العودة   منتديات مدينة السوق > قسم اللغة والدروس العلمية > المنتدى الأدبي

المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله

Untitled Document
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06-19-2012, 02:30 AM
عضو مؤسس
م الإدريسي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 فترة الأقامة : 5508 يوم
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : م الإدريسي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
35 من غرر الأدب في مدرسة كل أسوك



بسم الله
إخوتي الكرام في منتديات مدينة السوق, بعد غياب طويل لظروف خاصة, أطل عليكم مجددا مهنئاً بجميع النعم المتتالية علينا منذ غيابي, ومعزيا مما صاحبها من الابتلاءات, وها أنا ذا أسلم عليكم جميعاً, وأذكر نفسي وإياكم بالهدف الأساسي للموقع, وهو خدمة التراث الأزوادي, وقد قرأت بعض القصائد التي تمثل في نظري غرر التراث الأدبي الأزوادي, وهي قصيدة للشيخ الشاعر محمد بن يوسف من (كل أسوك) وكان سببها دعوة أطلقها الشيخ الشاعر/ السالم بن محمد اليماني (إغلس) من (كل أسوك) أيضا, في أواخر القرن المنصرم, وكانت الدعوة مضمنة في قالب شعري, يتمثل في قصيدة عينية رائعة مطلعها:
حيثما كنت بارياً لليراعه=ومليقاً للنون مجت براعه
وهي مشهورة عند الأدباء الأزواديين جداً, وموضوع القصيدة هو الدعوة إلى الرجوع إلى التعلم والتعليم, والتنبيه على الخطر الداهم من انسياق الشباب وراء ملذات العصر الحديث, واتجاههم إلى التوجه المادي, وكان الشيخ الشاعر (إغلس) قد حمَّل قصيدته هذه زفراتٍ حارةً وبكاء حارقاً على واقع التعلم والتعليم في إقليمه, وبسبب هذه الدعوة المخلصة الجادة, قام بعض أعيان العلماء والأدباء من أقرانه بالاستجابة لدعوته وطمأنوه في قلقه, وتفاعلوا معه بعدد من القصائد الرائعة أيضاً, تعمدوا فيها إبراز القوة العلمية, وإظهار استمساكهم بأزمة اللغة العربية, وشكروا فيها الشيخ الشاعر (إغلس) على مبادرته وأحاسيسه النبيلة, ثم طمأنوه بتوفر بقايا صالحة, لم تزل محافظة على النهج القديم الذي ينعاه, وينذر بصيرورته إلى الزوال, إن لم يتم تدارك الأمر بسرعة.
ومن غرر القصائد التي قيلت بتلك المناسبة: هذه السينية التي عزمت على عرضها هنا, مُرفقة بتوضيح لغريبها, وتبسيط مستعجل لمضمونها؛ مساعدة لبعض القراء, ولعل من الإخوة القراء من يمتلك قدرات نقد عالية, تؤهله لتحليلها تحليلاً يبرز جمالها, والقصيدة طويلة وجميلة, ومعبرة عن واقع المجتمع الأزوادي في ذلك الوقت, وما كان عليه من الاستمساك بالأخلاق العالية, كما تعبر عن النضج العلمي والفكري لصاحب القصيدة, كنموذج من نماذج المجتمع الذي أفرزه, وإليكم المقطع الأول من القصيدة:

أمَا واحورارِ البيضِ بيضِ القراطس=ورقصِ عوالي الخط بين الأباخس
وما رقَّ من معنىً وراق سلاسةً=من اللفظ في طي البطاق الأمالس
بطاقٍ موشَّاةِ الحواشي حواشياً=لطائفَ, ليست حِلفةً بالمدانس
لقد ذوَّب القلبَ الهوى فأراقه=من العين عيناً مائعاً غيرَ قارس
فلو سابر اللاحون غورَ اشتياقه=وقاسُوه لم يقتسْه مقياسُ قائس
فبتُّ وسفاح بن مقلة شاهدٌ=على أن طرفي ساهدٌ غيرُ ناعس
وما شاقني لا سجعُ ورقاءَ سُحرةً=ولا رسمُ دارٍ عُرِّيت من أوانس
ولا راعني عسفُ المطيِّ بغزلة=أواعسَ من (تُرعى) لـ(ذات المواعس
ولا طرقتنا في البسابس (فرتنى)=ولا طاف طيفٌ من خيال (البسابس
بلى طرقتنا (بنتُ قُسٍّ) فأطرقت=حياءً, ووافت من حبيب مؤانس
متوَّجةً (تاجَ العروس) مرصَّعاً=بأيتام لُول من لآلي (القوامس
وقد جُلِّلت إستبرقَ الحسن, واكتست=سناً وسناءً, وارتدت كلَّ وارس
فحلَّت أَورِايَّ الرِّيا, ثم وثَّقت= وشدَّت أَواخيَّ الإخا شدَّ سائس
ورمَّت رميمَ الوصل, ثمت أكدت=عهوداً, وجددت دروسَ المدارس
هيهْ! جلوةُ المحزون, سلوةُ آسف=ولكنها في القلب جذوةُ قابس
فكم وسمت بالعيِّ ألسَنَ سامها=حواراً, فأمسى لُكنةً غيرَ نابس
وإليكم قراءتي لهذا المقطع:
أما, واحورار البيض بيض القراطس= ورقص عوالي الخط بين الأباخس
المفردات:
أما: حرف استفتاح، مثل ألا.
و: حرف قسم.
احورار: احورت العين صارت حوراء, والحور: شدة بياض العين مع شدة سوادها, والاحورار أيضا الابيضاض.
البيض: جمع بيضاء أنثى الأبيض.
القراطس: جمع قرطاس , وهو: الصحيفة يكتب فيها، والناقة الفتية، والجارية البيضاء المديدة القامة.
الرقص: الزفن, والإسراع في السير, والارتفاع والانخفاض فيه.
عوالي: جمع عالية, وعالية الرمح: رأسه؛ (أو النصف الذي يلي السنان).
الخط: موضع باليمامة، وإليه تنسب الرماح الخطية, أو الطريق الخفيف في السهل, والكتب بالقلم وغيره.
الأباخس: الأصابع نفسها، وقيل: ما بين الأصابع وأصولها, والبخس أيضا: أرض تنبت من غير سقي.
المحتوى:
استخدم الشاعر في هذا البيت (الاحورار) و(القرطاس) ثلاث استخدامات فيحتمل هذا المصراع من البيت ثلاثة تفاسير:
الأول: أن الشاعر يقسم بشدة بياض النوق, إذا حملنا الاحورار على معنى الابيضاض, وحملنا القرطاس على معنى الناقة الفتية.
الثاني: أن يكون قد حلف بشدة سواد الحبر في شدة بياض الصحيفة المكتوبة, إذا حملنا الاحورار على معنى شدة سواد العين في شدة بياضها, وحملنا القرطاس على معنى الصحيفة التي يكتب فيها, فيكون تشبيها للصحيفة المكتوبة بالعين الحوارء, فيكون الاستعمال مجازا بالتبعية.
الثالث: أن يكون قسما بالحوَر بمعناه الحقيقي في عيون الجواري, إذا حملنا الاحورار على معناه الحقيقي, وهو الحور في العين (شدة سوادها في شدة بياضها), وحملنا القرطاس على معنى الجارية البيضاء المديدة القامة.
وأرى أن الشاعر يقصد المعاني الثلاثة كلها, فالتعبير يحتملها على السواء, وكلها واضحة فيه, كما أن هذه الظواهر الثلاثة كلها تستحق أن تلفت نظر الشاعر الأصيل, فالصحيفة المكتوبة والجارية الحسناء والناقة البيضاء, ثلاثية محببة إلى أصحاب الذوق الرفيع.
والمصراع الثاني كسابقه, قد استخدم فيه الشاعر (الرقص) و(الخط) ثلاث استخدامات, واستخدم (العوالي) و(الأباخس) استخدامين, فيحتمل ثلاثة تفاسير:
الأول: أن يكون الشاعر يقصد القسم أيضا بإسراع النوق التي تعلو الطريق الخفيف في السهل, خلال الأرض الخصبة.
الثاني: أن يكون قد قصد القسم بارتفاع وانخفاض عوالي الرماح بين أصابع الرماة.
الثالث: أن يكون قد قصد ارتفاع وانخفاض الأقلام التي تعلو الخط وتكون بين الأصابع.
والمعاني الثلاثة كلها غاية في الوضوح والجمال, فمطلع القصيدة بمثابة ثلاثة أبيات وفي غاية الروعة.
وما رقَّ من معنى وراق سلاسةً = من اللفظ في طيِّ البطاق الأمالس
المفردات:
رق: ضد غلظ, والرقيق: نقيض الغليظ والثخين, وقد رق الشيء يرق رقة، وأرقه، ورققه, وترقيق الكلام تحسينه, ومن المجاز: كلام رقيق الحواشي, ورقّق كلامه, ورقق عن كذا: كنى عنه كناية يتوضح منها مغزاه للسامع.
راق: الماء والمسك خلص, والروق : الإعجاب ، يقال : راقني هذا الأمر يروقني روقا، أي : أعجبني فهو رائق وأنا مروق.
سلاسة: سلاسة اللفظ سهولته ورقته وانسجامه, واشتمال الكلام على حروف متلائمة سهلة التتابع في النطق.
الطي: ضد النشر, طَوَى الشيءَ طيًّا: ضَمَّ بعضَه على بعض، أو لفَّ بعضه فوق بعض ويقال: وجدت في طيّ الكتاب وفي أطواء الكتب ومطاويها كذا.
البطاق: جمع بطاقة وهي : الورقة.
الأمالس: جمع ملساء والملاسة والملوسة: ضد الخشونة.
المحتوى:
يستمر الشاعر في القسم بالمظاهر والظواهر التي تروقه وتعجبه, فيحلف في هذا البيت بالمعاني الرقيقة, والألفاظ الخالصة, التي تثير الإعجاب بسهولة عبارتها, وإشراق معانيها وروعة أدائها, في حال كونها مدرجة في مطاوي الصحائف الملساء التي لا خشونة فيها.
بطاقٍ موشاة الحواشي حواشياً=لطائفَ, ليست حلفةً بالمدانس
المفردات:
موشاة: من وشّيت الثَّوْب إِذا رقمته, يقال: وَشَيْتُ الثوبَ أشِيه وَشْياً وشِيَةً، ووَشَّيْتُهُ تَوْشِيَةً شدِّد للكثرة، فهو مَوْشِيٌّ ومُوَشًّى.
الحواشي: جمع حاشية, وحاشيةُ الثَّوْبِ وغيره: جانبُه, وقيل: حاشية كل شيء طرفه الأقصى.
حواشيا: جمع حاشية وهي هنا بمعناها العرفي وهو: الهوامش.
لطائف: جمع لطيفة, واللطف من الكلام وغيره عبارة عن الرفق وعدم المجافاة, واللطيفة في الاصطلاح العرفي: كل إشارة دقيقة المعنى تلوح للفهم لا تسعها العبارة، كعلوم الأذواق.
المدانس: كل ما يقدح في العرض وهو من الدنس الوسخ, ومن المجاز فلان يتصون من الأدناس والمدانس.
المحتوى:
هذا البيت مرتبط بالذي قبله, وقد أكمل به الشاعر المعنى الذي أسسه في البيت السابق من الحلف بالمعاني الرائقة, والألفاظ السلسة المطوية في البطاقات الملساء, التي لا خشونة فيها ولا تجاعيد, فوصفها مرة أخرى بأنها مزبرجة الأطراف والجوانب, بهوامش مملوءة بلطائف المعرفة, ودقائق العلوم, ولعله يقصد الحلف بالمصحف حال كونه مهمشا بالطرر الجميلة, التي كان علماء الصحراء يطررون بها نسخهم من تفسير الجلالين, فرغم أن الشاعر بعيد عن منطق العوام, إلا أن الحلف بما يسمى في الصحراء بـ(المحلي) (تفسير الجلالين) سائد في المنطقة, وحواشي نسخ تفسير الجلالين تتبادر إلى ذهن من يعرف المنطقة عند قراءة هذا البيت, والأدب ـ كما يقولون ـ مرآة المجتمع.
وبعد ما حلف بهذه الظواهر والمظاهر التي ذكرها, احترس من الجانب الشرعي, فنفى أن تكون حلفته بهذه الأشياء على معنى تقديسها, أو اعتبارها شركاء لله في العظمة, فيكون كأنه حلف بالمدانس وهي الأوثان.
لقد ذوَّب القلبَ الهوى فأراقه=من العين عيناً مائعاً, غيرَ قارس
المفردات:
ذوب: ذاب الشئ يذوب ذوبا وذوبانا: نقيض جمد، وأذابه غيره وذوبه، بمعنى, أي: (ذوبه) جعله يذوب, وصهره حتى سال وتميع, ومن المجاز: ذاب دمعه، وله دموع ذوائب.
أراق: أراق الماء ونحوه يريقه: صبه.
العين: الباصرة.
عينا: الجارية.
مائعا: ماع السائل ذاب وسال وجرى على وَجه الأَرْض منبسطا فِي هينة, فهو مائع.
قارس: بارد, ويقال: أصبح الماء قارسا, أي: باردا برودة شديدة.
المحتوى:
هذا البيت هو جواب القسم السابق, وقد حلف الشاعر على أن الهوى (الحب) سلط حرارته على قلبه حتى صهره وذوبه, ثم لما أصبح قلبه سائلا, صب صهارته عن طريق عينيه, فإذا به يسيل على وجه الأرض كالعين الجارية المتموجة, إلا أنه يختلف مع الماء بأنه ليس ببارد, فهو صهارة شديدة الحرارة.
فلو سابر اللاحون غورَ اشتياقه=وقاسُوه لم يقتسه مقياس قائس
المفردات:
سابر: سبر الجرح بالمسبار والسبار: قاس مقدار قعره بالحديدة أو بغيرها, وسبره: خبره.
اللاحون: اللائمون والعذال, من لحوت العود إذا قشرت لحاءه, ومن المجاز: لحاه اللاحي: لامه اللائم.
غور: غور كل شيء: قعره.
اشتياق: الاشتياق والشوق حركة الهوى والحنين والنزوع إلى الحبيب.
قاسوه: قدروه, أو كابدوه, وقاس الشيء يقيسه ويقوسه قوسا, قدره وحزره, وقاسيت الشيء كابدته.
يقتسه: يقدره.
المقياس: الآلة التي يعرف بها مقدار الشيء.
قائس: هو الذي يقيس الشجة بالميل أو غيره, ويتعرف مقدارها؛ ليحكم فيها بعقلها(ديتها).
المحتوى:
يعتذر الشاعر في هذا البيت لمن يلومه في الحب, أو يعذله في الشوق إلى أحبابه, بأن لوعة الهوى في قلبه وصلت من التغلغل درجة لو جربها اللائمون أو عايشوها وخبروها, أو قدروها وحزروها وكابدوها, لم تصل آلات التقدير عندهم إلى حقيقة قدرها, مهما وصلوا من الخبرة في الجروح والشجاج, والحنكة في معرفة أغوارها وأبعادها.
فبتُّ وسفاح بن مقلةَ شاهدٌ=على أن طرفي ساهدٌ, غيرُ ناعس
المفردات:
بت: بات يفعل كذا, إذا فعله ليلا.
سفاح بن مقلة: كناية عن الدمع.
طرفي: الطرف اسم جامع للبصر, وأطلقه على محله وهو العينان مجازا.
ساهد: السهاد: الأرق.
ناعس: النعاس السنة من غير نوم.
المحتوى:
يصف الشاعر في هذا البيت حالته بعد استحواذ الشوق على قلبه, فيذكر أنه قضى ليلته ملازما للأرق, وعيناه ملازمتان للسهاد, ولم تتمضمض عينه, ولو بسنة خاطفة, فضلا عن النوم المستغرق المريح, والشاهد على ذلك هو السفاح بن مقلة, الذي عبر به عن صُهارة قلبه, التي كانت تتصبب طول الليل, في شكل دموع تسفحها مقلتاه.
وما شاقني لا سجعُ ورقاءَ سُحرةً=ولا رسمُ دارٍ عُرِّيت من أوانس
المفردات:
شاقني: هاج شوقي, والشوق والاشتياق: نزاع النفس إلى الشيء, شاقني الشيء يشوقني شوقا، فأنا مشوق والشيء شائق.
سجع: سجعت الحمامة رددت صوتها, وطربت فيه.
ورقاء: الوُرْقةُ: سواد في غبرة كلون الرماد، ومنه حمامة وَرْقاء.
سحرة: سحرا, يقال: لقيته سحرة وسحرة بالتنوين وعدمه.
رسم دار: أصل الرسم في اللغة العلامة ومنه رسوم الديار.
عريت: أخليت.
أوانس: جمع آنسة, والجارية الآنسة: إذا كانت طيبة النفس، تحب قربك وحديثك، وجمعها الآنسات والأوانس.
المحتوى:
في هذا البيت يستبعد الشاعر ما يتبادر إلى الذهن من كونه متيما بالحب المعهود عند المتغزلين, فينفي أن يكون هديل الحمام في وقت السحر, أو رسوم الديار وأطلالها التي خلت من الأوانس, هي التي هيجت منه الحب والشوق.
ولا راعني عسفُ المطيِّ بغزلةٍ=أواعسَ من (تُرعى) لـ(ذات المواعس
المفردات:
راعني: كل شيء يروعك ويبهرك منه جمال أو كثرة, تقول: راعني فهو رائع.
عسف: الأخذ على غير الطريق, عسفت الرّكاب يعسفن الطريق عسفا ويعتسفنه ويتعسفنه أي: يخبطنه على غير هداية.
المطي: المطية ما يركب من بعير وغيره, وتجمع على مطي ومطايا, ومطه ومطاه مده, وسميت المطية مطية؛ لأنها يمطى بها في السير أي يمد بها.
غزلة: جمع غزال وهو الشادن (ولد الظبية) حين يتحرك, شبه الشاعر بها النساء.
أواعس: جمع الأوعس, وهو: السهل اللين من الرمل.
ترعى: اسم موضع.
ذات المواعس: ذات المواعيس موضع.

