العودة   منتديات مدينة السوق > القسم الإسلامي > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي خاصة بطلاب العلم الشرعي ومحبيه، والقضايا الدينية

Untitled Document
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-21-2009, 06:40 PM
عضو مؤسس
م الإدريسي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 فترة الأقامة : 5706 يوم
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : م الإدريسي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ضوابط , في التعامل مع المخالف.



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الأعزاء , إننا قد وعدنا في الأسبوع الماضي بموافاتكم بقواعد التعامل مع المخالف في هذا الأسبوع , وكما تعلمون فإن قضية الوفاق والخلاف قضية شغلت الفكر الإسلامي من قديم الزمن , ومازال العلماء منذ ذلك اليوم ينظرون لها , ويحاولون إحكامها , وضبطها بميزان الشرع , وقد أتوا في ذلك بغرر تعتبر من أجمل ما توصل إليه المفكر المسلم في رحلته الطويلة مع العدل وإرساء أصوله لتحقيق مهمة الاستخلاف التي وكلت إليه.
كما أنها تعتبر من أكبر ما يحتاج طالب العلم إلى المرور عليه واستصحابه , حتى لا يقع في الظلم والعدوان , فيصبح عمله هباء منثورا , وتضيع جهوده سدى فيظل موزورا مهجورا , بدلا من كونه مأجورا مشكورا .
وهذه بعض تلك القواعد .
الإخوة الكرام إن المسائل العلمية المتعلقة بالحكم على أي شيء ، ومنه الحكم على المخالف تمر بمراحل هي :
1- تخريج المناط .

وهو استخراج ما يحتمل أن يكون علة للحكم ومقصدا له .
2- تنقيح المناط .

