|
المنتدى التاريخي منتدى يهتم بتاريخ إقليم أزواد . |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الماضي المشرق لولاتة
ولاتــــــــــه من
الماضي المشرق إلى تحديات الواقع والتطلع للمستقبل إعداد الأستاذ محمد الأغظف ولد الداه باحث بمركز الدراسات والبحوث الولاتية ولاتة مصر الدين والعلم والهدى تسيل بتقوى الله منها الأباطح ولاته بين : التاريخ المشرق، وتحديات الواقع، والتطلع للمستقبل لا تزال ولاته كغيرها من المدن التاريخية الموريتانية(الموانئ الصحراوية)، تحتفظ ببعض الآثار الدالة على أصالتها الحضارية، تميزها عن نظيراتها في مجال العمران...فمتى ظهرت هذه المدينة؟ وهل لعبت دورا متميزا في التجارة الصحراوية التي كانت في وقت ما من دعامات اقتصاد حوض البحر المتوسط(مركز العالم القديم)؟ ومامدى تأثير هذه التجارة في تطور المدينة، ؟ وكيف انعكس هذا كله على تركيبة سكانها ومستوى حياتهم الاقتصادي والثقافي ، والفني؟ ومع مرور الزمن هل لا تزال هذه المدينة تحتفظ بما حققته من ازدهار؟ و هل ثمة إمكانية لاستعادة دورها التاريخي مع تغير الظروف والأحوال؟ أولا: النشأة والتسمية: أ- التسمية تعتبر مدينة ولاته محطة رئيسية للتبادل التجاري بين السودان والشمال الإفريقي، فقد ورد ذكرها في كثير من المصادر التاريخية كعقدة لا مندوحة عنها للوصول إلي ذهب السودان وخيراته، وتعتبر استمرارا للموانئ الصحراوية الأقدم منها كأووداغست وكنبي صالح ، في الوقت الذي كانت فيه محطة مهمة لتصدير الملح إلى السودان، الأمر الذي ربطها بالمدن الأخرى التي تلعب تجارة الملح الدور الرئيسي في أنشطتها الاقتصادية كوادان و شنقيط وتشيت. إلا أن المصادر التاريخية، ذكرتها بأسماء متعددة (بيرو، إيولاتن، ولاتن، ولاته) وهذا يطرح إشكالا لا يمكن تخطيه إذ بدون استجلائه لا يمكن استخدام جميع النصوص التاريخية التي تتحدث عن المدينة لأن أكثر معلوماتنا عنها (ولاته) تعتمد بشكل مطلق علي هذه الأسماء، وهذا يحتاج لشيء من التدقيق والتمحيص ومقارعة هذه النصوص التاريخية التي وردت فيها هذه التسميات المختلفة ، فهل أن المركز واحد تعددت أسماؤه ؟ وهل هذا التعدد في الأسماء كان حسب فترات زمنية مختلفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل وراء تبدل الأسماء تغيير في تركيبة سكان المدينة العرقية ؟ وهل وراء هذا التبدل في الأسماء تغير في الهياكل السياسية والاجتماعية للمدينة؟ . من أهم النصوص التي تتحدثت عن المركز الحضري بالمنطقة: 1) ابن بطوطة (محمد) في النصف الأول من القرن 14م يذكره تحت اسم ( ايولاتن) وقد زارها أثناء رحلته إلى مالي.(1) 2) المقري ( احمد بن محمد ) النصف الثاني من القرن 14م وقد كان لأجداده شركة تجارية لها فرع في ولاتن ويسميها ايولاتن (نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب) (2) 3) ابن خلدون ( عبد الرحمن ) في القرن 14م يسميها ولاتن ( العبر)(3) 4) ابن الحاج المتوكل ( محمود كعتي ) ((تاريخ الفتا ش)) في القرن 16م وهو من سكان منطقة تنبكتو الواقعة شرقي الحوض يسمي هذا المركز: بيرو. (لما دخل سني علي تنبكتو، خاف الناس فرجع كل لبلده الأصلي فرجع أهل بيرو إلى بير( 4) 5) أحمد بابا التنبكتي: في كتابه نيل الابتهاج، يذكر المركز باسم إيولاتن.(5) 6) السعدي ( عبد الرحمن ) وهو تنبكتي من كتاب القرن 18م يذكر هذا المركز تحت اسم ولاتن ، وتحت اسم بيرو رغم أن الحدث الذي أورد فيه الاسم واحد ، ويذكر قرية تازخت وهي في الوقت الحاضر أطلال قرية تبعد عن ولاته الحالية أزيد من إثنين كم تقريبا يقول (( عبد الله بن عمر بن محمد بن علي بن يحيى الصنهاجي المسوفي كان فقيها حافظا زاهدا ورعا وليا صالحا...درس في ولاتن وتوفي بها سنة 969 للهجرة )) (6) . ويقول أيضا (( كتب الفقيه محمود بن عمر لأخيه الفقيه عبد الله وهو في تازخت قرية قرب بيرو، فأمره أن يأتي لتنبكتو فكتب إليه أنه لا يأتيها وبقي في تازخت إلى أن توفي رحمه الله (7) ويقول (( عبد الله ولى لولا انه في قرية وقد بقي في تازخت حتى توفي فيها (8) ثم يقول ((وفي سنة 873 للهجرة دخل سن على تنبكتو 4 رجب الفرد في السنة الرابعة من توليه السلطنة وعاث فيها فسادا عظيما فحرقها وكسرها وقتل خلقا كثيرا ولما سمع أكل بمجيئه احضر ألف جمل ورحل فقهاء سنكرى عليها إلى بيرو ومشي فيهم الفقيه عمر بن محمد اقيت وأولاده الثلاثة المباركون الفقيه عبد الله والفقيه احمد وهو أكبرهم والفقيه محمود(9) 7) البر تلي(الطالب محمد بن ابوبكر الصديق لولاتي المتوفى سنة 1229للهجرة، يذكر نفس الحدث الأخير مع تبديل اسم بيرو بولاته فيقول: (( عمر بن محمد إقيت رحل إلي ولاته لمار حل إليها فقهاء سنكري من أجل خوفهم من الظالم الفاجر سني على لما دخل تنبكتو في 4 أو 5 رجب الفرد عام 873 للهجرة ورحل بأولاده الثلاثة الحاج احمد والفقيه عبد الله والفقيه محمود ... ثم رجع ابنه محمود من ولاته إلى تنبكتو سنة 885 للهجرة وأما ولده الفقيه عمر فلم يرجع عن ولاته حتى توفي فيها وكذا ابنه عبد الله لم يرجع وتوفي في تازخت )) (10) 8)صالح بن عد الوهاب : ولدفي ولاته ، و بها درس يقول (( أولاد يونس هم الذين خربوا قرية تازخت وتسميها العامة تيزغت...