المحتوى:
يستمر الشاعر في نفي إعجابه بالمظاهر التي كانت مصدر إعجاب للشاعر الجاهلي, فيستبعد أن يكون معجبا بالمطايا والنوق حين تتخبط الطرق الرملية بين منتجعات العرب في جزيرتهم, وعلى ظهورها النساء الجميلات التي تشبه بالغزلان.
ولا طرقتنا في البسابس فرتنى=ولا طاف طيفٌ من خيال البسابس
المفردات:
طرقت: طرقه يطرقه طرقا وطروقا، فهو طارق, إذا أتاه ليلا.
البسابس: البسابس والسباسب على القلب، ويقال لواحدها: بسبس وسبسب، هي الصحارى المستوية, والترهات البسابس، هي الباطل.
فرتنى: من أسماء النساء.
طاف: طاف الخيال يطيف طيفا ومطافا, جاء في النوم.
طيف: الطيف خيال الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة ومنه قيل للخيال: طيف.
الخيال: الطيف, وأصله القوة المجردة كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة وفي القلب ثم استعمل في صورة كل أمر متصور وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال.
البسابس: بسباسة اسم امرأة وجمعها بسابس.
المحتوى:
لم يزل الشاعر يؤكد ابتعاده عن سفاسف الأمور, فسهاده كما أنه لم ينشأ عن هديل الحمام في السحر, ولا عن مشاهدة الأطلال الخالية من الأنيس, وليس ناشئا عن الانبهار بالنوق المترسمة طرق الرمال في البوادي تحمل الآنسات على ظهورها, فكذلك ليس أيضا ناتجا عن عن التعلق بخيال محبوبة فارقها فصارت تزوره في المنام ويعترض تمثالها طريقه في الفلوات, وقد عبر عن المحبوبة باسمين مشهورين في ديوان الشعر الجاهلي, وخصوصا في ديوان امرئ القيس فـ(فرتنى) و(بسباسة) كلتاهما من صواحب امرئ القيس التي يكثر من ذكرهما في شعره.
بلى طرقتنا بنتُ قُسٍّ فأطرقت=حياءً, ووافت من حبيب مؤانس
المفردات:
بلى: من حروف الإيجاب, تنقض النفي المتقدم فتجعله إيجابا.
طرقت: سبق معناها.
بنت قس: قس بن ساعدة الإيادي ، يضرب به المثل في البلاغة, وقسّ النصارى وقسّيسهم: رأسهم وكبيرهم.
أطرقت: أقبلت ببصرها إلى صدرها وسكتت ساكنة هادئة.
وافت: أتت.
المحتوى:
في هذا البيت بدأ الشاعر يقترب من الموضوع الأساسي للقصيدة قاب قوسين أو أدنى, فهو يدنو ويتدلى ليتخلص إلى هدفه الرئيسي, فنراه ينقض نفيه السابق لتلقيه أي زيارة من أي معشوقة؛ ليبين لنا أن سهاده ناتج بالفعل من زيارة بنت محبوبة, لكنها ليست كالبنات التي تؤرق الجاهليين, بل إنها بنت من بنات عالم كبير مشهور بالتعبد والانقطاع إلى الله, إضافة إلى الاستمساك بأزمة اللغى والبلاغة العربية, فبنت هذا العالم هي التي سبب طروقها للشاعر اشتعال لاعج الحب والهوى في صدره, حتى ذوب بحرارته قلبه, وصبه على شكل نهر ثجاج من الدموع يفيض من مقلتيه, وهي التي جعلته يبيت تلك الليلة النابغية التي وصفها في البيت السابق, والتي لم يشهدها إلا ملازمه الذي لم يفارقه فيها, وهو (سفاح بن مقلة), وقد وصف الشاعر بنت قس التي زارته بأنها شديدة الحياء, حيث إنها لم تعدُ بعد ملاقاته لها أن أقبلت ببصرها إلى صدرها, وأرخت أجفانها ساكتة ساكنة, وهذا مظهر من مظاهر الحياء, كما وصف أباها الذي جاءت من عنده بأنه حبيب مؤانس, وهذا مما يبرر سيطرة الحياء عليها, فما دام الشاعر مؤانسا لأبيها وحبيبا من أحبابه, فمن الأجدر بها ـ حسب الأعراف التقليدية في الصحراء ـ أن تبقى في مركز البنوة, ولا تتعداها, فهي ليست في مرتبة الشاعر في السن, بل إنه أبوها أيضا؛ لأنه صنو أبيها, وسوف تصرح باستشعارها لذلك المعنى خلال المقاولة التي جرت بينها وبين الشاعر في الأبيات الآتية.
متوَّجةً تاجَ العروس مرصَّعاً=بأيتام لُولٍ من لآلي القوامس
وقد جُلِّلت إستبرقَ الحسن, واكتست= سناً وسناءً, وارتدَت كلَّ وارس
المفردات:
متوجة: عقد عليها التاج, والتاج: الإكليل. وهو ما يصاغ من الذهب والجوهر, ويوضع على الرأس, تقول: توجه فتتوج، فهو متوج, أي: ألبسه التاج فلبسه.
تاج العروس: التاج: الإكليل, والعروس : بالفتح نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث ما داما في أعراسهما, ويجمع المؤنث على عرائس والمذكر, على عرس بضمتين .وتاج العروس من جواهر القاموس, من المعاجم المشهورة.
مرصعا: رصع التاج: حلاه بكواكب الحلية, فهو مرصع, يقال: تاج مرصع بالجواهر واللئالي, إذا كان محلى بها.
أيتام لول: اللئالي اليتيمة هي التي لا نظير لها.
لئالي: جمع لؤلؤة وهي: الدرة العظيمة.

القوامس: جمع قاموس, وهو القعر الأقصى للبحر, والقاموس المحيط معجم مشهور.
جللت: غطيت وألبست, جلله بالرداء أو الثوب غطاه به.
إستبرق: الإستبرق: الديباج الصفيق الغليظ الحسن، وقيل: ما رق من الحرير, فارسي معرب.
اكتست: لبست كسوة.
سناً: الضوء الساطع.
سناءً: الرفعة والعلو.
ارتدت: ارتدى الرداء, وبه لبسه.
وارس: الثوب المصبوغ بالورس, وهو نبات أصفر مثل الزعفران يصبغ به.
المحتوى:
في هذين البيتين كان الشاعر يصف منظر زائرته, فيذكر أنها مكللة بتاج كما تكلل العروس في ليلة هدائها, ولكن تاجها مصنوع من دقائق ولطائف اللغة العربية التي زمز لها بـ(تاج العروس للزبيدي), وأن التاج الذي وضع على رأسها مزين ومحلى باللئالئ والدرر التي يعز وجود نظير لها, ولكنها ليست مجلوبة من البحار المعروفة, وإنما استخرجها ذلك الغواص الذي ألبسها إياها من قعر (القاموس المحيط للفيروزابادي), والذي لم يكن تاج العروس أصلا إلا من جواهره, كما سماه مؤلفه.
ثم لما وصف حلية رأسها بين أن بقية جسمها مغطاة ومكسوة بالنوع الرقيق اللطيف من الحرير المصنوع من مادة الحسن, فليس موصوفا بالحسن فقط, وإنما هو الحسن بعينه صار كساء تكتسي به, ثم إنها مع ذلك قد لبست على ذلك الحرير المصنوع من مادة الحسن ضياء ساطعا ولمعانا باهرا, ورفعة قدر وعلو مكانة خرجت من طور المعقولات إلى طور المحسوسات, ثم وضعت فوق ذلك كله رداء مصبوغا بالألوان الجميلة التي تذكر بالشمس وقت طلوعها؛ لشدة صفرتها وبهائها.
فحلَّت أَوَرِيَّ الرِّيا, ثم وثَّقت=وشدَّت أَوَاخِيَّ الإخا شدَّ سائس
ورمَّت رميمَ الوصل, ثمت أكدت=عهوداً, وجدَّدت دروسَ المدارس
المفردات:
حلت: حل العقدة, يحلها, حلا: نقضها وفكها وفتحها.
أواري: جمع آري, وآرِيُّ الدَّابة, محبسها ومربطها, أوعروة تثبت في حائط أو وتد تشد فيها, والجمع " أواريُّ.
الريا: إظهار جميل الفعل رغبة في حمد الناس لا في ثواب الله تعالى.
وثقت: أحكمت وقوت وأثبتت.
شدت: ربطت, يقال شددت له آخية لا يحلها المهر الأرن.
أواخيَّ: جمع آخيَّة، وهي مربط الفرس, و أواخي الخيل: مرابطها, والحرمة والذمة ويقال: له عنده آخية ترعى, ومن المجاز: شد الله بينكما أواخي الإخاء، وحل أواري الرياء.
الإخاء: مصدر آخيت بينهما إخاء ومؤاخاة.
سائس: مصلح, ساس الأمر يسوسه تولى إصلاحه.
رمت: أحيت وجددت وأصلحت, ومن المجاز: انتشر أمرهم فرمّه فلان.
رميم: الرميم البالي.
ثمت: ثم زيدت عليها التاء.
أكدت: وثقت وأحكمت وبالواو أفصح.
عهودا: العهود هي المواثيق التي تلزم مراعاتها.
جددت: جدد الشيء صيره جديدا ضد الخلق, والجدة نقيض البلى.
دورس: درس الشيء إذا تقادم, ودروس العلم ذهاب أهله وأصوله, عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: كيف يدرس العلم، فقالوا: كما يخلق الثوب ويقسو الدرهم، فقال: لا ولكن دروس العلم بموت العلماء. ويمكن أن يكون جمع درس وهو مقدارٌ من العلم يُدرس في وقتٍ ما.
المدارس: أماكن الدرس والتعليم, جمع مدرس ومدرسة.
المحتوى:
في هذين البيتين يبدي الشاعر انطباعاته على بنت حبيبه المؤانس وزيارتها, فها هو يذكر أثر زيارتها على النفوس, فيبين أنها نقضت بإخلاصها ونصحها وخلوصها من الشوائب كل العقد التي ربطها الرياء وإظهار خلاف الحقيقة في النفوس, بعد ما كثر عليها المغرضون الذين يظهرون بمظهر النصح, ثم يبدو أنهم غشاشون مراؤون, فهذه العقد كلها حلتها هذه الزائرة الناصحة المخلصة بنت الحبيب المؤانس, ولم تكتف بهذه التخلية حتى أتبعتها بتحلية, فربطت ووثقت وأحكمت حبال الوصل والمواخاة وقوت عراها, وقامت بكل ذلك قيام المحنك المصلح الذي يضع الأمور في مواضعها, فأحيت بذلك ميت الوصال بين الأحباب, ووكدت ووثقت عهوداً ومواثيق كانت بين الجماعات والأفراد, إضافة إلى كونها مجددة لأطلال تكاد تكون بالية من أماكن مدارسة العلوم, ونفخت فيها روحاً جديدة, حيث شجعت الشباب على مواصلة الدرس والحفاظ على العلوم, ونبهتهم على خطورة الانهماك في الملذات والغفلة عن رسالتهم العلمية التي اشتهروا بها.
هيهْ! جلوةُ المحزون سلوةُ آسفٍ=ولكنها في القلب جذوةُ قابس
فكم وسمت بالعيِّ ألسَنَ سامها=حواراً, فأمسى لُكنةً غيرَ نابس
المفردات:
هيه: ضمير راجع إلى الزائرة (قصيدة إغلس) والهاء زائدة.
جلوة: جلا الهم والحزن عن فلان: كشفه عنه وأذهبه, وجلْوتُه ما يذهب به.
المحزون: المصاب بالحزن, وهو: ما يحصل من القبض بوقوع مكروه أو فوت محبوب في الماضي.
سلوة: السلوى والسلوة: كل ما يسلي ويكشف به الهم, يقال: شرب فلان السلوة.
آسف: الشديد الحزن.
جذوة: عود في رأسه نار, أو قطعة من الجمر.
قابس: قبس النار قبسا أوقدها وطلبها, والنار أو الكهرباء أخذها, والعلم استفاده, والرجل علما أو نورا أفاده إياه, فهو قابس.
وسمت: جعلته علامة له.
العي: العجز عن البيان, والكلل في المنطق, والعيي الكليل اللسان.
ألسن: اللسن البلاغة والفصاحة, والألسن البليغ الفصيح.
سامها: عرض عليها, يقال: "سمته" كذا وكذا أي: عرضته عليه.
حوارا: الحوار والمحاورة مراجعة القول.
أمسى: صار.
لكنة: العي وثقل اللسان.
نابس: ما نبس بكلمة، أي ما تكلم.
المحتوى:
يعيد الشاعر الضمير في هذا البيت إلى زائرته, ثم يخبر عنها بأنها دواء يكشف الحزن عن المحزون, ويجلي عنه ظلمات اليأس, ويشفيه من آلام التحسر على ما فاته من رغباته, ويسلي هموم المهموم, ويفتح أمامه أبوابا من الأمل في الوصول إلى ما يطمح إليه من المطالب العالية؛ وذلك لما توحي إليه هذه القصيدة المشحونة بالنصائح من وجود بقايا صالحة, تهتم بالمعالي, وتسهر على صونها ورعايتها, وتمحض النصح في الدعوة إليها, لكنها مع تلك الحلاوة تنطوي على مرارة تشعل فتيل الحرقة في القلوب الحية؛ حيث إنها تصف واقعا مرا شديد الكآبة لا يبشر بخير, ولا يمكن التغاضي عن خطورته, فهي خليط بين الأمل والألم: أمل في مستقبل زاهر يدل عليه وجود الناصحين اليقظين, وألم من واقع مظلم يدل عليه ما نبهت عليه القصيدة من انخفاض مستوى التعلم والحرص عليه عند الشباب, وارتفاع مستوى الانسياق وراء الملذات, والتباهي بالأمور التافهة والأعراض الزائلة, فهي حينما تتحدث عن ذلك الواقع تكشف حقائق ملموسة في الواقع, لا يملك محاورها أمامها إلا أن يلوذ بالصمت والخرس والانهزام مهما كان علو كعبه في الفصاحة والبلاغة, مثل صاحب السينية, فكل ما تنعاه القصيدة هو الواقع, فلا مناص من الاعتراف بالحقيقة, ولا بد من الاحتراق الداخلي لكل من يشارك صاحبها هذه الهموم, وفي البيت أيضا إشارة إلى قصة موسى ـ عليه السلام ـ فهو يحمل ظلال تفاؤل بأن تكون صرخة الشيخ/ السالم بن محمد بن اليماني (إغلس) بداية لنهضة علمية جديدة, مثلما كان ذهاب موسى ـ عليه السلام ـ إلى النار في طور سيناء بحثاً عن جذوة من النار بدايةً لدعوة جديدة تحمل مشعل الهداية لقومه.
إلى هنا انتهت الديباجة, وسوف نوافيكم بالمقطع الخاص بالترحيب لقصيدة إغلس في وقت قريب, إن شاء الله.



