|
المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
قضايا أدبية في كتاب المقابسات
إعداد: د.إبراهيم ياسين*
لقد سبق لياقوت الحموي الرومي أن وصف أبا حيان التوحيدي بأنه أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء على اعتبار أن هذا الأديب الموسوعي جمع بين مختلف المعارف واستوعب ثقافات عصره بكل شتاتها وفروعها ، حيث عرف عنه تضلعه في الأدب والشعر والنقد والفقه والفلسفة وعلم الكلام والمنطق والتصوف وغيرها ، وإن لم يؤلف فيها جميعا ، إلا أن لائحة بأسماء العلماء والفلاسفة والأدباء الذين أخذ عنهم وتتلمذ على أيديهم تدل أكبر دلالة على مبلغ ما ناله هذا الأديب الألمعي من التحصيل ، فضلا عما حصله من مهنته كناسخ للكتب وكوراق ، من المعلومات والمعارف . وما يهمنا في هذا السياق هو أن نقف عند ملمح من ملامح هذا التكامل المعرفي العلمي في شخصية أبي حيان وفكره ، وفي كتاب واحد من كتبه ، خصصه للفلسفة وتحديدا لحوارات فلاسفة بغداد في القرن الرابع الهجري ، هذا المؤلف هو كتاب" المقابسات ". إن الملمح الذي نود الوقوف عنده فـي هذا المجال هو علاقة الأدب بالفلسفة ، أو تحديدا الوقوف على القضايا الأدبية أو ذات الصلة بـالأدب والتي تمت مناقشتها في هذا الكتاب ذي الهم الفلسفي . إن أول مـلاحظة تثيرها عملية التأمل في هذا الكتاب تجعلنا نؤكد على أنه يندرج ضمن ما اصطلح عليه بالأدب الفلسفي . 1 ـ تجليات أدبية في كتاب المقابسات : يتفق جل الباحثين وأغلب الدارسين من المهتمين بفكر أبي حيان التوحيدي على الطابع الأدبي الذي صيغت به هذه المقابسات ، وإن تناولهم لهذه النقطة قد اتخذ مناحي جلى وسبلا شتى . إذ إننا نجد منهم من يتخذها مسلكا إما لاتهام التوحيدي بتدخله في صياغة هذه المقابسات وربما اصطناعها ونسبتها إلى فلاسفة عصره ، وإما لاعتبار الكتاب خاليا من أية فائدة على غرار المستشرق ماكس مايرهوف الذي يرى أن تدخـل أبي حيان التوحيدي في نصوص الكتاب بالتعديل والتنقيح جعل هذه المقابسات فاقدة لأية قيمة ، في حين اعتبر آخرون هذا التصرف عملا مساهما في تقريب الفلسفة من عامة الناس ، وهذه مسألة تحتاج إلى نقاش نؤجله إلى حين . قبل الوقوف على عناصر الصياغة الأدبية نود تسجيل اختلافنا مع محقق الكتاب محمد توفيق حسين حين زعم بأن أسلوب المقابسات واحد من أولها إلى آخرها ، لا نستثني من ذلك إلا المقتبسات من الكتب (1). وهذا القول يسوقه في معرض الإشارة إلى تعمد التوحيدي صياغة هذه المقابسات بأسلوبه. إن مقارنة بسيطة بين هذه النصوص ـ حتى إذا استثنينا إملاءات أبي سليمان السجستاني المنطقي على تلامذته ونقوله من الكتب ـ تؤكد بطلان هذا الزعم . 2 ـ الشاهد الشعري : يمثل الاستشهاد بالشعر ملمحا آخر من ملامح هذا التكامل بين الأدب والفلسفة في الكتاب ، وهي ظاهرة وإن كنا نجد لها أمثلة في كتب الفلسفة الأولى في الحضارة العربية الإسلامية ، إلا أننا نؤكد على أنها في هذا الكتاب تتخذ منحى واضحا . تتوزع الأبيات الشعرية الواردة أو المستشهد بها في " المقابسات " بين إبداعات الشعراء العرب وبين محاولات المتفلسفة قرض أبيات من الشعر رغم ما يعتورها من ركاكة وضعف في الملكة الشعرية . في هذا السياق نلاحظ مثلا استشهاد أبي سليمان