|
منتدى الحوار الهادف حول القضايا الدينية والتيارات الفكرية والإقتصادية والإجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
المروءة
بسم الله الرحمن الرحيم لعل خلق المروءة من أعظم الأخلاق التي سها عنها المسلمون في زماننا عموماً، والدعاة إلى الله خصوصاً، ولذا رأيت من الواجب أن أكتب عنها كلمة أذكر العارف، وأعرف الجاهل بها، وأبين عظيم قدرها للمستهين بها، فقد كنت في مجلس فذكر أحد الحضور أن الشيخ الفلاني يزعم أن ما ذكره العلماء من خوارم المروءة لا تعتبر شيئاً في زماننا، وذلك كالمشي حاسر الرأس، والأكل بالأسواق، والجري بين الناس بلا حاجة، وغيرها من الأمور التي كانت تخدش مروءة الرجل في السابق، والأمر أخطر بكثير مما ذكر، ولذا فسأذكر في مقالتي هذه ما يلي: - معنى المروءة لغةً واصطلاحاً. - مجالات المروءة ومواطنها. - المروءة والأحكام الشرعية. - أمثلة على ذلك. - ضوابط. - نتيجة مهمة. أولاً: معنى المروءة لغةً واصطلاحاً أ- المروءة لغة: هي الإنسانية، أي الأمور التي تكمل إنسانيتك بها، فمما هو معروف أن الإنسان يشترك مع الحيوان في أمور كثيرة كالأكل والشراب والتناسل والغضب والتنازع وغيرها، ويتميز عنها بأمور كثيرة أيضا كالعقل والخلق والتمكين والسمو، والمروءة من الأمور التي تكمل بها إنسانية الإنسان ويتميز بها عن غيره من المخلوقات تميزاً كبيراً. ب- المروءة اصطلاحاً: آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، أو هي كمال الرجولية.[1] وأقف في هذا التعريف عند قول أهل الفن (هي كمال الرجولية) إي والله المروءة كمال الرجولية، فهي خلق تسمو بالإنسان إلى أن يصل إلى الكمال في رجولته، والكمال غاية البشر جميعاً، وإليها يسعون ظاهراً وباطناً، حقيقةً أو ادعاءاً. ولذلك نرى المروءة خلقاً عاماً عند الناس جميعاً، مع تفاوتهم واختلافهم الشديد في الاهتمام بها وما يرون أنه من المروءة أو ليس له تعلق بالمروءة، وانفرد العرب باهتمامهم الشديد بالمروءة ، حتى صارت من أخلاقهم التي يقيسون بها الرجال وعقولهم، ولذا فقد امتلأ تراثهم بالقصص الكثيرة التي تدل على اهتمامهم بهذا الخلق العظيم. ثانيا: مجالات المروءة الناظر في أقوال أهل العلم والفضل عموماً – والسلف رحمهم الله تعالى خصوصاً - يجد أن المروءة عندهم استغرقت مجالات الحياة جميعا ، وإليك طرفا من أقوالهم: قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- : حسب المرء دينه، وكرمه تقواه، ومروءته عقله.[2] فانظر كيف جعل عمر – رضي الله عنه – العقل من مروءة الإنسان، فالإنسان الأحمق تجده قليل المروءة أو عديمها، ولذلك قالوا ( عدو عاقل خير من صديق جاهل ). وقال عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – : المروءة حفظ الرجل نفسه، وإحرازه دينه، وحسن قيامه بصنعته، وحسن المنازعة، وإفشاء السلام. المروءة حفظ الرجل نفسه: أي من كل ما يعيبه في نظر الناس ولو كان حلالاً، وإحرازه دينه بفعل المأمورات وترك المحظورات، وحسن قيامه بصنعته وهو أمر يغفل عنه كثير من الناس وهو الإتقان في الصناعة والتدبير يعتبره ابن عمر - رضي الله عنهما- من المروءة، لأن المتقن محمود، والأخرق الذي لا يتقن شيئاً مذموم عند الناس. وحسن المنازعة: فالمؤمن كريم حتى في الخصومة ، وآية المنافق أنه إذا خاصم فجر ، فالكرم في المخاصمات والمنازعات لا يتأتى إلا من رجل ذي مروءة تامة. وإفشاء السلام جعله ابن عمر –رضي الله عنهما- من المروءات لأنه يؤدي إلى المحبة وتقدير الناس لك. وقال الإمام الزهري: المروءة اجتناب الريب، وإصلاح المال، والقيام بحوائج الأهل. وقال مرة: الفصاحة من المروءة. فاجتناب الريب: من أعظم ما يدل على مروءة الإنسان، لأن الإنسان الذي يقتحم أماكن الريبة والفساد متهم عند الناس، وهو بهذا التصرف يستبيح عرضه للناس وللقيل و القال، وهذا ما لا يرضاه عاقل لنفسه. وإصلاح المال: وهو من أعظم ما تركه المسلمون في زماننا، فإصلاح المال والقيام على ممتلكاتك بالرعاية والاهتمام والاستثمار أمر من أمور المروءة، وذلك حتى يكون الإنسان عزيزاً لا تذله الحاجة فيريق ماء وجهه بالطلب من الآخرين. والقيام بحوائج الأهل: وهذا باب لا يحتاج لشرح، حيث إن كثيراً من الرجال اليوم قد ألقوا بمسئوليات المنزل وطلبات الأولاد على الزوجات والخدم، فالزوجة هي التي تشتري للبيت طعامه وشرابه، وهي التي تشتري الملابس للأولاد، وهي التي تقوم بتدريسهم، وهي التي تحل مشاكلهم، والأب قد ترك ذلك كله لأنه اشترى لها سيارة وأعطاها المعاش، أما هو فمشغول بالدواوين واللهو البرئ وغير البرئ ، وهذا لعمر الله هو انعدام المروءة أو قلتها وهو أمر قد شاع في زماننا. والاهتمام بالفصاحة واللغة من المروءات لأن الرجل الذي يلحن ويخطئ يتعرض للسخرية والإيذاء، وهو أمر معروف بين الناس، والعامة تقول (فلان راعي بدليات) أي صاحب أخطاء لغوية، وهو دليل عجمته. وعلى العموم فالمروءة تعني باختصار أمراً واحداً وهو ألا ترضى بما يعيبك ويشينك في أعين الناس والمجتمع الذي يعيش فيه، ولذا أختم هذه الحلقة بقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى الذي يدل على عظيم رجولته وكمال إنسانيته واهتمامه بالمروءة اهتماماً بالغاً فيقول: والله لو كان الماء البارد ينقص من مروءتي لشربته حاراً. لله درك ، ورحمك الله تعالى رحمة واسعة ، أي نفس كانت تسمو بين جنبيك ، وأي كمال بشري كنت تسعى إليه، كمال لا يسعى الناس في زماننا إلى عشرها أو أقل من عشرها. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين -------------------------------------------------------------------------------- [1] المعجم الوسيط ( 2/860) [2] الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو مفاخر الأفعال. منقول من شبكة المنهج الإسلامية
l |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|