وهي غربي ولاته على نحو ميلين منها وكانت قرية علم ودين... وبعض صلحاء أهل ولاته يزورون قبور صلحائها، وفيهم العلامة الإمام الولي عبد الله بن عمر بن محمد إقيت(11) 9) الشيخ سيد محمد الكنتي : وهو من المنطقة يقول (( فتح عقبة بن نافع بيرو المدعوة الآن بولاته وخلف ابنه العاقب بها وقبره بصحن مسجدها)) (12) وأهل ولاته دارجون على هذه الرواية ويؤكدون وجود هذا القبر الذي اختفت معالمه بفعل التغييرات التي طرأت على المسجد بعد سقوطه. والذي نستطيع استنتاجه من خلال ما أوحت به مختلف هذه النصوص هو : ا- أن هناك تقاربا بين الأسماء الثلاثة (ايولاتن، ولاتن، ولاته ) الأمر الذي يطرح فرضية أن الأسماء، الثلاثة قد تكون لمسمي واحد دخل عليه شيء من التحوير بمرور الزمن . ب- إن السياق الذي وردت فيه المسميات المختلفة يدل على أن المقصود به أهم مركز حضري في المنطقة ، بل وابعد من ذلك فإن هذا المركز الحضري ورغم تعدد الأسماء يكاد يكون محصورا في رقعة جغرافية ضيقة، أي في مسافة طولها 3كم من تازخت حتى مدينة ولاته الحالية وأحوازها، وهنا الأمر يحتاج إلى تنقيبات أثرية، خاصة إذا علمنا أن السيول الجارفة سنة 1967م كشفت عن الكثير من البنايات في أحواز المدينة، ثم إن إيولاتن بلغة الطوارق معناها (طرف الجبل) منحدر الجبل ، والشريط المذكور يقع في منحدر جبلي . ج - إن معظم المخطوطات التي اطلعنا عليها في ولاته تؤكد أن بيرو كانت اسما قديما لولاته مثلا فتح الشكور(12)( مخطوط) ومنح الرب الغفور فيما أهمله فتح الشكور(مخطوط)(13)للطالب ابوبكر المحجوبي ألولاتي، والغلاوية للشيخ سيد محمد الكنتي.... وإذا صح أن بيرو هي ولاته الحالية مع أن سكان المدينة يؤكدون على أن بيرو تقع شرقي المدينة (ولاته) الحالية، فان صاحب تاريخ السودان يسميها بيرو إذا تحدث عن السودان، ويسميها ولاتن إذا كان الحديث عن البيض (14)ومن هنا نستطع (وحتى تقوم أبحاث أثرية تؤكد صحة هذا الافتراض )أن نعتبر أن ولاته الحالية استمرار لهذا المركز الحضري الذي تعددت أسماؤه، وسواء كان هذا المركز هو ولاته الحالية، أو بنيت في ضواحيه. ونستخلص من هذا أن الاختلاف في التسمية يمكن أن يكون نتيجة التغير الذي طرأ على البنية السكانية وتركيبها العرقي ، نتيجة الهجرة المستمرة إلى هذا المركز من طرف البيض، وهجرة السود منه وخصوصا بعد سقوط غانا النهائي على يد الصوصو (1024م) (15) وسيطرت (الطوارق) على المنطقة فضلا عن عوامل أخري كانتشار الإسلام والتصحر، هذه العوامل وغيرها أثرت في الهياكل السياسية والاجتماعية والديمغرافية والعرقية في المدينة ، وقد تكون أثرت في موقعها، ولا ننسي أن العوامل الطبيعية والموضعية قد تساهم في ذلك ، وقد أخذ المركز اسم ولاته بعد أن أصبحت قيادته للمحاجيب والجدير بالملاحظة أني قد اطلعت ميدانيا على أسماء العلماء الواردة في النصوص ، في مقابر ولاته الحالية ومقابر تازخت ، وحسب ما ورد في تاريخ الفتاش ونيل الابتهاج، وتاريخ السودان وفتح الشكور (مع ورود اسم بيرو، ولاتن، ولاته للمكان الذي هاجر إليه علماء تنبكتو فرارا من سني علي) الأمر الذي يسمح باستخدام كل النصوص التي وردت فيها هذه التسميات (بيرو=إيولاتن=ولاتن=ولاته) ب- نشأة ولاته وتطورها: إن الآراء متضاربة حول تاريخ نشأة ولاته ، ويذكر الطالب بوبكر بن احمد المصطفي المحجوبي في كتابه منح الرب الغفور (16) أنها بنيت قبل الإسلام، وأن يحيى الكامل جد المحاجيب (أولاد الفقيه عثمان) وصلها في القرن الثاني الهجري. وانه أخرج أهلها الوثنيين بالقهر الرباني والفتح الصمداني، فصارت ملكا له ولبنيه ويشير إلى ذلك محمد الديسفي في قصيدته الشهيرة التي أصل فيها لمختلف مكونات قبيلة المحاجيب لما زارهم في القرن التاسع للهجرة ويحيى به أحيا الإلــــــــــه بلاده وكانت على عهد المجوس ذوي الكفر فأضحت على عهد الإلــــه ودينه سواكنها وكل من كان في القــــــصر ويذكر الشيخ سيد محمد الكنتي أن فتحها تم على يد عقبة بن نافع الفهري وان ابنه العاقب تخلف فيها إلي أن توفي ودفن بصحن مسجدها ، (17) ومن المتداول عند أهل ولاته أن القبر الذي بصحن المسجد قبر تابعي ، وينقل المرواني بن الطالب عبد الله النفاع ألولاتي عن أبي الحسن الصغير من شرحه لاختصار البراد عي للمدونة، أن عقبة بن نافع هو الذي فتحها و بنى مسجدها (18)، ويشير الشاعر الولاتي محمد المختار ولد محمد يحيى لقدم هذا المسجد بقوله: وكان أبا المساجد في الصحاري مساجدها طرا له بنات بمرصــــــــــــوص البناء بناه بان له جدر عظام راســيات وأحجار وطيــــــــن مثـــــل جير كذا خشب عراض راسيات وكانت هذه المدينة تابعة لإمبراطورية غانا وعندما ما سقطت غانا بيد الصوصو هاجرت إليها الجاليات العربية التي كانت في غانا بزعامة الشيخ إسماعيل(19) وتحول إليها مركز الثقل الاقتصادي والثقافي وأصبحت فيها جاليات عربية كبيرة وصنهاجية وفي سنة 1412م كانت مدينة القوافل التجارية الأولى، وقد كانت فيها ممثليه لشركة المقري إخوان التجارية ، يقول المقري: (( ولدٌ يحي الذين أحدهم أبوبكر خمسة عقدوا الشركة بينهم فيما ملكوه أو يملكوه على السواء بينهم والاعتدال وكان ابوبكر ومحمد ...