أستاذ التوحيدي ببيت من الشعر(2) بصيغة : كما قال الأول : أشكو إلى الله جهلا قد منيت به -*- بل ليس جهلا ولكنه علم مفتون وفي موضع آخر (3) نجد أبا سليمان يستشهد ببيت اعترف أبو أحيان التوحيدي بأنه يجهل قائله ، وهذا البيت هو : حن الغريب إلى أوطانه طربا-*- إن الغريب إلى الأوطان حنان(4). [6]فإن تصبرا فالصبر خير مغبة -*- وإن تجزعا فالأمر ما تريان[/SIZE] كما نجد علي بن عيسى المتفلسف يستشهد ببيت من الشعر ينسبه لبدوي وذلك في المقابسة 66 (6) يقول فيه صاحبه : ما الفضل فيما تريك عين -*- بل هو فيما ترى العقول ثم يورد أبو حيان بيتين من الشعر لأبي محارب الفيلسوف أنشدهما هذا لنفسه وهما : أصد عن الدنيا على حبي الدنيا -*- ولا بد من دنيا لمن كان في الدنيا وأدفعها عني بكفي ملالة -*- وأجذبها جذب المخادع بالأخرى يعمد أبو سليمان إلى التعليق عليهما قائلا : هذا كلام رقيق الحاشية ، حسن الطباع ، مقبول الصورة يدل على ذهن صاف ، وقريحة شريفة ، واختيار محمود ، وذهن ناصع ، ورأي بارع (7). وفي إطار عملية الاستشهاد بالشعر التي يمارسها السجستاني في هذا المقام أورد أبياتا لخالد الكاتب كان يحيى بن عدي الفيلسوف يستشهد بها بل ويحاول معارضتها ببيتين من الشعر هما من الركاكة بموضع ، بحيث أثار البيتان ضحك وسخرية الحاضرين وذلك بسبب ركاكتهما(8). تتجاوز علاقة السجستاني بالشعر الاستشهاد إلى نظم بعض الأبيات التي لا تخلو مـن الجودة ، فمن ذلك قوله : وإني عـزوف النفس عمن يخونني -*- وأعطي قيادي للحبيب الموالف أشاطره روحي ومالي واتقي -*- حذارا عليه من رياح عواصف فإن خان عهدي لم أخنه ولم أكن -*- على ما أرى من غدره بموافق وأترك عقباه لعقبى فعاله -*- ففي عقب الأيام كل التناصف(9) يلحقها باعتذار على أنه ليس من أهل هذه الصنعة ، أثار إعجابنا فيها تواضع هذا المتفلسف الكبير(10) . 3 ـ نقد الشعر : إن تعامل متفلسفة المقابسات مع الشعر يتجاوز أحيانا مستوى الاستشهاد إلى ممارسة عملية النقد ، وقد اتخذت هذه العملية الصيغ التالية : أ ـ الاستحسان : ويمكن ذكر المثال الوارد في الصفحتين 267،266 حيث يقول التوحيدي بأن أستاذه استحسن للبديهي أبياتا هي قوله : لا تحسدن على تظاهر نعمة -*- شخصا تبيت له المنون بمرصد أو ليس بعد بلوغه آماله -*- يفضي إلى عدم كأن لم يوجد لو كنت أحسد ما يجاوز خاطري -*- حسد النجوم على بقاء سرمد بل إن أبا سليمان السجستاني علق عليها بقـوله : ما أفلح البديهي قط إلا في هذه الأبيات (11) . فما كان من تلميذه أبي حيان إلا أن أردف قائلا :( وصدق . كان غسيل الشعر ، سريع القول ، قليل الحلاوة … ) ومن باب الاستحسان اقتراح السجستاني على تلميذه أن ينشد له شعرا لبعض الإلهيين (12) ليعلق عليه بقـوله : ما أحسن الأدب والحكمة إذا كان هذا من ثمرها (13) . إن مما يوضح لدينا هذا المنحى ويؤكده هو العدد الذي أورده التوحيدي من الأبيات الشعرية وهو 33 بيتا في الكتاب ، فضلا عن أن اختيارها خضع للمقياس الأخلاقي حيث إن الغالب عليها ، سواء المستشهد به أو ما تم استحسانه وما أبدعه السجستاني يغلب عليه طابع الحكمة وتحيط به مسحة من التصوف . 