التزام الطريقة الجاهلية في المقدمات الطللية

انتباه، الفتح في نافذة جديدة. PDFطباعةإرسال إلى صديق

التزام الطريقة الجاهلية في المقدمات الطللية.
إن من يستنطق أشعار السوقيين سيجد بكثرة هذا النوع من الشعر الذي التزم فيه أصحابه المنهج الجاهلي التزاما يصل إلى حد المغالاة وصار ذلك عندهم واجبا لابد أن تطعم به القصائد ويضمخ به هيكل الشعر, اعتقادا منهم أن تلـك الطلليات هي بمثابة همزة وصل بين شعرهم والشعر العربي العتيق, حتى إنهم استعملوا النسيب سواء في القصائد الـتي الغرض منها التعبيرعن عاطفة الحب الخالص, وصادق الغرام, أوالتي كان النسيب فيها مجرد مقدمة وتمهيد إلى موضوع القصيدة, وليس تعبيرا شعوريا صادقا.
 ويستوقفنا موضوع له أهميته  عند تناول الغزل  حيث إن الغالبية من الأدباء والشعراء قد يستعملون  النسيب فـي بعض قصائد هم بدافع الإيمان بالطريقة التقليدية المتبعة, لدى لفيف من الشعراء  المولدين ومن أتى بعدهم , وهي وضع  مقدمة غزلية بين  يدي  الموضوع الذي قيلت من أجله القصيدة , وليس شعراؤنا بدعا من غيرهم , فهناك من فطاحلة الشعراء من يرى نفس الرأي  ولم يشذ عنه غيــر الشاعر أبي نواس والذي رأى ضرورة التحرر من القيود التي تحمل شعار التقليد المحض للأسلوب  الجاهلي داعيـاإلى الرجوع إلى الطبع واستبدال وصف الأطلال بما يمليه على الشاعر حسه المباشر قائلا:
صفة الطلول       بلاغة القدم                  فاجعل صفاتك لابنة الكرم
تصف الطلول على السماع بها                 أفذو العيان كأنت في الحكم
وإذا وصفت ....     متبعــا                           لم تخل من خطأ ومن وهـم
     ويرى ابن رشيق أن الواجب تجنب التقليد لاسيما إذا كان الممدوح في بلد المادح ويراه في أكثر أوقاته , فما أقبح ذكر الفلاة والناقة حينئذ ( ).
     وقد وجدت هذه الدعوة آذانا صاغية لدى الغالبية الساحقة من الكتاب والنقاد في هذا العصر, ويصمـون هذه الطريقة القديمة التي يحشر فيها الغزل والمدح والفخر في قصيدة واحدة  بعدم صدق عاطفة قائلها , وعـدم الوحدة العضوية والموضوعية في شعره ولاشك أن الأدب السوقي ما هو إلا صورة طبق أصلية للنموذج الجاهلي القديم , ولكنهم مع ذلك  لهم تميز في صدق عاطفتهم العقدية  بعيدين عن الطابع العام في العصر الجاهلي, والذي طغى فيه طلب المتعة, ومرضاة الشباب  وإشباع اللذات الحياتية , في عهد الصبا وكانوا أيضا بعيدين عن الأوصاف المادية المغرية والخلـوات المريبة والمغامرات الغرامية التي ولع بها امرؤ القيس وغيره من الشعراء.
يعد الغزل عند الشعراء السوقيين معبرا وليس هدفا لذاته ويعود فضل ذلك إلى التميز الديني, والذي لا يرضى بتلك التجاوزات الخطيرة على حساب الدين والخلق الإسلامي النقي فحالهم أشبه بحال الشاعر الأندلسي القائل:
كَذَاكَ الرَّوْضُ مَا فيهِ لمِثْلِي ... سِوَى نَظَرٍ وشَمٍّ مِنْ مَتَاعِ
وَلَسْتُ مِنَ السَّوَائِمِ مُهْمَلاَتٍ ... فأَتَّخِذَ الرِّيّاضَ مِنْ المَرَاعِي
واختاروا لشعرهم أن يكون برزخا بين اللفظ الجاهلي الغليظ الجزل وبين الأسلوب الإسلامي السهل .
