العودة   منتديات مدينة السوق > القسم العـام > المنتدى العام

المنتدى العام يختص بالمواضيع العامةباحة شاسعة تسع آراءكم وأطروحاتكم وحواراتكم، التي لم تسعفها المنتديات الأخرى

Untitled Document
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06-06-2009, 06:46 PM
ولت فرش غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 100
 تاريخ التسجيل : Jun 2009
 فترة الأقامة : 5441 يوم
 أخر زيارة : 08-09-2009 (09:09 AM)
 المشاركات : 36 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : ولت فرش is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الجينات: استعمار جديد للدول النامية



"الجينات".. استعمار جديد للدول النامية
وجدي عبدالفتاح سواحل





لعل من أهم عيوب العالم النامي عدم الاهتمام في أحقاب سابقة بأهمية العلم والتكنولوجيا والابتكار بمعناه الواسع كأهم مصدر للتطور الاقتصادي، والملاحظ أن العديد من الدول الأفريقية التي سجلت تدهوراً اقتصاديًّا خلال الأحقاب القليلة الماضية قد تمثلت أيضاً بأقل مستوى من التطبيق التكنولوجي، مما أدى إلى الاعتراف التدريجي بأهمية العلم والتكنولوجيا في التحول الاقتصادي. وقد ظهر ذلك في تكنولوجيا الهندسة الوراثية. ولعل تلك القضية تطرح عددًا من التساؤلات حول فوائد ومجالات وأنشطة الهندسة الوراثية في العالم النامي ودورها في التطور الاقتصادي، وما هي مخاطرها، وهل جاءت الهندسة الوراثية لحل مشكلة الغذاء أم أنها استعمار جديد ؟! وهل المخاوف الصحية والبيئية حقيقية أم أنها مناورات اقتصادية ؟! وهل معونات الأغذية للدول النامية لغرض إنساني أم أنها استثمار للفقر والجوع ؟! وهل الرحلات الاستكشافية للمنظمات البيئية للمحافظة على التنوع الحيوي أم لسرقة الموارد الوراثية ؟!
فوائد الهندسة الوراثية للعالم النامي
الهندسة الوراثية في مضمونها تعبر عن مجموعة من الأساليب العلمية فهي عملية تجديد وابتكار تشمل استخدام النبات والحيوان والميكروبات كموارد وراثية لتحقيق وفرة في الإنتاج بتكلفة أقل، وقد قفزت الهندسة الوراثية إلى دائرة الاهتمام في العديد من المنظمات الدولية، فهي كأحد العلوم الحديثة تمثل الأمل القادم لحل الكثير من المشكلات التي تواجه شعوب العالم النامي التي ما زالت حتى مطلع القرن الحادي والعشرين ترزخ تحت عبء الجهل والفقر والمرض المتمثل في ثالوث التخلف، فمعظم شعوب العالم النامي تعيش في المناطق الزراعية.. حيث تمثل الزراعة النشاط الرئيسي.
ويرى الكثير من الخبراء أن تطبيق الهندسة الوراثية على الزراعة قد يؤدي إلى توجيه الطاقات التكنولوجية نحو مواجهة العديد من مشكلات العالم النامي ليست الزراعية فقط، بل أيضاً المشكلات المرتبطة بأمراض المناطق الاستوائية وغيرها، ويضاف لذلك قدرة الهندسة الوراثية على تحسين بيئة العالم النامي من خلال إعادة التوطين البيئي والحد من التلوث.
مجالات الهندسة الوراثية في العالم النامي
وكما هو متوقع فإن الكثير من التطور المبكر في الهندسة الوراثية بدأ في الزراعة، وفى إطار المجال الزراعي فإن التركيز تناول قطاعات مختلفة، وبالرغم من أن الهندسة الوراثية قد استخدمت في بعض البلدان لتقوية أنظمة الإنتاج الاقتصادي التقليدية في الدول الكبرى فإن دول العالم النامي أكثر احتياجاً لممارسة تلك التكنولوجيا لمواجهة العديد من مشكلاتها، ففي الأداء تناول التركيز على الهندسة الوراثية الزراعية مجالات مثل زراعة الأنسجة وإنتاج المحاصيل المقاومة للأمراض والتنوع في الإنتاج الزراعي.
