|
المنتدى التاريخي منتدى يهتم بتاريخ إقليم أزواد . |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الذاكرة المرابطية: ماذا بقي منها وكيف؟
الذاكرة المرابطية: ماذا بقي منها وكيف؟ قبائل إدوعيش، تندغة، تجكانت، متونة، مسومة، مشظوف، ابدوكل ناصر ادين اللمتوني قارن يداي عرب انقاب عكس ديمان: مغراوة واليوم تنتشر قبائل تندغة: حلة أربعين جوادا عى اشريط الممتد من جنوب شرقي بوتيليميت إى آفطوط، إيشكانن، والباقي الركاكنة المثلوثة ركاكنة انديج ادكبال وصثميم تندغة ينتسب لعمر بن تاشفين وهي المجموعة اعائدة أما المجموعة التي حمت الإسم القديم فانقرضت أو ذهبت أيدي سبا أو اندمجت في امجموعات المتونية تقص الرواية شبه المُجْمع عليها، أنّ أوّليّة المرابطين تعود إلى حجة زعيم صنهاجة يحيى بن إبراهيم بن ترجوت اللمتوني[1]، وليس الكدالي كما هو شائع، حيث عرج في مَقْفله من حجّه، على القيروان، وفيها لقيَّ شيخ المالكية أبا عمران الفاسي (ت 430 هـ/1039م) وقد طلب اللمتوني من الفاسيِّ أنْ يُرسل معه أحد تلاميذه، ليعلم قومه في الصحراء واجباتهم الدينية التي كانوا يجهلونها، ولما لم يجد الفاسي تلميذا يقبل تحمل مشاق الرحلة وصعوبة العيش في الصحراء، فقد نصح اللمتوني بأن يمر بتلميذ آخر للفاسي هو واجاج بن زلوي اللمطي المقيم في ملكوس في السوس، وقد وجد اللمتوني بغيته هناك، حيث أصحبه وجاج تلميذه عبد الله إبن ياسين والذي أبدى حماسا للرحلة وأهدافها. وبالرغم من بعض المصاعب التي لقيها الداعية الجديد، وهو أمر مفهوم، فإن مسار الدعوة أفضى إلى تطور الدعوة بسرعة من دعوة إصلاحية إلى حركة جهادية، اندفعت شمالا محطمة سيطرة زناتة ومنهية سيطرة " الجيوب البدعية" ( من مختلف أصحاب الفرق والدعوات المنحرفة ) ثم كرت جنوبا لتدك آودغست على سكانها دكا عقابا لهم على قبولهم سلطان ملك غانة الوثني، ثم استمر مسار الحركة لتصبح دولة قائمة بين مراكش والصحراء في سياق معروف. وليس من التاريخية في شيئ نسبة تأسيس المرابطين إلى ؤُ كاك بن زلو اللمطي، لأن دوره كان مقتصرا على التعليم والإرشاد. ويمكن، تلخيص كرونولوجيا الحركة في التواريخ التقريبية التالية: 1. مرحلة الدعوة الأولى لابن ياسين بين صفوف كدالة 430-445هـ وانتهت بطرده. وفي هذه المرحلة أسس مدينة "أَرْتَنَنِّي" في شمالي بلاد الحوض الحالية [شرقي موريتانيا] وكان بناؤها تجسيدا لروح الدعوة الجديدة القائمة على المساواة حيث أمر ابن ياسين أصحابه "أنْ لايشفَّ بناؤها على بعض" بحيث تكون بيوتها متساوية في الشكل والمضمون. 2. غزو وادي درعة وما والاه حدود سنة 445-446هـ. 3. الهجوم على سجلماسة 446هـ 4. الهجوم على أوداغست وتخريبها سنة 446هـ. 5. حصار كدالة لآزوكي واستشهاد يحي بن عمر و"لابَى إبن وارجابي" أمير تكرور 448هـ/1056م. 6. غزو أغمات وبلاد المصامدة سنة 449هـ. 7. إخضاع بلاد الصحراء والمغرب كليا 450-451هـ 8. وفاة عبد الله بن ياسين سنة 451هـ. 9. بناء مراكش 463هـ 10.تخلي أبو بكر بن عمر عن حكم المغرب ليوسف سنة 465هـ مع بقائه قائدا للحركة وأميرا للدولة.. 11.فتح فاس على يد يوسف سنة 468هـ 12.فتح وهران وتلمسان في 475هـ 13.استشهاد أبو بكر بن عمر اللمتوني سنة 468هـ 14.وفاة ابراهيم بن أبي بكر بن عمر سنة 480هـ 15.