 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).

رد مع اقتباس
قديم 06-19-2012, 05:43 PM   #2
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 فعاليات استقبال القصيدة العينية



يواصل الشاعر رسم هذه اللوحة التاريخية, ويطلعنا في المقطع الآتي على واقع حيه غداة استقبالهم لزائرتهم الكريمة (عينية الشاعر إغلس) فيقول:


فإذْ أُنشِئتْ أُطروبةً مرقسيَّةً=ووافتْ وكانتْ نُزهةً للمجالس
وقد رُشِّحتْ سحرَ البيانِ ووُشِّحتْ=بفصل خطابٍ رائقٍ متجانس
وحيَّتْ فخصَّتْ كلَّ ندبٍ سرعرعٍ=نمتْهُ إلى العلياءِ شُمُّ المعاطس
تناهبها منا شبابٌ أعزةٌ=ميامينُ ليسوا طِلعةً بالمناحس
فمن بارعٍ شادٍ ومُملٍ وناسخٍ=ومُصغٍ وماسحٍ بكفٍّ ولامس
ومن مقبلٍ مقلِّبٍ فمقبِّلٍ=ومن عابثٍ مستبشرٍ غيرِ عابس
ومن مستفيقٍ فائقٍ مترنِّمٍ=يُطرِّبُنا بها ونشوانَ مائس
ومن قائلٍ: هَا, تِي, وهات, وهاتفٍ=يرجِّعها رجعاً, وجذلانَ راقس
ومن ساهرٍ يرتاضُ لولاً وماهرٍ=يماقسُ عنها غاصةً في القمامس
تَخِرُّ بأيديهم رواعفَ نُكَّساً=مساطرُ كم أربتْ على شبرِ قائس
تَحِنُّ إلى الباري بواكيَ سُجَّداً=سجودَ أبيلٍ ناكسٍ في الكنائس
صوادرَ من فيحاءَ لم يكُ ماءُها=بغورٍ ولا طرقٍ ولا بمُشاوس
تخال إذا ما رقشوا الرق رقهم= بتائك ريش من خوافي الطواوس

تبسيط المقطع السابق:


(فإذ أنشئت أطروبة مرقسية=ووافت وكانت نزهة للمجالس)
(وقد رشحت سحر البيان ووشحت=بفصل خطاب رائق متجانس)
(وحيت فخصت كل ندب سرعرع=نمته إلى العلياء شم المعاطس)
(تناهبها منا شباب أعزة=ميامين ليسوا طلعة بالمناحس)

المفردات: أنشئت: أنشأ الشاعر قصيدة أو الكاتب مقالة ألفها.
أطروبة: أفعولة من الطرب كالأنشوطة ونظائرها, والطرب: خفة وهزة تثير النفس لفرح أو حزن أو ارتياح وأغلب ما يستعمل اليوم في الارتياح والغناء ونحوه مما يحرك في النفس الطرب.
مرقسية: منسوبة إلى امرئ القيس.
وافت: أتت.
نزهة: أرض نزهة: بعيدة عذبة نائية عن الأنداء والمياه وتنزهت, خرجت إلى الأرض النزهة.
رشحت: المرشح: ما يلبس تحت الثوب.
سحر البيان: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللسن، وأصله الكشف والظهور، وقيل: معناه إن الرجل يكون عليه الحق، وهو أقوم بحجته من خصمه، فيقلب الحق ببيانه إلى نفسه؛ لأن معنى السحر قلب الشيء في عين الإنسان, وليس بقلب الأعيان، وقيل: معناه إنه يبلغ من بيان ذي الفصاحة أنه يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله وحبه، ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله وبغضه، فكأنه سحر السامعين بذلك، وهو وجه قوله: إن من البيان لسحراً. وأجمع أهل البلاغة على أن القدرة على تصوير الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق من أرفع درجات البلاغة, وذلك هو سحر البيان.
ووشحت: الوشاح: شيء ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها. ووشحتها توشيحا فتوشحت هي، أي لبسته.
فصل خطاب: الفصل في اللغة: قطع ما بين الشيئين. والخطاب: مراجعة الكلام وهو مصدر خاطب خطاباً كجادل جدالا فكأن معنى فصل الخطاب قطع الجدال والخصام بإصابة الحجة وقيل في قوله تعالى: " فصل الخطاب "أقوال أنسبها هنا أنه الفصل بين الحق والباطل والتمييز بين الحلم وضده.
رائق: راقني الشيء: أعجبني وعلا في عيني.
متجانس: متشاكل الألفاظ مختلف المعاني.
ندب: رجل ندب: خفيف في الحاجة سريع ظريف نجيب.
سرعرع: رجل سرعرع: ناعم غض.
نمته: نميته إلى أبيه نميا ونميا وأنميته عزوته, وانتمى إليه انتسب, وفلان ينمي إلى حسب وينتمي يرتفع إليه.
العلياء: اسم للمكان العالي, وللفعلة العالية على المثل.
شم المعاطس: جمع أشم وشماء: حسن الأنف، وفي أنفه شمم.والمعاطس: الأنوف, ومعنى "أشم" ههنا: عزيز, لم يرد به الأنف بخاصةٍ.
تناهبها: النهبة: بضم فسكون: ما يؤخذ من المال مغالبة, ويقال: تناهب الفرسان في الجري والعدو: بارى كل واحد منهما صاحبه.
ميامين: جمع ميمون, ويمن الرجل حصل له اليمن بالضم, وهو البركة كالميمنة, فهو ميمون وأيمن ويامن, ضد المشؤوم, يقال: فلان ميمون النقيبة، إذا كان مبارك النفس, والنقيبة النفس, وإذا كان كثير النجاح والظفر.
طلعة بالمناحس: اصطلاح تنجيمي يقصد به كون الإنسان يتنبأ له بالخير إذا كان طالعه سعيدا,وعندهم أن الكواكب على قسمين سعود ونحوس.

المحتوى: بعد ما ذكر الشاعر أثر الزائرة الحبيبة بنت الحبيب على نفوس المزورين, اتجه في هذه الأبيات إلى وصف الاستجابة السلوكية التي تلت وصولها, فهو يقول: إن هذه القصيدة لما نجح صواغها من تنميقها, بحيث أصبحة آلة من آلات الطرب التي تهز النفوس فتخف لها وترتاح بترانيمها, وجمعت إلى ذلك عراقة في الفصاحة والبلاغة, حتى أصبحت كأنها من سلالة الشاعر المشهور المعروف بامرئ القيس, واعتبرت عند البلغاء الذين وفدت عليهم بمثابة نزهة بعيدة عن أي ملوثات, ومتصفة بكل ما يجعلها مصدر راحة واطمئنان, ومتعة واستئناس وسعادة للمجالس التي شغلتها حتى أنستهم كل ما سواها, وألهتهم عما عداها؛ لما تتمتع به من صفاء الباطن وإتقان الظاهر, فهي قد اتخذت البيان الخلاب للعقول شعارها, وتدثرت بكل الحكم والحقائق التي تفصل بين الحق والباطل, والخير والشر, والنافع والضار, والصواب والخطأ, وانطوى ذلك كله في ألفاظ تروق الناظر, وتستحوذ على لب السامع؛ لما تحتويه من اتساق وتجانس يسيطران على العقل, ويعملان في الوجدان عمل السحر في المسحور, وزادت على ذلك أنها بعد تعميمها بالسلام والتحايا, خصصت خطابها للجيل الصاعد من الشباب, والذين كان الشاعر من شاماتهم, وممن يدخل في الخطاب الموجه إليهم دخولا أوليا, وقبل أي واحد في نظره, وليس شباب جماعته إلا نموذجا من نماذج كملة الشباب, حيث جمعوا بين نضارة الأجسام, وخفة الحركات, والارتياح للنجدة, وبين العقول النيرة المستنيرة التي تتسم بالظرافة والنجابة, إضافة إلى كرم النجار, وعلو المراتب, وصراحة الأنساب, وتوارث العزة والإباء كابرا عن كابر, فلا يقنعون من أنفسهم إلا باعتلاء الرتب العالية, والمقامات الرفيعة التي توارثوها عن أجدادهم الأعزاء, أصحاب المعاطس الشماء.
فلما كان خطاب الزائرة هكذا, فقد لقيت استجابة عارمة من الشباب, فانتهبوها وتسابقوا في تلبية ندائها, وتطمين صاحبها ببقاء لبنات صالحة تمثل عروقا نابضة, لم تزل تتمثل فيها تلك الشخصية التي كان ينشدها, ويبكي عليها(شخصية العالم الأديب العابد), وما كان أولئك الشباب الذين تباروا في الاستجابة للقصيدة, والتفاعل مع نصيحة الشيخ (إغلس) إلا أمثلة حية لكل معاني العزة والصمود, وعناصر مباركة يتفاءل بالخير والنماء والبركة بمجرد إشراق صفحات وجوههم الكريمة, فهم بدور وكواكب مشرقة في الصحراء, ومطالعهم سعيدة تبشر بكل خير, ولا يجد الشؤم سبيلا إلى مواطنهم, ولن يستباح مجد, هم حماته.

(فمن بارعٍ شادٍ ومملٍ وناسخٍ=ومصغٍ وماسحٍ بكفٍّ ولامس)

المفردات: بارع: رجل تام في كل فضيلة وجمال, والذي فاق نظراءه في السودد والعلم والشجاعة, وغير ذلك من الفضائل, و الأصيل الجيد الرأي, , يقال: هذا أبرع من هذا, أي أتم وأحسن, وكل شيء تناهى في جمال ونضارة وغيرها من محاسن الأمور فقد برع.
شادٍ: الشادي: المغني، والذي تعلم بعضا من العلم أو الأدب, واستدل به على البعض الآخر, شدا يشدو شدوا، إذا مد صوته بغناء أو غيره. وشدا فلان من العلم شيئا، إذا أخذ منه بعضه.
مملٍ: أملى عليه الكتاب, قال له, فكتب عنه, فهو مملٍ, أمللت لغة أهل الحجاز وبني أسد، وأمليت لغة بني تميم وقيس. يقال: أمل عليه شيئا يكتبه وأملى عليه، ونزل القرآن العزيز باللغتين معا.
ناسخٍ: كاتبٍ, نسخ الكتاب: كتبه عن معارضة, النسخ: اكتتابك كتابا عن كتاب حرفا بحرف, تقول: نسخته وانتسخته، فالأصل نسخة، والمكتوب نسخة منه ؛ لأنه قام مقامه, والكاتب ناسخ ومنتسخ.
مصغٍ: مستمع, أصغيت إليه: إذا استمعت لحديثه وفرغت نفسك له, وملت بسمعك إليه.
ماسحٍ: مسح الشيء: أمر يده عليه.
لامس: اللمس: مس الشيء باليد, وتطلبه هاهنا وهاهنا, واللمس: إحدى الحواس الخمس الظاهرة, وهي قوة منبثة في العصب تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك عند التماس.

المحتوى: في هذا البيت وسبعة أبيات بعده, يحاول الشاعر أن يضعنا في جو المجالس الشبابية في حيه غداة استقبالهم لابنة حبيبهم المؤانس (إغلس), فها هو يصنف الشباب أصنافا تجاه تناهبهم لهذه الهدية الغالية, فنشاهد حركة شاملة عمت الجميع, واستقطبت كل أصحاب الهوايات الفنية والأدبية, بدءا من قيادات الشباب المبرزين في اقتناء الفضائل, وجودة الآراء, ونضارة الأجسام, و المشهود لهم بالتفوق والامتياز والبراعة, الموصوفين بمعاني السؤدد: من علم وشجاعة وجمال, إلى غير ذلك من معاني الكمال في الرجولية, إلى المشهورين في حسن الصوت ولذاذة النغمة, من هواة الأدب الذين يتخذونه متعة, فيعايشونه بالترنم برقائقه, والغناء بمختاراته, والتفكه بأطايبه في جلسات السمر والأنس, إلى أولئك الذين احترفوا القراءة المستقيمة, وعرفوا بإجادة الإملاء, إلى الخطاطين المهرة الذين يوفرون النسخ الصحيحة الجامعة بين السرعة والإتقان, إضافة إلى حراس اللغة العربية الذين يحضرون المجالس, ويفرغون أنفسهم للاستماع للقراء, وتعقب الأخطاء اللغوية وتصحيحها, إضافة إلى ما يجنونه بالاستماع من أنواع المتعة والاستفادة, إلى أولئك الذين لم يستطيعوا إخفاء فرحهم وابتهاجهم بهذه الهدية, ولم يقتنعوا بغياب دورهم, ولو لم يجدوا طريقة للتعبير عن مشاعرهم سوى بالتزاحم على المجالس الأدبية؛ للوصول إلى الأوراق المحتوية للقصيدة ثم التمسح بها, وكأنهم يتحسسون تلك الحلاوة التي ينتشي بسببها الأدباء وأصحاب الأذواق, ما يدل على أن الأجواء مشحونة بالفرح العارم الذي يسلب الوعي من بعض أصحاب المشاعر الجياشة.

(ومن مقبل مقلب فمقبل=ومن عابث مستبشر غير عابس)

المفردات: مقبلٍ: ضد مدبر, قبل الشيء وأقبل: ضد دبر وأدبر.
مقلِّبٍ: القلب: رد الشيء من جهة إلى جهة, قلبته بيدي تقليبا, حولته عن وجهه، وقلبت فلانا عن وجهه أي صرفته.
مقبِّلٍ: القبلة، بالضم: اللثمة معروفة، يقال: قبله تقبيلا: لثمه, قبل الأب ولده تقبيلاً.
عابثٍ: لاعب بما لا يعنيه وليس من باله, أو الذي يعمل ما لا فائدة فيه يعتد بها, أو مالا يقصد به فائدة.
مستبشرٍ: فرح مسرور مستنير طلق الوجه, تظهر عليه أمارات السرور, وتبرق أسارير وجهه, استبشر بشرا بالفتح فهو بشر بالكسر, والبشارة كل خبر سار ليس ذلك عند المخبر, فإن حقيقتها هي الخبر الذي يؤثر في بشرة المخبر وهي ظاهر جلده بالسرور.
عابس: عبس فلان عبسا وعبوسا: جمع جلد ما بين عينيه وجلد جبهته وتجهم, العابس: الكريه الملقى، الجهم المحيا, عبس يعبس فهو عابس، وعبس فهو معبس وعباس, أي: غضبان, مقطب الوجه, كالح, ويقال لمن كره شيئا ما: عابس.

المحتوى: في هذا البيت يصور لنا الشاعر فئة أخرى من المستقبلين لهذه الزائرة المرحب بها, وهم الذين انهمكوا في الإقبال على القصيدة, فكانوا يقلبون الأوراق من جهة إلى جهة, ويلثمونها بأفواههم, وكأنهم من شدة الفرح والسرور, لا يكفيهم من إبداء ما يكنونه لهذه البنت من أسرار الحب والقبول, سوى ما يجوز للآباء في حق بناتهم من اللثم والتقبيل, ولم لا, والأدباء يأنسون ببنات الأفكار, أكثر من أنس غيرهم بالعواتق الأبكار, بل إن الشاعر ليضيف لنا هنا أن التفاعل الذي حصل مع هذه الزائرة لم يقتصر فقط على أولئك الذين يمتون للأدب ببعض الصلات, حتى شمل الأطفال والفضوليين الذين يشتغلون بما لا يعنيهم, فالاستبشار وطلاقة الوجوه هو ما يلف كل الوجوه في تلك الغداة, فليس هناك وجه مقطب ولا منظر متجهم, بل الفرح والسرور يضربان أطنابهما على تلك الربى, والاستنارة هي ما يجلل أسارير أولئك الوجوه الوضاءة بلا استثناء.

