العودة   منتديات مدينة السوق > القسم التاريخي > المنتدى التاريخي

المنتدى التاريخي منتدى يهتم بتاريخ إقليم أزواد .

Untitled Document
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-14-2012, 08:23 PM
الخزرجي السوقي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 140
 تاريخ التسجيل : Sep 2009
 فترة الأقامة : 5520 يوم
 أخر زيارة : 12-24-2014 (08:11 PM)
 العمر : 34
 المشاركات : 64 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : الخزرجي السوقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]
محمود عبدالغني صباغ
اهداء

الى عبيد ومواليد وجواري الجزيرة العربية قبل عام 1962م.. قاسيتم أبشع انواع المرارات، لتشقى ضمائرنا اليوم أضعاف ذلك من وطئة ما حمله -او سكت عنه- التاريخ !

..والى الشباب الناهض في بلادي المملكة العربية السعودية.. أضع بين أيديكم في تهيّب وتواضع صفحة من تاريخنا القريب، خليق بنا ان نستوعب -معاً- ملامحها وتفاصيلها، ونمحص ذهنياً المفاهيم التي انطوت عليها، كي لا نعيد راهناً انتاج أيٍ من صور ذلك الماضي الكسيف.. وكي لا نستمرئ -من جديد- اي تدهور في الجهالة او انغماس في حمأة الشقاء.

-2-

تنويه لابد منه:

ان لكل عصر جوهره وقيمه ومفاهيمه وملابساته ومعتقداته وظنونه التي فطر عليها، وله -أيضاً- منطق تبدلاته وتحولاته، المرهون بمواطن القوّة وتوازناتها.. وكل ما ورد في البحث عن أفراد او عوائل او أعيان او قبائل او أعراق أو أجناس أو مُدن أو مذاهب لا يمكن ان يُقرأ الا في سياق حركتها وأدوارها التاريخية الخاضعة لمفاهيم وقيم زمانها ومكانها. ان حضورها في هذا البحث انما ينطلق من زاوية واحدة -هي زواية البحث-، التي لا يصح، ولا يمكن معها، اختصارها باطلاق أي أحكام نهائية او قطعية تمسّها.

أما لماذا هذا الموضوع؟

ان ثمة فئات كانت غائبة غالباً من سجلّ التاريخ، وقد حُكم عليهم خطأً في غيابها وكأنها خارج التاريخ، رد ذلك أن تجربتهم التاريخية ورواياتهم كانت أقرب للحجب بفضل تقييم انتقائي لمصادر محتكرة. ان تاريخ الحجاز وفيه مواقع القوة والأبويّة والنبالة والبيروقراطية ومؤسسات العلم والمدارس، تم توثيقه جيّداً دون ان يرافقه توثيق كافٍ لتاريخ صامتيه وفئاته المهمشة.

وليس في عزمنا أن نفتح مسارب الآلام وان كان من واجبنا ان نهتك الأستار، ونكشف الأعماق، ونخوض الرحلات الطويلة في أغوار العوائد والأدواء الموبوئة، الا اننا -وبشجاعة الباحث ونزاهة العلم- نعيد ترتيب ذاكرة أمّتنا الجماعية، بغية معالجتها؛ بتبيان مصائبها، وايضاح نوائبها، ووصف شقائها، وترتيب دوائها.

يقول عبدالعزيز التويجري في كتابه (لسراة الليل هتف الصباح): “وحتى لا يتهمني أحدٌ أنني أنكأ جروحاً، أضع في وجه هذا الاحتمال أن جرحاً لا يجد من يفسر سببه ومُسبباته سيظل ناغراً إذا بقي دفيناً في مدافن سوء الفهم والأحقاد الخبيثة، لا تعالجه تفسيرات وينظفه من التلوث وضوح في الرؤية، قد تصيب عدواه جسد الأمة وتاريخها، وينتقل من الفرد الى الجماعة في وباء يقوده هذا الجرح على طرقات لا هادي لها. فإن الجرح ينغر بعد حين اذا كان البناء على فساد”.

-3-

مصادر البحث:

يعتمد البحث في مصادره، وبشكل ريادي في هذا الباب، على أرشيف وزارة الخارجية البريطاني في المقام الأول، فهو يمسح بشكل شامل ومتفحص ونقدي جميع المراسلات الرسمية لدار الاعتماد البريطاني (القنصلية) في جدة فيما يخص مسألة العبيد، كما يستعين بوثائق متناثرة تم جمعها من أرشيفات أخرى كأرشيف وزارة الهند البريطانية، وأرشيف وزارة المستعمرات البريطانية، وأوراق قليلة من الأرشيف العثماني (لصعوبة توفره)، ومواد أرشيفية صحفية تعود لبعض وكالات الاخبار العالمية والصحف المحلية، ومؤلفَات لمؤرخين محليين مثل أحمد زيني دحلان وعبدالله غازي أو رحّالة مكثوا بالحجاز مثل المستشرق الهولندي سنوك هوروخرنيه والضابط الروسي عبدالعزيز دولتشين أو عرب مهجريين مثل أمين الريحاني، وبعض مذكرات القناصل المتعاقبين على جدة – ناهيك عن توضيحات وشروحات الباحث التي تعتمد على مصادر وقراءات وروايات مكتوبة او شفهيّة متفرقة عن تاريخ المنطقة.

*

قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855-1962م].

كتب: محمود عبدالغني صباغ

“العبودية نتيجة الضعف، والجهلُ سبب الضعف. والحرية نتيجة القوة، والعلمُ سبب القوة.“- حمزة شحاتة
http://mahsabbagh.net/2012/
09/07/slavery-in-hejaz/



 توقيع : الخزرجي السوقي

وإني لو حبيت الخلد فرداً *** لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت علي و لا بأرضي *** سحائب ليس تنتظم البلادا
أبي العلاء المعري

رد مع اقتباس
قديم 09-14-2012, 08:26 PM   #2


الصورة الرمزية الخزرجي السوقي
الخزرجي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 140
 تاريخ التسجيل :  Sep 2009
 العمر : 34
 أخر زيارة : 12-24-2014 (08:11 PM)
 المشاركات : 64 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



هذا بحث مهم يخلد تاريخ العبودية في الجزيرة العربية والجهود التي بذلتها الدولة السعودية في سبيل تحرير العبيد
ومن غريب هذه الدراسة هذه القائمة وورود فيها إسم أحد الطوارق قائمة لدلالين اقسم يقيناً بأنهم يبيعون الجواري مباشرة للقصور والمتنفذين والميسورين، وهم: عمر كِندي – سنغالي في مكة، حاج محمد عمر فتاي – سنغالي في جدة، تيرنو يوروبا – سنغالي في جدة، احمدو تديان ديو في جدة، حاج بلي – سنغالي في مكة، محمد طاهر – من الطوارق يقيم في السودان ويتاجر في جدة، ومحسن – وهو نيجيري موظف في شركة باكر الامريكية في جدة. [101]


 
التعديل الأخير تم بواسطة السوقي ; 09-15-2012 الساعة 06:59 PM

رد مع اقتباس
قديم 09-20-2012, 01:01 PM   #3


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 10-31-2024 (10:29 PM)
 المشاركات : 389 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]




دراسة علمية من منظور إسلامي ، توضح الخلل الذي طرأ على مفهوم الرق والاستعباد في جميع الأديان السماوية (الإسلامية – المسيحية – اليهودية ) ..
ما دفعني في الحقيقة إلى التعرض لهذه القضية الفكرية المسمومة ، بدراسة موضوعية من منظور إسلامي ، هو لشمولية هذا الدين ، على جميع الأطر الصحيحة ، التي تستقيم بها حياة البشرية ، لجميع أتباع الديانات ، فضلاً عن مقدرته على تقديم الحلول، التي تواجه بني البشر على وجه العموم ، ولكن لا يكون ذلك إلا شريطة أن يفهم جوهره الأصيل .
والشمول في اللغة : تعني الاحتواء والتضمين ، وشمله بمعنى احتواه وعمه وتضمنه .
و في الشرع :يأتي ذلك في معنى قوله الله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (7 ).

وأيضاً في قوله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (8 ) .