وفاة أبي بكر محمد بن الحسن الحضرمي المرادي قاضي قضاة المرابطين في صحراء الملثمين"موريتانيا" سنة 489هـ. واستمرت الحملات المرابطية حسب التطور المعروف في المصادر الوسيطة حتى انهيار الدولة في المغرب والأندلس. لكن المعارك المرابطية الكبرى في صحراء الملثمين لم تحظ بمعالجة كافية بل لعلها أُهملت تماما. ومن أشهرها معركة الجبل سنة، وهو جبل آدْرَارْ الحالي [ شمال غربي موريتانيا] وقد دارت فيه معارك طاحنة استمرت عدة أيام انتصرت فيها قبائل صنهاجة فسماها الداعية عبد الله ابن ياسين بالمرابطين وكان ذلك أول ذكر لكلمة مرابطين في تاريخ الحركة. أما الْبَافُورْ فهم في الحقيقة مجموعة من البافار من القبائل الليبية التي قدمت في تلك الحقبة وعمرت آدْرَارْ وأعطت اسمها للجبل فسمي: آدْرَارْ أنْ بافور أي: جبل الْبَافُورْ، وظلت التسمية مستخدمة إلى أيام البرتغاليين!. ويدل ذلك على الحضور القديم للبافور في الجبل وكونهم من قبائل بربر الصحراء لكن اسمهم خفت لأسباب لا نعرفها، ثم ظهر من جديد كما ظهر اسم الأنباط بعد المرابطين بقرون، وكان اختفى إبان فتوحاتهم، رغم ذكره في المصادر الجغرافية العربية في القرون الثالث والرابع الهجريان باسم أنبيت أنبيتا... وقد ذهبت الذاكرة المحلية المشوشة والمولعة بالأسطورة إلى أن جماعـات الْبَافُورْ والجارمنت هم من اليهود والمسيحيين بل ومن البرتغاليين والإسبان الذين جاؤوا للمنطقة في النصف الثاني من القرن 15م. والحق أن سبب تلك الأسطورة هو ما علق في الذاكرة المحلية من شيوع التديُّن اليهودي و المسيحي البسيط مع الدين الإسلامي الخوارجي بين تلك القبائل، ووجود ظاهرة أكل لحوم الكلاب بينها، مما جعل السكان المحليين يتحدثون عن" مدينة الكلاب" وأسطورة " الفتح الحضرمي" للمدينة...وكله خليط متنافر متناقض تاريخيا ولا أصل له. نهاية دولة المرابطين ( 543هـ/1148م) الأولى: لا نعرف بالتدقيق ظروف نهاية سلطة المرابطين الموحدة في الصحراء، لكننا نملك بعض الإشارات المفيدة. بعد الخلاف بين أبي بكر ويوسف بشأن ملك المغرب، انقسمت الدولة إلى شطرين: شمالي يملكه يوسف، وجنوبي يحكمه أبوبكر. ولم يبق في ذاكرة أهل الصحراء من سكان موريتانيا اليوم إلا حدث رجوع هذا الأمير المرابطي نحو الصحراء، بل إن الرواية الشفهية غلب عليها عنصر المبالغة كالعادة واعتبرت أبابكر بن عمر اللمتوني فاتحا للصحراء قادما من الشمال، وقد يكون لذلك التصور مسوغه لأهمية فتوحات الرجل مقفله من المغرب. كما ظل عالقا بالذاكرة المحلية حدث رجوع "محلّة بوبَكّر بن عامر" في الإصطلاح الشعبي وكونها أصل كل الإمارات اللمتونية التي نشأت في الصحراء بعد نهاية الدولة المرابطية. ويذكر ابن عذاري[2] أن لأبي بكر ابنين هما: إبراهيم ويحي. وأن إبراهيم "لم تُعْرف أمه وكان أسود الجلدة" فلعله عُرف بالتكروري نسبة لأمه.وجاء في راوية مهمة أوردها ليون الإفريقي[3] أن أسلاف مملكة مالي أسلموافي عهد أبي بكر بن عمر ويسميه ليون خطأ عم ليوسف ملك مراكش، وجاء في صفحة أخرى ذكر تزويج ابي بكر ابنته من عاهل المندانغ "كانجابا" الذي أسلم على يديه. ويقول ابن خلدون[4]:" وبقي من أقام بالصحراء منهم على حالهم الأول من افتراق الكلمة واختلاف البين وهم الآن يعطون طاعة لملوك السودان يجبون إليهم خراجهم وينفرون في معسكرهم ..". والظاهر أن من يقصدهم ابن خلدون هم قبائل مسُّوفة وإخوانهم من التوارق الذين دخلوا في ظل مملكة مالي فوريثتها جزئيا مملكة سنغاي، وصارت تلك القبائل تقوم بدور يشاكل دور قبائل المخزن في المغرب. والدليل على ذلك أن ابن خلدون كان على اطلاع على أحوال الجانب الشرقي من بلاد اللثام المصاقب لبلاد السودان وكان بمكُنْتَهْ الحصول على أخبار تلك الجهة لوجوده في بلاطات الدويلات المرينية والحفصية في المغرب والتي اتصلت بينها السفارت مع ممالك السودان فضلا عن نهضة الطريق الشرقي الرابط بين السوادن والمغرب الأدني "إفريقية" والأوسط عبر اتوات التي تصعد منها فروع الطرق نحو تلمسان وإفريقية وغيرها من أمصار الشمال. أما الطريق الغربية المارة من شرقي موريتانيا صاعدة عبر آدْرَارْ في اتجاه وادي درعة فقد تدهورت لصالح الطرق الشرقية الأنفة، بعد انهيار دولة المرابطين وظهور عرب المعقل على محور تافيلالت ـ السوس ولذلك