وهوما ينتجه ذلك من حكم المجتهد في المسألة بكونها كفراً أو فسقاً أو بدعة .
3- تحقيق المناط .
وهو إنزال الحكم على الواقعة الجديدة .
4- التحقق والتثبت من أن الذي نتعامل معه قد قال أو فعل ما يوجب أو يجيز عقوبته ؛ فكثير من الناس يبني على مجرد الإشاعة ، أو على ما يقال في وسائل الإعلام ، وعلى النقل الذي يتغير عند الشخص الواحد أكثر من مرة ؛ فكيف عند طول السلسلة .
5- التحقق من قيام الحجة التي يكفر منكرها ، ووجود الشروط وانتفاء الموانع .
6- وصف الفاعل بآثار فعل المخالفة .
بـأن يقال عن شخصه : إنه كافر أو فاسق أو مبتدع .
7- إظهار هذه الأحكام أو إخفاؤها بالنظر إلى المصالح والمفاسد ، واختلاف الأزمنة والأمكنة ، واختلاف الأشخاص الحاكمين والمحكوم عليهم .
وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى جمع علمي ، ثم تأمل وموازنة ، ثم إصدار الحكم .
فهل استقصى الناس في مخالفاتـهم للآخرين هذه المراحل ، أو أن واقع كثيرين هو ارتجال إصدار الأحكام ، والتسرع في تطبيقها عليهم ؟
8- أن ينبذ التقليد :
فليس من العدل ولا من العلم أن يقلد المرء غيره في الحكم على الآخرين ، وما يترتب عليه من التعامل معهم بهجر أو تنفير أو عقوبة ، أو الحكم على أحد بكفر أو فسوق أو بدعة ؛ فما كان قطعياً فلا تقليد فيه لظهوره ، وما كان محل اجتهاد أهل العلم ، أو مشكوكاً فيه لم يجز لأحد أن يخرج من المقطوع به ، وهو حرمة عرض المسلم ، ولزوم وفائه جميع حقوقه بأمر مشكوك فيه لا يعرف وجهه ولا دليله ، والعالم المستدل فيما يختار من أقوال ، وفي مواقفه : يجد ما يُخرجه من العهدة ، ويبرئ به الذمة ، ولكن ما الذي يُخرج المقلد ؟
والتقليد إنما أُبيح على خلاف الأصل ، وهو وجوب النظر والاستدلال أُبيح لدفع حاجة أو ضرورة في عبادة أو معاملة ؛ فما هي الضرورة والحاجة في الحكم على الآخرين بحكم ، أو معاملتهم بما يُخشى معه بخس أعظم حقوقهم ؟
ولو فقه المسلمون خطر التقليد ، ووكلوا علم ما لم يحققوه إلى العلماء الربانيين ، وجعلوا لهم القياد في مواجهة المخالفة وأهلها لما وقع العدوان والظلم على المخالف ؛ مما اختلت به الموازين ، واضطربت معه الأحكام ، وتشوهت به الصورة ، وأعرض عن الحق بسببه فئام من الخلق .
9- أن يتثبت ويتبين :
يقع الظلم والعدوان على المخالف بسبب العجلة وأخذ الكلام من مصادر غير معتبرة ؛ إما في ورعها ، وإما في ضبطها وحسن فهمها ، ولهذا قال الله تبارك وتعالى : "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" .
قال الإمام مالك رحمه الله كما في "التمهيد" (1/67) : ( .. إن هذا العلم دين ؛ فانظروا عمن تأخذونه ، لقد أدركت سبعين ممن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين ، وأشار إلى المسجد ؛ فما أخذت عنهم شيئا ، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أمينا ، إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ) .
وقال الإمام السبكي -رحمه الله- كما في " قاعدة في الجرح والتعديل " ص 93 : ( كثيراً ما رأيت من يسمع لفظةً فيفهمهها‎‎على غير وجهها ؛ فيُغير على الكاتب والمؤلف ومن ‏عاشره واستن بسنته . مع أن المؤلف لم‎ ‎يرد ذلك على الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل ) .
نماذج لأحكام لم يحقق الكلام فيها ، واعتدي فيها بسبب ذلك على المخالف :
التفريق في التعامل مع المخالف بين مسائل الفروع والأصول :
جعل بعضهم الفروع والأصول ، أو العقائد والفقهيات هي المفرق لما يسوغ فيه الخلاف ، وما لا يسوغ ، وبنوا على ذلك أحكاما في التكفير ، بل واستحلال عقوبته ، أو حتى قتله .
وهذا التفريق بدعة أحدثها المخالفون لأهل السنة ، وجعلوها سيفاً مصلتاً عليهم ؛ لحملهم على أن يأخذوا بقولهم ؛ فاستعدوا عليهم السلاطين ، وعزلوهم بسببها من وظائفهم ، وجردوهم من إمامة الناس في الصلاة ، والتدريس والفتوى والوعظ .
وقد حقق هذه المسألة الإمام ابن تيمية رحمه الله ؛ فرأى أنه لا يفرق في ذلك بين الأصول
والفروع ؛ فقال في "مجموع الفتاوى" (1/207) : ( .. والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ، ومن سلك سبيلهم ، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه ، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره ) .
وقرر في هذا الموضع أنه لا يوجد ضابط صحيح للتفريق بينها ، وأن كون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي بحسب حال المعتقدين ؛ فليس هو وصفاً للقول في نفسه ؛ فإن الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة ؛ أو بالنقل المعلوم صدقه عنده ، وغيره لا يعرف ذلك لا قطعاً ولا ظناً ، وأن ذكاء المحكوم عليه وعدمه مؤثر في هذا .
كما قرر أن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين ، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ، ويكفِّرون من خالفهم فيها ، ويستحلون دمه ؛ كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم .
أقول : وقد صار الحكم على الناس بالبدعة مبنياً على هذه المسألة ، دون أن يعرف المتكلم فيها دليلاً أو ضابطاً .
اعتبار مسائل البدع العملية من قضايا الاعتقاد :
فلو سلمنا بالتفريق بين مسائل الفروع والأصول ، والقطعية والظنية فإن مسائل البدع العملية التي يختلف فيها الناس ، وتبنى على الاستنباط هي من مسائل الفقه والظن لا من مسائل القطع واليقين ، وتكون في أبواب الفقه ، وليست في أبواب العقائد ، وعلى التسليم بالفرق فإن محل مصنفات البدع العملية هو قسم الفقه وليس قسم العقيدة .
والبدع العملية هي التي تكون في الصلوات ؛ كدعاء ختم القرآن فيها ، والأذكار ؛ كالذكر الجماعي ، والأعياد ؛ كالمولد واليوم الوطني ، وتعليق التمائم من القرآن ، والتعريف في الأمصار .
وهذا وإن كان اصطلاحا إلا أنه بسبب هذا التصنيف وقع الانطباع عند الناس أن الخلاف في هذه المسائل لا يقبل الاجتهاد ، وأن المخالف المعين فيها من أهل البدع .
وإذا استثنينا ما يقع في بعض الموالد من الشرك بالله , فإن من رام الإنصاف لا يجد فرقاً بين الحكم ببدعية المولد وبدعية دعاء الختم في الصلاة ؛ فكلاها عمل ، وكلاهما مبني على أدلة نظرية ليس عند أحد الفريقين دليل يحسم به الخلاف .
أما المولد النبوي فهو بلا ريب داخل في حد البدعة بجلاء ووضوح ؛ كدرجة الوضوح في بدعية دعاء الختم في الصلاة ؛ وذلك لأنه اجتمع في المولد سمات العيد الشرعي ، ولأن الأعياد محددة بأوجه تعبدية محضةاُختير فيها الزمان على وجه لا يُعقل معناه على التفصيل ؛ فصارت من الدين المحدد ؛ فتكون الزيادة على ما قدره الشارع وحدده بدعة ، هذا عدا ما فيه من المضاهاة للمشروع ؛ ولانقطاع الأعياد التي كانت قبل الإسلام ، وبقائها منقطعة إلى تصرم القرون المفضلة .
وأما دعاء الختم في الصلاة فهو عبادة محضة ، وقد أُحدث في عبادة أخرى وهي الصلاة على وجه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة بحديث أو أثر صحيحين أو ضعيفين .
فعلى هذا : لا وجه لاعتبار هذه البدعة أمرا يسوغ الخلاف فيها ، والأخرى لا يسوغ الخلاف فيها مع تساويهما في طرق الاستدلال والاستنباط .
وقد صارت هاتان المسألتان والحكم فيهما على المخالف معقداً للمفاصلة ، وسبباً لتفرق الناس .
ويكون العمل بهذه الخلافيات وإنكارها بحسب قواعد السياسة الشرعية التي ستأتي إن شاء الله .
الهجر في غير موضعه :
فالخطأ في مسألة الهجر وعدم تحقيق القول فيها أدى إلى اعتقاده ديناً مقصوداً لذاته لا يتغيربتغير الأشخاص والأمكنة والأزمنة ؛ بينما دلت الشريعة وقواعدها على أن الهجر إنما هو وسيلة لزجر العاصي ؛ فإن كان مؤدياً هذا الغرض وإلا استبقى المسلمُ مع المخالف الحقوق المتعلقة بإسلامه .