4 ـ الصياغة الأدبية : قبل الحديث عن صياغة الكتاب لابد من الإشارة إلى أن هذه الصياغة ولدت نقاشا حادا وخلافات متشعبة . فقد جعلت الكثير من الدارسين يشكون في جدوى هذه المقابسات ويقـللون من قيمتها ومن مكانة الكتاب في تاريخ الفلسفة ، في حين أننا نجد باحثين آخرين يحاولون الدفاع عنه أو يحاولون أن يلتمسوا له العذر. يقول جي دي بور عن فلسفة يحيى بن عدي وأبي سليمان : كذلك نجد نزعة الفارابي المنطقية تستحيل عند تلاميذه إلى فلسفة لفظية ، ونرى الجدل يدور حول تحديد المعاني ، والتدقيق في التمييز بينها… وكانت جماعة السجستاني تتلاعب بالألفاظ والمعاني ، بينما كان إخوان الصفا يتلاعبون بالأعداد والحروف ، وكانت الصوفية منتهى لكلا الفريقين (14). يلتقط ماكس مايرهوف هذا الحكم ليقول : وكما لاحظنا من قبل ليس لهذه المحاورات التي كتب المؤلف بعضها من عنده ، قيمة كبيرة ، فهي موضوعة في قالب أدبي ، والملح تسودها إلى جانب التلاعب بالألفاظ . ولكن المهم هو الوسط الذي يدخلنا أبو حيان فيه… (15).!! هذه الأحكام جرت باحثين آخرين للدفاع عن الكتاب مما أغنى البحث حول الموضوع . فالسندوبي وهو من أوائل من اهتموا بهذا الكتاب وبنشره في المجال العربي ، يعلل الارتباط بين الفلسفة والبلاغة في المقابسات بقوله : ومن أخص مزاياه أنه يمزج الأدب بالحكمة ، والتصوف بالفلسفة ، ويولد من ذلك المزيج مذهبا خاصا لم يسبق إليه (16). أما إحسان عباس فيسير في خط المدافعين ، حيث يقول بأنه :<< لأول مرة في تاريخ الأدب العربي نشهد فنانا أصيلا ، لا يعجز فنه عن الاضطلاع بأدق الحقائق الفلسفية وغير الفلسفية … ولكن الفلسفة بين يدي أبي حيان لم تعد فكرا منطقيا دقيقا ، بل أصبحت مرونة التعبير الأدبي تزحزحها بعض الشيء عن الدقة ، وفقدت الفلسفة ركازها العتيد حيث تحولت أدبا ، ومرة أخرى ابتعد أبو حيان عن الحقيقة الموضوعية بينما كان يقترب منها جاهدا >> (17). أما زكريا إبراهيم فيقول مدافعا عن الكتاب : ونحن لا نوافق البعض على ما ذهب إليه من غموض " المقابسات " واضطرابها ، وكثرة التلاعب اللفظي فيها ، بل نحن نرى ـ على عكس من ذلك ـ أن التوحيدي كان مهتما في هذا الكتاب بتحديد معاني الألفاظ ، والتمييز بين المترادفات ، والكشف عن صلة الفكر باللغة ، والمنطق بالنحو … (18) مضيفا بأن النبرة الصوفية التي تطغى على نصوص المقابسات ما هي إلا صبغة روحية أرادها أبو حيان كغلاف لبعض آرائه الجريئة في النفس البشرية ، والأخلاق الإنسانية (18) . أما محقق الكتاب محمد توفيق حسين فيبرر هذه الصياغة الأدبية في الكتاب بطبيعة الفلسفة الأفلاطونية المحدثة التي تطغى على فلاسفة المقابسات ،حـيث يقول بأن المواضيع التي عرضت لها المقابسات : هي مواضيع ميتافيزيقية صوفية في معظمها ، تغري بالاحتفال بالألفاظ ، والتلاعب بالمعاني ، والهيام بالأوصاف الخيالية الشعرية بل إنه يؤكد بأن الفلسفة الأفلاطونية المحدثة الغالبة على فلاسفة المقابسات : إنما تقوم أساسا على اللغة الشعرية ، والألفاظ العاطفية المحاطة بظلال الغموض . والتي تستهدف إيصال القارئ إلى درجة النشوة الروحية والوجد الصوفي ، أكثر مما تقوم على إقناع العقل بالحجة المنطقية والبرهان الواضح الرصين . وهذا الكلام ورد في سياق تعليقه على قولة ماكس مايرهوف . ويسترسل النقاش ، فها هو عبد السلام المسدي يقول : لقد