بتلمسان ، وعبد الرحمن بسجلماسة ، وعبد الواحد وعلي في إيولاتن )) (20) ويؤكد هذا الازدهار قول ابن خلدون عند كلامه عن سجلماسه حيث يقول ومنها يذهب الركاب إلي ولاتن )) (21) . وكانت تابعة لمملكة مالي بعد توسعها ، فقد أخضعها سندياتا كيتا دون قتال احتراما للعلماء المقيمين فيها(22). ومن خلال النصوص التي تحدثت عن ولاته نستطيع أن نستشف على الأقل قدمها، وأنها شهدت ازدهارا كبيرا اقتصاديا وثقافيا، الأمر الذي يجعلها في مقدمة المدن التي شاركت في التجارة الصحراوية مشاركة فعالة، وبالتالي لها ماض عريق طبعها بطابع خاص ومتميز ، إلا أن ازدهارها اعتراه الانحسار عندما وقع تحول في الطرق التجارية، فبدأت تيمبكتو تأخذ مكانتها يقول السعدي(فانتقلت العمارة شيئا فشيئا من بيرو إلى تنبكتو، فكانت عمارة تنبكتو خراب بيرو )(23) وهذا التحول في الطرق التجارية هو الذي يفسر التحول في المركز الإداري الإفريقي للمنطقة (من غانا، إلي مالي أي من يني إلى غاوه) إلا أن ولاته مع ذلك لم تمت نهائيا بل ظلت حية لوقوعها في طريق الممالح (تغازي،تاودني،تنيولك، سبخة الجل) وارتبطت بالطريق الشرقي، إذ بدأت تتصل بتنبكتو مباشرة ، ومعلوم أن هذه المدن تعيش من هذه الحركة التجارية بالدرجة الأولي ، كما أن مادة الملح تعتبر مادة ضرورية بالنسبة للسودان (24)، و بوقوعها على طريق هذه السلعة حافظت على درجة معينة من الحياة ، وإن كانت أقل من السابق. وهذا التدهور النسبي الذي عرفته المدينة ظل يزداد تدريجيا ليبلغ أوجه بعد استفحال تأثير المراكز الأوربية على الساحل، وسقوط التجارة الصحراوية لتحل محلها التجارة المحيطية (بعد تحول الثقل التجاري من البحر الأبيض إلى المحيط الأطلسي ) ، (25)وطوال هذه الفترة ظلت المدينة تشع حضاريا وثقافيا على محيطها القريب والبعيد. ثانيا: السكان ونشاطاتهم أ- السكان: شهدت ولاته استيطان مجموعات سكانية متنوعة، لموقعها المتميز كنقطة عبور إلى ذهب السودان، يقول السعدي: في إطار حديثه عن نشأة تنبكتو (وكان التسوق في بلد بيرو(ولاته) وإليه يرد الرفاق من الآفاق، وسكنه الخيار من العلماء والصالحين، وذوي الأموال من كل قبيلة ومن كل بلاد، من أهل مصر، ووجلة، وفزان، وغدامس واتوات ودرعه وتافلالت والسوس وفاس وبيط إلى غيرذلك..) (26) ونجد ذالك في شعر محمد الحسن حيث يقول: من بعد شد رحال القاصدين لها من كــل قطر و من بدو ومن حضر وهكذا تعددت أصو ل سكان ولاته(بيرو) بتعدد الوافدين إليها وبامتزاجهم مع السكان الأصليين وجد مجتمع شبه حضري وان كان تخطيط المدينة وتقسيمها وفقا للمعيار القبلي ، إلا أن مختلف القبائل التي سكنتها تشعر بنوع من الوحدة والانسجام والتكامل، الأمر الذي يضعف الولاء القبلي أمام الولاء الحضري فنجد الواحد منهم ينتسب للمدينة قبل انتسابه للقبيلة. فما هي علاقة سكان ولاته ببعضهم ؟ 1- علاقات سكان ولاته فيما بينهم : إن كل حي في ولاته يحتفظ بنظامه الخاص ، وله ناظر يمثله في مجلس أعيان المدينة الذي يتم فيه الحل و العقد مما يعطي لكل حي نصيبه من الوظائف الزمنية ، ويجتمع ممثلو الأحياء في جمعية عامة يترأسها زعيم الحي الغربي (حي المحاجيب)ويصدر المجلس القرارات المصيرية، وهي ملزمة للجميع، أما الوظائف الروحية، فكانت الإمامة حصرا للإمامات، بني اندغمحمد حتى القرن11للهجرة وبعد انتقالهم لتنبكتو أصبحت في أولاد الفقيه عثمان(27) إلى العهد القريب، والقضاء في أولاد اندعل حتى هاجروا من المدينة، فأصبحت في أولاد الفقيه عثمان (المحاجيب) ،ولم تجمع وظيفة الإمامة والقضاء في ولاته عبر تاريخها إلا لثلاثة(28): (احمد لولي، و عبد الله بن أبي بكر، والطالب بوبكر)، والأذان حصرا في آل حجيجه، والعرف والتواضع بين المتساكنين هو الذي رسخ هذا التقسيم، فوجود المدينة يتطلب تقسيم العمل ، ويفرض وجود إدارة، (( فا المدينة لم تتكون إلا نتيجة لتمركز السكان وأدوات الإنتاج والرأسمال والحاجات... هي انتقال من القبيلة إلي الدولة )) (29) . 2- نشاط السكان في ولاته يتعاطى سكان المدينة عدة أنشطة فهناك قطاع الخدمات كالتعليم والتجارة..(بالأول تنال الشهرة وبالثاني تحصل الثروة) فاشتغل بهما جل السكان ، لامع محيطهم الداخلي أو القريب ، بل مع محيطهم البعيد وبهما ازدهرت المدينة واشتهرت وتطورت وبالتالي فإننا سنتناولهما بالتفصيل دون غيرهما من الأنشطة الأخرى ،التي هي ضرورة فرضها ازدهار هذين النشاطين، كصياغة الذهب، و صناعة الجلود، وبناء القصور و زخرفتها، وصناعة الخزف، وخدمة المنازل……. - ولاته والنشاط التجاري الصحراوي: إن المدينة تقع في منطقة انتقالية بين الشمال الإفريقي والمناطق الواقعة جنوب الصحراء وقد سمح لها موقعها الجغرافي بانفتاح تجاري وحضاري كبير فبعد اندثار آوداغسط تحول إليها الثقل التجاري وازداد مركزها بعد سقوط كمبي صالح (30)، ولاشك أن ازدهار التجارة هو المسئول عن ازدهار المدينة والكل مرتبط بالمسالك التجارية. - البضائع التي كانت تتناولها التجارة : إن حركة التجارة ذات الاتجاه العمودي تهتم ببضائع خاصة ودرجة اهتمامها متفاوتة من حيث الكم الذي قد يرتبط بالقيمة .