وقد وقع بسبب ذلك الاعتداء على المخالف ، وفاتت بذلك الفرص للتأثير على المخالفين لا سيما من أهل البدع المغلظة ، حتى صار رؤساؤهم يحبون أن يُهجر أتباعهم ؛ لما فيه من تحصينهم من تأثير الآخرين
قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن هجر المبتدع في "مجموع الفتاوى" (28/210) : ( .. فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد ؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأموراً بها .. ) .
واعتبر رحمه الله في هذا الموضع قوة الهاجر وضعف المهجور ، وأنه لا يلزم المسلم في مواقع نفوذ المخالفين أن يهجرهم .
وقرر أن أقواماً جعلوا ذلك عاماً ، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به . وأنه قد ترتب على ذلك تفرق المسلمين وتسلط الأعداء .
بين النوع والعين :
في هذا الباب وقع ما يُعد من أعظم العدوان على المخالف ؛ فبسببه وقع التكفير والتفسيق والتبديع على المعين .
وبسببه حصل الاقتتال في هذه الأمة ، وبدت ظاهرة الغلو والعنف .
وإنما كان مقصود الشريعة في هذه الأسماء أمران :
الأول : الإعذار إلى من كان متصفا بهذه الصفة ؛ ليقلع عن فعله ، أو أن تكون الحجة قد قامت عليه ؛ فيقع مقصود الشريعة بأن لا يعاقب إلا بعد إعذاره .
قال الله تعالى : "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" .
وقال صلى الله عليه وسلم : "لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" رواه الشيخان من حديث ابن مسعود .
الثاني : إنذار المتردد ، ومن في قلبه مرض أن لا يسلك سبيلهم .
أما تطبيق ذلك على الأعيان من أهل القبلة فليس حتماً لازماً ؛ فلو تركه المرء لم يكن مخالفاً لمقصود الشريعة في وضع هذه الأسماء .
والفعل وإن كان يُسمى كفراً بيقين فلا يجب الحكم على الفاعل بالكفر ، وإجراء أحكامه الظاهرة مادام متأولا في ذلك ، أو مستتراً به ، أو متنصلاً مما نُسب إليه .
ولا يعني هذا منع أو تحريم إلحاق الوصف به ؛ بل يجوز ذلك ، عند تحقق الشروط ، وانتفاء الموانع، وظهور الحجة التي يكفر منكرها ، وهذا إنما يكون للحاكم ، وليس لآحاد الناس .
وقد أخطأ في ذلك كثير من الناس فظنوا أن تكفير المعين هو مثل معرفة الكفر والحذر منه ؛ فمن لم يُظهر تكفير من فعل كفرا أو قاله فقد فرط في حق الإيمان ؛ بل غلوا في ذلك ؛ فرأوا أنه لا يصح لهم إيمان إلا بذلك .
والناظر في هديه صلى الله عليه وسلم يظهر بجلاء أنه لم يقم أحكام الكفر على من ظهر منه ذلك سواء كان من المؤمنين ؛ كحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ، حين وُجدت منه مظاهرة للمشركين على المؤمنين ؛ بل إن آية البراء من المشركين التي كُفِّر به كثيرون قد نزلت فيه رضي الله عنه ، أو كان من المنافقين الذي بدت منهم مقالات الكفر ؛ كقولهم : ليخرجن الأعز منها الأذل ، وكقولهم : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، وقول الآخر للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل .
وقد بين الإمام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (12/487) سبب الخطأ والانحراف في هذه المسألة بتقريره أن القائلين بالكفر بمجرد فعل ذلك أو قوله قد أصابـهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، وأنهم كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع ، قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين ؛ إلا إذا وُجِدت هذه الشروط ، وانتفت تلك الموانع .
وأوضح أن الإمام أحمد والأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ، وأيد هذا بأن الإمام أحمد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن وذكر دعوتهم للكفر وإكراههم للناس عليه ثم قال : ( .. ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم ؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها ، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب ، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه ، واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم ) أهـ .
وقد أورث الخطأ في تأصيل هذه المسألة أحكاما جائرة بالكفر ، وظلما للمخالفين بوصف المعين منهم بالمبتدع ، حتى صرنا نسمع من البعض وصف من تلبس ببدعة عملية بأنه مبتدع فتراهم يقولون : جاء المبتدع وذهب ، ويقولون للمعينين : أولئك المبتدعة .
ومثل ذلك الحكم على المعين بأنه هالك ، أو أن الطائفة المعينة هالكة بمجرد قول أو فعل .
والحكم بالهلاك على المعين هو كالحكم بالكفر لا بد له من اجتماع شروط وانتفاء موانع . والمقصود من حديث : كلها في النار إلا واحدة هو تبيين أسباب الهلاك ؛ ليحذرها الناس لا أن تُطبق على المعين .
قال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/179) : ( ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا ؛ فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه ، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة ، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته ؛ وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك : فهذا أولى ؛ بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا ، وقد لا يكون ناجيا ، كما يقال من صمت نجا ) أهـ . أي : ولا يلزم أن من تكلم هلك .
ومن المعلوم أن من جاء بأسباب النجاة الاعتقادية ثم وقع منه موبقات عظيمة ؛ كقطع الطريق والقتل والظلم في الأعراض فإنه قد يُعذب حتى مع سلامة معتقده ، وقد يُعفى عن صاحب البدعة بتأويل يُعذر فيه مثله ، أو بحسنات ماحية ؛ فصح أن المقصود بذلك الحث على استكمال أسباب النجاة ؛ لا أن تكون هذه اسما يفرق به بين أعيان الخلق في النجاة والهلاك .
وقال رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (5/253) بعد ذكر بعض شطحات الصوفية : ( .. وهذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك ، ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده ، وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله ورسوله ـ وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته ـ .. وكل من أظهر الإسلام ، ولم يكن منافقا فهو مؤمن له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك ، وهو ممن يخرج من النار ؛ ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم ) ..
.. ( ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلم لم تدخل أمته الجنة ؛ فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة ؛ بل يدخلونها ، وتكون منازلهم متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم ، وإذا كان الرجل قد حصل له إيمان يعرف الله به ، وأتى آخر بأكثر من ذلك عجز عنه لم يحمل ما لا يطيق .. ) ..
.. ( فهذا أصل عظيم في تعليم الناس ، ومخاطبتهم بالخطاب العام بالنصوص التي اشتركوا في سماعها ؛ كالقرآن والحديث المشهور ، وهم مختلفون في معنى ذلك ) . أهـ.
وذكر رحمه الله (3/352و353) في شرح حديث الافتراق أصلين في تكفير الفرق ؛ فقال :
( أحدهما : أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقا .. ) ..
.. ( .. ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا .. وقد يكون مخطئا متأولا مغفورا
له خطـأه ، وقد يكون مع ذلك معـه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه ) أهـ .
أسأل الله أن يرزقنا الفهم في دينه واتباع سنة نبيه والتزام جماعة المسلمين .
منقـول.