فقد صمتت المصادر عن القطاع الغربي من بلاد صنهاجة الصحراء الذي يشمل ما بين درعة والساقية الحمراء إلى تخوم آدْرَارْ. ويقول محمد امبارك اللمتوني ت1290هـ أنه بعد موت أبي بكر بويع ابنه محمد ثم عزل فبويع الخظير بن يوسف لمدة أربعين سنة وبعد موت الخظير بويع ابن ابنه عتبة فحكم الصحراء ستين سنة ثم خلفه ابنه بشار فحكم لمدة ثلاثين سنة ثم خلف هذا ابنه الملقب أنَهْ وبعده بويع محمد البنبري اللمتوني فملك عشرين سنة ولكنه تنازل بعد فشله في حروب داخلية، فانقسمت الدولة بين أربعة رجال هم: بيلكه، أحمد بن محمد، أعمر بن بادي البنبري، المرابط أشفغا الهاشمي العلوي الحسني حفيد لمتونة، وهذه الأسماء الأخيرة موجودة في أسماء أسلاف قبيلة لمتونة الحالية". لكن هذا الإنقسام للدولة المرابطية في الصحراء كان في سياق تشكل الإمارات اللمتونية الأربع التي سيعصف بها بنوا حسّان في القرن الثامن الهجري في سياق يأتي ذكره. ولعل الصلة بين محمد بن يحي بن عمر والمرادي تفسر خطاب التعليم للأمراء الوارد في كتاب "الإشارة إلى أدب الإمارة" الذي كان الهدف منه تعليم صغار أمراء المرابطين أصول السياسة وطرق الحكم. وفي الشمال استمرت الدولة في ظل يوسف وأبنائه لكن الصلة مع الجناح الصحراوي سرعان ما اتصلت بقوة مع وجود ولاة على الصحراء من قبل ملوك مراكش. وتدل إشارة محمد امبارك اللمتوني على أن ذرية يوسف بن تاشفين حكمت الصحراء على النحو المشار إليه في الفتوى، أو يكون الأمر متصلا برجوع التاشفينيين وومن معهم من لمتونة ومسُّوفة نحو توات حسب ما مر بنا في النص الآنف. أنزل الموحدون ضربات موجعة بالمرابطين في تلمسان ووهران، مما أدى لى شيوع جو من التشاؤم في صفوف المرابطين جعلت العديد منهم ينحاز إلى الموحدين أو يفر بجلده. فرّ أولا عبد الله بن ونكي "الذي قصد المغرب الأقصى"؟ وبعده بيوم واحد تبعه الشيخ "أنجمار"[ أصل الإسم : أنكمار بالكاف المعقودة: الصيّاد] الذي قصد الصحراء وربما أقام بـ"تنْ أنجمارة" التي نُسبت إليه. والظاهر أنه هو مؤسس الفرع المعروف بـ أنجامرة" من المجموعة اللمتونية الصحراوية "تندغ" التي تشكلت بعد سقوط دولة المرابطين في الشمال. بدأ حصار مراكش في فاتح محرم 541هـ/13 يونيو 1146م وحاول المرابطون الصمود بقوات تصل 5500 فارس إلا أن جيش الموحدين باغتهم ساعة الفجر وطاردهم إلى أقصى المدينة واستحرّ القتل في صفوفهم ولم تفلح في مساعدتهم قوات لمطة التي وصلت وأمرها القائد المرابطي بالدخول مباشرة في المعركة، إذ نكل بها الموحدون وغنموا منها عددا من الجمال.[5] وقد تمكن الجوع من المرابطين المُحاصرين في مراكش مع كل من التجأ إليها فرارا من المطاردة في الجهات الأخرى.ورغم ضحايا المجاعة الذين كانوا بالآلاف فقد استمر الحصار تسعة أشهر ونصف وانتهى بهجوم شامل على الأسوار وفتك مريع بالسكان من خاصة وعامة أسرا وقتلا ونهبا على مدار ثلاثة أيام وبعد ذلك صدر عفو كامل وأُطلق الأسرى بعد تسليمهم أسلحتهم لكن بيعت نساؤهم كجواري.[6] لقد نُفذ حكم القتل في كل شيوخ المرابطين "يسميهم البيذق الموحدي بالسلاطين"، الذين ألقي عليهم القبض في القصر الملكي، بينما نجا البعض من الجهات الأخرى. لقد أدى انهيار دولة المرابطين في الشمال إلى هجرة من بقي من لمتونة ومسُّوفة نحو الجنوب هربا من القتل أو لجوءا إلى الأهل. جاء في بعض تواريخ اتوات:".. أول من نزل بها وبنى بها القصر الأول: يقال إنهم اللمتون أولاد الملك يوسف بن تجْفَنْتْ [يعرّب: تاشفين] حين انكسرت دولتهم بالمغرب والأندلس ... فجاؤوها هاربين وفارين إلى أن بلغوا أرض توات، ووجدوا بها الجدب، فعرفوا أنها أرض أمان، لأن الجند لايطيق المقام بها ولا مطمع له فيها، فبنوا للسماء وحفروا للماء واستوطنوا وكان أول قصر بنوه بها "تيلوت" قصر قديم .."