(ومن مستفيق فــــائق مترنم=يُطرِّبنا بها ونشــوانَ مائس)
(ومن قائل: ها, تي, وهات وهاتف=يُرجِّعها رجعاً وجذلانَ راقس)

المفردات: مستفيق: استفاق من المرض أو السكر، أي: أفاق (صحا), وأفاق فلان من المرض واستفاق. وفلان مدمن لا يستفيق من الشّراب. ويقال: استفق ناقتك, فيدعها فواقا ثم يحتلبها, وأفاقت الناقة واستفاقها أهلها: إذا نفسوا حلبها حتى تجتمع درتها.
فائق: الممتاز على غيره من الناس, والجيد من كل شيء, يقال: فلان فاق أصحابه يفوقهم، إذا علاهم وأمر فائق، أي مرتفع عال, وفلان فائق آفق, أي: غالب في فضله، وقد أفق على أصحابه وأفقهم, وفاق قومه: فضلهم, ورجل فائق في العلم والغنى، وهو يتفوّق على قومه, وفوّقته عليهم: فضّلته
مترنم: مغن مطرب مرجع في صوته, ترنم المغني ورنّم ورنم رنماً: رجع صوته، وسمعت له رنيماً ورنمة حسنة وترنماً وترنيماً, الترنيم: ما استلذذت من صوت الطرب وتطريب الصوت، وهو ترنم الصوت للقوس والعود والحمامة ونحوها, وهو يرنم الصوت، ويترنم في صوته.
يطرِّبنا: يمد صوته ويرجعه فتستخفنا شدة السرور, الطرب: مجاوزة الحد في المرح وخفة النشاط, والشوق, وذهاب الحزن، وحلول الفرح, طرب يطرب طربا فهو طرب: استخفه الفرح أو الحزن, قال ابن دريد: العامة تظن أن الطرب لا يكون إلا مع الفرح، وهو خطأ منهم, وطرب في غنائه تطريبا، إذا رجع صوته، وأطربني هذا الشيء.
نشوان: سكران, بين النشوة, والنشوة: السكر، وانتشى فلان, فهو نشوان.
مائس: مختال متبختر, الميس والميسان: ضرب من المشي في تبختر وتهاد وتثن، كما تميس الجارية العروس, ماس يميس، فهو مائس وميوس ومياس.
ها: كلمة تنبيه للمخاطب ينبه بها على ما يساق إليه من الكلام, أو اسم فعل بمعنى خذ, أو حرف يستعمل في المناولة, تقول: هاء، وهاك، مقصور، فإذا جئت بكاف المخاطبة قصرت ألف هاك، وإذا لم تجيء بالكاف مددت، فكانت المدة في هاء خلفا لكاف المخاطبة, أو حرف إجابة, فأهل الحجاز يقولون في الإجابة: ها, خفيفة, فتكون إجابة لنداء القصيدة, أو للتقريب، يقال أين هي؟ فتقول: ها هي تي, والعرب تكثر الإشارة والتنبيه فيما تقصد به التفخيم.
تي: اسم إشارة للمفرد المؤنث.
هات: أعط أو آت, والإيتاء: الإعطاء, يقال: اشتقاقه من (هاتى يهاتي) والهاء فيه أصلية ويقال: بل الهاء في موضع قطع الألف من آتى يؤاتي، ولكن العرب أماتوا كل شيء من فعلها إلا (هات) في الأمر, ويقال: هات يا رجل، وللاثنين هاتيا، وللجميع هاتوا، وللمرأة هاتي، وللاثنتين هاتيا، وللجماعة هاتين، ويقال: هات لا هاتيت، وهات إن كانت بك مهاتاة.
هاتف: داع صائح مصوت, هتفت بالرجل أهتف هتفا وهتافا إذا صحت به, وهتف الحمام هتافا, إذا صوت. وكل مصوت هاتف.
يرجعها: يردد قراءتها, ويواصل النغم بها, وقيل في الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في الصوت, هو يرجع في قراءته، وهي قراءة أصحاب الألحان, والقينة والمغنية ترجعان في غنائهما, ورجع الجواب: رده.
رجعا: ترجيعا, أو ردا للجواب.
جذلان: فرح, والجذل: الفرح، جذل جذلا، ورجل جذلان وجذل, والجذل هو السرور الثابت مأخوذ من قولك جاذل منتصب ثابت لا يبرح مكانه.
راقس: لاعب مهتز زافن قافز ناقز, الرقصُ: القفزان, رقص رقصا: تنقل وحرك جسمه على إيقاع موسيقى أو على الغناء, وهو تأدية حركات بجزء أو أكثر من أجزاء الجسم على إيقاع ما للتعبير عن شعور أو معان معينة, وهو أنواع, وأصل الرقص: الاهتزاز, والسين بدل من الصاد.

المحتوى: في هذين البيتين يعمق الشاعر المعنى السابق, فنراه يقسم المجالس الأدبية أثناء الاستقبال ما بين الفئة اليقظة من الشباب النابهين اليقظين, الذين استطاعوا الصمود أمام روعة القصيدة, بحيث يستطيعون ضبط أحاسيسهم أثناء الترنم بها وإطراب المجلس بترانيمها, وهم الذين يستدرون قرائحهم لمحاورتها, وبين السكارى الذين سلبت عقولهم, واستخفهم الطرب وشدة السرور, فسرت فيهم حميا الفرح, ودب فيهم الاستلذاذ, حتى خرجوا عن طور الهدوء, وأصبحوا يتبخترون ويميسون, وكأنهم عروس في ليلة زفافها, إضافة إلى من يبشر بها وينبه الناس وهو في غيبوبة, تارة, وتارة يمد صوته عاليا بالاستجابة لهذه الزائرة, وكأنه قد تخيل صوتها من بعيد وهي تناديه, فيجمع بين الاستجابة لها والتبشير بها, بينما هناك آخرون يتعاطونها, كل يتناولها فيسحبها منه من بجانبه, وكأن الكل يريد أن يستأثر بها عن الآخر, وذلك كله لم يقطع أصوات المترنمين بها, فقد امتلأت نواحي الحي بتردادها, وتواصلت النغمات بلا انقطاع, ووصل الفرح قمته, فأصبح الحي كما لو أنه حفلة رقص, فلم يبق إلا مغن يرجع غناءه, أو راقص يستميت في قفزاته واهتزازاته على إيقاع هذه الموسيقى العذبة, ويعبر عن مشاعره بأنواع من الحركات والتنقلات.

(ومن ساهر يرتاض لولا وماهر=يماقس عنها غاصة في القمامس)

المفردات: ساهر: ذاهب النوم, السهر والأرق: عدم النوم في الليل كله أو في بعضه, يقال: سهر الليل كله أو بعضه, إذا لم ينم, فهو ساهر وسهران, وأسهرته بالألف.
يرتاض: راضه روضا ورياضا ورياضة: ذلـله يقال راض المهر, راض الدابة : علمها الانقياد والسير, وراض القوافي الصعبة, وراض الدر: ثقبه. ارتاض: افتعل من راض, فيها بحث, وتسمح فيه بعض المعاصرن كالغلاييني.
لولا: درراً, اللؤلؤ: الدر سمي به لضوئه ولمعانه, وهو يتكون في الأصداف من رواسب أو جوامد صلبة لماعة مستديرة في بعض الحيوانات المائية الدنيا من الرخويات, واحدته لؤلؤة بهاء, والجمع لآلئ, و اللؤلؤة أيضا: البقرة الوحشية .
ماهر: مَهَرَ الرجلُ مَهارةً، إذا أحكمَ الشيء، وحذقه وأتقنه, ومنه قيل: سابح ماهر أَي حاذق, وفلانٌ ماهر بكذا وكذا، إذا كان حاذقاً به, وسابحٌ ماهر،, وكلُّ حاذقِ بصنْعةٍ فهو ماهرٌ بها.
يماقس: المماقسة: المغاطة في الماء. وفي المثل لمن يمارس داهية: " إنما تماقس حوتا ", ويقال: هو يماقس حوتا, إذا ناظر أو خاصم أقوى منه, ومقسته في الماء مقسا: أي غططته فيه، مثل قمسته, ويتماقسان في البحر, أي يتغاوصان.
غاصة: جمع غائص, وأصل الغوص الهجوم على أمرٍ متسفِّلٍ, ومنه الغَوْصُ النزول تحت الماء, والغوص أيضا: موضع يخرج منه اللؤلؤ، والغاصة: مستخرجوه, و الغَوَّاصُ بالتشديد الذي يغوص في البحر على اللؤلؤ, وفعله الغِيَاصة, وغاصَ على العلمِ الغامِضِ حتى استنبطه.
القمامس: قمامس، وقمامسة: جمع قاموس، وقومس: وهو قعر البحر, وقيل: وسطه ومعظمه.

المحتوى: يعرج الشاعر في هذا البيت على الفئة التي يتربع في بحبوحتها, وهم أساطين الأدب المحرومون من النوم, والمدمنون للسهر, الذين أرقت هذه الزائرة أجفانهم, فعكفوا في ميادين المعرفة, يتعهدون خيل البلاغة بما يقويها, ويجعلها مستعدة لخوض المعركة المقبلة(معركة الإبداع) فلا بد من تعليم وتأديب وترويض كنوع من التهيئة لهذه المهمة الجليلة, وفي نفس الوقت كان عليهم أيضا أن يقوموا بانتقاء الجمان والدرر الثمينة التي تثقب وتصنع منها الحلي الفاخرة, والقوافي السائرة؛ لتزيين البنات التي سوف يتم تعيينهن لاستقبال هذه الزائرة الكريمة, واللاتي تعتبر السينية التي تحدثنا الآن من أروعهن في نظري, فلا تتألف هذه الفئة إلا من المهرة الحاذقين لفن السباحة, في بحور القريض, المتمرسين باستخراج اللئالي والدرر من أعماق محيطات اللغة وبحار الأدب بكل إتقان وإحكام, فشأنهم في مثل هذه المناسبات هو المباراة في الغوص في أعماق البحار, والتغاوص الجاد الذي يغطي فيه المرء صاحبه في معمعة من الهجوم والانقضاض على مظان استخراج الجواهر, فلا مكان في هذه النخبة لمن لم يشتهر في صف الغواصة البارعين الذين لا يهابون الحيتان, ولا يتخوفون من الرمي بأنفسهم في قعر محيطات اللغة وقواميسها, فيسبحون في جريتها, ويفوزون ببغيتهم, في ثقة تامة بأنهم سوف يصلون إلى شاطئ السلامة وبر الأمان.

(تخر بأيديهم رواعف نكسا=مساطر كم أربت على شبر قائس)

المفردات: تخر: الخاء والراء أصل معناه: اضطراب وسُقوط مع صوتٍ, وكل من هَوَى من عُلْو إلى سُفْل, فقد خر, خَرَّ لله ساجدا يخر بالكسر خُرُوراً: سقط, والخر السقوط، كالخرور، أو من علو إلى سفل، والشق، والهجوم من مكان لا يعرف, وخر النائم: صوّت, والخرخرة: صوت القصب ونحوه.
رواعف: جمع راعفة, ورَعَفَ يرعُف رعافا, إذا سال الدم من أنفه, والراء والعين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على سَبْق وتقدُّم ومبادرة, يقال: فَرَسٌ راعفٌ: سابقٌ متقدِّم. ورَعَف فلانٌ بفرسِهِ الخيلَ، إِذا تقدَّمها, وقد رَعَفَ فلان أصحابه إذا سبقهم في السير, وقد جاء راعِفاً أي سابقاً, واسترعفوا: تقدموا, فكأنّ الرُّعافَ دمٌ سَبَقَ فتقدّم, ويقال للرِّماح: رواعفُ، من أجل أنها تقدَّم للطَّعْنِ, أو لِمَا يقطُر منها الدّمُ. ومن سجعات الأساس : من عرف القرآن ، رعف الأقران.
نكسا: جمع ناكسة, والناكِسُ: المُطأطئ رأسه, نَكَسَ الشيء فانْتَكَسَ: قلبه على رأسه, ونَكَّسَهُ تَنْكِيساً, ونكس العاشق: عاد عيده، والجرح: انتقض.
مساطر: جمع مسطر ومسطرة, آلة يكتب بها ويخط, والسطر: الخط والكتابة, وسَطَرَهُ، أي صَرَعَهُ, ويقال: سطر فلان فلانا بالسيف سطرا: إذا قطعه به.
كم: وضعت للتكثير, إذا لم يرد بها الاستفهام.
أربت: أربى على كذا: زاد عليه, والإرباء: الزيادة, وأربى على القدر الفلاني: جاوزه.
شبر: الشبر ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر مذكر, والجمع أشبار, وشبر الثوب وغيره شبرا قاسه بشبره, والشين والباء والراء أصلان: أحدهما بعض الأعضاء، والآخر الفَضْل والعطاء.
قائس: اسم فاعل من قاس الشيء يقيسه قيسا و قياسا و اقتاسه و قيسه: إذا قدره على مثاله.

المحتوى: هذه الفئة المنتخبة التي تضم صاحب السينية, هي التي صارت أناملهم في تلك الليالي محارب تعتكف فيها المساطر والأقلام المصنوعة من القصب المختار, والمبري على شروط النُّساخ الماهرين, المنحصرة في الجمع بين الملاسة والاستواء, والتوازن في الطول, فها هي ذي سجدا وبكيا, تتوالى أناتها وصريرها, وتسكب عبراتها الشبيهة بالرعاف على خدود الصحائف, ولا ترفع رأسها إلا لتتابع الهوي مرة أخرى, مبتدرة بذلك إحراز قصب السباق, وضمان الفوز في المباراة المنتظرة, فتُذكِّر الرائي عند طأطأة رؤوسها, وسكب دموعها, بحالة العاشق التي نُكئت جروح فؤاده, وعادت له ذكرى معشوقه بعد الفراق.

(تحِنُّ إلى الباري بواكيَ سجَّداً... سجودَ أبيلٍ ناكس في الكنائس)

المفردات: تحن: الحنين الشوق، وتوقان النفس, وشدة البكاء، والطرب، أو صوت الطرب عن حزن أو فرح. حن يحن حنينا استطرب , وقد حَنَّ إليه يحن بالكسر حَنِينا فهو حَانٌّ, وحَنينُ الناقة: صوتها إذا اشتاقَتْ, والحنة بالكسر رقة القلب.
الباري: اسم فاعل من برى يبري بريا إذا نحت وسوى, برى العود أو الحجر و نحوهما بريا نحته فهو بارٍ ومنه المثل (أعط القوس باريها) كل الأمر لصاحبه و القلم سوى طرفه للكتابة, والباء والراء والحرف المعتلّ أصلان: أحدهما تسويةُ الشّيءِ نحتاً، والثاني التعرُّض والمحاكاة. فالأصل الأوّلُ قولهم بَرَى العُود يَبرِيه بَرْياً، وكذلك القلم.
بواكي: جمع باكية, وبَكَى يبكي بالكسر بُكاء, وهو يُمَدّ ويُقْصَر, فالْبُكاء بالمدّ الصَّوت, وبالقصر الدّموع وخروجها.
سجدا: جمع ساجدة, وسجد: خضع و تطامن و وضع جبهته على الأرض فهو ساجد, وجمعه: سجَّد و سجود, ومنه سُجُودُ الصلاة.
أبيل: راهب النصارى, أو عظيمهم,وأبل أبالة: ترهب وتنسك فهو أبيل.
الكنائس: الكنيسة كسفينة: متعبد اليهود, والجمع الكنائس, وهي معربة أصلها: كنشت . أو هي متعبد النصارى كما هو قول الجوهري, وخطأه الصاغاني, فقال: هو سهو منه, إنما هي لليهود والبيعة للنصارى . أو هي متعبد الكفار مطلقا .