وكما في البلدان الأخرى تأثر البحث في مجال الهندسة الوراثية الزراعية بالخطط الهادفة لزيادة الإنتاج خاصة بالنسبة للمحاصيل المقاومة للجفاف. أما الهند فقد وجهت أبحاث الهندسة الوراثية لإنتاج سلالات نباتية مقاومة للملوحة والأمراض وعالية الإنتاج باستخدام تكنولوجيا تجميع المادة الوراثية وإكثار الميكروبات المرغوبة والتي تعمل على تثبيت الأزوت الجوي في الأراضي المروية وزراعة الأراضي الغدقة. وبالرغم من أن السياسة العامة تركز على الزراعة لإنتاج الغذاء فإن بعض القطاعات الخاصة قد أظهرت اهتماماً بالهندسة الوراثية فمن بين أربعين مؤسسة تعمل في مجال الهندسة الوراثية النباتية هناك ثلاث شركات صناعية فقط هى التي بدأت بإقرار برامج متعلقة بالهندسة الوراثية النباتية. وقد سلكت الصين نفس المسلك الذي سلكته الهند، على حين تعتبر تايلاند من الدول ذات برامج هندسة وراثية متقدمة ومنسقة تنسيقاً جيداً. وقد لعبت الدولة دوراً فعالاً في تشجيع هذه التكنولوجيا.. ومع ذلك أكثر البحوث ما زالت تجرى في الجامعات وترتكز أبحاثها على زراعة الأنسجة لإكثار العديد من النباتات مثل زهور الأوركيد وأشجار الساج، والبطاطس والأرز، والمطاط على حين ترتكز بحوث دولة مثل نيجيريا على استخدام الهندسة الوراثية في إنتاج المحاصيل ومقاومة الأمراض النباتية وإنتاج نبيذ النخيل والمانجو والأناناس وإنتاج البيرة والخل والكحول.
ويضاف لذلك العديد من الدول الواقعة في شرق أفريقيا فهناك كينيا وبوروندي وأوغندا وتنزانيا.. والتي تدور أبحاثهم حول حفظ السلالات الوراثية وإنتاج محاصيل مقاومة للحشرات والأمراض الفيروسية وبحوث تثبيت الأزوت والمقاومة الحيوية للآفات الزراعية.
في هذا المجال يوجد في شرق أفريقيا أحد مراكز الهندسة الوراثية وهو المعهد الدولي لبحوث الأمراض الحيوانية والمركز الدولي للماشية في أفريقيا حيث تقوم هذه المراكز باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية في إنتاج الفاكسينات المقاومة لأمراض الماشية وعمل أبحاث تهدف لنقل جين المناعة لمرض التريبانوزوم الأفريقي إلى الماشية.
وفى نيجيريا تجرى استخدامات الهندسة الوراثية في إنتاج ماشية صالحة لإنتاج اللحوم واللبن وإنتاج الفاكسينات المضادة للفيروسات، وفى الهند أدى زيادة الوعي البيئي إلى استخدام الهندسة الوراثية البيئية في إنتاج المبيدات الحيوية والأسمدة الحيوية وهناك أبحاث تجرى لإنتاج مواد قاتلة ليرقات البعوض.
وفى الصين تمكنت المراكز البحثية من إنتاج 25 نوعاً من الإنزيمات المستخدمة في صناعة الأغذية والعقاقير وأيضاً استخدام الغاز الحيوي بديلاً للوقود وكإحدى طرق التخلص من النفايات ومحاربة التلوث، كما استخدمت الصين الترشيح الميكروبي للخامات الذي يعتبر أحد التطبيقات المهمة في مجال الهندسة الوراثية والذي يساعد في حل مشكلة التلوث واستعادة المعادن قليلة الأهمية النوعية. وقد استخدمت هذا الأسلوب في غسيل وترشيح خامات النحاس واليورانيون على نطاق ضيق.
مخاطر الهندسة الوراثية على العالم النامي
(أ‌) مشكلة غذاء أم استعمار جديد ؟!