[7]. وبعد انهيار دولة المرابطين خرج تجكانت نحو أتْوات وسكنوا في أخْصاص[ مما يزكي الرواية لأنهم جاؤوا في ظروف حرب وخوف] مدة 70 سنة قبل أن ينزاحوا نحو نواحي آدْرَارْ "موريتانيا" ليستقروا في مدينتهم الشهيرة تِينيِكيِ[8]. ويذكر الضابط المترجم مارتان في كتابه "الواحات الصحراوية" أن تجكانت كانوا يغيرون على اتوات في القرن السابع. كان تجكانت ربع جيش المرابطين حسب ابن حامد، واسمهم حرفته المصادر إلى تيلكانت ومنهم القائد المرابطي مدرك التلكاني الذي كان يقود ربع جيش المرابطين من قبيلته![9]. ويسمى أيضا مزدلي بن تيولكان بن حمني بن محمد بن ترقوت الجد الجامع للأسرة المرابطية الحاكمة. ونفس النسبة ذكرها ابن خلدون: "أغْزى يوسف بن تاشفين إلى المغرب الأوسط سنة اثنتين وسبعين "وأربعمائة" قائده مزدلي بن تيلكان بن محمد بن وركوت "تركوت" من عشيرة في عساكر لمتونة"[10].ولعل الإسمين هما لشخص واحد، فتأمل. كانت أولى مظاهر الثورة المنظمة ضد الموحدين هي ثورة الصحراوي [ سيعرف بابن الصحراوية] الذي حمل لواء المرابطين وقام باسمهم، فلم شمل العناصر المعادية للموحدين. وكان هذه المرابطي الشجاع والمزعج حفيدا ليوسف بن تاشفين وابنا لأبي بكر بن يوسف إبن تاشفين من إمرأة صحراوية، وقد حمل لقب أمه وليس أبيه جريا على عادة المرابطين، وبعد مقتل ابراهيم بن تاشفين أثناء حصار مراكش، اعتبر نفسه أحق من غيره بإمارة المسلمين وبتولي العرش، لكونه الوريث الشرعي لبني تاشفين، ومن أجل ذلك ضرب أثناء وجوده في سبتة السكة باسمه.[11] كان ابن الصحراوية ممتنعا في دكالة في موضع يسمىأيصزول ولما دهمت جيوش الموحدين الإقليم فرّ شيوخ الدكاليين مع الصحراوي في اتجاه السوس كما فر فرسانهم وتمكن الصحراوي من الإفلات والفرار إلى الصحراء. وبعد هزْمه لدكالة قام عبد المومن الموحدي بأسر نسائهم وبيعهن[12]. وتوالى خروج الثوار المرابطين على الموحدين حتى بلغوا ـ حسب البيذق ـ أزيد من ثلاثين كلهم في الجنوب وتخوم الصحراء[13]. ومن أهم هذه الثورات بالنسبة لنا ثورة جزولة بقيادة ثائر يسمى أبو بكر بن عمر خرج عام 548هـ لكنه سرعان ما قتل على يدي واليين موحديين هناك. ثم حدثت ثورة قوية في آسرير من بلاد نول لمطة "من قبائل تكنه" الحالية بقيادة أك أنكي اللمطي، لكنها أُخْمدت بسرعة. واستطاع الموحدون أن يكسروا ثورة محمد أهوكار الذي سماه البيذق: "سلطان لمتونة" والذي كان خرج بلمطة "بلاد تكنة الحالية" لكنه قُتل على يدي قائدين موحديين ورجعا بغنائمه. ولعل هذه الثورة الأخيرة كانت وثيقة الصلة بصنهاجة الصحراء لأن اسم الثائر يدل على أنه من الهوكار حيث توجد قبائل إيولمدن "إلمتن" التي ظلت وفيّة للتقاليد المرابطية. كما أن هناك فئة من أعيان هؤلاء تسمى "إلمطن" أو "لوميت" وهما نفس اللفظ: اللمطيون، وهو ما ينسجم مع الرواية التي ساقها البيذق. واستمرت المقاومة المرابطية أزيد من نصف قرن على يدي ثوار عديدين أشهرهم ابن غانية وأسرته وأبناؤه. وعن أوّليَّة بني غانية يقول ابن خلدون:" كان يحي المسوفي من رجالاتهم وشجعانهم وكان مقدما عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه واتفق أنه قتل بعض رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهما فتثاور الحيّان وفر هو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتيل ووداه واسترجع عليا من مفره لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه في ذلك فولدت له منه محمدا ويحي تحت ابن تاشفين وحجر كفالته..".