المحتوى: وكما أن طأطأة هذه الأقلام الراعفة لرؤوسها تذكر بإطراقة العاشق, حينما تستوعبه الذكريات الأليمة لفراق معشوقه, فكذلك عند ارتفاعها عن الصحيفة إلى ناحية الخطاط الذي قام ببريها وتسويتها, لا يتخيل رائيها سوى أنه أمام عابد عظيم من المتنسكين, منكسا رأسه داخل معبده, في لحظة من لحظاته التي يستغرق في تأملاته, وينقطع إلى خالقه ومعبوده, من شدة الحنين والشوق, وتوقان النفس , ورقة القلب, فتراه وقد رفع رأسه من السجود مخضلة لحيته بالدموع, بل بالدماء, وهو يوالي الأنين, ويردد صوته الحزين, فكذلك هذه المساطر حين ما تحن إلى بُراتها, رافعة رأسها من سجودها على الورقة, لا تشبه إلا ذلك العابد في نحوله وحزنه وحنينه وبكائه... ويمكن أن يكون الشاعر يقصد أن هذه الرواعف السوابق في الحلبات, كانت تستن في إصطبلاتها, ويتمالكها الحنين, وتشمس برؤوسها, نحو الشاعر (إغلس) والد زائرتهن المثيرة (العينية) حيثما كان (باريا) ليراعته, ومليقا لنونه, لولا أن فرسانها البراة, يستمسكون بأعنتها, ويتحكمون في حركتها, أم أن هؤلاء النخبة قد وصلوا من الاهتمام بموضوع التفاعل مع هذه النصيحة, ومن الابتهال إلى الله في توفيقهم لتلبية ندائها بتنشيط حركة التعليم, وإحياء روح الأدب, إلى درجة شاركتهم فيها كل متعلقاتهم في الابتهال, بما فيها الأقلام التي كانوا يكتبون بها, فهي أيضا تهفو إلى خالقهم وخالقها في إنجاح هذه المهمة.

(صوادرَ من فيحاءَ لم يكُ ماءُها=بغور ولا طرق ولا بمشاوس)

المفردات: صوادر: جمع صادرة, من صدر عن الماء, أو المكان والورد صدرا وصدورا, رجع وانصرف والصَّدَرُ: الانصراف عن الوِرْدِ وعن كلِّ أمرٍ، ويقال: صَدَروا وأصدَرْ ناهُم.
فيحاء: واسعة, والفَيْحُ والفَيَحُ: السعة.
غور: غائر, الماء الغائر الذي لا يقدر عليه.
طرق: الطَّرْقُ بالفتح و المَطْرُوقُ ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
بمشاوس: بعيد الغور, قليل لا يكاد يرى, وشاوس الماء صعبت رؤيته لقلته أو بعده.

المحتوى: في هذا البيت يكمل الشاعر المعنى الذي أسسه في البيت السابق, فيذكرنا بأن تللك الرواعف السوابق كانت ممتلئة ريّاً مع نحافتها وهزالها, حيث إنها كانت تستقي من بركة واسعة, قبل صدورها لتسرح في تلك الصحائف, بِرْكة تتموج فيها المياه الصافية, التي لم يكثر عليها الطلب, ولم تكدرها المارة, ولم تعلق بها الشوائب, ولكنها ليست مما يعجز الشاعر وأمثاله, فهم فقط الذين يوردون عليها, ثم يصدرون, فالماء ثجاج, وصاف, ومقدور عليه, ولكن ليس مواتيا لكل طارق, وإنما هو خاص لمن يمتلكون الوسائل المطلوبة لوروده.
والشاعر هنا يتحدث عن المحبرة الخاصة التي لا تستقي منها إلا أقلام النخبة القادرين على إعطائها حقها.

(تخالُ إذا ما رقَّشوا الرَّق رَقَّهم=بتائكَ ريشٍ من خوافي الطواوس)
المفردات: تخال: تظن, وخالَ الشيء يخاله ظنه, والخَيَال: كلُّ شيءٍ تَخَيَّل لك عن غير حقيقة.
رقشوا: زخرفوا وزينوا وزوقوا, وحية رَقْشاءُ: فيها نقط سواد وبياض, والتَّرقيشُ: الكتابة، ورَقَّشْتُ الكتاب: كتبته.
الرق: الرَّقّ بالفتح: الصحيفة البيضاء, أوما يكتب فيه, وهو جلد رقيق, ومنه قوله ـ تعالى: {في رق منشور}.
بتائك: قِطع, والبَتْك أن تقبض على شَعَرٍ أو ريشٍ, أو نحوِ ذلك, ثم تجذبَه إليك, فينْبتِكَ من أصله، أي ينقطع ويَنْتَتِفُ.
ريش: كسوة الطائر, الواحدة ريشة, واللباس الفاخر, والحالة الجميلة, والراء والياء والشين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسْن الحال، وما يكتسب الإنسانُ من خَيْر. فالرِّيش: الخير. والرِّياش: المال. ورِشْت فلاناً أَرِيشُه رَيشاً، إذا قُمْتَ بمصلحةِ حالِه, وكسوة الطائر من هذا.
خوافي: الريش الصغار التي في جناح الطائر ضد القوادم, واحدتها خافية.
الطواوس: جمع طاووس, وهو طائر حسن الشكل, كثير الألوان, يبدو وكأنه يعجب بنفسه وبريشه, ينشر ذنبه كالطاق (يذكر ويؤنث) والجميل من الناس ونحوهم, والأرض المخضرة فيها كل ضرب من النبت أو الورد، ويُقال للشَّيْء الحَسَن: إنّه لمُطَوَّس.

المحتوى: هذه البركة أو بالأحرى هذه المحبرة, لا يصدر منها إلا مشاهير الخطاطين مثل الشاعر وجماعته, أولئك الذين يتخيل من يتصفح مخطوطاتهم, ويتأمل في ذخائر تراثهم, أن ما أمامه لم يكن من نمط الأوراق المكتوبة, بقدر ما هو من نوع آخر قد وصل غاية الجمال, وتنسم قمة الحسن, فيتصور نفسه وكأنما هو يقلّب بيديه أثناء قراءتها نتفاً لطيفة من الريش كالتي تتساقط بين يديك حينما تقبض على ريش ذلك الطائر الجميل المعروف بـ(الطاووس؛ وذلك لما تتمتع به تلك المخطوطات من عناية فائقة, وزبرجة بالألوان الزاهية الجميلة, وتزويق بكل أنواع الزخرفة والزينة, فتشعر بالراحة والاطمئنان أثناء تصفحها, كما لو أنك تتنزه في روضة خضراء, قد اشتملت على أنواع الزهور والورود.
إلى هنا انتهت هذه اللوحة الفنية من فعاليات الاستقبال, وسوف أوافيكم بلوحة أخرى من اللوحات الفنية التي تضمنها هذا المتحف قريبا إن شاء الله.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-19-2012, 06:36 PM   #3
مشرف منتدى الحوار الهادف


الصورة الرمزية أبوعبدالله
أبوعبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 04-24-2024 (10:22 AM)
 المشاركات : 1,671 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: من غرر الأدب في مدرسة كل أسوك



اقتباس:
بسم الله
إخوتي الكرام في منتديات مدينة السوق, بعد غياب طويل لظروف خاصة, أطل عليكم مجددا مهنئاً بجميع النعم المتتالية علينا منذ غيابي, ومعزيا مما صاحبها من الابتلاءات, وها أنا ذا أسلم عليكم جميعاً, وأذكر نفسي وإياكم بالهدف الأساسي للموقع, وهو خدمة التراث الأزوادي, وقد قرأت بعض القصائد التي تمثل في نظري غرر التراث الأدبي الأزوادي, وهي قصيدة للشيخ الشاعر محمد بن يوسف من (كل أسوك) وكان سببها دعوة أطلقها الشيخ الشاعر/ السالم بن محمد اليماني (إغلس) من (كل أسوك) أيضا, في أواخر القرن المنصرم, وكانت الدعوة مضمنة في قالب شعري, يتمثل في قصيدة عينية رائعة مطلعها:
أهلا وسهلا بالشيخ الأديب م الإدريسي حللت أهلا ووطئت سهلا , حمدا لله على تجاوزكم لتلك الظروف التي حرمتنا من إبداعاتكم وإطلالتكم البهية على المنتديات
ما أسعدني بهذه العودة بعد غيابكم الطويل ولا أملك إلا أن أعيد الترحيب والتقدير لكم و لهذه القراءة الجادة لقصيدة عمنا وشيخنا محمد إبن يوسف رحمه الله تعالى آميـــــــــــــن
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة




 
 توقيع : أبوعبدالله


العقول العظيمه تناقش الافكار , والعقول المتوسطه تناقش الاحداث , والعقول الصغيره تناقش الاشخاص



رد مع اقتباس
قديم 06-19-2012, 06:59 PM   #4
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: من غرر الأدب في مدرسة كل أسوك



أشكركم سعادة المدير على هذه الحفاوة, وكنت أتوقع أنني سأقابل ببعض العقوبات عن الغياب, لكن سعة صدركم أبت إلا أن تزيد اتساعا, زادكم الله من فضله, إنني لأغبطكم على هذه النفس الطيبة التي يحتوي عليها صدركم الرحب الكريم.
شكرا لكم مرة أخرى


 

رد مع اقتباس
قديم 06-19-2012, 07:02 PM   #5
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 الشاعر في الميدان



في المقطع الآتي يصف لنا الشاعر الدور الذي قام به في استقبال هذه الزائرة ويعطينا تقريرا كاملا عن تلك المباراة التي أقيمت في الحي من أجل اختيار المؤهلين لاستقبالها, فيقول:
فجاريتُهم في إجرياءِ إجابةٍ = لها, وتسابقْنا لرهنِ المقاوس
فثارُوا, وثُرنا ثورةً عنتريةً = وجالُوا, وجُلْنا جولةً في مجال(س)
ووافَوا كأني غُرَّةٌ في جباههم = سراعاً, فهبْني أمتطي متنَ داحس
فأقبلتُ إقبالَ القَبول, ولم أكن = لأطويَ كشحاً عن خبايا الدسائس
فوطَّأتُها قلباً وطرفاً وجبهةً = والاكليلَ إجلالاً لها بالمَداوس
تبسيط المقطع السابق:
(فجاريتُهم في إجرياءِ إجابةٍ = لها, وتسابقْنا لرهن المقاوس)
المفردات: جاريتهم: جاراه مجاراة وجراء: جرى معه و جاراه في الحديث, و تجاروا فيه,
إجرياء: الإجريا، بالكسر الجري, والعادة والطبيعة, والوجه الذي تأخذ فيه, وتجري عليه, ويقال: الكرم من إجرياه: من خلقه وطبيعته.
إجابة: جواب, جاوبتُه مجاوبةً وجواباً، وأجبتُه إجابةً وجابةً.
تسابقنا: تسابق القوم: استبقوا و تخاطروا و تناضلوا, و سباق الخيل إجراؤها في مضمار تتسابق فيه.
رهن: والرِّهان أيضاً: مراهنة الرجل على سباق الخيل وغير ذلك, مثل السبق بفتح السين والباء، ما يجعل للسابق على سبقه من جعل ونوال, ( راهنه ) على كذا مراهنة ورهانا خاطره وسابقه, وتراهن القوم: أخرج كل واحد منهم رهنا ليفوز السابق بالجميع إذا غلب, ويكون ذلك في سباق أو مراماة أو قمار.
المقاوس: بضم الميم على صيغة اسم الفاعل: الذي يرسل الخيل للسباق, وبفتح الميم جمع مقوس, وهو: الحَبْل الذي تصف عليه الخيل عند السباق, ويقال له المِقْبض أيضا, ووعاء تجعل فيه القسي, والموضع تجرى منه الخيل.
المحتوى: بعد ما طاف الشاعر بوصف المحيط العام للحي, غداة استقبالهم لزائرتهم الكريمة, وبعد ما حلق بنا طويلا في تلك الأجواء الممتعة, بدأ الآن يستقبلنا في مجلسه الخاص مباشرة؛ ليصور لنا بريشته المبدعة تفاصيل الدور الذي كان يقوم به أثناء فعاليات الاستقبال, فها هو ذا يقرب لنا صورة ميادين الحلبة, ويقدم لنا في هذا البيت وثلاثة أبيات بعده, تقريراً كاملاً عن نتائج هذا السباق الأدبي التاريخي الممتع, فينوه بشخصيته المرحة المستعدة لخوض المباريات استعداداً كاملاً, حيث لم تكن المباراة في مثل هذه الميادين الأدبية إلا عادة توارثوها عن أسلافهم كابرا عن كابر, وجروا عليها مددا طويلة, حتى صارت خلقا راسخا وطبيعة مسيطرة, فيصرح لنا بأن التجاوب مع مثل هذه الحالات عادة متبعة عند جماعته, فمن شأنهم تضمير الخيل وإعدادها لضمان إحراز قصب السبق في كل رهان, من مسابقة, أو مناضلة, أو أي مخاطرة أدبية يخوضها فرسان الأقلام في ميادين السباق التي تقام في نوادي الصحراء الأزوادية العريقة.
(فثارُوا وثرنا ثورةً عنتريةً... وجالُوا وجُلنا جولةً في مجال(س)
المفردات: ثاروا: وثبوا, وتثاوروا: تواثبوا, والمثاورة: المواثبة, وثار ثورانا و ثورا وثورة: هاج و انتشر.
عنترية: العنتر: الشجاع, والعنترة الشجاعة في الحرب, وعنتر فلان: شجع في الحرب, وسلك في الشدائد, وعنتره بالرمح: طعنه.
جالوا: جال الفرس في الميدان يجول جولة وجولانا قطع جوانبه, وجالوا في الحرب جولة جال بعضهم على بعض.
مجال (س): المجال : موضع الجولان ويقال: لم يبق مجال في الأمر وهو مجاز .
المحتوى: فهو هنا يصف لنا الاستعداد الكامل الذي يتمتع به الفريق الذي شارك تحت رايته في هذه المسابقة, فقد تواثبوا بكل خفة وشجاعة وأريحية, وتحدو بهم عواطفهم الهياجة, وقرائحهم الجياشة, يلوحون برماحهم الأدبية, ويذرعون الميدان يمنة ويسرة, ويلتف بعضهم على بعض في جوانبه, حتى ثبَّت شاعرنا قوائم جواده في (مجال السين) الذي يعتبر الوصول إليه نهاية للجولة الأخيرة من السباق, وكان شاعرنا هو الفائز بالمركز الأول, كما سيصرح به في البيت الآتي.
(ووافوا كأني غرة في جباههم... سراعاً, فهبني أمتطي متن داحس)
المفردات: وافوا: أتوا: وافى فلان: أتى.
غرة: بالضم: بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم, يقال: فرس أغر, ورجل أغر أيضاً, أي: شريف, وفلان غرة قومه, أي: سيدهم, وغرَّ الرجل: ساد وشرف وكرمت فعاله واتضحت فهو أغر, وغرة كل شيء أوله وأكرمه.
جباههم: جمع جبهة, وهي: مُستَوَى ما بين الحاجِبَيْنِ إلى الناصية, وفلان (جبهة القوم) أي: سيدهم استعارة كقولهم: وجه القوم, والجَبهة: كوكبٌ, والجبهة: الخيل.
سراعا: جمع سريع, أو مصدر سارع, والسرعة ضد البطء, تقول منه: سرع بالضم سرعا بوزن عنب, فهو سريع, وعجبت من سرعته ومن سرعه, و أسرع في السير, والمسارعة إلى الشيء المبادرة إليه, و سارعوا إلى كذا و تسارعوا إليه بمعنى.
هبني: هَبْنِي ذَاك، أي: احسُبْني ذاك واعدُدْني, وضعت للأمر مثل ذر ودع.
أمتطي: امتطى الدابة وأمطاها: جعلها مطية وركبها.
متن: متن الفرس: ظهره, ومَتْنُ كلِّ شيءٍ: ما ظَهَرَ منه, متنا الظهر: مكتنفا الصلب عن يمين وشمال.
داحس: اسم فرس من خيل العرب مشهور بالسبق.
المحتوى: وما كان شاعرنا ليستغرق في المبالغة في تقديم نفسه, فما سبق تلك الكواكب الوضاءة السريعة الحركة التي يتمثل منها فريقه, إلا بما يسبق به البياض المطبوع على جبهة الفرس مكانه من الجبهة, أو بما يسبق به السيد قومه حينما يميز بينهم ببعض الخصال الحميدة, ولم لا وهو لم يسابق إلا السباقين المبادرين إلى الفضائل والمكارم, فيمكن لظان أن يحسبه ممتطيا صهوة الجواد الأصيل العربي المشهور بالسبق في قصة داحس والغبراء.
(فأقبلتُ إقبالَ القَبول, ولم أكن... لأطويَ كشحاً عن خبايا الدسائس)
المفردات: أقبلت: تقدمت, أقبل ضد أدبر, و أقبل عليه بوجهه, و المقابلة المواجهة.
إقبال: مصدر أقبل.
القبول: الرضا بالشيء وميل النفس إليه(مصدر شاذ), يقال: تقبل الشيء و قبله يقبله قبولا بفتح القاف, والحسن والشارة, وريح الصبا(ريح تقابل الدبور), ويقال: على فلان قبول, إذا قبلته النفس.
أطوي كشحا: الكشح: ما بين الخاصرة والضلوع والوشاح, ويقال: طوى كشحه على الأمر, أضمره وستره, وطوى عنه كشحه تركه وأعرض عنه.
خبايا: خفايا, جمع خبيئة, والخبء والخبيء والخبيئة الشيء المخبوء, وكل ما غاب فهو خبء .
الدسائس: دس الشيء في التراب أخفاه فيه, وكل شيء أخفيته تحت شيء فقد دسسته, دس الشيء دسا ودسيسا: أخفاه يقال: دس الشيء في التراب, ويقال: دس المكر, ودس نفسه في الأخيار وليس منهم, وأدخله في غيره بقهر وقوة, والبعير طلاه بالقطران طليا خفيفا, حية قصيرة حمراء محددة الطرفين لا يدرى أيهما رأسها تندس تحت التراب فلا تظهر في الشمس.
المحتوى: يصف لنا الشاعر في هذا البيت والذي بعده, كيف قام باستقبال الزائرة بعد ما تم انتخابه لهذه المهمة كجزء من الجوائز التي تلقاها مقابل إحرازه لقصب السبق في المباراة السابقة, فها هو ذا بعد ما حاز قصب السبق في هذا الرهان, يتقدم إلى صالة الاستقبال بكل إقدام وشجاعة وقبول وإقبال, وتستحثه مشاعر الرضا, ويخطر في مشيته بكل فخر واعتزاز, وكأن الجمال قد أصبح شارة تميزه عن بقية تلك الكواكب, وخفة روحه فوق خفة ريح الصبا (القبول), ويملؤه استشعار قبول جماهيره لأدائه المميز, ويستبعد الشاعر في هذا البيت أن يكون فوزه ناتجا عن دسيسة أو مكر أو أي غش مما كان المتسابقون يتساهلون في اللجوء إليه للحصول على الجوائز أو حسن السمعة, كما ينفي بكل وضوح أن يكون الدافع من وراء تحركاته أغراض نفسية غير شريفة, فالقضية في نظره قضية منافسة شريفة, الهدف منها طمأنة الشاعر (إغلس) على واقع جماعته من الناحية العلمية, فهي منزهة عن كل المقاصد التي تحمل أي سموم شيطانية, وهذا ما سيتجلى أكثر من كيفية استقباله للزائرة في البيت الآتي.
(فوطَّأتُها قلباً وطرفاً وجبهةً... والاكليلَ؛ إجلالاً لها بالمداوس)
المفردات: وطأتها: فرشت لها, والوطاء بالكسر: ضد الغطاء, و وطأ الموضع وغيره توطئة: صيره وطيئاً, والشيء: هيأه, والفراش دمثه ووثره.
قلباً: القلب, عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة ويدفعه في الشرايين قاعدته إلى أعلى معلقة بنياط في الجهة اليسرى من التجويف الصدري, وقلب العقرب: منزل من منازل القمر, وهو كوكب نير وبجانبه كوكبان, وقد يعبر بالقلب عن العقل, وقلب كل شيء: وسطه ولبه ومحضه, ورجل قلب: خالص النسب.
طرفاً: الطرف: العين, أو هو : اسم جامع للبصر, والطرف أيضا : كوكبان يقدمان الجبهة سميا بذلك؛ لأنهما عينا الأسد ينزلهما القمر, والطرف : اللطم باليد على طرف العين, ثم نقل إلى الضرب على الرأس, والطرف: الرجل الكريم الآباء إلى الجد الأكبر, والطرف: منتهى كل شيء.
جبهة: مُستَوَى ما بين الحاجِبَيْنِ إلى الناصية, والجبهة النجم الذي يقال له جبهة الاسد, وهي أربعة أنجم ينزلها القمر, وفلان (جبهة القوم) أي: سيدهم استعارة كقولهم: وجه القوم, والجَبهة: كوكبٌ, والجبهة: الخيل.
الإكليل: الإكليل: شبه عصابة تزين بالجوهر, ويسمى التاج إكليلاً, والإكليل: منزلٌ من منازل القمر، وهذا على التَّشبيه, والإكليل: السَّحابُ يدور بالمكان.
إجلالاً: أجله في المرتبة إجلالا: عظمه تعظيماً, و تجليل الفرس: إلباسه الجُل.
مداوس: جمع مدوس بوزن معول: ما يداس به, داس الشيء برجله يدوسه دياسة, فانداس, والموضع مداسة.
المحتوى: لم يرتض الشاعر لهذه الزائرة بعدما انتدب للقيام بشأنها أن يطول بقاؤها في صالة الاستقبال, فقد شرع مباشرة في تجهيز محل إقامتها الدائمة, وترتيب سكنها المريح, فقد فكر في أصناف الفرش الوثيرة, فلم يقنع بإحلالها في موطن غير فؤاد رجل وافر العقل خالص النسب رفيع المقام, ولم يجد أولى من فؤاده, أو أن تكون بؤبؤا فتتبوأ مكانا مكينا في سواد عينه؛ ربما كي لا تغيب عن بصره ولو لحظة واحدة, ولم لا وهي من الأقمار التي ليست منازلها سوى القلب أو الطرف أو الجبهة أو الإكليل, ومن غرر الإبداعات الأدبية, ومن شأن الغرة احتلال الجباه, فما ينبغي لأخمص قدم مثلها أن يطأ إلا على التيجان, أو أن يرفع فوق السحاب, ولا يليق بها أن تسكن سوى مع النفوس في حماطات القلوب, أو مع الأبصار في حدقات العيون.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-19-2012, 08:53 PM   #6
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 المحاورة بين الشاعر والقصيدة