 يقول الشيخ الشاعر عبد القادر بن محمدالصالح الكنتي السوقي ضمن قصيدة إخوانية أرسلها إلى ابن عمه الشيخ الفتى بن محمد أحمد الكنتي:
                ظبي   أقام الحسن     في   أمــاته        ما جازه    إلا إلى     عمـــاته
                فانشقت الأصداف  أصداف   البها      عنه   فضاع الدر   بعد    نشـاته
                ماإن  ترى خمرا  كخمر  رضابــه        كلا     ولا تمرا    كتمر  لثــاته
                سيان  دري  العقود    وثغـــره         في النظم    لافي    كل   ماهيـاته
                كالغصن قد ا   كالغزال        تلفتا   كالبرق    في الظلماء  في بسماته
                 السحر من كلماته  والعود    مـن   نغماته    والمسك   من    نفحـاته                                            
                والقوس من نوناته   والليــل من  حدقاته    والحور   من     أخـواته
                 يصميك   قبل الرمي  إلا أنـــه       بلحاظه       يصميك    لا بقنـاته
                 فاعجب له يدمي  القلوب  ولم يكن   إدماؤه  الأجساد     من آفـاته
                 يسطو على روحي على   كلفي  به  روحي   الفداء   لروحه     ولذاته
                 فصريع كاسات الغرام     حياتـه         كمماته       ومماته       كحياتــه
وما دام نطوف على ساحات الغزل السوقي فإلى الحديقة الوديقة للأديب الشاعر الشيخ محمد الحاج بن محمد أحمد الادرعي السوقي وهي من إحدى بحابيح الواحة الغزلية السوقية أطلت علينا رائية وهي من عيون الشعر وهي:
           لمعناك في فكري ومغناك في  صدري وسر هواك في الجوانح   كالجـمر
           قضى لي قاضي الوجد    أني متيـم   فللغرب إرسال   الغروب إلى النحر
            وللب تشتيت       ولم يبق غيرمـا      يميز بينها  وبيـن مهـا  القفـــــــــــــــر
            على مثلها يبكي _وإن ليم عاشق   ولوكان  قلبه أصم  مـن  الصخر
            فليلات وصلها على الدهر فضلت   كما فضلت عن شهرها  ليلة القدر
            وما الصبر إن حاولته    بعد  فرقتي   لمربعها إلا أمر    من  الصبـــر
            مهاة لها جيد المهاة   وحا جــب     كنون وفوق نونه  غرة  البــد ر
            وطرف سقيم كالسنان  لعــاشق         له فتكات    كالهزبرأبي أجـــر
            وفرع أثيث فاحم  مترا ســـل      كأن الدجى تكسوه   برداإلى الفجر
             وثغرشتيت  أشنب إن  لمحتـــه    حسبت وميض البرق من ذلك الثغر
             وماالشهد إلا ريقة من   لثاتــها       وما المسك إلا من معاطسها  يجري
             ممنعة يسري إلي     خيالهــــا          ولو قدرت تعوقه لم يكد  يسـري
             تبدت لنا  يوم الوداع      فأبرزت  بنانا خضيبا من دم القلب والسَّحر
             فقلت لها  ماذا الخضاب  الذي  بها   فقالت دم من عاشق لي فـي  أسر
             فقلت لها      أنا العشوق   دواءه     لديك فقالت لي أداويه   بـالهجر
           فقلت لها إذن     فِديه    فمـوتـه    شهيد هوى أشهى إليه من   الخمـر            
          فقالت وهل أرضى من العشق ربية  وماالغدر في دين الصبابة من دهر أي من عادتي
          فقلت لها متى اللقاء؟    فأعرضـت        دلا لا وقالت لا ولكن إلى  الحشـر
ومن ذلك قصيدة للشاعر المفلق محمد بن يوسف  الإدريسي يقول فيها:
  رام جهلا يطفي بصــب الصبابة                زند وجد تذكيه  كــف  الصبابه
 فاستطار واهتاج ما قــد  توارى                 في حشاه  حاشاه يطــفي   التهابه
أورثته سقيمــة الطرف   سقما                    أودعتـــــــــــــه إذ ودعــته    الكــآبه
ذات دل تريك صبـــح جبين                    متلال من تحت  ليـــــل  الذؤابـــه
إلى قوله:
تلك نعمى ولت فألوت     برخص          أوجب البث    أن لمحت     خضابه
تتهادى      كالبدر مابين      بيض           كالداري تحكي انسياق     السحابه
يتسامى من خلفها   دعص    رمل             تتشكى  عند النهوض      انجذابـه
علمت من لحاظها السحر     هارو              ت وماروت   والسهام      الإصابه
المـــــــــــدح
يعد المدح من أوسع ميادين الأغراض الشعرية, فقلما تجد شاعرا إلا وقد ضرب فيه بسهم, واتصل بالمدح بسبب سواء في المجال التكسبي, أوفي المجالات الأخرى.