[14] ويمكن تلخيص ثورة بني غانية في الأحداث التالية[15]. بدأت ثورة بني غانية بانتفاض بني إسحاق بن محمد بن غانية في جزر الباليار التي ظلت مستقلة بعد انهيار المرابطين. ثم تطورت الثورة مع علي بن إسحاق بن محمد بن غانية الذي وصلته من بجاية رسالة من أنصاره يدعونه للقدوم إليهم وقد قصد بجاية على رأس أسطول قوامه 30 سفينة على ظهرها 200 فارس و4000 من المشاة. وتم احتلال المدينة في تاريخ تقريبي 581هـ /1185م واحتل أيضا الجزائروولى عليها ابن أخيه طلحة كما احتل مليانة وعين عليها يدر بن عائشة ولقيت قلعة بني حماد نفس المصير. كان جيش علي بن غانية مكونا من العرب والمرابطين" لاحظ هذه المودة بين الفريقين" وقارن كلام الغلاوية عن دولة المرابطين من لمتونة وبني حسّان. وبعد معارك طاحنة احتل استرجع الموحدون بجاية في 5 رجب 581هـ/ 6 يوليو 1185م . وفي ربيع أو صيف 582هـ/1186م قام علي ابن غانية بنهب الواحات الواقعة جنوب الأوراس، كما نجح في استمالة عرب جشم ورياح وخرب نخل توزر واستسلمت له قفصة ومنها توجه إلى طرابلس حيث وجد في الأرميني قراقش[16] حليفا جديدا ضد سلطة الموحدين. كما انضم إليهما كل عرب تلك البلاد وكذا من تخلف هناك من قبيلتي لمتونة ومسُّوفة المرابطيتين، وهو ما جعل كل بلاد الجريد تخضع لسلطتهما. واستطاع ابن غانية السيطرة على كل إفريقية، باستثناء تونس والمهدية، وقام بأعمال السلب والنهب والقتل بالجملة. قتل علي بن غانية سنة 584هـ وبعد ذلك اختار إخوته وشيوخ المرابطين أخاه يحي لخلافته، وقد تمكن هذا الأخير على امتداد نصف قرن تقريبا، وبشجاعة وفعالية نادرتين من مواصلة الكفاح ضد الوحدين الذن ألحق بهم أضرارا بليغة ومتكررة. وحول الاستمرار في محاصرة مدن الشمال لكنه لم يستطع فآثر الإنكفاء نحو الجريد للالتقاء بقراقش وإقامة تحالف معه. استطاع عامل إفريقية الجديد عبد الواحد الحفصي 24 اكتوبر 1207م/30 ربيع الأول 604هـ أن ينزل هزيمة محكمة بيحي ابن غانية ورجاله الذين تشتتوا قرب شبروا ناحية تبسة وتعقبهم الموحدون لكن يحي رغم إصابته بجروح استطاع النجاة بنفسه والإلتجاء إلى الصحراء. وقد واصل الوالي الداهية تعقب يحي بن غانية الذي يظهر أنه توغل بعيدا في الصحراء خوف المطاردة واقتنع بعدم جدوائية المقاومة لصعوبة التموين وقلة المال للإنقاف على العرب، ولذا اقترح عليهم ترك إفريقية وواليها المخيف وشأنهما. وفي سنة 605هـ استطاع يحي بن غانية تنظيم قواته والهجوم على تاهرت وتحويلها إلى أطلال بعد الفتك بـ 1600 من طلبة الموحدين على رأسهم والي تلمسان أبوعمران بن يوسف وأسر أبناؤه وبقية أفراد عائلته. وأثناء وجوده بالصحراء، نجح يحي ابن غانية في جمع قوات جديدة، حيث التف حوله بقايا المرابطين وعرب الدواودة وعرب رياح وشريد وعوف ودياب ونفطة واتفق معهم على غزو إفريقية من جديد. لكنه خسرأمام قوات الوالي الجديد الشيخ عبد الواحد معركة مهمة قرب جبل نفوسة التي دارت فيها الدائرة على ابن غانية وانكسرت شوكته وتبخرت آماله في بعث الوجود المرابطي بشمال إفريقية من جديد. وقد لقي حتفه في المعركة عدد من بني غانية ومن قادة العرب المتحالفين معهم. لقد فضل يحي عدم المصالحة مع الموحدين رغم قيام أخيه سير بن إسحاق إبن غانية باللجوء للموحدين الذين استقبلوه بحفاوة في مراكش. .أما يحي بن غانية فقد فضل أنْ يهيم على وجهه في الصحراء لمدة ثلاث سنوات وفي 609هـ، سنة معركة العقاب، اتجه نحو ودّان، وكانت نقطة صعبة الاختراق، واستطاع بالتواطئ مع العرب اعتقال قراقش واغتياله فيما بعد. ثم انتظر يحي عشر سنوات حتى وفاة القائد الذي لايقهر عبد الواحد الحفصي، ليستأنف حملاته في المغربين الأوسط والأدنى. مباشرة بعد وفاة الوالي ظهر ابن غانية من جديد في تخوم افريقية سنة 619هـ وبعد خروج الجيوش ضد توغل ابن غانية بعيدا في الصحراء. وينبع اهتمامنا بثورة بني غانية من قيمتها كعنصر مؤسس لذاكرة عشرات القبائل التي كانت تقطن مدينة "آبَّيْرْ". مدينة "آبَّيْرْ" تقع قرب مدينة شنقيط وقد تأسست سنة 160هـ وقطنت بها عشرات القبائل، قبل أن تتفرق بسبب حادثة قتل "نبيلة". يقول سيد عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي ت 1233هـ/1818م:".. لم يزل العلويون قبائل كثيرة، بآبَّيْرْ. بلغنا أن كل من أول اسمهإدَ (بكسر الهمزة وفتح الدال المهملة) من قبائل الزوايا، خرج من آبَّيْرْ. وكان العلويون فيه أربعين أو اثنتين وأربعين قبيلة، ما بين صميم وحليف، وكانوا يقتلون من قَتلَ، حتى قتل جدنا يحي قتيلا، فقال بعضهم: نقتله، وقال بعضهم نطرده، ثم طردوه ولم يقتلوه لشرفه فيهم وعلو منزلته. فجال في البلاد..."[17]. بغض النظر عن تاريخية يحي الآبَّيْرْي هذا وهي حقيقية، إلا أنها تشبه ما يُروى عن يحي بن غانية المسوفي. يقول إبن خلدون:" كان يحي المسوفي من رجالاتهم وشجعانهم وكان مُقدّما عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه واتفق أنه قتل بعض رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهما فتثاور الحيّان وفرّ هو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتيل ووداه واسترجع عليا من مفرّه لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه في ذلك فولدت له منه محمدا ويحي تحت ابن تاشفين وحجر كفالته..".[18] للوهلة الأولى يتضح من النص فرار الرجل إلى الصحراء ومكثه سنين بها! ثم إن قبائلإدواعلي كانت انتقلت من مقرّها الأصلي وهو مدينة "تبلبالّت" وهي مدينة مرابطية بامتياز، إلى واحات توات سنة 518هـ، في ظرفية بداية تصدّع دولة المرابطين في الشمال. وحتى إذا كان يحي ابن غانية "الجد" ليس هو المقصود، فمن الوارد أن يكون الأمر متعلقا بحفيده علي ابن غانية المقتول 584هـ أو بأخيه يحي ابن غانية الذي استمرت مقاومته الضارية للموحدين إلى 619هـ وهو تاريخ قريب من عهد قريب من تأسيس شنجيط، ومنسجم مع فترة انحطاط آبَّيْرْ. ومهما يكن من أمر، فمن الجلي أن "أسطورة بني غانية" كانت أساس بناء حاضرة آبّيْر، أو لبعض أشخاصها حضور تاريخي في حادثة انهيار المدينة. وتبقى الفائدة التاريخية نابعة من صدى المقاومة المرابطية ضد الموحدين في الصحراء الموريتانية الحالية. ومن وجه آخر فقد أدت سياسية التمييز الشهيرة التي قام بها الموحدون تجاه قبائل المغرب إلى فرار الكثير من السكان نحو الصحراء. وقد فرّ إلى الصحراء أفراد وجماعات من عرب الأمصار كان لها ولاء للمرابطين أو هربت خوف الحروب والفتن. وتحتفظ الرواية المحلية بتواريخ وصول بعض الأعيان مثل عبد المومن بن صالح مؤسس مدينة تيشيت سنة 536هـ و زميله الحاج عثمان مؤسس مدينة وادان سنة 541هـ وكانا درسا على القاضي عياض السبتي ت544هـ . كما أسست قبيلة تجكانت حاضرتها الشهيرة تِينيِكيِ في حدود النصف الأول من القرن الهجري السادس. والملاحظ أن جلّ المدن الصحراوية "العتيقة"[19]أُسِّست في فترة انهيار الدولة المرابطية وأثناء الهجرة الواسعة من المغرب نحو الصحراء التي صاحبت ذلك الإنهيار. ويرى المؤرخ الثقة محمد صالح بن عبد الوهاب الناصري ت 1271هـ أن جلّ تلك المدن إنما أسسها زوايا مسُّوفة لا غيرهم". لكن ذلك لايمنع من أن يكون تأسيس تلك الحواضر تم على مراحل، وكانت نواتها من المجموعة المسوفية، وهو أمر تصرح به روايات القبائل التي أسست تلك الحواضر، مثل رواية إدوالحاج التي تميّز بين ذرية الحُجّاج وذراري المجموعات القديمة كـ: تفرلّ، تامكونة، ..