ويأتي هذا التبيان شاملاً لكل الأزمنة والأماكن على وجه الأرض ، فالقرآن الكريم فيه تبيان وتوضيح لكل شيء ، حيث يقدم القواعد الكلية والخطوط الرئيسية ، والمرجعيات والمعايير ، للعيش في الحياة الدنيا بأمان ، و حماية ، وتحسيناً وتجويداً لحياة البشر، وحمايتهم من الوقوع في الزلل والانحراف والخطأ ، كما يتدخل في بعض التفاصيل ليقررها مباشرة لسبب ما ، في علم الله . وهو رحمة للعالمين جميعاً المسلمين وغير المسلمين ، سواءً آمنوا به أو لم يؤمنوا ، فستصبيهم رحمته من تواصلهم مع المسلمين المؤمنين به . لأن رحمة الرسالة واسعة بما فيها من الحقائق الكلية للكون وللحياة ، وفلسفة الحياة ، وقواعد العيش الآمن على الأرض، وحقائق المخلوقات ، وفلسفة كيفية تسخيرها للإنسان والانتفاع بها ، وإجابات لأسئلة كثيرة تعجز الأديان الأرضية والعقول البشرية عن الوصول إليها.ومن المعلوم أن الفكر الإسلامي يتميز - على مر العصور - بامتداده إلى عمق الحياة ، وشموله لجوانبها ، وارتباطه بمشكلاتها من جهة ، كما يتميز بربط أمور الدنيا - معيشة ودراسة - بأمور الدين عقيدتاً ومصيرا من جهة أخرى .
ومن ثم فإن الباحث الديني حين يتعامل مع هذا الفكر ، فإنه يجب أن يتعامل معه بعقل مفتوح ، وقلب مؤمن ، وحين يقدمه إلى القراء والمستمعين والمشاهدين ، فإنه يجب أن لا ينسى هذا الارتباط بين الدين اعتقاداً ، وبين الحياة واقعاً ، فهو لا يقدم أفكاراً مجردة تنحصر في رياضة عقلية ومتعة فكرية ، كما أنه لا يلهب العواطف بكلمات منمقة وسبحات روحية وعند تتبع النهج القرآني في التربية أو المعاملات أو غيرها ، نجده يحرص كل الحرص على هذا الربط ، فهو يعرض المسألة مرتبطة بواقع الناس من جانب ، ثم يمزج هذا الواقع فيجعله من صميم الدين من جانب آخر ، ولعلي هنا أضرب مثلاً لتقريب المسألة أكثر : إذا قرأنا آية من القرآن عقب قراءتنا لمسألة من مسائل المعاملات ، في توزيع غنائم الحرب مثلاً ، في قول الله تعالى(وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(9 ) .
أو في مسائل المعاملات المالية مثل قوله تعالى( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(10 ) .
فكأنما تقوى الله والتذكير بحدوده ، هي الضوابط التي ترسم طريق هذه المعاملات وتضمن سلامتها .
كما أن على متلقي الفكر الإسلامي أيضاً ، أياً كان نوع هذا التلقي ، أن يتصور هذه العلاقة ابتدءاً ، حتى لا يجهد نفسه ، بإلزام المنهج الإسلامي، ما لا يجوز التزامه به ، ولا يحمله من المعاني والاتجاهات ، ما لا يتحمله .
فلقد امتزج هذا الفكر بالحياة ، وامتد إلى جوانبها المختلفة ، ولكن المفكرين فيه ، لم يكن يعنيهم تقديم الفكر إلى الناس، بقدر ما يعنيهم تقديم المنهاج ،الذي يربط الدنيا بالدين ، ويهيئ الحياة للآخرة .
الحكمة من نزع الحرية البشرية
من المعلوم أن الأصل في الإنسان الحرية ، والمقصود بالحرية هنا ، هي الحرية الدينية والشخصية والاجتماعية ، المشروطة بضوابط ، وأطر التشريع الرباني ، الذي يوجهها نحو الاستقامة ، والنهج المستقيم ، لتنصرف مختارة لعبادة خالقها سبحانه وتعالى وحده ، الذي تنسب إليه هذه المشيئة ، حيث قال تعالى(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً )(11 ).
وقال تعالى ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )(12 ) .
وقال تعالى (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً )(13 ).
وقال تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )(14 ) .
وقال تعالى (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (15 ).
ومن خلال مجموع هذه الآيات ، ندرك أن للحرية الإنسانية أكبر المساحات في الإسلام ، وأنه دين لا يسلك أبداً مسلك إرغام الناس على تبني اعتقادات فكرية ، أو مذهبية معينة ، ولا يكره أحداً على اعتناق عقيدة الإسلام ،ولا إكراه فيه على الدين ، إنما هو البلاغ .
لأن منظومته الاعتقادية ، قدمت في إطار استدلالي محكم ، يمتد على مساحة هائلة من النشاط الإنساني ، في مجال الاعتقاد ، والفكر ، وغيره، وهي مساحة لا يستطيع أن يراها الأشخاص الذين ينظرون إليه ، من خلال نظاراتهم السوداء ، إما عن جهل جائر ، وإما من عداء كافر ، والقائل بأن الإسلام لم يقل بالحرية الشخصية ،أو حرية العقيدة ،أو حرية الرأي ، القائمة على أساس من الدين السماوي ، والنظام الأخلاقي النظيف ، إنما يضع نفسه بجدارة ، في صف أعداء الإسلام .
ولهذا فهو دين شامل ، جاء ليكفل حرية كل إنسان ، في الوطن الإسلامي ، ويصون حرماته ، أياً كانت عقيدته ، كما أنه دين يسمح للناس ، بل يدعوهم إلى الاستنتاج الحر، عن طريق استخدام مبدأ الحوار ، وآليات المناظرة ،والحجج ، ليصلوا جميعاً ، غاية العدالة الإلهية ، المتمثلة في العدالة الكونية ، والعدالة الشرعية ، وهي غاية أصيلة ، لجميع الشرائع السماوية ، التي جاءت قاطبة ، لتحقيق العدالة في الأرض ، ليتحقق مقتضى سنن الكون في الوجود ، من أجل أن تجري جميع الكائنات نحو غاياتها بتوازن ، كما أن في هذه الغاية أيضاً ، قيمه إنسانية سامية ، يسود بها منهج الحق ، ويتحقق بها مقتضى سنن الشرع في المجتمعات ، لتكون البشرية بسائر أجناسها ، وأعراقها ،وثقافاتها ، أمام ميزان العدل والإنصاف ، للعدل بين الناس ، وفق أوامر الشرع ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، قال تعالى (إِن َّاللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (16 ).
وهذا ما حققه العنصر البشري ، في زمن الرسول محمد صل الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، تلك العناصر التي تألقت في عالم الإنسانية ، لجعلها سنة العدالة الإلهية أساسًا ومنبراً ، لدينها ودنياها ، وقدمت للبشرية جمعاء على إثر ذلك ، الكثير من النماذج المشرقة ، للوحدة ،والتجانس ،والأمن، والسلام ، في ظل التباين الثقافي، والديني، والعرقي، لتلك المجتمعات ، ومما يؤسف عليه ، فإن ذلك التألق للأمة الإسلامية ، حٌجِب عن أنظار البشرية ،بعد أن كانت خير أمة أخرجت للناس ، قال تعالى(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (17 ).
وما سبب ذلك الحجب، إلا لتغطية سحب ركام المظالم ، وأحداث الجوانب المظلمة ، للأعمال الغير مسئولة ،التي أرتكبها المسلمون في عصرهم الحديث .
والكون وكما هو معلوم ، يجري في توازن دقيق ، وفق عدالة عامة ، نابعة من تدبير الخالق جل علاه ، تدير موازنة عموم الأشياء ، وتأمر البشرية بإقامة العدل ، ومراعاة هذا الميزان الإلهي ، سواء من الجانب الشرعي ، بإتباع صراط الدين الذي جاء به الرسل ، وبينوه ، حيث قال تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بالقسط... )(18 ).
أو بالامتثال لسنن الحق والعدل في نواميس الكون ، وهذا ما حافظ على الدوام عليه ، الأنبياء والرسل ، وعباده الله المؤمنين الصالحين ،الذين ليس لغير الله عليهم من سلطان ، لأن الإنسان ملزم بالفطرة ،على المحافظة على هذا التوازن ومراعاته ، سواء في الجانب الكوني ،أو الشرعي ، والسعي في سبيل نشره ، والمناداة به ، والدعوة إليه، لإيجاد عناصر العدل ، والتوازن ، في سائر مظاهر الحياة ، ليعم سائر أرجاء العالم ، وهذا ما يرجوه أي ضمير إنساني.
ولكن لما كان هناك بعض الناس ، ممن لا يؤمنون بالشرائع ، وطبعت نفوسهم على الطغيان ، وتحررت ضمائرهم من شعور العبادة الخالصة لله ،وصرفت لغيره ، سواء لبشر، أو ملك، أو حجر، أو ما أشبه ذلك ، ولد حينها الكفر، الذي ينكر حقيقة الله ، ونعمه التي أمتن بها على عباده ، أتي دور عمل سائر الحريات الممنوحة للإنسان ، في مختلف معاملاته ، وسائر شؤونه الفردية، والاجتماعية ، التي جعلتهم يقفون في سبيل الدعوات المنادية إلى إقامة مبدأ العدالة الإلهية العامة، ويضعون العقبات في سبيل تقدمها ، ويمنعون الداعي عن تبليغها ، ويعذبون من آمن بها ، وفي هذا تمرد على نظام المشيئة الإلهية ، سواء في الجانب الكوني ، أو الشرعي ، أو كلا الجانبين معاً .
لذلك يأمر الله سبحانه وتعالى ، أنبيائه، و عباده المؤمنين الموحدين ، أن يواجهوا ذلك الإنسان ، من أجل الحفاظ على توازن العدل ، سواء فيما يتعلق بالجانب الكوني ، أو الشرعي ، ويدعوه دعوة قرآنية أساسها الحكمة ، والموعظة الحسنة ، التي تنبأ عن الحب ، والشفقة ، والعطف الرباني للإنسان ، تلك الدعوة التي لا تختلف في طريقتها الإنسانية ، باختلاف الزمن ، من بداية دعوة سيدنا نوح عليه السلام ، حتى نبينا محمد صل الله عليه وسلم ، وصحابته أجمعين ، والتي قد تكون سبباً ، في رجوعه إلى رشده ، وتزكية نفسه ، وإرشاده على الله ، للرجوع إليه ، والدخول في دينه ، الذي يدين بالحق ، و يفضي إلى الامتثال إلى أوامر العدل ،قال تعالى ( أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (19 ).
وقال تعالى ( قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) (20 ) .
فإن امتثل لذلك واهتدى ، وأسلم ، فذاك هو المطلب ، وبالتالي يخلص ذلك الإنسان نفسه ،من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد
وإن رفض الدخول في الإسلام ، وتوقف عن اعتراض سبيل الدعوة الإسلامية ، ورضي بإعطاء الجزية ، فلا إكراه في الدين ، لأن من لم يمنع المسلمين ، من إقامة دين الله ، ونشر عدالته ، لم تكن مضرة كفره ، إلا على نفسه ، قال الله تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )(21 ).
وبذلك يعطيه المسلمون عهداً على ذلك ، بموجب عقد يعقده إمام المسلمين معه ،أو نائبه ، وهذا إقرار الكافر على كفره ، وعدم المساس بحريته الدينية ، وبموجب ذلك يصبح من أهل العهد ( أهل الذمة ، أهل الهدنة ) ، بشرط الالتزام بأحكام الإسلام ، التي يتمتع بموجبها بحماية الدولة الإسلامية ، سواء ببقائه في دار الإسلام ، أو ببقائه في دياره ، وذلك كما عاهد النبي صل الله وسلم ، نصارى نجران في بلادهم .
والحكمة من هذه الجزية ، ومن التوقف عن القتال والكف عنه ، هو لضمان عدم إعاقة حركة توسع مبدأ العدالة الإلهية ، المتمثلة في الدين ، وتهيئة الجو الإسلامي لذلك الكافر ، لعله يدخل في الإسلام باختياره ، عند مشاهدته للمسلمين، وهم يقدمون النماذج المشرقة، للوحدة ،والتجانس ، والأمن ،والسلام ،ويمثلون الإسلام خير تمثيل .
ولكن إن اعترض ، وتمرد على دين الله ، وأطاع الشيطان ، ثم أصر على تسخير نفسه ، وتسخير كامل حريته ، التي قامت على أساس أساطير عقائد القوة ، والإكراه ، للقضاء على دين الإسلام ، أو أي دين سماوي آخر ، يستمد شرعيته من عقيدة العدل الربانية ، ومن مبدأ موازين العدالة الإلهية ، ( العدالة الكونية ، العدالة الشرعية ) ، ففي هذا الفعل، تعارض صارخ ، ومخالفة صريحة ، لنواميس العدل ، التي أقام الله بها الكون. ولذلك ينزع الله منه تلك النفس ، أو تلك الحرية ، بسلطان الشريعة ، لأنه لا يجوز أن تسلب هذه القدسية ، إلا بالحق ، وهذا الحق لم يتركه الشارع هكذا دون تحديد ، ولم يتركه لاجتهاد المجتهدين ، و المتأولين ، الذين قد يعبثون بهذه القدسية ، لأسباب قومية ، أو عرقية ، أو ما أشبهها من الدوافع ، التي يأباها الإسلام ، لتكون فوضى ، ينعدم الأمان بموجبها ، كما هو حاصل الآن في كثير من أقطار العالم ، ولذلك يسلط الله عباده الذين مارسوا معتقداتهم ، وشعائرهم الدينية ، من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، و أمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، على أساس من الدين السماوي ، والعقيدة الربانية ، التي تحقق مبدأ العدالة الإلهية ، على أصحاب تلك الحريات الشيطانية ، بنشوء مواجهة - قتال - بين أتباع هاتين الحريتين .
قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (22 ).
وقال تعالى ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُون )(23 ).
وقد وضع الإسلام لهذا القتال قيوداً وضوابط أذكر منها :
- القتال بدافع الإيمان ولأجل إقامة دين الحق ، وحمايته .
- النهي عن بدأ قتال الكافر .
- الأمر بتقديم الحجج ،والأدلة ،ومناظرة الكافر المعتدي، من أجل هدايته ، وإرجاعه .
- إنذار الكافر ،بعد إقامة الحجة عليه ،وتخويفه .
- استجابة دعوة السِلم ،من قبل الكافر المعتدي ، والنهي عن مقاتلة غيره من الكفار .
قال تعالى ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين ) (24 ).
وقد عرف هذا القتال في مصطلح التشريع الإسلامي - بالحرب الدينية المشروعة - ، وهو قتال ليس من أجل إكراه أحد على الدخول في الدين ، وإنما من أجل تأمين الدفاع عن حرية أتباعه ، في ممارسة معتقداتهم ، وشعائرهم الدينية المقررة شرعاً ، ولأجل ضمان استمرارية مسيرة رسالته الدينية ، الساعية لإرساء قواعد الحرية ،والمساواة ،والعدل ،والرحمة ،والإخاء ، بين أبناء الشعوب ، وتمكينها في الأرض ، لمن يرغب بالدخول في الإسلام بكامل اختياره ، ولأجل ردع أولئك الكافرين ، والمعتدين ،الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، أما عن طريق نزع أرواحهم بقتلهم ، وإما عن طريق نزع حرياتهم ، إذا وقعوا أسرى في يد المسلمين في تلك الحرب .
وعلى الرغم من أن طبيعة قتل الكافرين ، ونزع حرياتهم هو الكره ، إلا أن هناك حكمة إلهية بالغة الأهمية ، من أباحة ذلك، وذلك لما في فتنة الكفار، والمعتدين ، على ما هو أكبر وأعظم من ذلك . لتسلطهم على مبدأ العدالة الإلهية .قال تعالى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا والآخرة وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(25 ).