فالبضائع التي تصل إلي ولاته من الشمال الإفريقي والأندلس وغربي أوربا ، أثمانهما مرتفعة ، ومن أهمها: - الزرابي والأكسية(الأغطية) والثياب والأقمشة. - النحاس في شكل قوالب تستعمل في زخرفة السيوف والسروج وتزيين الأبواب وتدخل في صنع بعض الأدوات المنزلية ،ويأتي مصنوعا في شكل أساور وأقراط وخواتم وأواني و أباريق ، كؤوس مزخرفة وطاسات . - الحديد في شكل سيوف ومسامير وحدوات الخيل ... (31) ، - الزجاج : مرايا، وكؤوس، وأكواب، وعقود العقيق، المرجان، - القرنفل والتاسرقيمت وماء الورد ، - الفواكه المجففة مثل الزبيب والتين. - الملح :وهو أهم البضائع من حيث الكم وقيمته مرتفعة في السودان إلي درجة أنهم يتعاملون به كما نتعامل بالنقد(32)ويأتي الملح من سباخ: تغازي، وتاودني، وتنيولك الجل، وقوالب الملح متفاوتة من حيث الجودة والسمك، وبعد تجمع هذه البضائع في ولاته يصد ر أغلبها إلي بلاد السودان الواقعة جنوب ولاته وتعود القوافل من السودان محملة ببضاعته التي يصدر أغلبها إلي الشمال وأهمها الذهب : الذي قد يتناوله صائغو الذهب في ولاته بشي ء من التصنيع مثل تحويله إلي قوالب ، لان اغلبه يأتي تبرا ودون معالجة ، وتشتهر ولاته بصياغة الذهب : حتى الآن. التوابل: وبعض المنتجات الزراعية والنباتية ، والغالية ( جلود الحيوانات المسكية) . وتتجمع منتجات السودان في ولاته ليصدر اغلبها إلي الشمال ونشير إلي أن جزء منها يستهلك في المنطقة خاصة المنتجات الزراعية ، أما الباقي فتضاف إليه بعض البضائع التي تقتني من المنطقة، مثل الجلود المصنعة والصمغ العربي وريش النعام وبيضه ثم يصدر إلي الشمال ، وتتكون قافلة كبيرة الحجم (كبار) . وعادة تكون سنوية ويرافقها الحجاج الذين يذهبون لأداء الفريضة ليعودوا معها في عودتها الثانية بعد أزيد من عام ، ويأتون معهم بنفائس الكتب التي هي أغلى بضاعة . ويميل الميزان التجاري لصالح الوسطاء(الولاتيين) والشمال ، وذلك لأن السلع التي تصدر إلي السودان تباع بأثمان غالية رغم تفاهتها فيباع قالب الملح( لعديلة = 12كغ في المتوسط) ب20 مثقالا أو أكثر من الذهب الصافي (33) ، كما تباع الأغشية وغيرها من سقط المتاع بثمن لا يخطر على بال، من القرن 14 وحتى بعد القرن 17 يقول المقري ((يذهبون بخبيث السلع وباتون بالتبر والذهب ، ويأتون إليها بما يضمحل عن قريب ومنه ما يغير العوائد ويجر السفهاء إلي المفاسد )) (34). ووسيلة نقل البضائع من ولاته إلي الشمال الجمال نتيجة طول الطريق وصعوبتها وكذلك من الشمال إلى ولاته ، أما من ولاته إلي بلاد السودان فبالإضافة إلي الجمل تستخدم الحمير والثيران والخيول لقصر المسافة وعدم تصحرها. ومادام الميزان التجاري يميل لصالح المنطقة فما هي نتيجة هذه التجارة علي ولاته وعلي المنطقة ككل ؟ - نتائج هذه التجارة : ساعدت هذه التجارة على تراكم ثروات ضخمة بيد الولاتيين، لأن غالبيتهم تجارا ،فازدهرت حتى ماثلت كبريات حواضر العلم الإسلامي ونلحظ ذلك في شعر محمد الحسن حيث يقول: كأنها مصر أو فاس وقرطبـــــــــــة ** وجــــلق الشام في علم ومتجـــــر ويرى جاندفيس أن ثروة أهل ولاته أكثر مما يتصور (35)، ويعزي لابن حامدون أن هذا التراكم المالي بدأ من النصف الثاني للقرن 11م (36) إلا أننا لا نستطيع أن نحكم علي بداية تراكم هذه الثروة ، غير أن مدينة ولاته بدأت تأخذ المكانة التجارية الأولى بعد زوال أوداغست وكنبي صالح ومن هنا بدأ تراكم الثروات في ولاته ، أما النتيجة المباشرة لهذا التراكم فهي بروز طبقة من الأثرياء شكلت فئة اجتماعية جديدة تتحكم في وسائل الإنتاج نتيجة تحكمها في الثروة ، ونميل إلي وجهة نظر سمير أمين القائلة :بان تجمع هذه الثروة النقدية ، لا يمثل ظاهرة رأسمالية (37) . وقد نتج عن هذا التراكم النقدي تطور عمراني للمدينة منقطع النظير يصفه الشاعر محمد عبد الله ولد انبوي ولد الامام بقوله: قصر حوائطه حمر ظواهرها بيض البواطن لا تلفي لها مثلا قصر بشرقيه عين النخيل وبـالـــــــغربي منه جبال قد علت قللا فيه بطاح وكثبان محافلها تجلو أحاديثها الأحزان والمللا ، وظل هذا التطور بارزا حتى الوقت الراهن ، وهذا التطور المعماري الفني يميزها عن بقية المدن فهي فريدة من نوعها يصف زخرفها أحد أبناء المدينة بقوله: رأيتك والزخارف شاهــدات على جدران دورك بالبقــــــاء أصر على الخلود من الليالي وأرحب في العيون من الفضاء لحاضرك الجميل لنا دليــل على ماض تمـــــــيز بالعطــاء وربما يكون هذا الطابع الفني المتميز إثارة من حضارات قامت في الصحراء منذ ازدهار حركة التجارة بها ؟ ويتمثل هذا الطابع في شكل المباني وطرق زخرفتها مثلا الطلاء الخارجي باللون الأحمر والزخرفة في الداخل متداخلة الألوان وبعضها بنتوءات بارزة جميلة، هذا فضلا عن زخرفة الأبواب بالفضة والنحاس، وغير ذلك من الأثاث المنزلي وهناك ظاهرة أخرى مثل بناء المخازن الكبيرة والمخازن تحت الأرض بصورة لا يكتشفها الغريب ، الأمر الذي يستنج منه سعة الثراء وظاهرة الاحتكار والتخزين، وهاجس الأمن، كما أن مستوي عيش أهل المدينة تحسن للغاية ، فأصبحوا يتفننون في المأكل والملبس فصنعوا الأطباق الشهية التي لايعرفها غيرهم من سكان المنطقة كما تفننوا في زخرفة الثياب وصياغة الذهب وصناعة الخزف، وخلطات العطر الممتازة(*)..... يقول محمد عبدالله بن محمد المختار: ثيابها أحسن الثياب قاطبة وطيبها أحسن الطيب الذي طلبا وهكذا أفرز هذا التراكم النقدي طبقة من العمال المختصين بخلقه فرصا للعمل، أدت إلى ازدهار علمي وثقافي. ب- النشاط العلمي والثقافي: شهدت المدينة تطورا علميا وثقافيا كبيرا إذ تعتبر أهم مركز للإشعاع العلمي والثقافي في منطقتها، كما يشير إلى ذلك الفقيه الشاعر محمد الأمين بن سيد إب الكنتي في قوله : نعم الديار التي قد كان يقصدها *** يريد علما وآدابا وقرآنا من كل فج بنو سبل فتجمعهم *** في ظل بيت أغاريبا وإخوانا فجل علماء تنبكتو ماعدا السودانيين من أصول ولاتية (38) ، وعندما خرب سني علي تنبكتو 873 للهجرة خرجت منها قافلة تتألف من ألف جمل ، حاملة الفقهاء وكتبهم إلي موطنهم الأصلي ولاته يقول محمود كعتي في تاريخ الفتاش: لما دخل سني علي تنبكتو هرب الناس فعاد كل أحد لموطنه الأصلي فهرب أهل بيرو (ولاته) إلى بيرو(ولاته)... (39)، وانتشر إشعاعها الثقافي في كامل الإقليم، منذ القرن الثامن الهجري كما يصفها الشاعر والمؤرخ ابن حامدن : ولاتة مصر العلم والدين والهدى **** تسيل بتقوى الله منه الأباطح فإليها يرجع سند الكثير من الأعلام المشهورين: فأسانيد معظم علماء تنبكتو ترجع لاندغمحمد بن محمد بن احمد الأثري (بيت الإمامة في ولاته) فعنه أخد شيخ الجماعة بتنبكتو محمد بن محمد بن أبي بكر بغيغ، وعن محمد بن احمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن الحاج الولاتي،(40) وقد اخذ جد احمد باب التينبكتي الإجازة في الحديث على الإمام الزموري في ولاته، لما قدمها فارا من بطش سني علي، ومنها أخذ الحاج لحسن الزيدي شيخ الجماعة بتيشيت ، وكذلك العلامة سيدي محمد بن الأعمش الشنجيطي، والقاضي سمبير الأرواني، وآك السوقي، وأيد ورفق الأرواني، ، والقصري بن محمد المختار النعماوي،(41) ودرة الصحراء الشيخ سيد المختار الكنتي(42)وبمقابرها الكثير من فقهاء ودان من بينهم قاضي وادان، وبها ضريح الولي الكامل الشيخ سيداحمد البكاي الجد الجامع لقبيلة كنته. و لا يمكن حصر خريجي محاظرها، لقدمها وقدم عطائها العلمي، فقد أثرت في محيطها القريب والبعيد، وشاع العلم بين مختلف مكونات سكانها وطبقاتهم. فخرجت محاظرها، الآلاف من طلبة العلم وحامليه وانتشروا في الأصقاع حاملين اسم ولاتة ورايتها العلمية أين ما حلوا وارتحلوا ...ولاغرو فهم حسب وصف الشاعر سيد احمد ولد حمادي: العلم مطعمهم والزهد ملبسهم والجود مركبهم وفيهـــــــم نقبا أعني المحاجيب والأقلال واليلبي والبرتلي ونسل داود الأدبــــــــا آباؤهم قد بنو ا لدين خالقــــــنا قصرا مشيدا بتقوى الله منتصــبا سل الحجاز وأرض العرب قاطبة عن شأنه سترى من حسنه العجبا ومما يدل على شيوع العلم وانتشاره ما تذكره كتب التراجم والسير من نوادر الحفظ والقراءة مما لم تعهده محاظر الشرق الإسلامي ولا غربه كحفظ الصحيحين مثلا أو حفظ مقامات الحريري وما شابه ذلك من الأمور ، والتطلع الفائق وسعة الإطلاع يقول أحدهم : لو علمت أن هناك عقيدة في علم الكلام لا أعرفها وفي مصر من يعلمها لرحلت إليه . وكما خرجت محاظر ولاتة الكثير من العلماء، ظهرت فيها المؤلفات التي لا تحصى و لا تعد في مختلف الفنون : ففي مجال اللغة وعلومها : كانت لولاتة مميزات خاصة عن المحظرة الموريتانية ، حيث بدأ الاهتمام بالنحو وشرح متونه من القرن التاسع فشرح اند عبد الله بن سيد احمد (ت936 للهجرة) الآجرومية،(43)،وشرح الطالب بركه اليونسي ألفية ابن مالك في القرن11، وكانت المحظرة الولاتية تدرس إلى جانب ألفية ابن مالك ألفية السيوطي في النحو (الفريدة) ولعلمائها عليها شروح كشرح الفريدة لمحمد بن علي بن الطالب ببكر بن علي بن الشيخ المحجوبي ت 1137 هـ والغنيمة العتيدة في حل ألفاظ الفريدة لإنبوي بن الإمام وشرح الفريدة لإنبوي بن باب أحمد المحجوبي المتوفى 1277 هـ وشرح الفريدة للعلامة الفقيه محمد يحي الولاتي ، ولم يفتها إحمرار ابن بون حيث توالت عليه تآليف الولاتيين كشرح حند بن سيد أحمد بن حندي البرتلي المتوفى 1286 هـ ، وشرح محمد عبد الله بن أحمد إنباب المحجوبي ت 1290 هـ ، ونظم كتب النحو كنظم مغني اللبيب لسيد أحمد بن محمد بن أبي قف المحجوبي ووضعت شروح في النحو لمؤلفات ولاتيين أنفسهم كنحو اليوم والشهر والمنحة الربانية وجمانة الإعراب والعقيلة البهية ، وكانت شروح الولاتيين لمؤلفات النحو مدار التدريس في المحظرة فلذا قل أن يخلو بيت من بيوت العلم من شرح عمر الملقب إنبوي بن الإمام لألفية بن مالك المعروف بعمدة السالك وكان للصرف نصيبه من الدرس والتأليف فتعددت شروح اللامية، ووضعت مؤلفات في التصريف مستقلة ، ووضعت شروح للكثير من جيد الشعر العربي، من مطلع القرن 11 للهجرة، وشرح بعض الولاتيين دواوينهم الشعرية أو قصائد منها كما فعل إنبوي بن الإمام في شرح ديوانه المنائح الصمدية في المدائح النبوية و بشرحه اللوائح السعدية، وروضة الاستئناس على قصيدة نزهة الجلاس . وفي الفقه : وضع الشيخ أيد احمد التازختي (الولاتي) المتوفى 936 للهجرة تلميذ الشيخ السنهوري شرحين لخليل، وشرح الجلاب وابن