وغيرهم. تدل الروايات المحلية[20]والأجنبية[21]والمقارنات المعاصرة[22]على أن الوضع في الصحراء بعد القرن الخامس الهجري صار غامضا. لم يبق في ذاكرة أهل الصحراء الموريتانية الحالية من تاريخ المرابطين سوى رجوع أبي بكر بن عمر إلى الصحراء سنة 465هـ تاركا المغرب تحت سلطان ابن عمه يوسف بن تاشفين ت500هـ. وقد اعتبرت تلك الذاكرة رجوع اللمتوني فتحا للبلاد بجيش أسْمته "المحلة"، كانت أصل الكيانات الأميرية الصنهاجية التي قامت قبل دخول القبائل الحسانية، والسبب في انقسام المجتمع إلى فئات. تدل التواريخ الموثوقة على أن تلك الأهمية المعطاة للرجوع مقبولة من الوجهة التاريخية، لأنها كانت بداية الإستقرار الدائم لأبي بكر بن عمر في الصحراء وقيامه بفتوحات عميقة في بلاد السودان أدت إحدى معاركها إلى استشهاده. أما "المحلّة" فهي تعريب للفظ الصنهاجي "تاكْرَارَتْ" ومعناه "المعسكر" أو "المحلة" وكلها مترادفات. وقد تكرر استخدام هذا اللفظ في التاريخ السياسي والحربي المرابطي حيث وجد في تلمسان التي أسسوا فيها مدينة أسموها :تَاكْرَارَتْ، وفي مواطن متفرقة من بلاد المغرب ذكرها المؤرخون حتى من الموحدين. ووجد اللفظ نفسه في المجال الصحراوي قرب مدينة ولاتَة [= وَلاتَا] الحالية، كما تردد في تواريخ حروب بني حسّان إشارة إلى محلة القائد أو مركز قيادته. وأصل المحلة "تَاكْرَارَتْ" الصحراوية هو الجزء الذي رجع به إلى الصحراء مع أبي بكر بن عمر من الجيش الذي ظل مع يوسف. لقد انقسم الجيش المرابطي إلى جيشين: صحراوي ـ سوداني رجع به أبوبكر، ومغربي بقي مع يوسف. وقد رجع أبوبكر بجيش أغلبه من لمتونة وحلفائهم من السودانيين والصنهاجيين وسلك طريق سجلماسة التي بقي فيها مدة يتجهز للرحيل نحو الصحراء. ومنذ وفاة أبي بكر سنة 468هـ لم تشر المصادر العربية إلى أهل الصحراء إلا نادرا وبغموض شديد. صارت دولة المرابطين في الصحراء كيانا خاصا تحت سلطة أبناء أبي بكر وأبناء أخيه يحي بن عمر، واستمر ذلك إلى نهاية القرن الخامس. قام ابراهيم بن أبي بكر بمواصلة فتوحات أبيه ففتح غانة سنة 1076م ودوخ البلاد السودانية وساعده في المشورة والرأي قاضي المرابطين الشهيرأبو بكر محمد إبن الحسن المرادي الحضرمي ت489هـ. ثم رجعت تبعية الصحراء لسلطة مراكش المباشرة بعد وفاة هذا الأمير حسبما مر بنا من إشارات. الدولة المرابطية "الثانية" في الصحراء 541 ـ 700 هـ: لكن سقوط دولة المرابطين في الشمال منذ 541هـ، أدى إلى رجوع السلطة إلى ذرية التاشفينيين من أمراء المرابطين الذي رجعوا إلى الصحراء عبر اتوات وغيرها من المنافذ. قامت ذرية يوسف بن تاشفين بالإنتقال عن المغرب خشية القتل من قبل الموحدين، وكانت نتيجة الهجرة قيام ملك مرابطي لمتوني جديد كالهجرة التي نفذها عبد الرحمن الملقب الداخل من الجزيرة إلى الأندلس حيث شاد ملكا جديدا لبني أمية. تقول بعض الروايات إن من أمراء التاشفينيين الذين توالوا على الدولة المرابطية في الصحراء إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري13م، أولهم: الخضير إبن عمربن يوسف بن تاشفين ومدة حكمه 40 سنة، ثم العتبة إبن ابن الخضير بن عمر إبن تاشفين وحكم الصحراء 60 سنة، ثم بشار بن عتبه فحكم لمدة ثلاثين سنة، ثم أنه بن بشار ولا تُعرف مدة حكمه، وبعده بويع محمد البنبري اللمتوني فملك عشرين سنة ولكنه تنازل بعد فشله في تدبير الحكم بعد توالي الحروب والقلاقل الداخلية. وهذا الأمير لا زالت ذريته في بطن "إدَكْ بَمْبَرَهْ" من قبيلة لمتونة التي احتفظت بالإسم الجامع للقبائل اللمتونية، ومن نفس التسمية أهل بيته "أهل أَبَمْبَرْ" في قبيلة إديشلي في آدْرَارْ الحالي، و لفظ "أبَمْبَرْ" له صلة بحياة أهل الواحات، مما يدل على أن اسم "البمبري" لا علاقة له بشعب البمبارة السوداني. وجلّ أسماء أولئك الأمراء عربية بفعل التعرّب الذي فشى في نخبة أمراء لمتونة ومسُّوفة في المغرب، وإن كان بعضها تم تعريبه عن أصله الصنهاجي. قيام الإمارات اللمتونية 700-840هـ: أدت الحروب والقلاقل داخل دولة "المْحلّة" إلى استبداد كل "مْحلّة" فرعية بشأنها، وتحولها إلى إمارة مستقلة، وقد استمر هذا الوضع قريبا من 100سنة. قبل وصول الهجرة