أفاد أبو حيان من الفلسفة عقلا ، ولقد أفادت الفلسفة من أبي حيان لينا في العبارة ، وانصياعا في هندسة البراهين ، وجمالا في الصياغة جاءها من المراوحة بين مصطلحات الفلاسفة وألفاظ المتأدبين . (19). أما الباحث عبد القادر الرباعي ، فيصل إلى حد القول بأنه : وبعد قراءة متأنية للكتاب ، وجدت أن التفكير النقدي فيه متقدم يتعدى الحديث المباشر في المنظوم والمنثور ، أو البلاغة والبيان ، إلى حوار شامل في أحوال متنوعة ينتظمها خط فلسفي موحد لبواعثها ، راصد لتشعباتها ، جامع لمخرجاتها (20) ، ويزيد الأمر توضيحا حين يقول : فأبو حيان لا يفصل آراءه في الأدب واللغة والبلاغة عن آرائه في الموجودات الأخرى كالحركة والسكون ، والحب ، والعشق ، والهوى مثلا… (21). بقي أن نؤكد أن أسلوب التوحيدي في المقابسات لا يختلف عن أسلوبه في مؤلفاته الأخرى ، حيث نلاحظ : ـ كثرة الألفاظ وغلبة أسلوب الإطناب على الإيجاز . المترادفات بحيث إن الفكرة الواحدة يعبر عنها بأكثر من عبارة واحدة . غلبة الطباق والمقابلة . التوازن الصوتي باستعمال المحسنات اللفظية . إننا خلافا للمحقق وبعد الفحص والتركيز على الخصائص البلاغية والمميزات الأسلوبية يمكن تمييز المستويات التالية : 1 ـ مقدمة المؤلف وخاتمة الكتاب وتمثل قمة التأنق في الصياغة الأسلوبية وتوظيف الآليات البلاغية . 2 ـ حوارات المتفلسفة وهي في درجة وسطى من حيث العناية ويمكن أن نلاحظ فيها مستويين : مـستوى مشاركة المتفلسفين على غرار أبي سليمان والقومسي وغلام زحل وغيـرهما. مستوى مشاركة الأدباء من مثل : أبي إسحاق الصابي وأبي محمد الأندلسي النحوي… 3 ـ إملاءات من كتب الفلسفة ، وضمن هذا النوع تطرح الصياغة الفلسفية والتعابير الجافة الموجزة ، وتلاحظ قلة العناية بالعبارة . الاختلاف بين هذه المستويات يشمل طبيعة المصطلحات وطريقة التركيب ودرجة الإيجاز والإطناب حيث يلاحظ في أسلوب الأدباء غياب المصطلح الفلسفي المحض وكثرة العبارات التي يغلب عليها المجاز والإطناب على عكس عبارات الفلاسفة حيث الإيجاز ووفرة المصطلح الفلسفي وغموض العبارة صفات بارزة .هذا التقسيم ليس نهائيا ومطلقا . فقد تجد الصياغة البلاغية تتخلل المقتبسات بحكم عامل الترجمة وأحيانا تتداخل هذه الخصائص . الملاحظة الثانية هي أنه انطلاقا من توظيف الآليات في دراسة الأساليب سنتمكن من استخراج وتحديد الخصائص البلاغية والأسلوبية للخطاب الفلسفي وتمييزه عن بقية الخطابات الأخرى الأمر قد يساعد في تصحيح مجموعة من الأخطاء يعجز التحقيق بالطريقة التقليدية عن اكتشافها وضبطها في حال وجود مخطوطة واحدة مثلا . ونحن لا نقصد أن يتم اعتماد هذه الطريقة بل إن هدفنا هو الاستعانة بهذه الطريقة متى كان ذلك ممكنا وعلى سبيل الاستئناس .كما تمت مناقشة قضايا لها صلة بوظيفة الشعر حيث نجد صاحب المقابسات في إطار حديث المتحاورين عن فائدة علم النجوم يتحدثون عن الشعر على أن : منتهاه قائم في النفس من صاحبه ، ثابت في قريحته ، يجيش به صدره ، ويجود به طبعه ، ويصح عليه ذوقه ، من مدح مأمول ، وترقيق غزل ، وهجو مسيء ، واستنزال كريم ، وتوشية لفظ ، وتحلية وزن ، وتقريب مواد [ كذا والصواب مراد] ، وإحضار خدعة ، واستمالة عزيز ، وضرب مثل ، واختراع معنى ، وانتزاع تشبيه ، مع تصرف في الأعاريض بين ، وقيام بالقوافي ظاهر . (22) . وظيفة الشعر هنا تتجاوز البعد الفني الشكلي إلى وظائف أخلاقية واجتماعية ونفسية وبعيدا عن التأثير الفلسفي اليوناني كما هو منتظر من هؤلاء المتفلسفة .