ولذلك أباح الله تعالى من قتل تلك النفوس ، و نزع تلك الحريات ، ما يحتاج إليه في حفظ الدين ، وصلاح أمور العباد ، وما تقتضيه ضرورة الحفاظ على توازن عدالته الكونية والشرعية .
ومن الطبيعي، فلا تكاد تخلوا مثل تلك الحرب الدينية المشروعة ، من غالب يحوز الأرض ، أو المال ، أو الأنفس ، أو هذه جميعاً ، وهذا ما يسمى- الغنائم - ، ومغلوب يفقد هذه الأشياء ، أو بعضها ، والمقصود بالأنفس هنا هم الأسرى(26 ).
ولقد لخص جمهور الفقهاء مصائر الأسرى بعد سيطرة الدولة الإسلامية عليهم ، في أمور أربعة هي : المن عليهم والعفو عنهم ، أو مفاداتهم على مال ، أو أسرى ، أو استرقاقهم ، وسريان أحكام الرقيق عليهم ، أو قتلهم .
وعرضوها أحياناً بشكل يختار الإمام بينها ، وفاضلوا أحياناً أخرى ، بين واحد منها والآخر ، وألغى بعض الفقهاء واحداً أو أكثر من هذه المصائر ، ليحددوا مصير الأسرى فيما أبقوه دون ما ألغوه .


