202. القاضي / محمد الأمين بن هَمَّهَمَّ الأنصاري الإجدشي السوقي

202. القاضي / محمد الأمين بن هَمَّهَمَّ الأنصاري الإجدشي السوقي :
هو الشيخ القاضي محمد الأمين بن القاضي همّهمّ بن القاضي الصالح المعروف بسَله ينتهي نسبه إلى الشيخ محمد بن يوسف المعروف بإد إنتكرنت الأنصاري(1) .
قال فيه الشيخ حماد الأنصاري : هو العالم العلامة الشيخ محمد الأمين القاضي الأنصاري الخزرجي كان عالما عاملا وبحرا زاخرا وناقدا ماهرا شهد له بالفضل معاصروه الذين اتصلوا به بسبب من الأسباب وعرفوه معرفة الأصحاب شهد له بالتمكن في العلم وحسن التوجيه في الدرس والعدل والإنصاف في القضاء ، تعلم على نخبة من العلماء منهم والده وغيره . تولى القضاء وهو أعلى منصب تقلده عالم في عصره وقد جرى فييه على سنن أسلافه من معاناة الشدائد في تأدية حق ما حمله من أعباء هذا المنصب وتباعته الجسام . وقد اشتهر بهذا المنصب ـ منصب القضاء ـ ولازمه ملازمة الظل في حياته وذاكره الناس به بعد مماته .
كان عزيرا مكرما في قومه مقدما فيهم جليل القدر موفق القصد بادي العلم سديد الرأي منيعا فيهم لم ينل منه نيل ولا عض من شأنه بل كان له من الثناء أطيبه وأحسنه في حياته ومن الذكر أخلده بعد وفاته(2) .
وقال فيه الشيخ العتيق : هو العالم العامل الولي الكامل والبحر الزاخر الناقد الماهر شهد له بالفضل كل معاصر تولى القضاء وجرى فيه على سنة أسلافه من معاناة الشدائد في تأدية حق ما حمله من الأعباء وأثر آثارا تشهد له بالسبق في العلوم منها : نظمه " لقواعد المعرب " فما من قاعدة من قواعد ذلك الكتاب إلا وهي روضة غنا فقربها على الطالبين بأسلوب غريب حتى صارت مما به يتغنى من شدة إعجاب المتعلمين بها وهي التي قال في أولها :
يقول راجي المن والإمداد
من ربه جل عن الأضداد

الخاطئ المخطئي ما من عمل
أعده إلا قوى الأمل

من لم يلق بالرمز والتكنيه
فضلا عن التميز والتسميه

لكن سيأتي باسمه تلويحا
إذ لم يكن بقابل تصريحا

باسم الإله أولا وآخرا
أرفع أمري باطنا وظاهرا

أحمده ربا جليل الذات
عظيم الاسم علي
الصف
ت

مصليا على النبي الهادي
أهلَ الضلالة إلى الرشاد

الصادق المبلغ المكين
المصطفى ( محمد الأمين )

ثم الرضى عن آله الأطهار
وصحبه لدينه ( الأنصاري )