  ومما لاشك فيه أن المدح اتسع نطاقه بشكل أكبر عند شعراء الإسلام أكثر من شعراء الجاهلية,لأن الإسلام جمع بين الصفات التي استعملها الجاهليون, ومدحوا بها, إلى صفات أخرى انبثقت من الإسلام نفسه دعا إليها القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة,التي بعث صاحبها عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق .
قال الشيخ محمود بن محمد الصالح الإدريسي السوقي في قصيدة إخوانية أجاب بها الشيخ العلامـة المحمود بن الشيخ حماد الإدريسي السوقي رحم الله الجميع ومطلعها:
يا أيها الشادن المرهوب  سادنـه         أستودع الله قصرا أنت     سانده
إني لفي شغل عما تزود  نـــا                من الحديث بما صحت     أسانده
وافت أناشدمن بدرالكمال سبت        قسرا فؤادي عما أنت   ناشـده
وافت أغارده كالزهر   باسمــة              إلي فانبث في قلبي   مواجــده
وبعد أبيات في مدح قصيدة الممدوح وهي محل الشاهد.
من لا أسميه إجلالا فإن    نسقت            أوصافه نم    باسمه  محـــامده
الجود والمجد والإنصاف إخوتـه           والبر والبذل   والإحسان  والده 
والحلم مذهبه والعلم  مطلبـــه                والوجد سائقه    والزهد  قـائده
والدرس والسرد للآثار   صيدتـه               إذا اعتنى باصطياد المال صائده
ومن يكن جمعه الأموال  عادتــه            فالفرق   والفقر للمولى   عوائده
أغر أبيض   مطبوع على كــرم                 مقبل في الندى   واليأس ساعده
كأن بدر الدجى أنوار  غرتـــه                  إذا امتطى مجلس التدريس عاقده
يجلو العويص بتحقيق  يدققـــه                 فكر تبين دعواه     شـواهـده
فمن رأى هذه الدعوى  مجــردة             عن البيان       فهذه قصــائده
قد عربت عجماوأعجمت  عربـا                 بل أفحمت  فزهير الشعرحاسده
أفكاره النحل  لما تعد إن  جرست           أزاهر القول   منحاشا   أوابـده
لتستحيل شرابا طيبا   غدقـــا                      من صدره صيبا تشفي    عصائده
فما سقى عسلا من لفظه   عَلـلا                 إلا شفى عٍٍِللا في الحال   بـارده
واها له باردا   من نار   فطنتــه                 يحمى ليصفو   بالتذويب   جامده
فاعجب لصدرحواهاثم  مااحترقت         له البواني   ولم يلفح    مقـاعده
وهذه قطعة من شعر الشيخ المحمود  الذي يجيب عنه قال بعد تغزل طويل ونزيه وهي
فإن وفدت إلى (محمود)     ملتجئا            فنعم ملجأ من ضاقت مقـاصده
يكسو الأرامل     ديباجا  وشانئه                 بردا من الدم حد  السيف سارده
 وما جد صعدت في الجو     رتبته              فكيف يلحقها غِـر   يماجــــــــد ه
تشقى بكفيه بدرات اللجين   ولا                يشقى معاشره ولا   مقـاعـــــــــده
لايأمن المال مكره   ويأمنـــه                      في الناس آمله ومن  يعاضــــده
لم يمتلئ منذ كان العلم    دينتـه               غيظا وتملأ دائما   موائــــــــــده
تلك الفتوة لاغمر  عشـائـره                         عشاره وجدوده    عساجـــــــده
علامة لم تكن في العلم    آبـدة                 إلاوابدها  في الفخ   صــائــــده
عبد الإله فإ ن    أشبعت أولـه                     وفهت بالباء     مكسورا  فعابده
