مظاهر اهتمام السوقيين بالأدب العربي
الكاتب مجلس الإدارة الخميس, 12 مارس 2009 16:25
1- مظاهر اهتمام السوقيين بالأدب العربي:
ليس الكلام عن الحركة الأدبية في المدارس السوقية بمعزل عن الكلام عن المناهج التعليمية, التـي سوف نتحدث عنها في وقت لاحق, بل هو فرع من ذاك الأصل والأدب لدى المدارس السوقية يتمتع بنصاب كبير من المواد التعليمية, وهذا ما جعل المكتبة الأدبية السوقية تحتفظ بموروث ضخم من الأثارة الأدبية التي لم تكن غائبة في فترة من فترات تأريخ هذه المدارس, وهي إذ لاتخلو منها فلا يعني ذلك كون الفترات السابقة تتمتع بالضرورة بنفس الحجم الذي بين أيدينا اليوم , أو مزدهرة في كل وقت وآن , بل لانستبعد وجود عوامل ركود وهبوط , تعرو بعض هـذه الفترات, وعلى الرغم من ذلك فإن الأدب والاهتمام به لم يزل يجري ويسيرفي عروق تلك الحركات بدون استثناء ويليق بالذكر هنا القول بأن المدارس السوقية اهتمت بالأدب وتدوينه اهتماما لايضارعه أي اهتمام , وتشربتــه نفوس روادها وقوادها وكاد يطغى على كل فن ويزاحم كل تخصص,وصار جزءا لايتجـزأ من علومهم وحياتهم , وتحول إلى كعبة يطوف بساحها الجميع قال أحد شعراء السوقيين محمد إغلس بن محمد الإدريسي السوقي في رده على من يلومه على ممارسة معاطات السجال الأدبي.
ماذا على منتدب إذا انتدب ندبا ولوعا بلطائـــف الأدب
همته فض خواتم النخــب كم فض عن مختومها ختما وصب
وقطف اليــانع غضا والرطب وهصر الأملود منها واقتضـب
وغربل المنقــول ملقى الريب مستصفيا نا صعه إبـان شـب
ومــاله في تالد ولانشــب من عائـق مشـوش ولا أر ب
بل راودته لمــا يثغررتــب وجذبتـه للمعالي فا نجـــذب
ولم يزل مثافنا حين الطــلب قـدى النحارير فأثقل الغبــب
وكم طوى أعشاءه على السغب وذاك مـن تدآبه على الطلــب
وكم مداد قد ألاق وكتـب وكـم يراع شجه وكم قصـب
إلى أن قال:
غنوا بها لدى المقاهي والطرب وليلة العرس إذا ما الطبل طب
فلا تستثنى من ذلك طبقـة من الطبقــات ولافرق في ذلك بين العلماء والزهاد و العباد وغيرهم, بل نجد عالما نحريرا يتفنن في إجادة صياغة الشعر, فيساعده خيال محلق وعاطفة مطواعة, فيسمح له خياله بأسلوب شعري عذب, تتقاصر دونه قدرات الشعراء المشاهير, والبلغــاء المصاقيع وتراه أحيانا لايعبأ ببعض الأغراض الشعرية التي لاتتقاطع مع الشعور الإسلامي لديه, فيخوض فــي وصف الثغر والطرف والجيد والقد, ودعج العينين, ويسترسل في مثل هذه الأوصاف المغرية, وهذا نفس حال الشباب الذين نراهم يرتعون في مريع الشعر العربي ويطبقون نفس الأسلوب, إلا أنني لم أطلع رغم البحث الشديد على من قال قصيدة غزلية في معين, ولا من شبب إلا باسم يختلقه خياله, خلاف الجاهليين, وبعض المولدين وحالهم أشبه بحال القائل:
وَطَائِعَةِ الوِصَالِ عَفَفْتُ عَنْهَا ... ومَا الشَّيْطَانُ فيها بالمُطَــاعِ
َدَتْ في اللَّيْلِ سَافِرةً فَبَاتَتْ ... دياجي اللَّيْلِ سَافِرَةَ القِنَــاعِ
وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ إلاَّ وفيها ... إلى فِتَنِ القُلُوبِ بِهَــا دَواعِ
فَمَلَّكَتْ الهوى جمحات قلبي .. لأجْرِيَ في العَفَافِ على طِبَاعِي
وَبِتُّ بِهَا مَبيتَ السَّقْبِ يَظْمَا ... فَيَمْنَعُهُ الكِعَامُ مِنَ الرِّضَــاعِ
كَذَاكَ الرَّوْضُ مَا فيهِ لمِثْلِي ... سِوَى نَظَرٍ وشَمٍّ مِنْ مَتَــاعِ
وَلَسْتُ مِنَ السَّوَائِمِ مُهْمَلاَتٍ ... فأَتَّخِذَ الرِّيّاضَ مِنْ المَرَاعِــي
ولا يخفى أن المنابع الدينية التي يستقي منها الطالب في أول مراحل تعلـمه الأدب والشعر, هي التي فرضت هذا الجو على الشعراء السوقيين وأدبائهم, علمـا بأن الأدب بشقيه النثري والشعري ينشآن مع الطالب منذ الوهلة الأولى ويتغذى بهما فكره حتى يعوداجـزءا لا يتجزأ من تكوينه العلمي, ومن ثم تبقى رواسب ذلك معه إلى زمن الكهولة.
وهناك أسباب غيرما سبق, ويمكن أن نستأنس بها أوتنضاف إلى ما تقدم نلخصها فيما يلي:-
1-بعض الأدباء والشعراء السوقيين يرون أن وراء هذه التعابير وتلك الأوصاف سبب خارجي, وهو محاكاة الجاهليين والمولدين في تلك الأوصاف لأنها تعد عند الأدباء معيارا ومحكا لروعة الشعر وقوته.
2-استعراض القوى الإبداعية والبيانية خاصة بالنسبة للشعراء السوقيين الذين غالب شعرهم محكوم ومصبوغ بالتحديات والمساجلات, والردود المضادة, فاقتضى الأمر تزويد القصيدة بشيء ما من العيار اللغوي الثقيل والذي يضفي عليهاطابع التحدي.
3-إحاطة القصيدة بهالة من القبول والاحترام لدى من يرى بدعية المقدمات الطللية, التي لم تطعم بالغزل والتحدث بالأوصاف المادية المغرية التي تحدث بها امرؤ القيس وغيره.
وهناك نوع من الشعر أبدع فيه السوقيون وجمعوا فيه بين قوة الشعر, والبحث العلمي الرصين, ونسميه (بالشعر العلمي) , وسوف يمرعلينا ذكره والوقوف عنده , وإبداعهم فيـه يكمن في أنهم وظفوا القصيدة العربية, في أغراض علمية, وحاولوا الحفاظ مع ذلك على القواعد المقررة لجودة القصيد وقوته, من بديع وبيان, وغيرذلك.