 توقيع : م الإدريسي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


آخر تعديل م الإدريسي يوم 05-21-2009 في 06:56 PM.
رد مع اقتباس
قديم 05-21-2009, 07:20 PM   #2
عضو مؤسس


الشريف الأدرعي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 04-17-2017 (08:14 AM)
 المشاركات : 932 [ + ]
 التقييم :  12
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي استفدت



مررت فقرأت واستفدت زادنا الله علما ونفعنا بما علمنا


 
 توقيع : الشريف الأدرعي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 05-22-2009, 09:11 PM   #3


اليعقوبي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-20-2020 (12:54 AM)
 المشاركات : 668 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي على الهامش



بسم الله الرحمن الرحيم
أخي .. الإدريسي: اختيار موفق فهذه المقالة رائعة في بابها..
وهل تلاحظ معي أن المقالة انصب الاهتمام فيها بالحكم على الآخر.. وهو أخص وأهم أنواع التعامل.. فأخذ هذا الجانب جل اهتمام الكاتب.. وهو حري بذلك.. وبقي الموضوع الأساسي محتاجا إلى مزيد من المعالجة.. ولعل في اختياراتك الأولى ما يكفي ويفي.
نسأل الله التوفيق والقبول والسداد


 
 توقيع : اليعقوبي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 05-23-2009, 10:32 AM   #4
مراقب عام القسم الأدبي


السوقي الخرجي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
 المشاركات : 780 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي مقال رائع واختيار موفق




بسم الله الرحمن الرحيم شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

قرأت هذه المقالة من أولها إلى آخرها ووجدتها تستحق الاهتمام فأرجو من الشباب قراءتها والاستفادة منها, فقد وفق الإدريسي في اختيارها, ونأمل منه أن يسلط الضوء على الشق الآخر من المخالفين أيضا حتى تكتمل الصورة, ويتم الإنصاف للفريقين.