مازال يسجد بالليل البهيم    إلى               أن أدميت من سجوده  مساجده
سيماه يعلق فيه الشهد     معتلق                 به ويمتص   فيه الصاب حاسـده
ثم يحضر جواد فكره الثاقب في معمعان معان جميلة, اكتست بحق ملاحف البيان, وسحبت ذيل النسيان على سحبان في وصف قصيدة مساجله محمود فقال:
ورم رمة أفراخي       بقـافيـة                           من كل ماملكت  فيها   مقاصده
وافت على ضامر من القراطس لا                  يعيى وإن جد في  التسيارقائده
ترى القلام تعله  وتنهلــــه                               من المداد بلا   ظمئ     يكـا بده
موشية لورآى  الراعي    محاسنها                  لاحتار واختار أن تمحى    قصائده
فاللفظ سهل  ولكن   يستكن  به                   شنخوب معنى حديد الفهم صاعده
واها لها فلقد  داوى   مضمنهـا                      موصول داء ،ضميرالوجد   عائده
وهنا نعود فنقول :
إن المدح عند شعرائء وأدباء السوقيين لم يتحرر من قيود محاكاة القدماء من الشعراء ولم يقــدروا على أن يضربوا معاني المدح في قوالبهم الخاصة , وبالتالي لم تتبين شخصيتهم فيه, وظلت الأوصاف والمعانـي هي نفسها التي استعملت في شعر الأولين, ولكن يبقى تأكيد ماسبق طرحه في غير ما مناسبة أن  التيار الإسلامـي هو الذي يهيمن على أوصاف المدح لدى شعرائنا, وبلغ من قوة هذا التيار أن الأسماء يجرون فيها عملية اشتقاقية تنطلق منها روافد أوصاف تصب في نفس الإتجاه ولاأصدق في ذلك من قول المحمود في ممدوحه محمو د:
عبدالإله فإن أشبعت أولـــه                   وفهت (بالباء) مكسورا  فعابـده
ويدلنا هذا بجلاء إلى قضية أخرى وهي أن المدح لدى أدبائنا له طابع ألا وهو الوصف الديني فهو صاحب صـدارة ومكانـة لاتخفى.
ومفردات هذا القاموس هو نفسه الذي استعمله الأديب الشاعر المرتضى بن محمد الإدريسي السوقي في قصيدته الفائية التي ساجل بها محمد بـن يوسف الإدريسي السوقي فقال:
نبهه بالضيفان     إن    عاجوا  به         فإذافعلت   فشأنه    والشــارفا
كرم على كرم     وحسبك  بامرء         أن لايجمم  تالدا     أوطارفـــا
آراءه بصر العقول      وسعيـه                يذر الرجا   المأمول   نيلا   آزفـا
        وإذا احتبى بين     الأماثل  خلته          بدرا سوى   أن لايكون   الكاسفا
وإذا ذكت    نار المرا   ألفيتـه             طلق المحيا    ساكتا     لاحـالفـا
سن الغلام  وسيرة   الزهاد    في         ضبط   ينازعه الكبير      الدالفـا
فهو   الذي أحيى الليالي   ساهرا       من خشية المولى     فأصبح واقفا
أو راكعا    أوساجدا     أوداعيا           وخلال  ذاك الدمع    يجري ذارفا
الله يعلم      للسيادة    والنهـى           والحزم  والفهم السليم     مصارفا
أنبِأته فهِما        فلما  جئتــه                 صادفته   البحر   الخضم  الراجفا
العالم    الفطن الذكي   العابد ال      ورع  التقي  الفاطمي       العارفا
ولاشك أن هذه الأوصاف ليست من أجل الاستهلاك المجرد كلا فقد أريد لها أن تضفي بعدا دينيا  لهذا المدح  فهو يعرف من يصفه, ويعرف من يقرؤون له, مما يعني أنه يعتقد جازما أن مدح المؤمن الحق هو التحلي بهذه الخلال التـي وصف بها قرينه محمد وما يضره مافات بعد أن تكون هذه الأوصاف حاضرة, ولا ينفع ماسواها لو كانت هي الغائبة.