عساكر، وجمع الجوامع للسبكي.. (44) وفي الأقضية : شرحت لامية الزقاق، والعاصمية وفي الأصول والقواعد : نظمت قواعد مذهب الإمام مالك، وذاع بين المشرق والمغرب صيت شرحها على يد العلامة الفقيه محمد يحي الولاتي، الذي ألف أيضا نيل السول على مرتقى الأصول، وفتح الودود على مراقي السعود، و البحر الطامي ذو اللجج على بستان فكر المنهج . كما شرحت أمهات كتب الفقه وفي مقدمتها شرح المدونة للطالب أبو بكر بن محمد بن الحاج أحمد المحجوبي ت 1208 هـ ، وتداولت الشروح خليلا بالمطولات والمختصرات لعل أشهرها : فتح الجليل على مختصر خليل للقصري بن محمد المختار بن القصري اليلبي ت 1235 هـ ، والتيسير والتسهيل على مختصر خليل لعبد المالك بن النفاع الداودي ت 1265 هـ المعروف بحاشية عبد المالك ، كما طالت رسالة إبن أبي زيد الشروح على مر القرون من قبل العلماء الولاتيين وتصدر هذه الشروح شرح الطالب الأمين بن الطالب الحبيب الحرشي ت 1166 هـ الذي يقول المترجمون إن الطلبة انتفعوا به كثيرا وشرحا سيدي عثمان بن عمر اليونسي اللذين ظلا مدار التدريس في ولاتة وطبع أحدهما في المغرب وهما : معين التلاميذ على رسالة ابن أبي زيد وفتح العلي المالك في تيسير باكورة مذهب الإمام مالك ، وشواهد الطالب بن أباتن (ت 1398هـ ) على رسالة إبن أبي زيد وفي فقه المذاهب ألف العلامة إنبوي بن باب أحمد رائعته المعروفة ببلوغ الغاية في المعتنى به من علوم الدراية في 5555 بيتا في إختلاف الأئمة ومذاهبهم . ونالت مجاميع الفتاوي الولاتية الصدارة وفي مقدمتها مجموع محمد بن علي بن الطالب أبو بكر بن علي بن الشيخ المحجوبي المتوفى 1137 هـ ومجموع اند عبد الله بن أحمد بن اند عبد الله بن الشيخ المحجوبي ت 1172 هـ ومجموع الطالب البشير بن الحاج الهادي اليلبي ت 1197 هـ ومجموع الطالب أبو بكر بن محمد بن الحاج أحمد بن اند عبد الله المحجوبي ت 1208 هـ ومجموع محمد بن الطالب عبد الرحمن بن أحمد الولي المحجوبي ت 1212 هـ ونوازل القصري بن محمد المختار اليلبي ت 1235 هـ ونوازل إنبوي بن الإمام المتوفى 1260 هـ ونوازل إنبوي بن باب أحمد المتوفى 1277 هـ ونوازل عثمان بن أحمد بن الحاج أعمر اليونسي ت 1287 هـ ومجاميع العلامتين محمد المختار بن محمد يحي الولاتي ومحمد يحي بن سليمه .وفي الحديث: شرح الإمام الزموري في القرن التاسع الهجري الشفا للقاضي عياض(كشف اللبس و الخفا عن ألفاظ الشفا)، وشرح اندعبد الله الأربعين النووية، وألف محمد يحيى الولاتي: حاشية على البخاري، و لآهل ولاته تقليد معروف في تدريس الحديث، وفي علوم القرآن:شرح الطالب عبد الله الدرر اللوامع،وألف اب بن ان منظومة في غريب القرآن تربو على 3000 بيت. وفي التاريخ: ألف باب كوري وهو من أهل القرن الثامن كتاب: الدرر الحسان في تاريخ السودان ، الذي اعتمد عليه محمود كعتي والسعدي في كتابيهما، الفتاش، وتاريخ السودان، وألف محمد عبد الله بن القاضي بن محمد بن عبد الله بن علي بن الشيخ المحجوبي ت 1220 هـ : تاريخ علماء تنبكت وألف الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي كتاب فتح الشكور، وكمله الطالب أبوبكر بكتابه منح الرب الغفور، فضلا عن كتب المناقب والسير كمناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني لمحمد عبد الله بن القاضي بن محمد بن عبد الله بن علي بن الشيخ المحجوبي ت 1220 هـ ، وتآليف الأنساب كنسب الشرفاء للطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي صاحب فتح الشكور ، علاوة على مدونة الحوليات الولاتية المعروفة ، وكتب الرحلات ومنها رحلة الحاج علي بن محمدنا لله بن الطالب جبريل البرتلي ت 1094 هـ ، والحاج البشير بن الطالب الهدي والحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي ت 1214 هـ وشيخنا محمدي بن سيدي عثمان وبلغت قمتها وغايتها في الرحلة الحجازية للعلامة محمد يحي الولاتي . الشعر: ظهر الشعر في وقت مبكر، ويعتبر العديد من الباحثين أن ريادة الشعر في البلاد كانت لولاتة ويدل على ذلك : تعدد الوصف بالشاعر في كتب التراجم وإن لم تصلنا بعض أشعار المترجم لهم ، تناثر القطع الشعرية وخاصة المراثي منها في سير التراجم ، تسلسل بيوتات الشعر في ولاتة كآل اندول المحجوبي , وآل الإمام عمر مم المحجوبي وآل الطالب عبد الله النفاع بن أحمد حاج الداودي وآل الحاج أعمر اليونسي وغيرهم الكثير . وفي الأدب : ألف الإمام أبو بكر بن محمد اسر بن الشيخ عبد الله بن أحمد لعويد المحجوبي كتاب : اللفائف ،وقرظه إبنه بقوله : أتاح إلهي جم فضل وسؤدد *** لناشر عرف المسك والند في الند لفائف تغشانا أصيلا وكلها *** مخبأة حفت بمدح محمد لفائف تنشيط لقارِ ومنصت بها الوعظ والتأنيس في خير مشهد(46) وألف بيات بن الإمام سيدي عثمان بن الإمام محمد عبد الله بن الإمام عمر مم ت 1269 هـ أطروبة الفتيان وأعجوبة الزمان وهو تأليف في الأدب وأخبار كرام العرب الأول وأيامهم وأشعارهم ، وله تأليف في الأدب والكرم والشجاعة . وقد استمر سيل التأليف في شتى المجالات ليبلغ ذروته على يد المتأخرين من علماء المدينة، مثل : سيداحمد بن احمد أبي كفة، وعمر الملقب انبوي بن الامام، والطالب ألمين بن الطالب لحبيب ، والطالب ولد اباتن وعمر اسر، و اعمر بن سيداتي، وعبد الله بن الحاج الرقيق، وعثمان بن الحاج اعمر، وانبوي ولد باب احمد ومحمد يحيى بن محمد المختار الولاتي، ومحمد يحيى بن سليمه، واب بن ان........ وقد ساعد المدينة على هذا الازدهار العلمي والثقافي حركتها التجارية النشطة التي تعتمد علي المسالك الصحراوية، و إذا تعرضت هذه الحركة لشيء من التذبذب فان ذلك يؤثر علي المدينة وهنا يصبح واضحا ضعف المدينة بعد تحول الطريق الرئيسي عنها واختلال الأمن بطريقها وتأثير المراكز الأوربية علي التجارة الصحراوية عموما .إلا أن المدينة لا تعيش على الحركة التجارية وحدها، لأن التجارة وحدها لا تكفي لتموين المدن إلا بصفة استثنائية وجزئية، فريفها يرفد ها بالحد الأدنى من المواد الغذائية (47)، فما هي علاقة سكان الريف بسكان ولاته ؟ ج- علاقة سكان الريف بسكان ولاته إن العلاقة بين سكان الريف والولاتيين تتميز بمظهرين متناقضين التكامل والتلاحم الاقتصادي من جهة، والصراع والتناقض من جهة أخرى - الصراع والتناقض : إن أساس هذا الصراع بين سكان ولاته وسكان الريف ناتج عن تقسيم العمل وانعكاس ذلك على الجانب السياسي والفكري بين المدينة والريف وقتما انفصلا عن بعضهما ، وهذا الصراع بين ولاته والريف يتسم بطابع الاستمرارية فطورا يكون حادا عند ما تبلغ التناقضات حدتها ، ويتجلى ذلك في السلب والنهب و الإغارة على المدينة وممتلكات أهلها (48)،ويتضح ذلك من استغاثة أبي بكر بن محمد اسر المحجوبي ببكار ولد احمد لمبرح الناصري بكار يابكار يابكــــــار كررت لو ينفعني التكرا ر أنت خفيرنا ونحن عار أن ابن عمك لنا ضــرار للشاء في ديارنا يعار وبقراتنا لهاخـــــــــــوار والناس لايقر ها قرار من خوفه وحبس التجار ونحن جار الله والجبار إن سيم خسفا جاره يغار وقول اند عبد الله إلهي تولى رعايتنا أناسا أرادوا إذايتنا ولاتدخلنهم ولاتتنا ومنهم فقدر وقايتنا وطورا يكون غير حاد فلا تتضح مظاهره بشكل جلي مع بقائها . - التكامل والتلاحم : إن الريف يمد المدينة ( ولاته) بكثير من المنتجات الحيوانية ، والصمغ العربي ويمدها بالعناصر البشرية فقد شهدت مدينة ولاته هجرة دائمة من الريف المجاور لها مثل هجرة اليلبين ( أولاد الزحاف) القلاقمة 1070 ، وهجرة لبرابيش ، وسكن أولاد بوفايدة لها بعد حرب كساري ، وما سكنى أولاد يونس وأولاد علوش قبل ذلك لها إلا من هذا القبيل (49) ومما يساعد علي هجرة الريفيين إلي المدينة : الثراء الذي يدفع الريفيين إلى التحضر . وقد ذكر صالح بن عبد الوهاب أثرياء في ولاته من أولاد يونس وعلوش (50) ثم إن الإشعاع الثقافي يمثل عامل جذب لسكان الريف فقد كانت ولاته جامعة يلجا إليها سكان الريف للنهل من منا بعها الثقافية ثم إن الريف هو الذي يوفر الحماية للمدينة وتجارتها مقابل مكوس، أو للحصول على السمعة المعنوية، حيث يعتبر حامي ولاته صاحب النفوذ الأقوى في المنطقة. ويشارك سكان الريف في التجارة الصحراوية في شكل مساهمين و أدلاء و مستخدمين ثم إن الدواب التي تمثل وسيلة النقل التجاري تعيش أساسا في الريف ، ولذا فان الريفيين يقومون برعايتها وحمايتها ، إذا كانت ملكا لأهل المدينة ، ويبدوا أن تأثر سكان الريف بالحركة التجارية كان ايجابيا ثم إن المدينة تمد سكان الريف بكثير من البضائع الاستهلاكية التي تستوردها... في الوقت الذي تلعب فيه دور تجميع منتجات الريف وتوزيعها ، إذ تلعب دور الوسيط في التبادل بين مختلف جهات الريف . وقد ساعد هذا التكامل والتلاحم الاقتصادي علي بقاء المدينة رغم اختفاء دورها الكبير الأول. ثالثا:ولاته وتحديات الواقع: لقد تراجع دور المدينة الاقتصادي بعد اختفاء التجارة الصحراوية خاصة بعد خضوع المدينة للاستعمار الفرنسي، وأصبح دورها مقتصرا على توزيع السلع الاستهلاكية على محيطها القريب، فهجرها العديد من سكانها ، ويصف ذلك أحد شعرائها بقوله: هذي ولاتــة أضحى اليوم ساكنهـــا بنسبة الأمس منها نسبة العشــــــر أصحت يبابا وأمسى أهلها ارتحلـــوا إذ صار قضاتها من معشر الوبــــــر وتراجع دورها الثقافي لينحصر أولا في محيطها القريب، وليتراجع أكثر بظهور الدولة العصرية وتوجه الناس للمدارس النظامية ، وقد نبه محمد المختار بن محمد يحيى لتراجع العلم وظهور البدع: بقصيدة رائعة مطلعها : يا أهل ولاته قد آذنت بـــــــــدع من أنها منكم تنبهوا ودعـــــــــوا عار إذا ظهرت في الناس مفسدة في الدين من بلد للدين يتبـــع أين المفر لأمة النبــــــي إذا من الكدى جاءها الصراخ والفزع ورغم هذا كله ظل مسجد ولاته (*)محافظا على عطائه العلمي، من تدريس للحديث، وتفسير للقرآن، وتنظيم حلقات مدح الرسول وقراءة سيرته (ص) ،وفق برنامج زمني مضبوظ على مدار العام لدرجة أن العامة يعرفون اليوم الذي يختم فيه كل كتاب، فيحضرون لدعاء ختمته،وهذا الدور التعليمي المنظم(51) يشكل نموذجا نادرا يمكن الاستئناس به في تفعيل دور المساجد، إلا أن هذا العطاء بدأ يخبو لكساد بضاعة العلم، وانعدام فرص العمل في المدينة، فهل يمكن لولاته أن تستعيد دورها الثقافي والعلمي؟ رابعا:ولاته والتطلع للمستقبل في السنوات الأخيرة وبإرادة من الدولة وتدخل بعض الشركاء، تمكنت ولاته من استعادة بعض المهن الحرفية التي كانت تتميز بها كنمط البناء وزخرفة المنازل، وتطريز الثياب، وتزيين الأبواب، وصناعة الفخار، وبعض الصناعات التقليدية الأخرى، وزارعة الغلال والخضراوات، ورممت أجزاء من حييها القديم وفتحت مجاري صرف مياه الأمطار، وتم ترميم بعض المخطوطات وفهرستها، وجمعت تحف أثرية ووضعت في متاحف، وعلى العموم أنجزت أعمال مهمة، ساعدت على تنشيط المدينة فأصبحت تنتج نماذج من التحف التقليدية شكلت سلعا مدرة للدخل يقبل عليه السائحون،لكن التراجع الملحوظ للسياحة عامة وعدم تنظيم رحلات سياحية معتبرة للمدينة أصلا، حدت من الأثر الإيجابي الذي أحدثته هذه الأنشطة، وظل التراجع العلمي للمدينة مطردا لانعدام استيراتيجية متكاملة للجهات الحكومية المختصة، وعجز- إن لم أقل عدم قدرة - سكان المدينة على وضع استيراتيجية تحقق ذلك، ألا تستحق هذه المدينة ونظيراتها، أن تفتح بها معاهد علمية متخصصة (معهد للقرآن وعلومه،معهد للحديث وعلومه،معهد لأصول الفقه وقواعده،معهد للفكر والحضارة الإسلامية..)؟ ألا يمكن أن يعيد شيء كهذا لهذه المدن بعضا من تألقها؟ ويعيد لبلادنا دورها الريادي في هذه العلوم؟ ألا تستحق إقامة مشاريع تتبنى توظيف التراث الثقافي لهذه المدن لتحقيق التنمية فيها؟ومشاريع أخرى مدرة للدخل تعمل على تثبيت سكانها؟ وأردد هنا قبل الختام معكم قول الشاعر الفقيه الأديب محمد الأمين بن سيد إب الكنتي : ولاتة تنادي بالغياث ولا يرى ***لنصرتها زيد يقوم ولا عمر كأني بها تعنى بقولة شاعر *** قديم ولم يعهد لقائلها ذكر فما عرف الأقوام مقدار حقها *** ولكن ثناهم أن مسلكها وعر كذا يترك الحسناء من بات مغرما *** بها مستهاما ليس يمكنه المهر طبعا الشاعر القديم المقصود هو ابن هشام في قوله في ألفية ابن مالك : أتيت بشيء باذخ يابن مالك *** فأنت به حي وإن ضمك القبر فما عرف الأقوام مقدار حقها )))) الهوامش 1. إبن بطوط : الرحلة ص:286 ، 2. المقري نفخ الطيب ج 7 ص : 220 ، 3. ابن خلدون ج 7ص117: 4. ابن الحاج المتوكل (محمود كعتي): تاريخ الفتاش ص 29 5. التنبكتي احمد ياب: نيل الابتهاج ص 29 6. السعدي : تاريخ السودان ص: 30 7. التنبكتي احمد ياب: نيل الابتهاج ص 30 8. السعدي : تاريخ السودان ص ص 21-38 9. التنبكتي احمد ياب: نيل الابتهاج 10. الطالب محمد ابن أبي بكر الصديق البرتلي فتح الشكور: ص ص: 28- 45 11. الكنتي الشيخ سيد محمد : الرسالة القلاوية (مخطوط) 12. صالح بن عبد الوهاب: الحسوة البيسانية في الأنساب الحسانية( مخطوط) ، 13. محمد ابن أبي بكر الصديق البرتلي فتح الشكور: ص 38 14. السعدي : تاريخ السودان ص28 15. إبراهيم علي طرخان دولة غانا ص: 99 16. الطالب محمد ابن أبي بكر الصديق البرتلي فتح الشكور: ص 25 17. الكنتي الشيخ سيد محمد : الرسالة القلاوية (مخطوط) 18. المرواني بن سيد محمد الولاتي بحث في تاريخ ولاتة (مخطوط) 19. إبراهيم علي طرخان دولة غانا ص: 99 20. المقري نفخ الطيب ج 7 ص : 222 ، 21. المقري نفخ الطيب ج 7 ص : 222 22. إبراهيم علي طرخان دولة غانا ص: 98 23. محمد الغربي الحكم المغربي في السودان الغربي ص. 46 ، 24. الممالح الصحراوية (وثيقة بالفرنسية مصورة: م.م. ب.ع) ، جان دفيس: طرق التبادل التجاري بين افريقية الغربية والبحر المتوسط بالفرنسية 25. محمد الغربي الحكم المغربي في السودان الغربي ص. 43 26. السعدي : تاريخ السودان ص:20 27. الطالب محمد ابن أبي بكر الصديق البرتلي فتح الشكور: ص:171 28. الطالب محمد ابن أبي بكر الصديق البرتلي فتح الشكور: ص 54 29. كارل ماركس : المادية التاريخية ص 33 ،(إن استيطان القبائل البدوية للمدينة يربطها بمجتمع أوسع من القبيلة وأقرب إلى الدولة بأنشطته وعلاقاته الأمر الذي يبرر إيراد هذا المفهوم نسبيا ) 30. ابراهيم علي طرخان دولة مالى الاسلامية ص 32 31. صالح المنجد: دولة مالي عند الجغرافيين المسلمين ص ص: 46- 50 32. ابن بطوطة: تجفة النظار ص : 217 33. جان دفيس: طرق التبادل التجاري بين افريقية الغربية والبحر المتوسط بالفرنسية صصك 32،31 34. المقري نفخ الطيب ج 7 ص : 222 35. جان دفيس: طرق التبادل التجاري بين افريقية الغربية والبحر المتوسط بالفرنسية 36. ابن حامد : الموسوعة الجزء السياسي 37. سمير أمين : الأمة العربية (بالفرنسية ص 132 131 ) 38. السعدي تاريخ السودان ص ص :21، 23، 25، 38 ، 65 39. محمود كعتي تاريخ الفتاش ص: 20 40. البرتلي : محمد : فتح الشكور ص : 47 41. البرتلي : فتح الشكور ص :77 42. البرتلي (السابق ) ص :77 43. الشيخ سيد محمد الكنتي: الطرائف والتلائد (مخطوط) 44. البرتلي : فتح الشكور ص :87 وص:171 45. التنبكتي احمد ياب: نيل الابتهاج ص:587 46. الطالب بوبكر: منح الرب الغفور فيما أهمل صاحب فتح الشكور 41 47. الجنحاني : ( الحبيب) المغرب الاسلامي ص : 41 48. تاريخ ولاته (مخطوط) 49. صالح بن عبد الوهاب: الحسوة البيسانية (مخطوط) 50. صالح بن عبد الوهاب: الحسوة البيسانية (مخطوط) 51. سيداتي ولد بابيه: ولاته من الحاضر إلى الماضي، تاريخ ولاته، منح الرب الغفور (مخطوط)
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|