يشهد العالم المعاصر مجموعة ظواهر تدفع جميعها للاعتقاد بأن البشرية ستواجه في غضون عقود قليلة نسبيًّأ مشكلة انخفاض مستوى الإنتاج الغذائي. ومن هذه الظواهر على سبيل المثال لا الحصر، نسبة النمو السكاني على المستوى العالمي وهى نسبة تتجه إلى الزيادة بفعل سياسات تشجع النسل في الدول الصناعية وفشل سياسات تحديد النسل في الدول النامية وكذلك بفضل تقدم الطب ووسائل الاستشفاء. ومن الظواهر أيضاً ازدياد التصحر وتراجع المساحات المزروعة عالميًّا سواء بفعل العوامل الطبيعية أو بفعل تدهور حال البيئة أو حتى بسبب الإستراتيجيات الزراعية لبعض البلدان الغنية. وهناك أيضاً التطور المجتمعي العام الذي يفيد عموماً القطاعات الصناعية والخدمات على حساب القطاع الزراعي. ويضاف إلى ذلك الكوارث الطبيعية والآفات وغيرها. كل هذه العوامل تجعل من المرجح تراجع الإنتاج الزراعي عموماً وخصوصاً الإنتاج الغذائي.
لقد اكتشف العالم أنه يملك من 27 ـ 50 ألف رأس نووي لها طاقة تفجيرية تتراوح بين 11الي 20 مليار طن ديناميت، أي ما يعادل 46 الي104.5 ألف قنبلة نووية مثل قنبلة هيروشيما. ولكنه للأسف الشديد يعانى من نقص في الغذاء يؤدي سنويًّا إلى جوع 500 مليون من البشر. وقد يؤدي النمو السكاني وتدهور حالة البيئة والأرض إلى فترات شح في الغذاء مما قد يستلزم تضاعف إنتاج المواد الغذائية عالميًّا من الآن وحتى عام 2010 لمواجهة خطر الجوع في العالم النامي.
ونتيجة لذلك تبدو الحلول عاجلة وقليلة في آن واحد، عاجلة لأن الأمور تسير بسرعة نحو التدهور، وقليلة لأن الحلول المتاحة، بل المطروحة حالياً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ولم تثبت جدارتها كليةً في نظر المسئولين أو ليست في متناول اليد؛ ولذلك لجأت بعض الدول حديثاً إلى حل جديد يثور الجدل حوله كثيراً هذه الأيام، وهو الزراعة المرتكزة على التحوير الوراثي الجيني للبذور والأشتال وهى تقنية تتمحور حول التدخل في التركيبة البيولوجية للنباتات باستخدام أساليب الهندسة الوراثية.
وترى العديد من الدول النامية أنه من الضروري الإسراع بالأبحاث والتطوير للزراعة المحوّرة جينيًّا وترى فيها تقدماً جديداً يضاهى الجرارات الزراعية! كما تعتبر هذه الدول أن اتخاذ إجراءات ضبط ومراقبة بموازاة الأبحاث والاختبارات شيء "فاخر" لا يمكنها أن تدفع ثمنه!.
وإذا كانت الزراعة المرتكزة على التحوير الجيني هي البديل للمستقبل ، وإذا اضطرت الدول النامية للاعتماد عليها فإن هناك مَن بدأ يتحدث عن تبعية من نوع جديد يمكن أن تقع فيها الدول النامية تجاه الدول الصناعية وهى تبعية أصبح البعض يسميها "الاستعمار الجيني" ويقول : إنها استعمار من نوع جديد سيكون أشد هولاً وتأثيراً من الاستعمار العسكري القديم. واستباقاً لذلك وبهدف زيادة المحاصيل انخرطت الدول النامية في ميدان التحوير الجيني ، وتأتي الصين في مقدمة هذه الدول التي تجمع الهند وكوستاريكا والأرجنتين ومصر حيث تتواجد مختبرات وباحثون يعملون على تطوير بذور وأشتال الخضار والفواكه والبطاطا والقمح وغيرها.
(ب‌) مخاوف حقيقية أم مناورة اقتصادية ؟!
ورغم أن هذه الأبحاث لا تزال في بدايتها على المستوى التطبيقي فقد بدأت الزراعة المرتكزة على تقنيات التحوير الجيني ـ بمعنى التدخل والتعديل في التركيبة البيولوجية للنباتات والأشتال التي يطلق عليها الخبراء اليوم "الزراعة الجينية" ـ تثير جدلاً واسعاً بين الأوساط العلمية وجمعيات حماية البيئة وكذلك بين الشمال والجنوب بوجهٍ عام.