وقال الشاعر محمد بن يوسف الإدريسي السوقي يمدح الشاعر إغلس بن محمد بن اليماني  الإدريسي السوقي ضمن قصيدته التي وجهها إليه تجاوبا مع النصيحة التي واجه بها الشباب السوقي في قصيدته  :
فقالت نماني   ابن اليماني ومن تطب      مغارسه     يطب      بطيب المغارس
فتى كلما قرت     على الرق  كفه                 أقر له     بالرق      كل      ممارس
وإن شاء إنشاء     القوافي شئى بها               بمضمار سبق    كل قرن      منافس
أو استبقت فرسان علم      بلاغة                    بميدانها    استتلى بها كل  فارس
إذا ما تحرى القول يوما     فثق به              ولا تبحثن   عما تحرى    ابن عابس
لقد أنشأت في راحتيه       فردهما                سحائب عشر كم جلت بؤس بائس
يسح بتا   قطر الندى  وبتا الردى                 على الود والضدالمعادي المغامس
هما فاعتبر كاسميهما    فادر ما هما            إذا اغبرت   الآفاق   في فصل مارس
لئن دل عن رشد   وحض محرضا               على الدرس والتدريس غير  مدالس
أو أيقظ من وسناة   غفوة    غفلة                 بوعظ بليغ   كل وسنان      ناعس
فلا غرو فهو البدر  والجهل حندس            وفي البدر     تما جلوة      للحنادس
ونقتطع من بعض قصائد محمد بن يوسف الإدريسي السوقي التي وجهها إلى الشيخ محمد الحاج بن محمد أحمد الأدرعي السوقي والتي تعد آخر المساجلة الشعرية التي جرت بينهما ما يتعلق بالمدح حيث تخلص من المقدمة الغزلية ووصف النوق فقال بعد التخلص :
     بدر يحت بدورا يوم        مسألة         حتا لمسكنة       بالطول    مهمومه
     وللأراجل يستغلي         مراجله          سودا مكتكتة    بالكتر    موكومه
      بطين شأو بعيد الشأو    ليس له          صوغ وصيغته    ليست    بمذمومه
     يستنتج الشذر ذهنا  غير معتقم           يوما إذا اعتاصت الأذهان  معقومه
     إذا استقاءت مزابرا       شناتره          قاءت له فقرا في الرق      منظومه
     يزبرج الوشي إنشاء     بعارضة           في النسج    ماهرة ليست بمسئومه
     ما اسود كاغده إلا   استضاء  بما        عنه انطوى شذرا   بالمسك مرسومه
      فكم له من   نفاثات      منعثلة            عن صوغ أمثالها الصغاة   مشكومه
      وكم له من سبائك       مرصعة           مسموطة في سلوك الذهن   مرمومه
     وكم توشت على منوال  عارضة        له الملاوى      يد التمعين   مرقومه
     وكم ترست إلى أن أدهشت وغدت   رجلاه في أخريات الليل   موصومه
     وكم أكب لحر الوجه    مبتهلا             لله مستعبرا    عيناه        كالديمه
     يدعو ويأمل عفو الله     منتصبا            في كل داجية   دجياء      مظلومه
     أناله ربه ذكرا          مداركه               تعيي ذوي همم   بالحزم     محزومه
    أناله حائك حوكا         يحبره            من نسج فك  بديع الوشي موسومه
ومن نماذج المدح ماقاله الشاعر إنباكوا بن أمية  الأنصاري  السوقي قالها في الثناء  على امرأة من الطوارق , قامت مقام الرجال في حسن الضيافة , وضربت في  الكرم  أروع الأمثال , فأثارت سحابة فكر شاعرنا فسحت قريحتـه بودق من المعاني ينساب الجمال من خلالها,ويخيم الثناء تحت  ظلالها ويقال إن تلك الدرة المصونة, واللؤلؤة المكنونة لما وصل إليها ركب الشيخ عمدت إلى ناقة لها فنحرتها, وبأعمدة خيمتها فشبت  بها النار , حبا في الكمال وخوف العار,واليك الأبيات وهي:
        جرى من بنت أحمد (دوش )صنع        تقاصر دونه همم الر   جـــال
               أرت من نفسها عجبا  عجـابـا             يدل على المروءة   والكمــال
               أتينا حيها ليلا فقـــالــت                   حياة  الحي  في نحر  الجمــال
               فساقت ناقة عُشَرا    وشـدت                 قوائمها بأطراف   الحبـــال
