أقول هذا إذا لم يعزم أديبنا على نقل التساؤلات كلها، ولا إخاله فاعلا. للوقت، وللطول، ولأنه فيما أعتقد يضن بنشر هذا الكنز لأول مرة بهذه الطريقة، طريقة نشر المقالات العادية.
فأن يختطف أهم الفوائد الثمينة في الوسط والأخير ربما يكون أفضل. حيث = الأصول، والفقه، والتفسير، والنحو، والبلاغة =
وتقبلوا مروري. تحياتي

أشكر الأخ اليعقوبي على إثرائه للموضوع وبيانه المواضيع التي يمكن أن لايتفطن اليها من لا يعرف مصطلحات الاشاعرة, وأرجو منه مشكورا أن يستمر في بيان ما في هذه الاسئلة من الوهم والايهام.

وأشكر الحبيب الحسنى وأبشره أنني سأستنير برأيه في تلخيص الاسئلة ما أمكن.

بوركت خالي وجزيت خيرا على الشذرات الذهبية ورحم الله أولئك الأعلام رحمة واسعة وأحسن الله إليهم
كما لا أنسى أن أشكر نافعا شكرا جزيلا لتنبيهه على المسألة العقدية الخطيرة بورك من أخ شفوق وشيخ كريم محب لإخوانه
بوركتم جميعا ووفقتم
معذرة لم أر الموضوع إلا اليوم لذلك تأخر الرد وهذا من حسنات رفع المواضيع القديمة