 
 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له


رد مع اقتباس
قديم 09-20-2012, 01:03 PM   #4


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 10-31-2024 (10:29 PM)
 المشاركات : 389 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



يتبع ..

ولقد كان التصرف في أسرى بدر، هو الأساس الذي بنا عليه الفقهاء أحكامهم في أسرى الحروب الإسلامية بوجه عام ، لأن هذه الغزوة كانت السابقة الأولى في تاريخ الحروب الإسلامية ، ولأن عدد من وقع فيها من الأسرى كان من الضخامة ، بحيث يتطلب تقنين الأحكام ، ولأن الرسول صل الله عليه وسلم ، معلم البشرية ، هو الذي كان يحكم في أمر هؤلاء الأسرى ، وحكمه تشريع يستمد منه الفقه وأحكامه ، يقول ابن كثير في تفسيره :
وقد استمر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء أن الإمام مخير فيهم : إن شاء قتل ، وإن شاء فادى بمال ، وإن شاء استرق من أسر ، ثم تنسحب أحكام أسرى بدر على سائر الغزوات .

وحين تحدث الفقهاء عن التخيير في الأسرى ، جعلوا هذا التخيير بين المن والفداء والاسترقاق والقتل . والمن والفداء قد وردت فيهما آية صريحة ، هي قوله تعالى ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (27 ).

وذهب بعضهم ، إلى حصر مصير الأسرى في هذين الاثنين فقط ، ولا ثالث لهما . ولقد جاء في تفسير: لما كنا مخيرين في الأسرى بين إطلاقهم بغير مقابل والفداء بهم ، جاز أن يعد هذا أصلاً شرعياً لإبطال استئناف الاسترقاق في الإسلام ، فإن ظاهر التخيير بين هذين الأمرين ، وأن الأمر الثالث الذي هو الاسترقاق غير جائز لو لم يعارضه أنه الأصل المتبع عند كل الأمم . والقتل أيضاً لم يرد في آية تدل دلالة صريحة عليه ، إلا ما ذهب إليه بعضهم في قوله تعالى( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(28 ) ، من أنها تدعو إلى قتل الأسرى ، وتنهي عن قبول الفداء فيهم .

ومن الملاحظات الجديرة بالرصد والاهتمام ، الخاصة بشأن الأسرى هو ما يلي :

- الحضور المباشر للرحمة الإلهية ، حال وقوع هذا العقاب الوجداني عليهم ، وتشوفها وتطلعها لما في نفوس أولئك الكافرين ، الذين وقعوا في الأسر ، رحمتاً بهم، وشفقتاً عليهم ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلِ لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَم اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ) (29 ).

- اللطف الرباني الخفي ، الساعي لإصلاح طبائعهم ، وتطهير قلوبهم ، وتغيير ما في نفوسهم ، تقويماً ، وترقيتاً ، وتقوية ، على التقوى ، والخير ، والفضيلة .

فإن تحقق صلاح تلك النفس ، خلال فترة الأسر، أعاد الله لها حريتها ، و أبدلها خيراً ، مما أخذ منها في تلك الحرب ، وهذا ما جسده قول الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلِ لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَم اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخذ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ).

وإلا وقعت تلك النفس ، في سهم أحد المسلمين، المشاركين في تلك الحرب ، إن رأى إمام المسلمين الكفء أن الخير والصلاح في ذلك ، وبالتالي تسلب التصرف في حريتها ، وتطوع لغير صاحبها، وكل ذلك بحكمة إلهية ، وذلك هو الرق والاستعباد الشرعي ، الذي يصيب جوهر ، ووجدان النفس ، والذي عرفه علماء الفقه الرق : بأنه عجز حكمي يقع على الإنسان، سببه الكفر . هذا إذا كانت الحرب دينيه مشروعه ، فإن كانت الحرب لمطامع الدنيا، وحظوظ الملك ، فلا يباح فيها الرق(30 ).

وبذلك تنقل تلك الحرية ، إلى يد ذلك المسلم ، المدرك لهذه الحكمة ، الذي يعمل على إعادة تسخيرها، بالكيفية المقررة شرعاً ، لتعمل من جديد، في كل ما من شأنه، التوافق مع نواميس، ونظم العدل الإلهي ، وهذا هو مبدأ العدل الرباني بكل معانيه.

وهذا ما حرص الإسلام على تحقيقه ، و سعى إليه سعياً دؤوب ، وقد تبلور هذا، في الواقع المشاهد، لحال الكثير من الأسرى ، والعبيد، والجواري ، الذين خالطوا المجتمع الإسلامي ، في زمان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام ، ثم اسلموا إثر ذلك الاختلاط . وهذا ما جسدته ، قصة إسلام ثمامة بن أثال ، سيد أهل اليمامة ، والتي تبدو للقارئ لأول وهلة، أنها قصة عادية، إلا أنها تحمل في ثناياها ، ما لم يكن يتصوره المرء، ولا يدركه، إلا من أطال التأمل فيها ، وقرأ ما بين السطور:
لماذا أسلم هذا الرجل ؟!...
و لماذا ربط في المسجد ؟!...
وما ظنه برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!...
و لم منَّ عليه رسول الله ؟!...
وهي أحداث ومواقف، تستحق التأمل والتمحيص ، وكل ذلك يدركه من رزقه الله نوراً، يكشف به عن مشخصات الأمور، وأحداث الوقائع.

وثمامة بن أثال هذا ، هو رجل من زعماء المشركين ، هداه الله تعالى، في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد روى قصته الإمام البخاري ،ومسلم ،وأحمد في مسنده .

فبعد أن أغارت خيل النبي عليه الصلاة والسلام قِبل نجد، وكانت ديار كفر، أسروا رجلاً مهماً ، وهوثمامه سيد أهل اليمامة، واليمامة : منطقة معروفة في نجد. فأتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان ذلك الحدث بمثابة ضربة معنوية قاصمة لأولئك الكفرة ، لأن سيدهم قد أخذ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد ملئ حكمة وبعد نظر، ولذلك أمر بأن يربط ثمامة... ولكن ليس في خيمة..، ولا في بيت مغلق..، أو في سجن..، وإنما وضع في المسجد، وربط إلى سارية من سواري المسجد ، وربط ثمامة إلى سارية من سواري المسجد معناه أنه يرى يومياً ما هي حياة المسلمين الحقيقة ، كيف يأتون إلى الصلاة مبكرين، وكيف يصلون ويدعون، ويذكرون الله،يُرفع الأذان ، فيطرق مسامع ثمامة خمس مرات في اليوم، ويسمع قراءة النبي عليه الصلاة والسلام، وسماع قراءة النبي عليه الصلاة والسلام وحدها غاية في التأثير،

كما أن المسجد في ذلك الزمن ، كان مكاناً للصلح، كما في قصة كعب بن مالكوابن أبي حدرد لما توسط النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، فوضع صاحب الحق شيئاً من حقه،وأمر الآخر أن يبادر بالسداد، ومكان للتزويج وعقد النكاح، والتوفيق بين المسلمين، ومكان لجمع التبرعات والصدقات، ومكاناً تجمع فيه زكاة الفطر ،وتقسم على الفقراء، ومكاناً للفتاوى والأسئلة والإجابات، وحلق الذكر ودروس العلم، وهو المكان الذي يأتي الناس ليصلوا فيه النوافل ،والتراويح جماعة أحياناً. وهذه المشاهد الموجودة في المسجد كفيلة بالتأثير في النفوس.

ولذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام ،من حكمته بربط ثمامة في المسجد، وليس في أي مكان آخر، ثم جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة وقال: ماذا عندك؟ أي: ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك؟ ما تظن يا ثمامة أنني فاعل بك؟ فأجاب بأنه يظن بالنبي عليه الصلاة والسلام ظن خير، وأنه ليس ممن يظلم، وأن ظنه به أن يعفو ويحسن إليه، وأنه إن قتله فإنما يقتل ذا دم، أي: صاحب دم، لدمه موقع يشتفي قاتله بقتله، كأنه يقول: إذا قتلتني تقتل شيئاً كبيراً يحق لك انتقاماً، وتقتل رئيساً وعظيماً من العظماء. قال: وإن تنعم تنعم على شاكر، أي: يشكر لك منتك وفضلك عليه، وفي اليوم الثاني والثالث عرض عليه ما عرض عليه من قبل، وسئل عما سئل عنه من قبل، والنبي صل الله عليه وسلم لما رأى موقف ثمامة كما هو أمر بإطلاقه

قال: أطلقوا ثمامة ، قال: قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك. وهذا في رواية ابن إسحاق ، وجاء فيها: أن المسلمين قد جمعوا له من طعام ولبن، فقدموه إليه فلم يصب من ذلك إلا قليلاً. ولما أُطلق الرجل ، لم يرجع إلى قومه؛ لأن ما شاهده من المشاهد الإسلامية السامية ، كفيل بأن يجعل الهداية تدخل إلى قلبه، فذهب ،واغتسل ،وأسلم ، ونطق بالشهادتين، ثم بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،ومحو ذنوبه وتبعاته السابقة، وأخبر النبي صل الله عليه وسلم ،عما أحس به من محبة النبي صل الله عليه وسلم، ومحبة دينه، ومحبة بلده، فانقلب البغض إلى حب وانقلبت الكراهية إلى محبة، واتضح من خلال التأثير، كيف تنقلب مشاعر الكافر عكس ما كانت عليه.وذلك لو وُجد الكافر في بيئة سليمة، وتعرض لمؤثرات صحيحة، ووُجد في جو طيب فإنه يتأثر، وهكذا حصل لـثمامة ، حينما ربط في هذا المكان ،فتأثر وانقلبت مشاعره، فإنه كان يكره النبي عليه الصلاة والسلام، ويكره دينه، ويكره بلده، فصار أحب الوجوه إليه ،وجهه عليه الصلاة والسلام، وأحب البلاد بلده، وأحب الدين إليه دينه، زد على ذلك أن المنَّة التي مَنَّ بها عليه الصلاة والسلام ،دون فدية ،ولا قيد ،ولا شرط ،أو مقابل ، على هذا الرجل قد أثَّرت فيه، منَّةٌ شكرها هذا الرجل، وكان شكره الإسلام، إنه كرم نبوي ، حيث قال: أطلقوا ثمامة، وهذه هي طبيعة الدين الإسلامي الصحيح ، وهذه الأشياء مجتمعة أثرت في الرجل؛ وقلبت مشاعره، ثم أسلم وتابع النبي عليه الصلاة والسلام.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك ياثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر،وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد، فقال: ما عندك ياثمامة؟ قال: ما قلت لك؛ إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد، فقال: ما عندك ياثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك؛ إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله حتى كان من الغد فأعاد السؤال وأعاد الجواب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وَجهِك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ،والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليَّ من بلدك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة؛ فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ -في رواية البخاري ومسلم - فقال: لا، ولكن أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه هي قصة ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة رضي الله تعالى عنه (31 ).

كما أن المتأمل لمبادئ وسماحة الشريعة الإسلامية أيضاً، يلاحظ سعي الإسلام ، و تطلعه إلى عتق جميع من وقعوا في الرق ، وآل مصيرهم إليه ، ولذلك فقد حث على العتق، ورغب فيه تطوعاً ، وشرع له العديد من الطرق، والوسائل التي توجبه ، بجعله كفارة للعديد من الذنوب ، التي يتعرض لها المسلمون في حياتهم ، كالقتل الخطأ، والحنث في اليمين، والظهار ، والإفطار في شهر رمضان ، وندب إليه فيما عدا ذلك .

قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (32 ) .

وقال تعالى ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (33 ) .

وقال تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(34 ).



 

رد مع اقتباس
قديم 09-20-2012, 01:03 PM   #5


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 10-31-2024 (10:29 PM)
 المشاركات : 389 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



يتبع ..

كما جاء بتحرير الرقيق عن طريق المكاتبة ، وهي حق يطالب فيه الرقيق بحريته في مكاتبة من يملكه ، وهو حق كفلته له الشريعة الإسلامية ، وقد ورد فيالحديث الشريف ما نصه :"من أعان مجاهدًا في سبيل الله ، أو غارمًا في عسرته، أو مكاتبًا في رقبته ،أظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله"(35 ).

كما أن قصة أم المؤمنين جويرية ،قد جسدت أيضاً هذا الحديث أجمل تجسيد ، وجويرية هذه ، هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق ، التي كانت سيدة نساء قومها ، وكان أبوها قائد بني المصطلق ، الذين جمعوا لقتال النبي محمد صل الله عليه وسلم ، فقد سبيت يوم المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة ، حيث هزم الله بني المصطلق ، وأصاب من المشاركين في تلك المعركة منهم سبياً كثيراً ،و كانت جويرية ممن أصابهن السبي من النساء المشاركات ، فوقعت بعد توزيع الغنائم في سهم ثابت بن قيس بن الشماس ، أو لأبن عمه ، وكان قد قتل زوجها ، مسافع بن صفوان بن ذي الشفر في تلك الغزوة ، فكاتبت على نفسها ، لتخلص نفسها من الرق و الاستعباد ، ولم يكن معها ما كاتبت عليه ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليعينها على ذلك ، فرد عليها بما هو أفضل ، إذ عرض عليها الزواج منها ، وقضاء مكاتبتها ، فأجابت بالقبول ،وأسلمت ،وحسن إسلامها . وهنا نلاحظ حكمة النبي محمد صل الله عليه وسلم ، من زواجه بجويرية ، وذلك لمعالجة الآثار النفسية الصعبة ، والفجوة الإنسانية ، لتلك الفترات الاستثنائية التي عاشتها جويرية ، لمفارقتها لأباها ،وزوجها، وقومها ، ومساعدتها على معايشة تلك المرحلة النفسية ، بعد هزيمة قومها ، وهذا ما حصل مع جويرية ، لأن مرحلة ما بعد الحروب ، أشد وطأة من الحروب ذاتها ، كما أن هذه القصة ،تكشف لنا سمو مقاصد النبي صل الله عليه وسلم ، من وراء بعض زيجاته . وسمو اهتمامات الشريعة الإسلامية ، بقضية مراعاة واحترام النفس البشرية ، سواء للعبيد أو الجواري ، لذلك فقد عادت الحالة الطبيعية ،الاجتماعية ، والنفسية ، لجويرية ، وبصورة كاملة، بل إن حالها تجاوز ما هو أبعد من ذلك، لتكون أماً للمؤمنين ، ظافرة بكثرة ذكر ربها ، فقد جاء في الحديث أن النبيصل الله عليه وسلم، خرج من عندها وهي في مصلاها، ثم رجع حين تعالى النهار، وهي ما زالت في مكانها تذكر الله، فقال لها: " لم تزالي في مصلاك منذ خرجت ؟ ،فأجابته: نعم، فقال لها صل الله عليه وسلم: قد قلت بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"(36 ) .

ومن الأمور السامية ، والغايات النبيلة ، التي وجهة إليها الشريعة الإسلامية ، أنه في حال ظفر المسلمين بسبايا كافرات ، من خلال الحروب الدينية المشروعة ، ورأى إمام المسلمين الكفء ، العالم بأحكام هذه الأمور ، أن من الخير والمصلحة ، أن ترد السبايا إلى قومهن ، جاز له ذلك .

أيضاً من الطرق والوسائل التي أوجدها الإسلام ، لتحقيق عتق الرقاب ، هي تخصيص جزءاً من أموال زكاة المسلمين ، لعتقها

والمتأمل بتمعن ، لكثرة سبل العتق ، في الشريعة الإسلامية ، يلحظ أن من مقاصد الإسلام ، هو إنهاء جميع حالات الرق ، بشرط تحقق صلاح أمور العباد ، وتحقيق مبدأ العدالة الإلهية ( العدالة الكونية ، العدالة الشرعية ) ، وقد ذكر القرآن الكريم آيات صريحة الدلالة ، ظاهرة المعنى ، مبينتاً هذا المقصد الإسلامي النبيل ، قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (37 ) .