هذا وإني قاصد للمعرب
نظم القواعد التي في المعرب

حاشية الحبر التواتي المَقَر
القرشي الان
ساب
ابن عمر

عبد الرحيم معرب القرآن
جزاه رب العرش بالغفران

لا بدع أن أبدي به المسبار
ما عافت الأسماع والأبصار

ألم يكن صوت من الذباب
بمذهب لفطنة اللباب

لاسي من تعوقه عوائق
وعلقت بقلبه علائق

...........(3)لم تكن محويه
في الأصل والفصل له مزيه

أوْبًا لِمَا وعدته مرتجيا
به ثوابا من عقاب منجيا

ومتبرئ له تعالى
سبحانه من قوة إجلالا

فإنه البر المعين
فضلا
الصمد الفرد ا
م
ين عدلا

قلت والتلويح الذي أشار إليه في قوله ( لكن سيأتي باسمه تلويحا ) أراد به ذكر اسمه محمد الأمين . ولولا خشية التطويل والخروج عما نحن فيه لأتيت بجميع المنظومة هنا لما تحتوي عليه من الفوائد والقواعد الفرائد . وله قصائد في موضوعات شتى وليس عندي وقت الكتابة شيء من شعره . وأما أثره المنثور فرأيت منه تأليفا يحتوي على أشياء منها " نصيحة علماء دِنَّكْ وسلاطينهم " ومنها " الذب عن سلاطين وأهل بلده " ومنها " جواب عن فتيا تنسب للمغيلي " تمسك بها العلماء الذين يخاطبهم في استحلال أموال أهل بلده ودمائهم واسترقاقهم فتكلم على ما يتعلق بتلك الفتوى وجلب النصوص من الفقه وأصوله والنحو والمنطق ، ثم ذكر تمكنه من علم الحروف والأوفاق . وأما قضاؤه فهو الذي يعرف به في عصره وبعده ولم أسمع من ينتقم منه شيئا وكيف ينقم منه وقد حدثني الشيخ الخضر ابن الشيخ حماد رضي الله عنه عن ثقات أسلافه الذي أدركهم : أن هذا الشيخ لما قُلّد زعامة القضاء وقيادة حيه وانتقل المسجد إليه على عادة قومه في التسويد أنشأ وأنشد :
سلام على اللذات واللهو والصبا
سلام وداع لاسلام وداد

وحدثني أيضا عن والده الشيخ حماد أنه مولع بحكايات هذا الشيخ القاضي وأنه مستغرق في الثناء عليه حتى أنه ربما هزته محبته فيقوم من مجلسه ويخطو خطوات يحكي بها مشيته ويقول للناس إنه كان يحكي مشية النبي  المسطورة في كتب السيرة ، وإذا خاض في حديثه أطنب وكلما رأى واحدا من ذريته وتذكره كاد يطير فرحا ولا سيما إذا وفد عليه واحد منهم ، إنما يعرف الفضل من الناس ذووه . إهـ
وأما سعيه في مصالح العباد وتسكين الفتن في البلاد فقد ضربت به الأمثال وعجز عن شأوه فيه فحول الرجال ومن أعظم ذلك وأكثره نفعا قيامه مع الإنصار بن النابغْ في إطفاء الفتن بين أهل دنَّكْ وأهل مَنَكَا ففرج سفره ذلك عن الناس غموما كثيرة ورعى الراعي وتجر التاجر وقرأ المتعلم وكتب الكاتب وازدهرت البلاد وما زال الناس في أمن ودعة بعد الصلح الذي عقده هو وسلطانه حتى نقض الأحداث عقد ذلك الصلح في آخر أيام الإنْصَار وكانت وقعت مَنَكَا المشهورة التي وقعت عام خمسة وثلاث مائة وألف 1305هـ . وأما حسن شمائله وسيرته فكاد أن يكون أكثر حديث من أدركنا من أسلافنا نقلا عن أسلافهم المعاصرين له ومما يحكى عنه المبالغة في تعظيم الشرفاء حتى بلغ من ذلك مبالغ لم تسمع عن غيره منها أنه جاور حيه حي أهل تَبُورَقْ في بعض السنين يدارسون الفنون وكان هذا الشيخ هو الزعيم وقاضي القضاة فأحسن جوار حي أهل تَبُورَقْ وجعل يحذر أهل حيه من إساءة آداب جيرانهم ويقرر لهم أن من أساء إليهم في القول والفعل نكله نكلا شديدا ففي بعض الأيام عدا حمار حيه على حمار جيرانه فأخذه وربطه مدة لا يأكل ولا يشرب ليرى الناس عقوبته للبهيمة فيقلطوا من إهداره فعل العاقل إذا أتى بما ينافي التعظيم في حق جيرانه الشرفاء وسمعت عنه مثل قصة الحمار في حق أمة لهم تشاجرت مع أمة لجرانهم فنكلها نكلا شديدا رعاية لحرمة أرباب صاحبتها ثم لم تطب نفسه بالمقام معها بعد ما صدر منها من إساءة الأدب فباعها لتاجر من أهل تَواتْ وأخباره في هذا المنحنى كثيرة منها أنه انتقل عن حيه أخر عمره حرصا على قربه من جيرانه الشرفاء فمات في موضع قريب يقال له تِنْتَفَكْرَوْتْ ودفن هناك في أوائل القرن الرابع عشر وزرت قبره وأنا صغير يقودني الشيخ الوالد لأنال من بركته نفعنا الله ببركاته وبركات أمثاله ، وحدثني الشيخ الخضر أن والده سمع ذات يوم من سمى موضع دفن هذا الشيخ باسمه المعروف تِنْتَفَكْرَوْتْ ومعناها بلغة الطوارق ذات الرمكة الهجينة فنهاه أن يعود لتلك التسمية وأمره أن يسمي الموضع باسم شريف وقال له منزل اختص بكرامة إقامة الشيخ محمد الأمين فيه لا يليق أن يدعى باسم غير كريم . إهـ وكفى بهذا شهادة له على إجلاله له وبعد موته اختل أمر البلاد بالاحتلال الفرنسي الذي بسببه ذهبت دولة إولّمّدنْ وزال حكمهم على البلاد فانقرض تولي منصب قاضي القضاة وصار كل عالم يفتي من يستفتيه من غير تقيد بعالم آخر إلا أن يتطوع أحد المفتين بمشاورة من شاء من إخوانه أو يستفيد ممن يراه أعلم أو أورع منه وصار أهل بيته كغيرهم من حملة العلم . وخلف هذا الشيخ أولادا(4) .