ومن جملـة القضايا التي تمت مناقشتها بشكل مستفيض في الكتاب ، موضوع البلاغة ووظيفتها وخصائصها وهذا موضوع مقال آخر. كما تمت الإشارة إلى مناقشة قضية المفاضلة بين المنطق والنحو (23) . ومن القضايا المهمة التي ناقشها فلاسفة المقابسات قضية النظم والنثر ، ولا بأس أن نورد هنا نصا كاملا حتى تتضح الصورة كاملة ، يقول أبو سليمان : النظم أدل على الطبيعة ،لأن النظم من حيز التركيب ، والنثر أدل على العقل ، لأن النثر من حيز البساطة . وإنما تقبلنا المنظوم بأكثر مما تقبلنا المنثور ، لأنا بالطبيعة أكثر منا بالعقل . والوزن معشوق الطبيعة والحس ، ولذلك يغتفر له ما يعرض من الاستكراه فـي اللفظ . والعقل يطلب المعنى ، فلذلك لا خطر للفظ عنده ، وإن كان متشوقا معشوقا . والدليل على أن المعنى مطلوب النفس ، دون اللفظ الموشح بالوزن على الضرورة ، أن المعنى متى صودف بالسانح والخاطر وتوفى الحكم ، لم يبل بما يفوته من اللفظ الذي هو كاللباس والمعرض والإناء والظرف . لكن العقل مع هذا قد يتخير لفظا بعد لفظ ، ويعشق صورة دون صورة ، ويأنس بوزن دون وزن ، ولهذا يشتق الكلام بين ضروب النثر وأصناف النظم . وليس هذا للطبيعة ، بل الذي يستند إليها من الكلام ما كان حلوا في السمع ، خفيفا على القلب ، بينه وبين الحق صلة ، وبين الصواب وبينه آصرة ، وحكمها مخطوط بإملاء النفس ، كما أن قبول النفس راجع إلى تصويب العقل ثم قال : ومع ذلك ففي النثر ظل من النظم ولولا ذلك ما خف ولا حلا ولا طاب ولا تحلا . وفي النظم ظل من النثر ، ولولا ذلك ما تميزت أشكاله ، ولا عذبت موارده ومصادره ، ولا اختلفت بحوره وطرائقه ، ولا ائتلفت وصائله وعلائقه. (24) ، إلا أن التوحيدي أشار إلى أنه نقل بقية الكلام في رسالة سماها " الكلام على الكلام " لم تصل إلينا .وفي موضع آخر (25) ، وبعد أن أخبره أبو حيان بأن أبا إسحاق الصابي صنف رسالة في تفضيل النثر على النظم ، أجاب أو سليمان بأن : النثر أشرف جوهرا ، والنظم أشرف عرضا . قال : وكيف ؟ قلت له : لأن الوحدة في النثر أكثر ، والنثر إلى الوحدة أقرب ، فمرتبة النظم دون مرتبة النثر ، لأن الواحد أول ، والتابع له ثان . فقلت له : فلم لا يطرب النثر كما يطرب النظم ؟ فقال : لأنا منتظمون ، فما لاءمنا أطربنا ، وصورة الواحد فينا ضعيفة ، ونسبتنا إليه بعيدة ، فلذلك إذا أنشدنا ترنحنا . (26) . وفي باب التعريفات (27) نجده يورد ما يلي : يقال : ما الشعر؟ الـجواب : كلام ركب من حروف ساكنة ومتحركة ، بقواف متوازنة ، ومعان معتادة ، ومقاطع موزونة ، وفنون معروفة . . كاتب وباحث وأكاديمي من حكم المتنبي ولم أرى في عيوب الناس عيبا = كنقص القادرين على التمام
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
عرض كتاب مواعد الإطراب للشيخ حمدا بن حدي | محمد أغ محمد | المنتدى الأدبي | 7 | 03-13-2012 10:07 PM |
كتاب (مدينة السوق) من جديد 3 | السوقي الأسدي | المنتدى التاريخي | 12 | 03-19-2011 02:36 PM |