أي أنه سيأتي اليوم الذي لا تجد فيه رقاباً للعتق ، وحالات الرقاب هذه ، هي الحالة التي جاءت على نهج الطريقة الإسلامية الصحيحة، التي ذكرها القرآن الكريم ، وبينتها تعاليم ديننا الإسلامي ، وسار على نهجها الرسول صل الله عليه وسلم ،وصحابته أجمعين ،والتابعين ، ومن سار على نهجهم ، الذين نقل لنا التاريخ ، طريقتهم الصحيحة التي ساروا عليها ، عند تعاملهم مع ظاهر العبيد والجواري، التي تنبأ عن حسن إدراكهم لمراد الحكمة الإلهية من سلب الحرية ، وحسن استيعابهم لمفهوم الرق والاستعباد ، وليس على ما وجد متأخراً ، و يوجد حالياً في بلاد ومجتمعات المسلمين ، الذين مارسوا هذه الظاهرة ،على أساس من الفهم والتصور الخاطئ ، الذي اعتبروه واقع الشريعة ، بينما هو مخالفة شرعية صريحة ، وإخلال لمبدأ العدالة الإلهية ، ونوع من أنواع الاستغلال البشري ، الذي لا يمت إلى الإسلام بأي صلة ، وهذا ما لا يجوز شرعاً ، و يوجب تشويه سمعة الإسلام والمسلمين ، والبعد عن الهدف الإسلامي النبيل .

وكان على المسلمين المتأخرين ،أن يتمسكوا بالطريقة التي شرعها الله ، وأمر بها نبيه محمد صل الله عليه وسلم ، ولكن مما يؤسف له ،أنهم لم يستوعبوا المعنى الحقيقي ، لمفهوم الرق والاستعباد في الإسلام ، ولم يوفقوا لذلك ، وواضح أن ما نص عليه الإسلام ، وسار عليه محمد صل الله عليه وسلم شيء ، وأن ممارساتهم التاريخية لهذه الظاهرة شيء آخر .



 

رد مع اقتباس
قديم 09-20-2012, 01:04 PM   #6


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 10-31-2024 (10:29 PM)
 المشاركات : 389 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



قانون حقوق الإنسان العالمي.. عدل إلهي ؟!.. أم قانون أممي ؟!..

العدل والقانون ..

هناك نقطة يجب أن تكون واضحة في مستهل هذا الكلام وهـيأن العدل مهما كان معناه ، إلا أنه قيمة خلقية، وهذه القيمة هي أحد الغايات التي يسعى إليها الإنسان لتحقيق حياة هنيئة .

العدل .
العدل هو أساس الكون ، وأساس العمران ، وبه قوامهما ، ولا نجاح لقوم يزدرون العدل بينهم ، و مفهوم العدل أوسع من مفهوم القانون، ويمكن أن يطبق، حيثما وجد ، تقنين للقواعد،سواء كان قانونيا أو غير قانوني . مثال على ذلك ، تستطيع مؤسسة أو مدرسة خاصة ،إدارة ذاتها ،بقانون يتفق مع العدل الشكلي، سواء كانت الأحكام القانونية تطبق بدقة أم لا، هذا من حيث المفهوم الواسع لمعنى العدل .

وتأتي العدالة الشرعية بمفهوم المساواة في التعامل ، وهي عدالة نسبية تجمع العدالة القانونية والاجتماعية ، أي تحري الحق بحسب القدرة البشرية ، لتحقيق العدل بين الناس وفق أوامر الشرع .

القانون .
القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الإنسان الاجتماعية ، الساعية إلى تنظم كيان المجتمع ، ليتحقق تحضر العنصر البشري، وتقدمه ، وارتقائه ،في جميع الشئون الإنسانية ،الدينية، والعملية، والفكرية.كما أن القانون وسيلة ، لتحقيق الانسجام الاجتماعي ، عن طريق كبح مشاعر الشر لدى الإنسان ، وأن أي تقدم اجتماعي ، لا يمكن تحقيقه، دون وجود قانون العقوبات الزاجر ، ويعتبر العدل هو غايته القصوى ، التي يهدف إليها.


 

رد مع اقتباس
قديم 09-20-2012, 01:06 PM   #7


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 10-31-2024 (10:29 PM)
 المشاركات : 389 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]



علاقة عدالة الكون الإلهي بالقانون العالمي لحقوق الإنسان والحرية البشرية
كان من الضروري علينا كبشر ، أن نبحث و نتمعن في دائرة القرار العالمي ،الذي دعا عموم البشرية ، إلى سن قوانين وأنظمة ، تصون للإنسان حريته ، وتحفظ بها حقوقه ، وتكفل حمايتها ، وعلينا لهذه الغاية ، أن نأخذ في الاعتبار، علاقة هذه القوانين والأنظمة ، بقانون العدالة الكونية الإلهية العامة ، لنعرف من الذي دعا كل هذه المجتمعات البشرية ، في صفحة الكون العريضة ،المنفصلة جغرافياً ، والمنتمية إلى أمم متعددة ، وديانات مختلفة ، وحضارات ، وثقافات متمايزة ، إلى القبول بمثل هذا النداء العالمي ، والعمل به ككل اجتماعي .
إن قانون حقوق الإنسان ، وحفظ الحريات وحمايتها دولياً ، والمعاهدة الأوربية ، والإعلان العالمي عنها، الذي أقرته الجمعية العمومية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة عام 1948، وجميع نظم العدل ، والقوانين ، المنادية لتحقيق العدالة في الأرض ، بين سائر البشر ، بمختلف أديانهم و أجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم، أمام ميزان العدل والإنصاف، تعتبر أحد قيم العدالة الشرعية ،المرتبطة بالعدالة الإلهية العامة، التي تدير موازنة عموم الأشياء ، ولاختصاص شرائع الدين بالمجتمع البشري ، فقد أسند أمر تنفيذها إلى الإنسان ، قال الله تعالى( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ..) (52 ) ، لتحقيق العدل بين الناس، وفق أوامر الشرع ،وإعطاء كل ذي حق حقه، وهذه سنة الله ، طالما بقي الوجود البشري على الأرض، قال تعالى( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (53 ).

ولما وضعت البشرية لنفسها نظماً اجتماعية ناقصة ، يستهجنها العقل والمنطق ، والتي تحددت في ظروف يسودها الظلم والبغي، لاعتمادها على معايير، الجنس والدين والعرق ، كان الأثر السلبي بالغاً على الحياة الاجتماعية لتلك المجتمعات ، لتولد الفوضى العارمة، وحدوث المشاكل الاجتماعية ، ونشوء الأزمات التي أقلقت مجتمعاتهم ، وما ذلك إلا نتيجة ، لتعارض معايير تلك النظم والقوانين ، مع معايير النظم والقوانين الإلهية ، ما أفقدها القدرة على إيجاد التفسيرات الحقيقية ، للأسباب التي أدت إلى حدوث تلك المشاكل والأزمات، وعجزها من تقديم الحلول الجذرية للقضاء عليها ، وما ذلك ، إلا لإخلالهم بموازين العدل الشرعية ، المرتبطة بالعدالة الكونية العامة ، لأن منهم من ربط النظام الديني الشرعي الخاص بالرق والاستعباد ، بالنظام السياسي ، ومنهم من ربطه ، بالضرورة الاقتصادية ، ومنهم من جعله ناظما طبيعياً ، ومنهم من جعل سببه الفقر ،أو الحاجة ، أو الدين، أو الجريمة أو الخطف، أو الاستغلال الجنسي ، وفي هذا كله مخالفة لما يمليه نظام العدالة الإلهي ، وبالتالي لا يملك هذا النظام ، أية صلاحية للبقاء شرعياً، وما من شك من أن من يعمل به يؤثم ، لأن فيه انتهاك جائر للحرية البشرية ، وحقوق الإنسان ، لفئة من البشر ، شاءت مشيئة العدل الإلهية ، أن يكونوا أحرارا ، وهذا هو مبدأ العدل الإلهي ، الذي نصت عليه جميع شرائع الأديان السماوية ( اليهودية والمسيحية والإسلامية ).