في المقطع الآتي يطلعنا الشاعر على مضمون المحاورة التي جرت بينه وبين الزائرة الموقرة, بعدما فرغ من تهيئة سبل الراحة لها, من أجل التعرف عليها وعلى أبيها, ثم ينقلنا إلى شخصية الشيخ الشاعر (إغلس) الفذة, فيحدثنا عن مكانته في العلم والكرم والشجاعة ومحاسن الأخلاق, ثم يشيد بمبادرة (إغلس) المباركة في محاولة إنعاش النشاط العلمي في إقليمه, وكل ذلك بأسلوب عجيب ولغة جذلة رائعة, فيقول:

فقلتُ لها: ممَّن؟ أمن أهل بابلٍ... أبيني لنا, أم أنتِ من أهل فارس؟
فإن لا تكوني من أكارم قومهم... فمن كرْمهم, أو من بناتِ المَراقس
وإلا, فأنتِ دُرَّةٌ صدفيَّةٌ... ثوتْ حِججاً مغموسةً في المَغاطس
فقالت: أبي تَهذي, أبي؟ أوَ لم تكن... بأنسبِ نسَّابٍ وأفرسِ فارس
فقلتُ لها: سبحان منك! تنسَّبي... فقالت: ومنكَ! إنني بنتُ هاجس
فقلتُ لها: أيُّ الهواجس؟ إنني... أراكِ ابنةَ الوضَّاح خُس بن حابس
فقالت: لقد أعييتَني, فعِ أنتسبْ... فقلتُ لها: قولي, يعِ القولَ هاجس ي
فقالت: نماني (ابنُ اليماني), ومن تَطبْ... مغارسُه, يطبْ بطيب المَغارس
تبسيط المقطع السابق:
(فقلتُ لها: ممَّن؟ أمن أهل بابلٍ... أبيني لنا, أم أنتِ من أهل فارس؟
فإن لا تكوني من أكارم قومهم... فمن كرْمهم, أو من بنات المراقس
المفردات: بابل: اسم موضع بالعراق, ينسب إليه السحر والخمر, ويُقال ـ واللَّه أعلم ـ: إنّ اللَّه ـ عزّ وجلّ ـ لما أراد أن يُخالِفَ بين أَلْسِنة بني آدمَ بعث ريحاً, فحشرتهم من كلِّ أُفُق إلى بابل, فبلبل اللَّه بها ألسنتهم، ثمّ فرَّقتهم تلك الرِّيحُ في البلاد, والبَلْبَلةُ: بَلْبَلةُ الأَلْسُن المختلفة.
فارس: هم الفرس, والفارس: الحاذق بركوب الخيل, و صاحب الفراسة بالكسر الاسم من قولك تفرست فيه خيرا, وهو يتفرس أي يتثبت وينظر, تقول منه رجل فارس النظر.
أكارم: جمع كريم, والكرم: ضد اللؤم, السخاء وسعة الصدر, والصفح وحب الأخلاق الحميدة. يقال: تكرَّمَ فلان عما يشينه إذا تنزه، وأَكْرَمَ فسه عن الشائنات, الكرم شجر العنب والكرم أيضا القلادة يقال رأيت في عنقها كرما حسنا من لؤلؤ.
كرمهم: الكرْم العنب, ويسمي الكَرْمُ كرْماً؛ لأن الخمر المتخذ منه يحث على السخاء والكَرم, ويأمر بمكارم الأخلاق, فاشتقوا له اسما من الكَرَم للكَرم الذي يتولد منه, فكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المرء المؤمن أولى بهذا الاسم الحسن وأنشدوا: والخَمْرُ مشتقَّة المعنى من الكرَمِ؛ ولهذا المعنى سموا الخمر راحاً؛ لأن شاربها يرتاح للعطاء أي يخفّ.
المراقس: جمع مرقس: من أسماء امرئ القيس, وسمي امرؤ القيس بذلك؛ لأنه كان يقول الشعر على لسان إبليس, ومرقس من أسماء إبليس عند الجاهلية, ولقب شاعر طائي، واسمه عبد الرحمن أحد بني معن بن عتود, واسم رجل من الرهبان.

المحتوى: بعد فراغ الشاعر من توفير سبل الراحة والطمأنينة لزائرته, فاتحها ليماقسها في حوار شيق لطيف؛ تأنيسا لها بمحاورته, حوار سيبقى لوحة فنية خالدة في المتاحف الأدبية, تخطف أنظار المرتادين, فقد استخدم هذا الفنان في تشكيلها مهاراته الفنية بكل إتقان, كما لونها بروائع التلاوين, وأودعها من الإشارات والإيحاءات ما يسلب الألباب مدى الأزمان, وتجلت فيها مقدرته الأدبية وثقافته الحضارية واضحة للعيان, فطاف بالحضارة العربية بفرسانها ومراقسها وشياطين شعرائها, ورهبانها وعماليقها وفصحائها, والحضارة الفارسية بكياسرتها وتيجانيها وتناميقها, وسحرتها, ودنانها وأباريقها, وغاص في محيطات البحار كل عميقها, كل ذلك محاولة منه لإدراك كنه زائرته بعد ما سحرته برونقها, وهي تتمايل في طريقها, وأسكرت عقله ببريقها, لا بارتشاف ريقها, وانطلق الحوار الشيق على مقتضى أدبيات استقبال الضيوف المكرمين, وقانون الدخول في خصوصيات الأذكياء المحترمين, فأبدى الشاعر لزائرته غاية الإعجاب بمنظرها, وطوى في ذلك الاستفسار عن مخبرها زيادة على ما فهمه من ملامح مظهرها, وكان الشاعر يحاول استجلاء حقيقة هذه الزائرة عن طريق سبر ما ظهر له من الصفات, فيضع أمامها مجموعة منوعة من الخيارات, فمن ناحية سلبها للعقول وتضليلها للأحداق, فيتوقع أنها قادمة من بلاد بابل في العراق, فهي لا تعدو أن تكون سحرا يغير النفوس ويعمي الأبصار, أم خمرا يغطي العقول بأكثف الأستار, وبالنظر إلى أبهتها في كسوتها وتاجها المزخرفين, إضافة إلى دهائها وذكائها الخارقين, فربما كانت قد نشأت تحت أفياء إحدى الحضارات القديمة, أوتربت في أحضان بعض الأسر الملكية العظيمة, إن لم تكن من بنات بعض الفرسان المعدودين, أو منتمية إلى واحد من البلغاء المشهورين.
وكأن الشاعر في البيت الثاني يحاول محاصرة زائرته بين ثلاث خيارات لا رابع لها, فهي في النهاية إما أن تكون من بنات هؤلاء الملوك وكرائم هؤلاء الكرام, وإما أن تكون عنقودا من عناقيد الأعناب التي تعصر منها الخمور التي تنسب إلى تلك البلدان, وإلا فهي من بنات امرئ القيس أو غيره من الشعراء المشهورين بالبلاغة الساحرة.

(وإلا, فأنتِ درةٌ صدفيةٌ... ثوتْ حِججاً مغموسةً في المغاطس)
(فقالت: أبي تهذي؟ أبي, أو لم تكن... بأنسب نسَّابٍ وأفرس فارس)

المفردات: درة: واحدة الدر, و هي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة.
صدفية: منسوبة إلى الصدف, صدف الدرة غشاؤها, وكل شيء مرتفع عظيم كالهدف و الحائط و الجبل و الناحية و الجانب فهو صدف.
ثوت: ثوى بالمكان و فيه ثواء وثويا: أقام و استقر.
حججا: بوزن عنب, جمع حجة, والحجة بالكسر: السنة.
مغموسة: غمسه في الماء مقله فيه, ومَقَلهُ في الماء: غَوَّصَه فيه, يقال: غَمَست الثَّوبَ واليدَ في الماء، إذا غططتَه فيه.
المغاطس: الغطس في الماء الغمس فيه, الغين والطاء والسين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على الغَطِّ. يقال: غطَطْتُه في الماء وغَطَسته.
أبي تهذي؟: أتهزأ بي: أتسخر بي؟ الهُزْءُ: السُّخْرية، يقال: هَزِيءَ به يَهْزأُ به، واسْتَهزأَ به، وتَهَزَّأَ به.
أبي: والدي.
أنسب نساب: أعلم بالأنساب, وأرق نسيبا, وأهدى إلى الصراط المستقيم, رجل نسابة أي عالم بالأنساب, والهاء للمبالغة في المدح, ونسبت الرجل ذكرت نسبه, النون والسين والباء كلمةٌ واحدة قياسُها اتِّصال شيءٍ بشيء. منه النّسَب، سمِّي لاتِّصاله وللاتِّصالِ به. تقول: نَسَبْتُ أنْسُِبُ. وهو نَسِيبُ فلانٍ. ومنه النَّسيبُ في الشِّعر إلى المرأة، كأنَّه ذِكْرٌ يتَّصِل بها؛ ولا يكون إلاَّ في النِّساءِ. تقول منه: نَسَبْتُ أنْسُِبُ. والنّسيبُ: الطريق المستقيم، لاتِّصال بعضِه من بعض, وبالمرأة نسبا ونسيبا ومنسبة شبب بها في الشعر. والنساب والنسابة العالم بالنسب. وهذا الشعر أنسب، أي أرق نسيبا.
أفرس فارس: أعلم بالفراسة, أثبت نظرا, وأحذق بركوب الخيل, فارس: أي صاحب فرس, و الفراسة بالكسر الاسم من قولك تفرست فيه خيراً, وهو يتفرس أي يتثبت وينظر, تقول منه رجل فارس النظر وفي الحديث { اتقو فراسة المؤمن } و الفراسة بالفتح والفروسة والفروسية كلها مصدر قولك: رجل فارس على الخيل, وقد فرس من باب سهل وظرف أي حذق أمر الخيل, وأحكم ركوبها فهو فارس بالخيل, وفلان صار ذا رأي وعلم بالأمور فهو فارس بالأمر عالم بصير, وفرسَ السبعُ فريستَه، إذا حَطَمها. ويقال: فَرسْتُ عنقَ الشَّاة، إذا اعتمدتَ على الفِقْرة ففصلتَها مِن الأخرى, الفاء والراء والسين أُصَيل يدلُّ على وطءِ الشَّيء ودقِّه, وممكنٌ أن يكون الفَرَس من هذا القياسِ؛ لركلِهِ الأرضَ بقوائمه ووَطْئِه إيَّاها.