 
 توقيع : السوقي الخرجي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 05-24-2009, 12:02 AM   #5
عضو مؤسس


م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي جزيت خيرا



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السوقي الخرجي نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بسم الله الرحمن الرحيم شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

قرأت هذه المقالة من أولها إلى آخرها ووجدتها تستحق الاهتمام فأرجو من الشباب قراءتها والاستفادة منها, فقد وفق الإدريسي في اختيارها, ونأمل منه أن يسلط الضوء على الشق الآخر من المخالفين أيضا حتى تكتمل الصورة, ويتم الإنصاف للفريقين.




************************************************** **
أشكر أخي الخرجي على صبره على قراءة الموضوع , كما أشكره على موافقته لي على أهميته , كما أعده بتلبية طلبه في استيفاء البقية , ولكن على مهل , فإن الموضوع أعتبره من كنوز العلم عثرت عليه بفضل من الله , فأحببت وضعه بين أيدي زوارنا الكرام لعلي أفيد وأستفيد .


 
 توقيع : م الإدريسي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

التعديل الأخير تم بواسطة أداس السوقي ; 11-11-2010 الساعة 09:37 AM

رد مع اقتباس
قديم 05-24-2009, 12:36 AM   #6


أبو ياسر الأنصاري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 80
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 العمر : 63
 أخر زيارة : 06-16-2012 (11:47 PM)
 المشاركات : 131 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي ممتاز!1



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأدريسي المغترب مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الأعزاء , إننا قد وعدنا في الأسبوع الماضي بموافاتكم بقواعد التعامل مع المخالف في هذا الأسبوع , وكما تعلمون فإن قضية الوفاق والخلاف قضية شغلت الفكر الإسلامي من قديم الزمن , ومازال العلماء منذ ذلك اليوم ينظرون لها , ويحاولون إحكامها , وضبطها بميزان الشرع , وقد أتوا في ذلك بغرر تعتبر من أجمل ما توصل إليه المفكر المسلم في رحلته الطويلة مع العدل وإرساء أصوله لتحقيق مهمة الاستخلاف التي وكلت إليه.
كما أنها تعتبر من أكبر ما يحتاج طالب العلم إلى المرور عليه واستصحابه , حتى لا يقع في الظلم والعدوان , فيصبح عمله هباء منثورا , وتضيع جهوده سدى فيظل موزورا مهجورا , بدلا من كونه مأجورا مشكورا .
وهذه بعض تلك القواعد .
الإخوة الكرام إن المسائل العلمية المتعلقة بالحكم على أي شيء ، ومنه الحكم على المخالف تمر بمراحل هي :
1- تخريج المناط .

وهو استخراج ما يحتمل أن يكون علة للحكم ومقصدا له .
2- تنقيح المناط .