قلت : سمعت أنه عندما ألف العلامة محمد بن وانفنداسن الجنهاني كتابه ( تيسير الفتاح في الذب عن أهل الصلاح ) الذي ألفه في الرد على علماء دنّك وخاصة من ذكرهم فيه كعبدُ وغيره رد العلامة القاضي محمد الأمين على علماء ( دِنَّكْ ) بقصيدة قال فيها :
هذا ذيّك بالتقصيد والنثر يا عبدُ
وهل يستوي في المشهد الحر والعبد

ومراده بقوله ( ذيّك بالتقصيد ) قصيدته وبقوله ( والنثر ) قصد به تأليف الشيخ محمد إكنن بن وانفنداسن الجنهاني ، وقوله ( يا عبد ) عالم من علمائهم .
وله أيضا : رجز في الأضداد .
وله أيضا : نصيحة أهل النيجر .
ووجدت في بعض توالفه ما نصه :
وقد قال لي شيخنا محمد حن بن أمتال اعلم أن الشيخ المختار الكنتي قال لي ذات يوم وأنا أسأله عن الوقائع التي تقع عندنا كثيرا إلى أن قلت له : ما تقول في حلية ما بأيدي هؤلاء التوارق مما يأخذون من أموال مساكن بلادنا(5) .
ووقفت على رسالة منه إلى الشيخ عَمْنا نصها :
( باسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده هذا ويسلم القاضي ابن القاضي محمد الأمين بن همهم على أخيه وحبيبه محمد أحمد (عمنا) بن أحمد(6) ويعلمه أن (اجللو) و (الأمين) أتيانا في شأن قضيتهما مع أنهما يزعمان أنهما تحاكما إليك فلم تفصل لهما القضية بعدُ بل أحلتهما علينا فلا عيلك أن فصلتهما وإذا وصلا إليك فلا تحلهما على أحد بل أفصلها(7)..................
ويسلم على أخيه وحبيبه محمد الصالح بن آيا(8) ويأمره بما أمر به عمنا والسلام.
قال الشيخ حماد بن محمد الأنصاري : إن عمي صاحب المنظومة ـــ القواعد النفيسة ــ توفي قبل أن آتي إلى الدنيا بقليل(9) .

قلت : توفي رحمة الله عليه 1340هـ(10) .