المحتوى: يرخي الشاعر في هذا البيت ـ بسب إصرار من يحاورها على الصمت ـ للجواز العقلي زمامه, وكأن الشكوك تساوره في حقيقة هذا الشبح الماثل أمامه, فلم يعد بمقدوره ـ حسب ما يتظاهر به ـ التأكد من كون ما يقابله من الأجسام الناطقة أًصلا, فقد استعرض الممكنات الملائمات لمظهره فصلا فصلا, فنهاية سبره واستقرائه المستقصي وتقسيماته, تؤدي به إلى احتمال كون زائرته واحدة من الدر, بل من يتيماته, فبما أنها قد تحدت معرفته الواسعة المتجاوزة للحدود, فلتكن مع عظمتها وبهائها من الدرر العظيمة المعروفة بالركود, فلولا طول التزامها الاحتجاب بأعماق البحار, متلفعة بمروط أصدافها عن أعين النظار, لما طال التجوال مع نسابة بهذا الحجم في هذا المضمار, ويدرك الشاعر ما في العبارة من الاستهتار, والاتهام بالخفاء والاستتار, لكنها استفزاز تعمده كآخر خيار.
وهذا الأسلوب الأخير بما يحمله من استثارة واستفزاز, وبما يوحي به من اتهام بالخرس قد يستشفه من يفهم المجاز, إضافة إلى ما يحمله من الرمي بالاختفاء عن الأنظار, عكس ما ترنو إليه الغواني من سعة السمعة والاشتهار, هو ما أجبر به الشاعر زائرته إلى الخروج من صمتها بالاستنكار, كما هو شأن العظماء عند الاضطرار للانتصار, فقد كانت من العظمة والاشتهار بالمحل اللائق والمقام المجزي, فلا محمل عندها للاستفسار عنها إلا أن يكون صادرا ممن يستهزي, إلا أنها لطفت خطابها وحمّلته تنبيها, وبررت إنكارها بأنها معجبة بالشاعر صنو أبيها, ولم لاتعجب به وهو المصدّر في معرفة النسيب والأنساب, والمستمسك بأزمتهما بإجماع من الشيوخ والشباب, مع ما برز فيه من صدق الفراسة وصوابها, إضافة إلى ولوجه الفروسية من أوسع أبوابها, بجانب استحواذه من الأساليب على كامل نصابها, ولا يمكن إيجاد مبرر لاستنكارها ألطف من إبداء إعجابها؟!

(فقلت لها: سبحان منك! تنسَّبي... فقالت: ومنك, إنني بنتُ هاجس)

المفردات: سبحان منك: العرب تقول: سبحان مِن كذا، أي ما أبعدَه, وسبحان الله, معناه: التنزيه لله, وهو نصب على المصدر, كأنه قال أبرئ الله من كل سوء براءة, والتَّنْزيه: التبعيد.
تنسبي: عرفي بنفسك, اذكري نسبا ما, انتسب إلى أبيه، أي اعتزى.
ومنك: أي وسبحان منك.
هاجس: خاطر, هجس الأمر بالقلب هجساً وقع وخطر, فهو هاجس.

المحتوى: في هذا البيت قد سيطر الإعجاب على الشاعر أيضاً تجاه الجواب المقتضب السابق؛ لما ينم به تعبير الزائرة من شخصية واثقة ومنطق صادق, واستغرب من تمنعها المشوب بالترغيب, وبتظاهرها بالتباعد عن التصريح عكس ما يحاوله من التقريب! فما كان من محاورته اللبيبة إلا أن حاكته في التعبير, وأوجزت في الخطاب كما هو أدب الصغير عند مخاطبة الكبير, وقامت بصرف الكلام إلى وجهة غير التي يترقبها المحاور, فأفصحت بأنها لم تكن إلا من بنات الخواطر.

(فقلتُ لها: أي الهواجس؟ إنني... أراكِ ابنةَ الوضَّاح: خُس بن حابس)

المفردات: الهواجس: الخواطر, جمع هاجس.
أراكِ: أعلمك, الرؤية بالعين تتعدى إلى مفعول واحد, وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين.
الوضاح: الوضاح الرجل الحسن الوجه, وجَذِيمة الأبْرَش بن مالك بن فَهم الأزدي: بعض ملوك العرِب, الوضح: بياض الصبح والقمر والغرة والتحجيل في القوائم وغير ذلك من الألوان.
خس بن حابس: الخس - بالضم - : اسم رجل، ومنه هند بنت الخس, من العماليق, الإيادية التي جاءت عنها الأمثال, وكانت معروفة بالفصاحة نقله ابن دريد, وقال: الخس اسم رجل من إياد معروف، وهو أبو ابنة الخس. وفي نوادر ابن الأعرابي: يقال فيه خس وخص - بالسين والصاد - ، وهو خس بن حابس بن قريط الإيادي. وقال أبو محمد الأسود: لا يجوز فيه إلا الخس - بالسين .

المحتوى: ما كانت هذه المصارحة السابقة لتختطف الشاعر كما هو هدف زائرته, فالذي يحلو لذائقتها من الإيجاز والاختصار ليس متلائما مع ذائقته, فما يرضى أن يطفو على السطح ولا أن ينعتق من الإغراق, فلم يزل عنده من النفس ما يكفي لمواصلة السباحة في الأعماق, فها هو ذا لا يسمح بأن يعرج على الحقيقة ذلك التعريج, إذ لا مناص من الانتهاء إليها ولكن بالتدريج, فيتساءل ما إذا كان بالإمكان أن تتساقط هذه الدرر النفائس, من بين ثنايا فتاة سوى بنات السادة الأشاوس, فنراه يلجأ إلى الحدس بعيدا عن مدركات الحس, ليحكم على محاورته بأنها هند بنت الخس, فهي التي تضرب بفصاحتها الأمثال, كما كانت آباؤها من العمالقة الأقيال.

(فقالت: لقد أعييتَني! فعِ أنتسبْ... فقلتُ لها: قولي, يع القولَ هاجس ي)
(فقالت: نماني (ابنُ اليماني) ومن تطب... مغارسُه, يطبْ بطيب المغارس)

المفردات: أعييتني: أفحمتني وأعجزتني, والعي ضد البيان, وقد عي في منطقه فهو عي, و عيي يعيا فهو عيي, ويقال أيضا عي بأمره و عيي إذا لم يهتد لوجهه, وأعياه أمره, والمعاياة أن تأتي بشيء لا يهتدى له.
ع: احفظ, وعى الحديث يعيه وعيا: حفظه, وَوَعَى العَظْمُ: إذا انجَبَرَ بعدَ كَسْرٍ.
واجسي: ذهني, الواجس: الهاجس = الخاطر, والواو والجيم والسين: كلمةٌ تدلُّ على إحساسٍ بشيءٍ وتسمُّعٍ له. تَوَجَّس الشَّيءَ: أحَسَّ به فتسمَّعَ له.
نماني: نمى الرجل إلى أبيه نسبه, و انتمى هو: انتسب, ونميته: رفعته، وعزوته.
ابن اليمان: هو الشيخ الشاعر (إغلس بن محمد بن اليمان), صاحب القصيدة التي يستجيب لها الشاعر.
مغارسه: منابته, جمع مغرس, وهو موضع الغرس, غرس الشجر ونحوه غرسا: أثبته في الأرض.

المحتوى: إلى هنا أدركت الزائرة الكريمة أن مجال جليسها في الخطابة رحب فسيح, وأنه لا ينوي أن يرفع عنها بالكنايات كلفة التصريح, فهي مضطرة إلى تقديم بطاقتها التعريفية وبكل توضيح, فاعترفت بالعجز عن مجاراة هذا البليغ الفصيح, في ميادين الاستعارة والكناية والتلميح, وطالبت بإعطائها الفرصة وإعارتها الأسماع, فقد آن لحقيقتها أن ينكشف عنها القناع, وكأن الشاعر المحاور قد رضي منها بهذا القدر, ولا يبدو أنه تفاجأ بالأمر, فتقبل عرضها بكل انفتاح ورحابة صدر, مبشرا بقدراته في حسن الإنصات وإتقانه لفن السماع, كما هو مقتضى عبقريته التي انعقد عليها الإجماع, فلم يكن ذهنه إلا عبارة عن وعاء مهيأ للاحتفاظ بما يوضع فيه من معلومات, وليست خواطره إلا أداة استقبال جاهزة لالتقاط أدق المسموعات.
ثم فسحت الزائرة المجال للشاعر في استخدام ذكائه ومهارته في علم الأنساب, فاكتفت عن الانتساب إلى أبيها بالانتماء لجدها وعن الأسماء بالألقاب؛ وبما أن الشاعر خبير مبرز في هذا المجال, فقد اكتفى منها بهذا الاختصار والإجمال, ففهم كل ما لمسه من سحرية وجمال, وعلم أنها الخمر لكنها من النوع الحلال, فما أطيب جذعا انبثقت منه شماريخها, وما أجمل تاريخا هو تاريخها, فقد ارتفعت إلى المقام الأجل الأسمى, وذكرت شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-19-2012, 09:04 PM   #7
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 الشاعر إغلس بن اليماني في نظر الشاعر محمد بن يوسف



في المقطع الآتي يخلد الشاعر للتاريخ لوحة بريشته المبدعة لوحة فنية تتضمن بعض ملامح شخصية والد زائرته الكريمة/ الشيخ الشاعر (إغلس) فيقول:
فتىً, كلما قرَّتْ على الرَّق كفُّه = أقرَّ له بالرِّقِّ كلُّ مُمارس
وإن شاء إنشاءَ القوافي, شأَى بها = بمضمار سبقٍ كلَّ قَِرن مُنافس
أو استبقت فرسانُ علمِ بلاغةٍ = بميدانها استتْلى بها كلَّ فارس
إذا ما تحرَّى القولَ يوماً, فثِقْ به = ولا تبحثنْ عمَّا تحرى ابنُ عابس
لقد أُنشِئتْ في راحتيه, فرِدْهما = سحائبُ عشرٌ, كم جلَت بُؤسَ بائس
يسحُّ بتا قطرُ الندى, وبتا الرَّدى = على الوِدِّ والضِّدِّ المعادي المُغامس
هُما فاعتبر, كاسميهما, فادرِ ما هما = إذا اغبرَّتِ الآفاقُ في فصل مارس
فيُمناه يُمنُنا, ويُسراه يُسرُنا = وإن تكنِ الشُّؤمى فشؤمُ المُداعس
لئن دلَّ عن رُشدٍ, وحضَّ مُحرِّضاً = على الدرس والتدريس, غيرَ مُدالس
فلا بِدعَ, فهْو البدرُ, والجهلُ حِندِسٌ = وفي البدر تِمّاً جَلوةٌ للحنادس
تبسيط المقطع السابق:

(فتىً, كلما قرت على الرَّق كفُّه = أقرَّ له بالرِّق كلُّ ممارس)

المفردات: فتى: الفتى الشاب القوي الحدث, و الفتاة الشابة وقد فتي بالكسر فتاء بالفتح والمد, والفتى أيضا السخي الكريم, يقال: هو فتى بين الفتوة, والجمع فتية وفتيان, واشتقاق الفتوى من الفتاء؛ لأنها جواب في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل.
كلما: كلمة تكرار وتعميم تستعمل ظرف زمان, (كل)يفيد التكرار والتعميم, إذا لحقتها (ما).
قرت: ثبتت, وسكنت, قررت بالمكان بالكسر, أقر قرارا, وقررت أيضا بالفتح أقر قرارا وقرورا, والقر: صب الماء دفعة واحدة, وقرت الدجاجة صوتها, إذا قطعته, يقال: قرت تقر قرا وقريرا, فإن رددته قلت: قرقرت قرقرة, وقر الكلام والحديث في أذنه يقره قرا: فرغه وصبه فيها, وقيل: هو إذا ساره, ابن الأعرابي: القر: ترديدك الكلام في أذن الأبكم حتى يفهمه.
الرَّق: الرق بالفتح ويكسر: ما يكتب فيه وهو جلد رقيق, أو الصحيفة البيضاء, والرَّقُّ: من دواب الماء شبه التمساح, والرَّقُّ أيضا: كل أرض إلى جانب وادٍ ينبسط عليها الماء أيام المد، ثم ينحسر عنها الماء فتكون مكرمة للنبات.
كفه: الكف واحدة الأكف, وكف الخياط الثوب: خاطه مرة ثانية.
أقرَّ: أقر بالحق اعترف به, والإقرا: ضدُّ الجحود, وأقرّ الله عينه: أي أعطاه حتى تَقِرَّ عينُه فلا تطمَحَ إلى من هو فوقه.
الرِّق: الرق بالكسر من الملك وهو العبودية, ورق العبد رقا: صار أو بقي رقيقا, وأصل الرق من الرقة التي بمعنى الضعف, والرَّق والرِّق, والرَّقَق: ضعفٌ في العِظام, ويقال للأرض اللينة: رق.
ممارس: معالج للقريض ومزاول للكتابة, (مجاور في (مَرْسِ) واحة من واحات (أزواد), مَرَسْتُ الشيءَ أمرُسه مَرْساً، إذا دَلَكْتَه. ورجل مَرِسٌ وممارِس: صبور على مِراس الأمور. ورجل ممارس للأمور: معالج ومزاول لها.

المحتوى: كان الشاعر أثناء محاورته لزائرته يداري عاطفتها ويحابيها, لكنه ذهل عنها بعدما وصل من خلال الحوار إلى معرفة أبيها, فأطلق العنان لمشاعره تجاه هذا الشاب الجامع لمعاني الفتوة والكمال, القوي الحدث العابد المتفقه الكريم الخصال, من اعتادت إبداعاته استرقاق ألباب المهرة الكتاب, والتحكم في نواصي المحترفين المتمرسين في صياغة الخطاب, من تنساب ينابيع البلاغة من بين بنانه كالماء الرقراق, فتنسكب متصببة إلى قنوات جداول الأرواق, ليعترف له البارعون له بالإجادة والإتقان, بدءاً من مشاركيه في سكنى واحة (مَرْسِ) ووصولاً إلى كل مكان.

(وإن شاء إنشاءَ القوافي, شأى بها... بمضمار سبقٍ كلَّ قَِرنٍ منافس)

المفردات: شاء: أراد, المشيئة الإرادة, تقول: شاء يشاء مشيئة, وقيل: إنها أخص من الإرادة
إنشاء: مصدر أنشأ: إذا أنشد شعرا أو خطب خطبة فأحسن فيهما, وأنشاني الطيب والعطر إنشاء أشمني إياه.
القوافي: القصائد, قوافي الشعر, والكلام المقفى من قولهم: قفا أثره: اتبعه؛لأن بعضها يتبع أثر بعض, وقافية الرأس: هي القفا, وقافية كل شيء آخره, وفي مصطلح العروضيين: الحروف التي تبدأ بمتحرك يليه آخر ساكنين في آخر البيت.
شأى: شأوت القوم، أي: سبقتهم، أشأى شأواً, و شأى الشيء فلانا أعجبه و شاقه وأحزنه.
مضمار سبق: الموضع الذي تضمر فيه الخيل, وقد يكون المضمار وقتاً للأيام التي تُضمَّر فيها الخيل للسباق أو للرَّكض إلى العدو، وتضميرها أن تُشدّ عليها سُروجُها، وتُجلَّل بالأجلة حتى تعرق تحتها, فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويُحمل عليها غلمان خفاف يجرونها البردين ولا يعنفون بها، فإذا ضُمِّرت واشتدت لحومها, أُمن عليها القطع عند حُضرها, ولم يقطعها الشَّدُّ، فذلك التَّضمير الذي تعرفه العرب، ويُسمونه مِضمارً وتضميراً.
قِرن: بفتح القاف مثلك في السن, فلان قَرن فلان, إذا كان من لداته, وبكسرها مثلك في الشجاعة, فلان قِرن فلان, إذا كان يقاومه في بطش أو قتال.
منافس: مجار ومبار في مضمار الشعر, نافس في الشيء منافسة و نفاسا بالكسر, إذا رغب فيه على وجه المباراة في الكرم, و تنافسوا فيه, أي رغبوا, أو مسابق في النفاسة وهي الرفعة.