وهوما ينتجه ذلك من حكم المجتهد في المسألة بكونها كفراً أو فسقاً أو بدعة .
3- تحقيق المناط .
وهو إنزال الحكم على الواقعة الجديدة .
4- التحقق والتثبت من أن الذي نتعامل معه قد قال أو فعل ما يوجب أو يجيز عقوبته ؛ فكثير من الناس يبني على مجرد الإشاعة ، أو على ما يقال في وسائل الإعلام ، وعلى النقل الذي يتغير عند الشخص الواحد أكثر من مرة ؛ فكيف عند طول السلسلة .
5- التحقق من قيام الحجة التي يكفر منكرها ، ووجود الشروط وانتفاء الموانع .
6- وصف الفاعل بآثار فعل المخالفة .
بـأن يقال عن شخصه : إنه كافر أو فاسق أو مبتدع .
7- إظهار هذه الأحكام أو إخفاؤها بالنظر إلى المصالح والمفاسد ، واختلاف الأزمنة والأمكنة ، واختلاف الأشخاص الحاكمين والمحكوم عليهم .
وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى جمع علمي ، ثم تأمل وموازنة ، ثم إصدار الحكم .
فهل استقصى الناس في مخالفاتـهم للآخرين هذه المراحل ، أو أن واقع كثيرين هو ارتجال إصدار الأحكام ، والتسرع في تطبيقها عليهم ؟
8- أن ينبذ التقليد :
فليس من العدل ولا من العلم أن يقلد المرء غيره في الحكم على الآخرين ، وما يترتب عليه من التعامل معهم بهجر أو تنفير أو عقوبة ، أو الحكم على أحد بكفر أو فسوق أو بدعة ؛ فما كان قطعياً فلا تقليد فيه لظهوره ، وما كان محل اجتهاد أهل العلم ، أو مشكوكاً فيه لم يجز لأحد أن يخرج من المقطوع به ، وهو حرمة عرض المسلم ، ولزوم وفائه جميع حقوقه بأمر مشكوك فيه لا يعرف وجهه ولا دليله ، والعالم المستدل فيما يختار من أقوال ، وفي مواقفه : يجد ما يُخرجه من العهدة ، ويبرئ به الذمة ، ولكن ما الذي يُخرج المقلد ؟
والتقليد إنما أُبيح على خلاف الأصل ، وهو وجوب النظر والاستدلال أُبيح لدفع حاجة أو ضرورة في عبادة أو معاملة ؛ فما هي الضرورة والحاجة في الحكم على الآخرين بحكم ، أو معاملتهم بما يُخشى معه بخس أعظم حقوقهم ؟
ولو فقه المسلمون خطر التقليد ، ووكلوا علم ما لم يحققوه إلى العلماء الربانيين ، وجعلوا لهم القياد في مواجهة المخالفة وأهلها لما وقع العدوان والظلم على المخالف ؛ مما اختلت به الموازين ، واضطربت معه الأحكام ، وتشوهت به الصورة ، وأعرض عن الحق بسببه فئام من الخلق .
9- أن يتثبت ويتبين :
يقع الظلم والعدوان على المخالف بسبب العجلة وأخذ الكلام من مصادر غير معتبرة ؛ إما في ورعها ، وإما في ضبطها وحسن فهمها ، ولهذا قال الله تبارك وتعالى : "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" .
قال الإمام مالك رحمه الله كما في "التمهيد" (1/67) : ( .. إن هذا العلم دين ؛ فانظروا عمن تأخذونه ، لقد أدركت سبعين ممن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين ، وأشار إلى المسجد ؛ فما أخذت عنهم شيئا ، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أمينا ، إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ) .
وقال الإمام السبكي -رحمه الله- كما في " قاعدة في الجرح والتعديل " ص 93 : ( كثيراً ما رأيت من يسمع لفظةً فيفهمهها‎‎على غير وجهها ؛ فيُغير على الكاتب والمؤلف ومن ‏عاشره واستن بسنته . مع أن المؤلف لم‎ ‎يرد ذلك على الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل ) .
نماذج لأحكام لم يحقق الكلام فيها ، واعتدي فيها بسبب ذلك على المخالف :
التفريق في التعامل مع المخالف بين مسائل الفروع والأصول :
جعل بعضهم الفروع والأصول ، أو العقائد والفقهيات هي المفرق لما يسوغ فيه الخلاف ، وما لا يسوغ ، وبنوا على ذلك أحكاما في التكفير ، بل واستحلال عقوبته ، أو حتى قتله .
وهذا التفريق بدعة أحدثها المخالفون لأهل السنة ، وجعلوها سيفاً مصلتاً عليهم ؛ لحملهم على أن يأخذوا بقولهم ؛ فاستعدوا عليهم السلاطين ، وعزلوهم بسببها من وظائفهم ، وجردوهم من إمامة الناس في الصلاة ، والتدريس والفتوى والوعظ .
وقد حقق هذه المسألة الإمام ابن تيمية رحمه الله ؛ فرأى أنه لا يفرق في ذلك بين الأصول
والفروع ؛ فقال في "مجموع الفتاوى" (1/207) : ( .. والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ، ومن سلك سبيلهم ، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه ، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره ) .
وقرر في هذا الموضع أنه لا يوجد ضابط صحيح للتفريق بينها ، وأن كون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي بحسب حال المعتقدين ؛ فليس هو وصفاً للقول في نفسه ؛ فإن الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة ؛ أو بالنقل المعلوم صدقه عنده ، وغيره لا يعرف ذلك لا قطعاً ولا ظناً ، وأن ذكاء المحكوم عليه وعدمه مؤثر في هذا .
كما قرر أن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين ، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ، ويكفِّرون من خالفهم فيها ، ويستحلون دمه ؛ كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم .
أقول : وقد صار الحكم على الناس بالبدعة مبنياً على هذه المسألة ، دون أن يعرف المتكلم فيها دليلاً أو ضابطاً .
اعتبار مسائل البدع العملية من قضايا الاعتقاد :