ففي الديانة اليهودية (العبرية)، دون في الأجزاء الأخير في عهد النبوة الكبرى لها ، أن أنبيائهم لما شرعوا لأقوامهم الدين ، أقاموه على أساس وحدانية الألوهية، التي لا تتزعزع ، حيث تملي إرادة الله سن النظم والشرائع لكل الجنس البشري ، و قد أكد أنبياء العبرانيين بلغة حازمة على الالتزام بشريعة الله ، على شريعة الحكام والشعوب على حد سواء ، وذكروا أن لا نظام بشري يسمو على نظام الله ، وأن الله سيوقع العقاب على الذين يعصون أوامره ، كما ورد في شريعة نبي الله موسى ، والتوراة مليئة بقصص العقوبات الزاجرة ، التي أوقعت على الملوك والشعوب ، الذين اجتروا على انتهاك شريعة ونظم الله ، لمصالحهم لخاصة ، أو لمصلحة آلهة أخرى، أو أنماط حياة غريبة .
ومما لا يلزم إغفاله ، أن العبرانيون خاصة ، كانوا من أكثر شعوب العالم القديم أثراً ، في إبراز التعارض بين قوانين العدل الإلهية والبشرية ، بأساليب وطرق أثرت على الفكر القانوني الغربي ، منذ ذلك الحين حتى الآن ، ورفضوا كل أنظمة التعدد الإلهي ، والحكام الإلهيين ، وأن أي قانون، أو نظام، ينص على ما يخالف قانون العدل الإلهي ، يعتبر باطلاً ، ويجب تجاهله مهما كان الثمن ، كما اعتبروا أن العدل مهما كان معناه ، إلا أنه نفسه قيمة خلقية ، أي أنه إحدى الغايات التي يسعى إليها الإنسان لتحقيق حياة هنيئة ، ولئن كانت الغايات الأخلاقية للإنسان تصنف بأنها خيرة ، فإن فكرة العدل هي أحد الأمور الخيرة ، التي تسعى الأخلاق لتحقيقها للجنس البشري ، وهذا الخير قد يعمل كوسيلة أو كغاية في حد ذاتها ، فقد تعتبر السعادة مثلاً غاية في حد ذاتها.وتعتبر الحرية وسيلة لتحقيق السعادة ، لا شيء خير في ذاته ، وبعبارة أخرى ، قد تصنف الأمور الخيرة المختلفة ، أو قيم مجتمع إنساني ، في مسلسل ، بحيث يكون بعضها مجرد وسائل، لتحقيق قيم أسمى ، وجميعها يهدف إلى الخير المطلق ، وهو مسألة اختيار لا تطبيق ، و بمقدورنا وإذا شئنا أن نضع العدل في هذا المقام .

ولذلك ، فعلى أتباع الديانة اليهودية في هذا العصر ، أن يرقوا إلى نظام العدل الإلهي ، الذي انبثق منه دينهم الحق ، وجاء به أنبيائهم ، ذلك الدين ، الذي يرفض النظم والقوانين الدينية والاجتماعية ، التي وضعها ملوكهم السابقين ، والكهنة والحاخامات ، الذين زعموا أنهم يتمتعون بالقداسة ، وجعلوا التوراة تمتلئ بكثرة الشكوك والغموض ، واستغلوا سذاجة الناس ، لأنها نظم قامت على أساس الظلم ، و التعصب ، والعنصرية ، والفوضى ، والخلاف ، ليدرؤوا عن أنفسهم الصدام مع الغير، وليحققوا التسامح والإصلاح الديني والاجتماعي والأخلاقي ، مع أنفسهم ، ومع غيرهم من المسلمين و المسيحيين الفلسطينيين بصفة خاصة في أرض فلسطين، أو مع غيرهم من أتباع الأديان السماوية من مسلمين ومسيحيين وغيرهم ، والأجناس البشرية الأخرى بصفة عامة ،على كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لينعموا بدنياهم كما أراد الله .
أما في الديانة المسيحية ، فقد دعا نبي الله عيسى عليه السلام ، بما أخبره به الله تعالى ، إلى المساواة بين الناس ، وقد أوصى تابعيه أن يعاملوا الناس بمثل ما يحبون أن يعاملون به ، وقد تفرق حواريه من بعده في الأرض ، يبشرون بدعوته ، وانتهى المطاف ببعضهم إلى روما ، عاصمة الإمبراطورية الرومانية ، ومهد الوثنية ، وقد جذبت دعوة العدل الإلهية هذه ، الكثير من أصحاب الفطر السليمة إليها ، ورأى المثقفون المسيحيون فيها إشراقاً روحياً ، خلت منه الوثنية ، كما استبشر بها المستضعفون ، حباً في العدل و المساواة ، غير أنها أخذت منذ القرن السادس ، ولأسباب مادية ، تدعو أن المسيح عيسى عليه السلام ، إنما جاء ليحرر المسيحيين أو المتنصرين فقط ، وفي هذا تعدي على الحريات الدينية للغير ، بإكراههم على اعتناق دين المسيحية ، ومعاذ الله أن يكره المسيح عيسى عليه السلام أحداً ، على اعتناق دين ، وإنما مثله ، كمثل محمد صل الله عليه وسلم ، عندما خاطبة ربه ، بقوله تعالى ، في النص القرآني الكريم (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (54 ).

وإن حصل تحريف ، فهو وبلا أدنى شك ، من صنع الباباوات والأساقفة ، التي تعود أسبابه إلى أمور مادية ، أو لمصالح خاصة ، لأن المسيحية واليهودية والإسلامية ، جميعها أديان حق وعدل سماوية ، جاءت من عند رب واحد ، قانونه العدل.

أما في الديانة الإسلامية ، فلم تختلف نظم وقوانين العدل الإلهي ، عن نظم وقوانين الديانة اليهودية والمسيحية الحق ، التي جاءت من عند الله، بشأن العدل بين البشر ، وحماية حريتهم، وحرمة الاعتداء عليها ظلماً ، وقد ذكر الله تعالى، في الحديث القدسي ، صورة من الوعيد الشديد لمن يتعرض لها ، قال الله تعالى (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، وذكر منهم : ورَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ) (55 ).
وموقف العدل الإلهي هنا واضح وجلي ، فهو لم يساير الأهواء ، التي استغلت حريات البشر دون وجه شرعي ، ونزعتها باسمه ، ونعتتهم بالأرقاء ،ثم بيعوا على أنهم عبيد وجواري ، وإنما جاء الرد الإلهي الحاسم ، الذي يثبت حريتهم ، ويخرج تلك الأنفس ، من ظلمات العاهات، والعادات الاجتماعية والقبلية الهمجية ، التي لم تبقي لقوانين الدين ، التي أخبر بها محمد صل الله عليه وسلم ، وضوابط الشرع ، التي رسم الدين الإسلامي حدودها ، في مجال العلاقات الاجتماعية بين البشر، إلا كومة من طين ، تعجن وتلبس لباس الدراويش.
وهذه هي مشيئة سلطة العدل الإلهية ، المنسوبة إلى إرادة الله، التي دعت إلى سن قوانين و نظم العدل ، وإقامة الإصلاح الاجتماعي على الأرض ، وهي السلطة ذاتها ، التي أخضعت الأمم ، وستخضع الكثير من المجتمعات المنتمية إلى أمم مختلفة، وأديان سماوية متعددة ، إلى نبذ النظم التي تنتهك حرية البشر ، وتنال من حقوق الإنسان ، دون وجه شرعي ، وقد شاءت هذه المشيئة الإلهية ، أن تعود الحريات التي سلبت من أصحابها ظلماً وعدوان ، وذلك في صورة ثورات اجتماعية ، أو قرارات أممية ، نادت بحرية الإنسان .
فأما ما جاء في صورة ثورات ، فإن أقدم ما عرف عن الثورات ، التي قامت دفاعاً عن حرية الإنسان ، وعن حقوقه التي انتهكت ، هو ما حصل في العهد الروماني ، الذي يعتبر مسرحاً دامياً لتلك الثورات ، ففي عام 185 قبل الميلاد ، ثار مجموعة ممن سلبت حرياتهم ظلما وعدوان في أتروريا ، وتتابعت ثوراتهم بعد ذلك في أقاليم أخرى ، وكان أهمها ثورتان : ثورتهم في صقلية ، والأخرى في مدينة كابوا ، وفي عام 131 ق . م انتهز مجموعة ممن نزعت حرياتهم ظلماً وقهراً في صقلية ، اشتغال الجيوش الرومانية في صد هجمات القبائل الرومانية ، وثاروا واحتلوا مدن الجزيرة ، وانظم إليهم الفقراء ، ثم أن الدولة أرسلت أربعة جيوش لقمع ثورتهم ، ولكن مشيئة العدالة الإلهية ، قضت أن تدمر تلك الجيوش واحداً بعد آخر ، ثم انتقلت صقلية إلى يد أولائك المقهورين لبضع سنين .
وكذلك الحال في العهد الإسلامي والبلاد الإسلامية ، التي لم تخل هي الأخرى من نشوء الثورات ، بسبب الانتهاك الخاطئ للحرية البشرية ، فقد حدثت ثورات ، قام بها ، مجموعات ممن سلبت حريتهم ظلماً ، ومن أبرز هذه الثورات ما حدث في أيام مصعب ابن الزبير ، عندما جلب مجموعة من أفريقيا إلى العراق لاستصلاح الأراضي الزراعية ( السباخ) .
ومن ضمن هذه الثورات أيضاً ، هو ما حصل في العهد العباسي ، في زمن المعتمد على الله . هذا ما يخص صور الثورات.
وأما ما جاء في صورة قرارات ، ومنظمات عالمية ، فهو ما جاءت به المعاهدات الأوروبية ، و القرارات العالمية ، التي أقرتها الجمعية العمومية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة منذ عام 1948 ، التي نادت بقانون حقوق الإنسان ، وطالبت بضرورة سن قوانين تحفظ بموجبها حريته، بشكل عالمي، لتعمل المجتمعات البشرية ، في صفحة الكون العريضة ككل اجتماعي ، وقد عمل العالم الغربي ، و مجتمعات دول أوروبا كذلك ، بدئاً بالدنمارك وفرنسا وبريطانيا ثم تبعتها أمريكا .
وقلة هي المجتمعات العربية ، والإسلامية التي قبلت ،وعملت بتلك النظم والقوانين ، وقلة هي الأخرى التي عارضت ذلك ، وتمسكت بحق وجود الرقيق كما يقولون ، وقد كان من ضمنها ، المملكة العربية السعودية ، لجزمها أن الاستعباد (الرق ) مذكور في تشريعهم الإسلامي ، وأن القرآن الكريم قد نص عليه ، وهذا صحيح ، ولكن بعد النظر إلى شرعية وصحة ما كانوا عليه ، أتضح أن ما جاء به التشريع الإسلامي ، ونص عليه القرآن الكريم شيء ، وأن ما كانوا عليه من فهم ، وتصور، وممارسة شيء آخر ، لأنهم مارسوا ، قضية الرق على أناس أحرار ، لا تجري عليهم قواعد وأحكام الرق ، ولا تتوفر فيهم الشروط الشرعية الموجبة للاستعباد ، وبعد هذا الاستيعاب ، حصل الإلغاء ، لتلك الانتهاكات ، التي طالت رقاب الأحرار باسم الدين ، كما فرضت العقوبات على من يمارس ذلك في السر والعلن. وقد كان ذلك على يد المغفور له بإذن الله ، الملك فيصل بن عبد العزيز ، والحق يقال أنه رجل دين وعلم ومبدأ ، رسخ بموجب هذه العوامل ، مفهوم " وحدة أصل البشرية " ، في المجتمع السعودي ، وقد مكنته هذه العوامل أيضاً ، من استنباط مقاصد الشريعة الإسلامية لظاهرة الرق ، واكتشاف وتلمس مواطن الخلل ، لتلك المخالفات الشرعية ، فضلاً عن اكتشافه لها ، من خلال الشكاوى التي تقدم بها بعض ممن غرر بهم ، و تم استدراجهم ، ثم بيعوا على أنهم أرقاء .وهذا ما أكده الشيخ عبد الرحمن الجبرين رحمه الله ، الذي وضح بعض الأمور حول أولائك (56 ).