وبينما لا تتجاوز المساحات المخصصة لهذا النوع من الزراعة في الدول الصناعية الغربية حالياً بضعة آلاف من الأمتار المربعة لأغراض الأبحاث والتطوير، يبدو أن بعض الدول النامية بدأت تعتمد على هذه الزراعة بكميات صناعية وعلى مساحات تقدر بعشرات الآلاف من الهكتارات فعلى سبيل المثال: نجد أن المساحات المخصصة لهذا النوع من الزراعة في الصين بلغت 35 ألف هكتار ونحو مليون هكتار أخرى تم إغناؤها بأسمدة خاصة تحتوى على بكتريا محوّره جينيًّا من شأنها زيادة المحصول بنسبة 10% . وفي الوقت الذي يزداد فيه الجدل في أوروبا والولايات المتحدة حول ما إذا كانت الزراعة
المرتكزة على تقنيات التحوير الجيني ـ بمعنى التدخل والتعديل في التركيبة البيولوجية للنباتات والأشتال التي يطلق عليها الخبراء اليوم "الزراعة الجينية" ـ تثير جدلاً واسعاً بين الأوساط العلمية وجمعيات حماية البيئة وكذلك بين الشمال والجنوب بوجهٍ عام.
وبينما لا تتجاوز المساحات المخصصة لهذا النوع من الزراعة في الدول الصناعية الغربية حالياً بضعة آلاف من الأمتار المربعة لأغراض الأبحاث والتطوير، يبدو أن بعض الدول النامية بدأت تعتمد على هذه الزراعة بكميات صناعية وعلى مساحات تقدر بعشرات الآلاف من الهكتارات فعلى سبيل المثال: نجد أن المساحات المخصصة لهذا النوع من الزراعة في الصين بلغت 35 ألف هكتار ونحو مليون هكتار أخرى تم إغناؤها بأسمدة خاصة تحتوى على بكتريا محوّره جينيًّا من شأنها زيادة المحصول بنسبة 10% . وفي الوقت الذي يزداد فيه الجدل في أوروبا والولايات المتحدة حول ما إذا كانت الزراعة البيولوجية المحورة تشكل خطراً على البشرية، يمضي خبراء العالم النامي في أبحاثهم في هذا الميدان مركزين بالدرجة الأولى على المردودية وسط الحاجة المتزايدة للغذاء وفي ضوء السياسات الهادفة إلي توفير الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
لقد أعطت الحكومة الصينية الأولوية للهندسة الجينية وأصبح هناك نحو 20 ألف باحث يعملون على تطوير بذور وأشتال محورة جينيًّا وذلك مباشرة في الحقول دون اعتماد إجراءات مراقبة وضبط كالتي تفرضها الحكومات الغربية على هذا النوع من الأبحاث، وقد أدى ذلك إلى أن الصينيين سبقوا الأمريكيين في تطوير بذور وأشتال التبغ والطماطم القادرة على مقاومة الفيروسات.
إن المنتجات الزراعية المحورة لم تُصبح بعد في متناول المستهلك إلا ما ندر ، وقد أكد بعض الغربيين أن التبغ الصيني المحور قد بدأ اختباره لدى المستهلكين على نطاق ضيق وأن الذين اختبروه وجدوه "طيب المذاق جدًّا " وأن الصينيين يؤكدون خلوه من المخاطر بعكس التبغ المعروف حالياً؛ لذا فإنه لا يعرف بعد ما إذا كانت مخاوف الغربيين مبررة أم أنها تصب في خانة "المنافسة " والخوف من تفوق خبراء العالم النامي واحتكار الأسواق ، خصوصاً و أن الاختبارات في الغرب تقف وراءها شركات صناعية كبرى.
(ج) معونات إنسانية أم استثمار للفقر والجوع ؟!
عندما طرحت الشركات الأوروبية والأمريكية طعامها المعدل والمعالج وراثيًّا، قوبلت الفكرة باستياء كبير وهجوم وصل في بريطانيا لحد الهجوم على مزارع الطعام المعالج وإزالة النباتات من الأرض، ونفس المصير لاقته الشركات الأمريكية التي دفعت ملايين الدولارات لتطوير تلك الأبحاث، ورفض المستهلكون تناول ذلك الطعام، وأعلن الأطباء عن احتمالات إصابة الإنسان بالخلل الجيني، وألزمت إدارة الطعام والدواء الأمريكية الشركات والمزارعين بعدة إجراءات توضيحية قبل بيع ذلك الطعام. وعندما أرادت تلك الشركات تصديره رفضته أوروبا طبعًا وكذلك آسيا، فكانت السوق المناسبة والملائمة لهذا النوع من الطعام هو أفريقيا الجائعة، ولكن أفريقيا لا تملك ما تدفعه ثمنًا لأي طعام، فلماذا لا يقدم لهم الطعام كمعونات إنسانية ؟ وبذلك تضرب الشركات عصفورين بحجر واحد فتطعم الجوعى وتختبر طعامها اختبارًا مباشرًا، وعن طريق غطاء شرعي جدًّا هو الأمم المتحدة التي تبحث عن أي جهة تقدم عونًا لمئات الآلاف من الأفارقة في أكثر من دولة أفريقية يعانون من المجاعة وأمراض سوء التغذية. الأرقام تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت للأمم المتحدة حوالي 500 طن من الذرة ومنتجاتها في شكل معونات بقيمة 111 مليون دولار أمريكي كان 30% منها عبارة عن ذرة مهجنة وراثيًّا وكان الهدف الرئيسي من تقديمها هو اختبارها في أفريقيا، ووزعتها الهيئة الدولية بالفعل على الجوعى في السودان وفى الكونغو وأثيوبيا والصومال وعدة دول أفريقية أخرى. ولم يكن لدى برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة علم بها، بل لم يناقش أحد الأمر.