فلو سلمنا بالتفريق بين مسائل الفروع والأصول ، والقطعية والظنية فإن مسائل البدع العملية التي يختلف فيها الناس ، وتبنى على الاستنباط هي من مسائل الفقه والظن لا من مسائل القطع واليقين ، وتكون في أبواب الفقه ، وليست في أبواب العقائد ، وعلى التسليم بالفرق فإن محل مصنفات البدع العملية هو قسم الفقه وليس قسم العقيدة .
والبدع العملية هي التي تكون في الصلوات ؛ كدعاء ختم القرآن فيها ، والأذكار ؛ كالذكر الجماعي ، والأعياد ؛ كالمولد واليوم الوطني ، وتعليق التمائم من القرآن ، والتعريف في الأمصار .
وهذا وإن كان اصطلاحا إلا أنه بسبب هذا التصنيف وقع الانطباع عند الناس أن الخلاف في هذه المسائل لا يقبل الاجتهاد ، وأن المخالف المعين فيها من أهل البدع .
وإذا استثنينا ما يقع في بعض الموالد من الشرك بالله , فإن من رام الإنصاف لا يجد فرقاً بين الحكم ببدعية المولد وبدعية دعاء الختم في الصلاة ؛ فكلاها عمل ، وكلاهما مبني على أدلة نظرية ليس عند أحد الفريقين دليل يحسم به الخلاف .
أما المولد النبوي فهو بلا ريب داخل في حد البدعة بجلاء ووضوح ؛ كدرجة الوضوح في بدعية دعاء الختم في الصلاة ؛ وذلك لأنه اجتمع في المولد سمات العيد الشرعي ، ولأن الأعياد محددة بأوجه تعبدية محضةاُختير فيها الزمان على وجه لا يُعقل معناه على التفصيل ؛ فصارت من الدين المحدد ؛ فتكون الزيادة على ما قدره الشارع وحدده بدعة ، هذا عدا ما فيه من المضاهاة للمشروع ؛ ولانقطاع الأعياد التي كانت قبل الإسلام ، وبقائها منقطعة إلى تصرم القرون المفضلة .
وأما دعاء الختم في الصلاة فهو عبادة محضة ، وقد أُحدث في عبادة أخرى وهي الصلاة على وجه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة بحديث أو أثر صحيحين أو ضعيفين .
فعلى هذا : لا وجه لاعتبار هذه البدعة أمرا يسوغ الخلاف فيها ، والأخرى لا يسوغ الخلاف فيها مع تساويهما في طرق الاستدلال والاستنباط .
وقد صارت هاتان المسألتان والحكم فيهما على المخالف معقداً للمفاصلة ، وسبباً لتفرق الناس .
ويكون العمل بهذه الخلافيات وإنكارها بحسب قواعد السياسة الشرعية التي ستأتي إن شاء الله .
الهجر في غير موضعه :
فالخطأ في مسألة الهجر وعدم تحقيق القول فيها أدى إلى اعتقاده ديناً مقصوداً لذاته لا يتغيربتغير الأشخاص والأمكنة والأزمنة ؛ بينما دلت الشريعة وقواعدها على أن الهجر إنما هو وسيلة لزجر العاصي ؛ فإن كان مؤدياً هذا الغرض وإلا استبقى المسلمُ مع المخالف الحقوق المتعلقة بإسلامه .
وقد وقع بسبب ذلك الاعتداء على المخالف ، وفاتت بذلك الفرص للتأثير على المخالفين لا سيما من أهل البدع المغلظة ، حتى صار رؤساؤهم يحبون أن يُهجر أتباعهم ؛ لما فيه من تحصينهم من تأثير الآخرين
قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن هجر المبتدع في "مجموع الفتاوى" (28/210) : ( .. فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد ؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأموراً بها .. ) .
واعتبر رحمه الله في هذا الموضع قوة الهاجر وضعف المهجور ، وأنه لا يلزم المسلم في مواقع نفوذ المخالفين أن يهجرهم .
وقرر أن أقواماً جعلوا ذلك عاماً ، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به . وأنه قد ترتب على ذلك تفرق المسلمين وتسلط الأعداء .
بين النوع والعين :
في هذا الباب وقع ما يُعد من أعظم العدوان على المخالف ؛ فبسببه وقع التكفير والتفسيق والتبديع على المعين .
وبسببه حصل الاقتتال في هذه الأمة ، وبدت ظاهرة الغلو والعنف .
وإنما كان مقصود الشريعة في هذه الأسماء أمران :
الأول : الإعذار إلى من كان متصفا بهذه الصفة ؛ ليقلع عن فعله ، أو أن تكون الحجة قد قامت عليه ؛ فيقع مقصود الشريعة بأن لا يعاقب إلا بعد إعذاره .
قال الله تعالى : "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" .
وقال صلى الله عليه وسلم : "لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" رواه الشيخان من حديث ابن مسعود .
الثاني : إنذار المتردد ، ومن في قلبه مرض أن لا يسلك سبيلهم .
أما تطبيق ذلك على الأعيان من أهل القبلة فليس حتماً لازماً ؛ فلو تركه المرء لم يكن مخالفاً لمقصود الشريعة في وضع هذه الأسماء .
والفعل وإن كان يُسمى كفراً بيقين فلا يجب الحكم على الفاعل بالكفر ، وإجراء أحكامه الظاهرة مادام متأولا في ذلك ، أو مستتراً به ، أو متنصلاً مما نُسب إليه .
ولا يعني هذا منع أو تحريم إلحاق الوصف به ؛ بل يجوز ذلك ، عند تحقق الشروط ، وانتفاء الموانع، وظهور الحجة التي يكفر منكرها ، وهذا إنما يكون للحاكم ، وليس لآحاد الناس .
وقد أخطأ في ذلك كثير من الناس فظنوا أن تكفير المعين هو مثل معرفة الكفر والحذر منه ؛ فمن لم يُظهر تكفير من فعل كفرا أو قاله فقد فرط في حق الإيمان ؛ بل غلوا في ذلك ؛ فرأوا أنه لا يصح لهم إيمان إلا بذلك .
والناظر في هديه صلى الله عليه وسلم يظهر بجلاء أنه لم يقم أحكام الكفر على من ظهر منه ذلك سواء كان من المؤمنين ؛ كحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ، حين وُجدت منه مظاهرة للمشركين على المؤمنين ؛ بل إن آية البراء من المشركين التي كُفِّر به كثيرون قد نزلت فيه رضي الله عنه ، أو كان من المنافقين الذي بدت منهم مقالات الكفر ؛ كقولهم : ليخرجن الأعز منها الأذل ، وكقولهم : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، وقول الآخر للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل .
وقد بين الإمام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (12/487) سبب الخطأ والانحراف في هذه المسألة بتقريره أن القائلين بالكفر بمجرد فعل ذلك أو قوله قد أصابـهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، وأنهم كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع ، قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين ؛ إلا إذا وُجِدت هذه الشروط ، وانتفت تلك الموانع .
وأوضح أن الإمام أحمد والأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ، وأيد هذا بأن الإمام أحمد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن وذكر دعوتهم للكفر وإكراههم للناس عليه ثم قال : ( .. ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم ؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها ، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب ، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه ، واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم ) أهـ .
وقد أورث الخطأ في تأصيل هذه المسألة أحكاما جائرة بالكفر ، وظلما للمخالفين بوصف المعين منهم بالمبتدع ، حتى صرنا نسمع من البعض وصف من تلبس ببدعة عملية بأنه مبتدع فتراهم يقولون : جاء المبتدع وذهب ، ويقولون للمعينين : أولئك المبتدعة .
ومثل ذلك الحكم على المعين بأنه هالك ، أو أن الطائفة المعينة هالكة بمجرد قول أو فعل .
والحكم بالهلاك على المعين هو كالحكم بالكفر لا بد له من اجتماع شروط وانتفاء موانع . والمقصود من حديث : كلها في النار إلا واحدة هو تبيين أسباب الهلاك ؛ ليحذرها الناس لا أن تُطبق على المعين .
قال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/179) : ( ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا ؛ فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه ، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة ، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته ؛ وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك : فهذا أولى ؛ بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا ، وقد لا يكون ناجيا ، كما يقال من صمت نجا ) أهـ . أي : ولا يلزم أن من تكلم هلك .
ومن المعلوم أن من جاء بأسباب النجاة الاعتقادية ثم وقع منه موبقات عظيمة ؛ كقطع الطريق والقتل والظلم في الأعراض فإنه قد يُعذب حتى مع سلامة معتقده ، وقد يُعفى عن صاحب البدعة بتأويل يُعذر فيه مثله ، أو بحسنات ماحية ؛ فصح أن المقصود بذلك الحث على استكمال أسباب النجاة ؛ لا أن تكون هذه اسما يفرق به بين أعيان الخلق في النجاة والهلاك .
وقال رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (5/253) بعد ذكر بعض شطحات الصوفية : ( .. وهذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك ، ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده ، وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله ورسوله ـ وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته ـ .. وكل من أظهر الإسلام ، ولم يكن منافقا فهو مؤمن له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك ، وهو ممن يخرج من النار ؛ ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم ) ..
.. ( ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلم لم تدخل أمته الجنة ؛ فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة ؛ بل يدخلونها ، وتكون منازلهم متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم ، وإذا كان الرجل قد حصل له إيمان يعرف الله به ، وأتى آخر بأكثر من ذلك عجز عنه لم يحمل ما لا يطيق .. ) ..
.. ( فهذا أصل عظيم في تعليم الناس ، ومخاطبتهم بالخطاب العام بالنصوص التي اشتركوا في سماعها ؛ كالقرآن والحديث المشهور ، وهم مختلفون في معنى ذلك ) . أهـ.
وذكر رحمه الله (3/352و353) في شرح حديث الافتراق أصلين في تكفير الفرق ؛ فقال :
( أحدهما : أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقا .. ) ..
.. ( .. ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا .. وقد يكون مخطئا متأولا مغفورا
له خطـأه ، وقد يكون مع ذلك معـه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه ) أهـ .
أسأل الله أن يرزقنا الفهم في دينه واتباع سنة نبيه والتزام جماعة المسلمين .
منقـول.
************************************************** ********
موضوع ممتاز.لكن يبقى أن يطبقه في حياته اليومية كل من رآه .وتقبل مروري!!!



 
 توقيع : أبو ياسر الأنصاري

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ضوابط وقواعد فهم السنة أبو حاتم المنتدى الإسلامي 4 08-05-2010 10:32 AM
تابع ل(ضوابط في التعامل مع المخالف م الإدريسي المنتدى الإسلامي 1 08-08-2009 01:38 PM
ضوابط , في التعامل مع المخالف. م الإدريسي المنتدى الإسلامي 2 05-16-2009 09:37 PM
مهارات التعامل(اللقاء الأول) الأدرعي المنتدى العام 1 03-10-2009 10:15 AM
فن التعامل مع المخطئ السوقي اليعقوبي منتدى الحوار الهادف 3 03-02-2009 03:32 PM