ومن بعض ما ذكره الشيخ ما يلي نصه :

" في القرن الماضي، في أول القرن الرابع عشر وفي آخر القرن الثالث عشر كان هناك أناس يسرقون بعض الأطفال، ويبيعونهم على أنهم مماليك، يأتون إلى بعض البلاد التي فيها شيء من الجوع ونحوه، كالسودان أو الحبشة، وتلك البلاد، ثم يستدعون بعض الأولاد الذي في سن العاشرة والحادية عشر، ويختطفونه يطعمونه ويكسونه، ويقولون: اذهب معنا ونحن نطعمك ونعطيك ونحو ذلك، يذهب معهم ويعتقد أنهم سوف يحسنون إليه، فيأتون إلى هذه البلاد ويبيعونه على أنه مملوك ".

يتبع نص الشيخ :

" وكثر بيع هؤلاء الذين ليسوا مماليك؛ وإنما هم أحرار، فلما كثر بيعهم وقَلَّ أو انقطع الجهاد من عشرات السنين رأت الحكومة في هذه البلاد أن أكثر هؤلاء المماليك ملكيتهم ليست صحيحة، وأنهم مظلومون، وأنهم قد بِيعُوا وهم أحرار، فرأتْ الحكومة تحريرهم في سنة ست وثمانين، وصدر الأمر بتحرير كل الرقاب الموجودين في المملكة، وتعويض أهاليهم عنهم، ولو كان عند أحدهم عشرة أو عشرون إذ دفعت الحكومة قيمهم وتحرروا، ولم يبقَ في هذه البلاد أرقاء، ولكن إذا حصل قتال مع الكفار، ثم حصل الاستيلاء على سبيهم فإن الرق يعود، وهذا هو الأصل؛ لأن أصله الاستيلاء على سبي المشركين؛ أطفالهم ونسائهم ونحو ذلك" ،انتهى كلامه .

وتجدر الإشارة إلى إن أغلب أولائك من المسلمين الفقراء من أفريقيا و آسيا ، في زمن توقفت فيه الفتوحات الإسلامية ،و خفت فيه الصرامة والرقابة على الشروط الإسلامية ، في كثير من المجتمعات الإسلامية.

أما يدعيه ويردده الكثيرون ، ممن لا يدركون المعنى الصحيح ، لمفهوم الرق الشرعي في الإسلام ، أو ممن لا يجيدون قراءة مسلسل أحداث الأمور بموضوعية وإنصاف ، بأن المغفور له بإذن الله هو من حرر العبيد ، وأن قبوله بذلك القرار ، كان بضغط دولي غربي ، بقيادة أمريكا ، و دول أوروبا ، فهذا إدعاء يجانب الصواب .

لأنه لو كان الأمر شرعياً كما أراد الله ، ومرتبطاً بعدالة الكون الإلهية العامة ، المتمثلة بالعدالة الشرعية ، لبقوا عبيداً ، حريتهم بيد غيرهم، لتحقق مقتضى سنن شرع الله في ذلك المجتمع ، لأنه لا قانون ، ولا نظام بشري ، يسمو و يقوى على قانون العدل ، و نظام الله سبحانه . ولأن المسألة مسألة عدالة ربانية بحتة ، لتحقيق العدل المرتبط بالحرية البشرية ، والحقوق الإنسانية ، لفئة بشرية سلبت حريتها ، وحقوقها ظلماً وجهلاً، فقد جاء الخضوع الأممي ، لمعظم مجتمعات شعوب العالم ، ابتداءً بالمجتمعات الأوربية والغربية ، التي مرت بمراحل من الإصلاح و النضج ، وصولاً بالمجتمعات العربية ،وغيرها من المجتمعات البشرية في دول العالم الثالث .

ولعل المتأمل والباحث ، أن يلحظ ويلتمس مضي واستمرار هذه العدالة قدماً ، بقيادة رجال الدين ، والحقوقيون المنتمين للمنظمات ، والمراصد الحقوقية ، والناشطين في هذا المجال ، والكتاب ، والأكاديميون ، والباحثون المختصون ، نحو الدول التي مازالت مجتمعاتها البشرية ، تعاني من انتهاك الحرية البشرية ، و حقوق الإنسان ، واستمرار ممارسة نظم الإرغام الاجتماعي ، و القصري على فئات بشرية حرة ، لتلبسها قهراً وظلماً رداء الرق والاستعباد ، مثل موريتانيا واليمن والمغرب والجزائر والسودان وغيرها ، لتحقيق غاياتها وأهدافها السامية.

ومن هنا أخي الكريم قارئ هذه الدراسة ، كان لا بد لنا نحن بني الإنسان ، من ضرورة إعادة اعمار فكرنا البشري ، تجاه قضية الرق والاستعباد ، وفق الأسس والنظم الشرعية ، التي جاءت ضمن منظومة تعاليم شرائع الأديان السماوية الصحيحة، ( اليهودية ، المسيحية ، الإسلامية ) ، لندرك مفهومه الصحيح ، الذي تدرك به غاية العدل الإلهية ، التي لا مراء فيها ولا جدال . ولعلنا أدركنا هذا ، من خلال هذه الدراسة المتواضعة .
باحث إسلامي


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرق في موريتانيا بين التاريخ والميتيولوجيا والفقه عبادي السوقي المنتدى التاريخي 0 06-06-2012 08:44 PM