المحتوى: ما زال الشاعر مندفعاً في تصفح صفات والد زائرته, وما فتئ يعرض صوراً مشوقة مما احتفظ به عن هذه الشخصية في ذاكرته, والمقام يستدعي التركيز على الجانب الأدبي من شخصية الممدوح بالأحرى, رغم أن بقية الصفات الكمالية ستتلاحق في شريط ذاكرته تترى, فما الشيخ (إغلس) في نظر الشاعر إلا سيد القوافي وأميرها, وما الذي يتموج في بحره إلا زلال البلاغة ونميرها, فهو الذي إذا رغب في صياغة القوافي أجاد وأطرب, وعطر مسامع النقاد بغوالي المسك أو أطيب, فهو المبرز السباق كلما جال بحصانه في الميدان, وإن كان الفرسان المتسابقون من المنافسين ومن الأقران.

(أو استبقتْ فرسانُ علمِ بلاغةٍ... بمَيدانها, استتْلى بها كلَّ فارس)

المفردات: استبقت: استبق الفارسان على فرسيهما إلى غاية: تسابقا إليها.
فُرسان: جمع فارس.
علم بلاغة: هو العلم بالقواعد التي بها يعرف أداء جميع التراكيب حقها, وإيراد أنواع الشبيه والمجاز والكناية على وجهها, وإيداع المحسنات بلا كلفة مع فصاحة الكلام. والغايةُ منه: تأديةُ المعنى الجميل واضحاً بعبارةٍ صحيحة فصيحةٍ، لها في النفس أثرٌ ساحر، مع ملاءمة كلِّ كلامٍ للموطنِ الذي يقال فيه، والأشخاصُ الذين يُخاطَبون, وعناصرُه: لفظٌ ومعنًى، وتأليفٌ للألفاظ يمنحُها قوةً وتأثيراً وحسناً، ثم دقةٌ في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه، وموضوعاته، وحال السامعين، والنزعةِ النفسية التي تتملكهم، و تسيطرُ على نفوسهم.
وينقسمُ هذا العلمُ ثلاثة أقسامٍ:
علمُ المعاني : وهو علمٌ يعرَفُ به أحوال اللفظ العربيِّ التي بها يطابقُ مقتضَى الحال. علمُ البيان: وهو علمٌ يعرَف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ٍفي وضوحِ الدلالة عليه. علمُ البديع: وهو علمٌ يعرَف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعايةِ تطبيقه على مقتضَى الحال ووضوحِ الدلالة.
ميدان: فسحة من الأرض متسعة معدة للسباق أو للرياضة ونحوها, يقال: ميدان السباق وميدان الكرة وميدان الحرب.
استتلى: تلا تلوا: اتبع وتخلف, وفلاناً تبعه في عمله, واستتلى: استتبع, أوجعله تالياً, أي: تابعاً, أوجعله يأتي تالياً, أي: في المركز الرابع من خيل الحلبة,. وأولها المجلي: وهو السابق والمبرز, ثم المصلي: وهو الثاني, ثم المسلي: وهو الثالث, ثم التالي: وهو الرابع, ثم المرتاح: وهو الخامس, ثم العاطف: وهو السادس, ثم الحظي: وهو السابع, ثم المؤمل: وهو الثامن, ثم اللطيم: وهو التاسع, ثم السكيت: وهو العاشر, والمحفوظ عن العرب: السابق، والمصلي، والسكيت الذي هو العاشر, فأما باقي الأسماء فقال اللواتي الأجدابي: أراها محدثة.
فارس: سبقت معانيها.

(إذا ما تحرَّى القولَ يوماً, فثِقْ بهِ... ولا تبحثَنْ عما تحرَّى ابنُ عابس)

المفردات: تحرى: قصد وتوخى واختار.
ثق: وثق به يثق ثقة: إذا ائتمنه, وَثِقْتُ بفلان أثق به ثِقةً وأنا واثِقٌ به، وهو مَوْثُوقٌ به.
ابن عابس: امرؤ القيس بن عابس شاعر جاهلي أدرك الإسلام, والعابس: الكالح المقطب ما بين عينيه, والأسد الذي تهرب منه الأسود.

المحتوى: في هذا البيت وطائفة من الأبيات التي تليه, يواصل شاعرنا اقتطاف أطايب مدحه وأعاليه, ليقدمها كأسا حلالاً لوالد زائرته النبيه, وإنما يُعرف الفضل لذي الفضل عند ذويه, فها هو ذا يرسخ قناعته باستحواذ صاحب العينية على أزمة البيان, واستحقاقه التقدم على أصحاب الفراسة والفرسان, واستتباعه لخيل الحلبة عند مباراته لهم في الميدان, فهو الثقة الذي يؤخذ بأقواله في الصياغة والنقد بكل اطمئنان, فلا يقدم اختيار غيره على اختياره, ولو كان معدودا من العرب الخلصان.

(لقد أُنشئتْ في راحتيه فرِدْهما... سحائبُ عشرٌ, كم جلتْ بؤسَ بائس)

المفردات: أنشئت: مبني للمجهول, من قولهم: نشأت السحابة: ارتفعت.
راحتيه: كفيه, الراحة: الكف, والساحة.
رِد: الورد: ضد الصدر, ورد يرد بالكسر ورودا: حضر.
سحائب: جمع سحابة, وهي الغيم, والسحب: جر الشيء على وجه الأرض, كسحب الريح التراب. وسمي السحاب سحابا؛ لانسحابه في الهواء.
جلت: كشفت, وأذهبت, جَلَوت عنيِّ همِّي جلوا، إذا أذهبته, والجيم واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد، وقياسٌ مطّرد، وهو انكشاف الشيء وبروزُه.
بؤس: الفقر, ضدّ النعيم.
بائس: شديد الحاجة, بئس الرجل يبأس بؤسا: اشتدت حاجته, فهو بائس.

(يسحُّ بتا قطرُ الندى, وبتا الرَّدى... على الوِد والضدّ المعادي المغامس)

المفردات: يسح: ينصبُّ, سَحَّ المَطَرُ والدَّمْعُ يَسِحُّ سَحّاً اشتد انصبابه.
تا: إشارة إلى كف الممدوح اليمنى, وتا: اسم يشار به إلى المؤنث.
قطر: القطر: المطر.
الندى: السخاء والجود وبعد ذهاب الصوت والمطر والبلل.
الردى: الهلاك والسقوط.
الود: الود والوديد: الخل والصديق والمحبوب, وددت الرجل بالكسر ودا بالضم: أحببته.
الضد: المخالف, والمثل, من ذوات الأضداد, وكل شيء خالفك ليغلبك فهو ضد.
المعادي: المبغض المشاحن, الذي يبادلك العداء, والعداء بالفتح والمد: تجاوز الحد في الظلم.
المغامس: المغامسة: المغاطة في الماء, والمباراة في ركوب الخطوب, والمغامِسة أيضا: الطعنة النافذة.

(هُما ـ فاعتبر ـ كاسميهما, فادرِ ما هما... إذا اغبرَّت الآفاقُ في فصل مارس)

المفردات: هما: ضمير راجع إلى راحتي الممدوح.
فاعتبر: قايِس, وتعجَّب, الاعتبار: القياس, واعتبر منه : تعجب.
كاسميهما: اليُمن من اليمنى والشُّؤم من الشؤمى.
ادرما هما: اعلم حقيقتهما.
اغبرت: تلبدت بالغبار, اغبر الشيء اغبرارا إذا تلبد بالغبار. يقال لسنة المجاعة: غَبْراء ويقال: جوعٌ أغْبَر؛ وذلك لأنهم يقولون: إن الجائع كان يرى بينه وبين السماء دُخاناً من شِدَّة الجوع, أو ليبْسِ الأرض في الْجدْب وارتفاع الغُبار.
الآفاق: النواحي, ومفردها أفق. والهمزة والفاء والقاف أصل واحد، يدلّ على تباعُد ما بين أطراف الشيء واتساعِه، وعلى بلوغ النهاية, ومن ذلك الآفاق: النواحي والأطراف, وللسماء آفاق وللأرض آفاق, فأما آفاق السماء: فهي ما انتهى إليه البصر منها مع وجه الأرض من جميع نواحيها، وهو الحدُّ بين ما بَطَن من الفَلَك وبين ما ظَهَر من الأرض, وأما آفاق الأرض, فأطرافها من حيث أحاطت بك.
فصل مارس: الشهر الثالث من الشهور الرومية, وإله الحرب في الأساطير, وهو المريخ, ويقابله شهر آذار من الشهور السريانية.

(فيمناه يمُننا, ويُسراه يُسرُنا... وإن تكن الشؤمى, فشُؤم المُداعس)

المفردات: يمنى: اليد اليمنى (اليمين).
يمننا: بركة لنا.
يسرى: اليد اليسرى, اليسرى واليسرة والميسرة: خلاف اليمنى واليمنة والميمنة. وتسمى عسرى؛ لأنها يتعسر عليها ما لا يتعسر على اليمنى, وتسمى يسرى على طريقة التفاؤل.
يسر: اليسر السعة والغنى, خلاف العسر.
شؤمى: اليد الشؤمى: ضد اليمنى
شؤم: والشؤم: ضد اليُمن.
المداعس: المطاعن المدافع, والمداعَسَة: المطاعَنَة.

(لئن دلَّ عن رُشدٍ, وحضَّ محرِّضاً... على الدرسِ والتدريسِ غيرَ مُدالس)

المفردات: دل: دله على الطريق: هداه, وأصل الدلالة إبانة الشيء بعلامة تتعلمها.
رشد: الاستقامة والهداية, الرشد والرشاد: ضد الغي و الضلال, ومنه (يقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد).
حض: بعث ورغب, الحض: البعث على الشيء والترغيب فيه, وحَضَضْتُ الرجلَ على الشيء أحُضُّه حَضًّا، أي حرَّضته.
محرضا: التحريض الحث على الشيء, والتنشيط إليه والإحماء عليه.
الدرس: دَرْسُ الكتابِ للحِفْظ، ودَرَسَ دِراسةً، ودارَسْتُ فلاناً كتاباً لكي أحفَظَ.
التدريس: نشر العلم.
مدالس: المخادع, دالسه خادعه, من التدليس, وهو كتمان العيب.

(فلا بِدعَ, فهْو البدرُ, والجهلُ حِندسٌ... وفي البدر تِمّاً جَلوةٌ للحنادس)

المفردات: لا بِدع: لا غرابة, ويقال: فلان بدع في هذا الأمر، أي أول لم يسبقه أحد, ويقال: ما هو ببديع ، كما يقال: ببدع.
البدر: القمر, قيل: سمي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع, وقيل: لتمامه, والباء والدال والراء، أصلان: أحدهما كمال الشيء وامتلاؤه، والآخر الإسراع إلى الشيء.
الجهل: ضد العلم, أو انتفاؤه, أو تصوير الأمر بخلاف ما هو عليه.
حندس: الحِنْدِسُ: الظُّلْمة, أو الليل الشديد الظلمة..
التِّم: بدر التم والتمام: إذا كان لأربع عشرة ليلة.
جلوة: جلا الضياء الظلمة كشفها وأزالها, والسماء جَلْواءُ أي مُصْحِية. ويقال: تجلَّى الشيءُ، إذا انكشَفَ.
الحنادس: الظلمات, أو ثلاث ليال في آخر الشهر، لظلمتهن.


لقد أنشئت في راحتيه فرِدهما... سحائبُ عشر كم جلت بؤس بائس
يسح بتا قطرُ الندى, وبتا الردى... على الود والضد المعادي المغامس
هما ـ فاعتبر ـ كاسميهما, فادر ما هما... إذا اغبرت الآفاق في فصل مارس
فيمناه يمننا, ويسراه يسرنا... وإن تكن الشؤمى, فشؤم المداعس

المحتوى: لم يكن الشاعر (إغلس) ممن اكتفى بالأقوال عن الأفعال, بل كانت شخصيته نموذجا من نماذج كملة الرجال, فهو مع تربعه في بحبوحة البلغاء وفرسان القلم, تمثال للجواد الذي تزري كفه السحاء بهواطل الديم, فما أصابعه العشر إلا سحائب نشأت في سماء كفيه, وما شأنها إلا الانهمال على العافين عند اهتزاز عطفيه, فمين يمينه تنصب الخيرات والبركات على الشاعر وأمثاله من الموالين, ومن شماله تتهاوى صواعق الدمار على أضداده المعادين, فراحتاه لمعناهما من لفظهما نصيب, فما هما للكاشح والمعادي المريب, إلا الهلاك المدمر لكل من يصيب, بينما تمثلان الراحة والبركة لكل حبيب, لا سيما عند نزول الخطب العصيب, فيمينه رمز ليمن يعم الأصدقاء والأحباب, ويسراه كفيلة بطرد العسر من جميع الأبواب, وإن سميت بالشؤمى فهي التي تصب على المعادين سوط العذاب.

لئن دل عن رشد وحض محرضا... على الدرس والتدريس غير مدالس
فلا بدع, فهو البدر والجهل حندس... وفي البدر تِمّاً جلوة للحنادس

المحتوى: في هذين البيتين يؤكد الشاعر قبوله لنصيحة أخيه, فيستدل لاستحقاقه منصب الإرشاد ويزكيه, فليس الشاعر إغلس في نظره إلا البدر في ليلة التمام, وما الجهل الذي ينعاه إلا غشاء من سدف الظلام, فما أحراه بأن يسرع إلى إضاءة أفقه بالحث على التعليم, وما أبعده عن التدليس أو التعتيم, فمثله يستحق القيام بالهداية للرشاد, ويجب عليه القيام بمسؤوليته في تنوير موقعه من البلاد, فلا غرابة حينما يقوم بمزاولة مثل هذه المهمات, كما لا غرابة حينما يطلع القمر فتنكشف الظلمات.


 

رد مع اقتباس
قديم 07-06-2012, 12:52 PM   #8
مراقب القسم الإسلامي


الصورة الرمزية أداس السوقي
أداس السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 84
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 01-15-2022 (01:06 AM)
 المشاركات : 1,240 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: من غرر الأدب في مدرسة كل أسوك



الأستاذ الفاضل م الإدريسي بعد التحية الخالصة والترحيب بك في منتدياتك بعد غيابي وغيابك وغياب غالب الإخوة ولكل عذره وهمه مع الهم المشترك .
لم أقرأ التعليق كاملا لكني على نية الرجوع إليه وقراءته والاستفادة منه ، والتي لم أستسغها مروري على موضوعك دون شكر لك على هذه القصيدة الجميلة وشرحك لها .
فجزاك الله عنا كل خير وبارك فيك ، هكذا فليكن وإلا فلا لا.


 
 توقيع : أداس السوقي



لاإله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاءالله


l


رد مع اقتباس
قديم 09-09-2012, 10:14 AM   #9
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: من غرر الأدب في مدرسة كل أسوك



الشكروالتقـدير:
بعد أسمى التحـيات:
الأستاذ الأديب الشاعر م الإدريسي ـ بارك الله فيك وفي هذا العطاء الجميل، والجهد الأدبي الجليل.
لتعلم أنت وأمثالك ـ حفظ الله الجميع ـ أن كل ما قمتم به من العطاء التاريخي وغيره، فهو قليل في حقكم إلا أنه بر كبير في حق أمتكم ـ فأحيوا ذكر أمتكم العطر بما تفتخر بمثله الأجيال ـ وفق الله الجميع لما فيه الخير في الدارين.


 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
روايات من روائع الأدب العالمي عبادي السوقي منتدى المكتبات والدروس 20 09-24-2016 07:18 PM
قصة العبودية في كتب المالكية ,, عبادي السوقي المنتدى الإسلامي 4 08-30-2012 05:03 PM
النص الشرعي : مفهومه و فهمه تغارجيه منتدى المصطلحات 3 07-21-2012 12:16 AM