ولكن الأمر لم يتوقف عند حد توزيع الأطعمة المعالجة وراثيًّا، فقد حرصت بعض الشركات العالمية والدول الكبرى على تقديم مساعدة حقيقية من وجهة نظرها للعالم الجائع، إعمالًا لمبدأ من أعطاني سمكة أطعمني يومًا واحدًا؛ لذلك قررت تلك الدول أن تعلم أفريقيا السوداء الصيد لتطعمها كل يوم، فقامت بعض الشركات والهيئات المتخصصة في التنمية في العالم الثالث بتوزيع بذور القمح والذرة وفول الصويا المعدلة والمعالجة جينيًّا إضافة إلى 52 نوعا آخر من هذه البذور في عدد من الدول الأفريقية لزراعتها هناك وتجربتها دون أن يقوم بتقليعها أحد من أنصار البيئة والطبيعة كما حدث في بريطانيا مثلًا !.
وتؤكد قضية اختبار الطعام المعالج والبذور المعدلة في أفريقيا أن العالم يعامل تلك القارة على أنها "سلة لمهملاته" ويظهر مدى بؤسها فحتى أمراضها وفقرها ومجاعاتها وكوارثها لها فائدة عند الدول الثرية، فبما أن شعوبها تعاني الجوع في كل الأحوال ويهددهم الموت من كل ناحية، فقد قررت هذه الدول استثمار فقر أفريقيا واختبار الطعام المهجن والمعدل وراثيًّا لترى على الطبيعة آثاره على البشر، فإن كانت النتيجة إيجابية، قدمته لشعوبها، وإن كانت سلبية وظهرت بالفعل أضراره ؛ فلتضف لقائمة أمراض أفريقيا الأخرى، فهي ستعانى في كل الأحوال.
(د) سرقة الموارد الوراثية أم المحافظة عليها ؟!
جاءت لحظة التحول التاريخية في عام 1993 عندما توصل باحثان في ولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى إمكانية نقل الجينات التي تحمل الصفات الوراثية في الكائنات الحية من أي خلية لأي كائن حي إلى أي خلية لأي كائن حي آخر، بصرف النظر عن اختلافهما في النوع. حيث إن المادة الوراثية في كل الكائنات متشابهة وتتكون من نفس المكونات الأساسية، وهي التي تسمى الحمض النووي (dna) ، وكان قد تم اكتشاف التركيب الدقيق للحمض النووي سنة 1953م في إنجلترا، والجينات يمكن أن تفصل عن بعضها في خلايا الكائن الذي نقلت منه، ثم يعاد ترتيبها في أوضاع جديدة في خلايا الكائن الذي نقلت إليه، وبذلك تنقل الصفات الوراثية من أي كائن إلى أي كائن حي آخر، وهذا ما يسمى بالهندسة الوراثية، وقد طبقت على نطاق واسع منذ ذلك الوقت للحصول على أشكال جديدة من الكائنات الحية لها الصفات المرغوبة، دون اللجوء إلى تجارب التهجين المضنية والتي تستغرق العديد من السنين كى تُستكمل.
وقد استطاعت العديد من الشركات الأمريكية والأوربية واليابانية الاستفادة من هذه التقنية الجديدة لاستنباط أصناف جديدة من النبات تحمل صفات مرغوباً فيها لزيادة إنتاجيتها أو لإنتاج مواد معينة خاصة في مجال الدوائيات، وطالبت هذه الشركات باعتبار تلك الأصناف الجديدة اختراعات تستحق أن تكون لها براءات اختراع مثل اختراع أو ابتكار سيارة وقد أدرج هذا الموضوع ضمن ما سُمي بحقوق الملكية الفكرية.