               فأنفذت المقاتل   وهي ترنــو             لمصرعها ولكن لا   تبالــــــي
               فما لبثت لنا   أن قدمتــهـا                   بواد من وقود النار  خــــــال
               فتاه الركب في عجب وشكـر              لآيات جرت  في ضيق  حـال
              إذا ماشام برق المجد شخــص             تحمل  ضاحكا  بيض الجبـال
              وإن كرمت طباع المرء   كادت            صنائعه تعد   من المحـــــــال
              وينظر روحه لحياة أخـــرى                    ويسخو  بالمطافل والمتــــال
              فتلك خلائق منعت  لبـعـض                   وتعطاهن  ربات الحجــــــال
             وتلك كريمة الأتواج    ( هتـو)                مجددة المكارم  والمعـــال
ويدور في هذا الفلك قصيدة أرسلها الشاعر محمد إغلس إلى بعض  نساء حيه والتـي لامته على عدم  ذكره لها في شعره علما  بأن شعره كان  على كل لسان  ويبدو أن السوقيات شأنهن في ذلك شأن غيرهن من نساء العرب في اعتزازهن وافتخارهن بنبوغ شاعـر القبيلة  لأنه هو  المحامي في المستقبل عن كرامتهن  وهو الذي  يخلد أمجاد  القبيلة عبر شعره فهذا  معـروف مألوف, وقصيدته هي:
 هذي  منازل نعم    لب  لداتها                      فاصبب هتون الدمع في عرصاتها
 فلعل إرسال الدموع يريح            من شررتشم توى على لفحاتهـا                                  وأجب حمائمها    ولاتعبأ  بمـن                    عذلوا وأنعم في ذرى  هضباتهـا           لولا مخافة أن يقال   مجنن                              لأجبت في جناتها  هاجــاتهــا
مغنى عروب أعربت     بسماتها                          عن سرها المكنون في بسماتها
مااستقبست في   دهم    الدجى                       بمثال مااستقبست من   وجناتها
أنبا الجمال وكان وثقه    الروى                        أن الملاحة من مزيد  صفاتهـــا
(سوقية) نشئا   ولكن    طينــة                            (قرشية) ظهرت ذرى  طبقاتهـــــــا
             ماشابها عرق تشابه     بعدهــا            لكن لباب  سراتها    لسراتهـــــــــــا
  أنبوش جرثوم المناقب  جذلها       شيخ  الأباطح  من حماة  حماتهـا    
  من والد الحسنين ينبوع    الهدى    من لاتنازعه  كماة    كماتهــــــــــا 
ثم ذكر أن مالها من الحرمات  لايحفظه لها غير البلد الحرام  الذي  هاجرت إليه مع مراعاته  المحسنات  البديعية  بشكل لافت.
           خطفتها مغناطيس عليا   فانتحت        حرمات مكة    لا تقا    حرماتها
           أفضت بها من بعد ما عرفت  هنا       عُرفاتها  (لمنى )    إلى     عَرفاتهـا
           لابدع  أن تثوى  بمكة  أو  ترى       حولا لطيبة        تجتني    بركاتها
           منها مهاجرها لها في  حجر مـن        خضت لسطوته    أباة    أباتهـا
           ياوجهة إن لم أمت    كلفتـهـا            إبلي أواهلك   ناهجا     نهجاتها
           إن لم يكن بدني مزيد سوادها    فسواد قلبي في حمى      حوماتها
شعر الحكمة عندهم.
ومن الملاحظ أيضا في شعرهم ضآلة شعر الحكمة إذا قسناها بالفخر أو المدح مثلا, وإن وجدت ففي شعر الرثاء, فهو الذي نشهد فيه للحكمة حضورا مميزا, ونراهم يطرقون أساليب في الرثاء تتجلى فيها الحكمة, بوضوح, أما ما سواه من الأغراض الأخرى ,فتمر علينا الحكمة مبثوثة في ثنايا القصيدة بأسلوب غير منتظم, لم تأخذ فيه الحكمة حيزا طبيعيا, ولم تتبوأ مكانتها المرجوة من شعر غريق في تقليد الجاهليين ,عريق في البداوة, ومعلوم أن الشعراء الجاهليين لا يخلو شعرهم من الحكمة بل يندر وجود قصيدة واحدة من قصائدهم,إلا وتجد فيها حضورا للحكمة,وما شعر زهير عنا ببعيد .
     وبستثنى من ذلك بعض الشعر الذي يحمل طابعا وعظيا,أو الذي يأتي لغرض العبرة وغالبا ما نرى هذا النوع في الرثاء كما سبق إيضاحه, ولعلي أتناول ذلك بصورة أوضح عند الكلام عن الرثاء.