هنا احتاجت الشركات المستغلة لتقنية الهندسة الوراثية في الغرب أن تلجأ إلى الثروة التي لا يَنْضب مَعينُها من الصفات الوراثية من مجموع ما يوجد في العالم من نباتات برية، بعد أن كان الأمر قاصراً على الأقارب البرية لنباتات المحاصيل فقط. فالآن اتسع مجال الصفات الوراثية المطلوبة للصناعة كى يشمل كل الكائنات الحية في أي مكان في العالم، كي تستطيع أن تنتج هذه الصناعة الوليدة ما يحلو لها من أي نباتات ذات صفات خاصة وأن تتمكن من تسويقها تجاريًّا وجني الأرباح الطائلة من ورائها. ولكن مشكلة هذه الشركات هى أنها وإن كانت تملك ناصية التقنية إلا أن معظم ما بالعالم من نباتات برية ـ أي مصادر الجينات المفيدة ـ يوجد في البلاد الحارة أو البلاد النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وهي بلاد لم تسهم كثيراً في تطوير تقنيات الهندسة الوراثية، كما أنها تحتاج بشدة إلى استزراع أراض جديدة وتعاني من المشكلات السكانية ومن تدهور البيئة.
من هنا يتضح أن المواد الخام لتقنية الهندسة الوراثية هي مصادر الجينات أو الموارد الوراثية النباتية بل هي حجر الأساس ؛ لذلك سعى علماء الوراثة إلى الحفاظ عليها في منطقتها الطبيعية أو بإنشاء ما يسمى بالبنوك الوراثية لحفظها صالحة للاستخدام في برامج تحسين الصفات الوراثية باستخدام أساليب الهندسة الوراثية.
وبالرغم من أن دول العالم النامي أغنى شعوب الأرض في ثرواتها النباتية، فهي أيضاً أفقرها وعياً بأهمية الحفاظ عليها وتنميتها في عصر تتزايد فيه كل يوم حدة الصراع على امتلاك وحفظ الأنواع النباتية التي تحمل في خلاياها التراكيب الوراثية القادرة على حل أزمة الغذاء التي تتزايد حدتها كل يوم مع تزايد عدد سكان الأرض وتناقص الموارد المائية الصالحة للري والموارد الأرضية المناسبة للزراعة. والمعروف أن الدول الصناعية الكبرى قد استعدت منذ فترة طويلة لهذا اليوم وقامت بالطرق المشروعة أحياناً وغير المشروعة في غالب الأحيان بجمع الثروات النباتية من سواحل وصحراء الدول الفقيرة وقامت بحفظها في بنوك متخصصة تضمن لها إمكانية الاستغلال الاقتصادي في أي وقت لإنتاج أصناف جديدة من القمح والقطن وإلى آخره من المحاصيل التي تتفوق على الأصناف الحالية في قدرتها على تحمل الملوحة والجفاف ومقاومة الأمراض إلى آخره من مشاكل الإنتاج الزراعي. والقرن القادم سوف يكون قرن كشف الطاقات الكامنة "للتراكيب الوراثية النباتية" التي سوف تحل محل الصراع التقليدي في القرن الحالي لامتلاك السلاح النووي ، وسوف يستبدل الردع النووي التقليدي بالردع الغذائي. ونظراً للأهمية القصوى لهذه القضية فالحكومة البريطانية تشرع حالياً في بناء بنك وراثي تحت الأرض لحفظ أكثر من ربع مليون نوع نباتي بالرغم من أن هناك أكثر من بنك وراثي. فهم يخططون لمخاطر سرقة كنوز الثروة النباتية على يد عصابات دولية أو دمار حروب قادمة أو كوارث طبيعية
________________________________________
أستاذ الهندسة الوراثية




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب (مدينة السوق) من جديد 3 السوقي الأسدي المنتدى التاريخي 12 03-19-2011 02:36 PM
في مواجهة ازمة الغذاء :استعمار جديد ولت فرش المنتدى العام 0 06-06-2009 06:44 PM
كيف اشارك بموضوع جديد أبوعبدالله منتدى الحوار الهادف 0 04-22-2009 10:14 PM