الحسانية كانت الصحراء مسرحا لتوازنات بشرية بين كتل صنهاجية مختلفة . ويرى المؤرخ الراحل ابن حامد أن الوضع السياسي في الصحراء لم يكن واضحا منذ أفول نجم المرابطين في القرن الهجري السادس. ولكنه يفترض أنه كان هناك نوع من التنظيم السياسي، ولو في صورة بسيطة. و يمكن القول بأنه كان هنالــك ( وخاصة منذ أواخر القرن الهجري السابع) نوع من توزيع السلطات، بين قبائل صنهاجة، في النواحي المختلفة من الصحراء. ففي إقليم القبلة (جنوب غرب موريتانيا) كانت السيطرة بيد قبيلة أنْ يارْزيكْ، وفي بلاد تكانت وبلاد الرقيبة (شرقي البلاد) كانت السيطرة لقبيلة الأنباط. أما في بلاد آدْرَارْ(الشمـال الغربي)، فكانت السلطة بيد قبيلة إديشلي، بينما كان الحكم عند قبائل "ابْدُوكَلْ" في بلاد الزمور (الشمال). وسيتطاول أمد الصراع بين هذه الدويلات والقبائل العربية الزاحفة من الشمال. ولكن هذا التقسيم جاء بعضة نتاجا لانهيار بعض تلك الإمارات، كما أنه لم يرد فيه ذكر لإمارة بيلكة "بيلكات" اللمتونية في بلاد البراكنة وما حولها من الجنوب الموريتاني. وابتداءا من أواخر النصف الأول من القرن السابع الهجرى نشأت إمارت صنهاجية أهمها: إمارة ابْدُوكَلْ في الشمال، وأنْ يارْزيكْ في الغرب، أما المجال الترابي الذي يشمل ما بين محيط ولاتَة [= وَلاتَا] شرقا إلى ساحل الأطلسي غربا، فكان عمليا تحت رقابة حاميات مملكة مالي القوية. إمارة ابْدُوكَلْ 700- 840 هـ: هذه الإمارة من أهم الكيانات السياسية التي بقيت بعد دولة "المحلة" المرابطية، وقد قامت في تاريخ تقريبي هو أواخر النصف الأول من القرن السابع الهجري على يدي أسرة لمتونية لانعرف عنها الكثير، لكن نواة ابدوكل كانت لمتونية قطعا بدليل أن بعض فروعهم المتبقية مثل يوصفون بأنهم من المرابطين[23]، مما يسمح، من مستوى آخر، باعتبار ابدوكل هي وريثة مرابطي الصحراء الأكثر كمالا، رغم وجود رئاسات لمتونية مرابطية متفرقة في الأنْبَاطْ وإدَوْعِيشْ وإدَيْشلِّي... ونتجاسر على القول إن الدولة المرابطية قد استمرت في الصحراء بعد سقوطها في الشمال إلى حدود أوائل القرن السابع، واستمرت نواتها القيادية، رغم انقسام الدولة، في إمارة ابدوكل ولذلك وصفهم مؤلف الغلاوية بدولة المرابطين ونسب إليها بقيتهم . اسم "ابْدُوكَلْ" وينطق أحيانا "ابْدُوكَلْ" بتشديد الدال: لفظة صنهاجية تعني: التجمع، التداخل، التحالف، .. أو هذا بأجمعه. وأصل اللفظ معروف في لغات البربر: تيدّوكْلا: الصحبة، وابْدُوكَلْ مشتقة من الفعل: د ـ ك ـ ل: جمع، انضم.. وهو على الإجمال يعني: الإخوة. ويدل ذلك على أن ابْدُوكَلْ كانت تجمعا لعدة قبائل ليست بالضرورة منحدرة من أرومة واحدة، رغم وجود نواة لمتونية قوية نشأت حولها الإمارة أو التجمع. كانت قيادة ابْدُوكَلْ في أسرة لانعرف عنها الشيئ الكثير، واسمها أو اسم كبيرها "أشنت لدن" ومنه ينحدر أخوال سيد محمد الكنتي الكبير، حيث جاء نسب أمه كالآتي: أهَوَ [حوّاء ؟] بنت محمد ءالم بن كنت [منه أخذ سيد امحمد لقبه: الكنتي] بن زم إبن تملك بن تنفئت ان بب بن أشنت لدن [ رأس ابْدُوكَلْ]. ولا نعرف الشيئ الكثير عن القبائل المحاربة من ابْدُوكَلْ، لكن المصادر ذكرت من القبائل الزاوية البدوكلية: تاكاط، إد كجمل، تاشدبيذ، إدكوجي..[24] وجاء في الغلاوية أنّ إدوالحاج وادان كانوا المرجع الديني لمُحاربي ابْدُوكَلْ ويلجأ إليهم من يريد منهم التوبة والتخلي عن حياة الحرب والغارات. وكان مجال إمارة ابْدُوكَلْ يشمال ما بين الساقية الحمراء شمالا إلى تخوم آدْرَارْ الحالي المتاخم للمجال الخاضع للممالك السودانية، أي مملكة مالي فالسُّنْغَايْ. وكانت موارد ابْدُوكَلْ تعتمد على خفارة القوافل و الجبايات على الممالح كمملحة الجل، والمغارم والْمُدَاراة المفروضة على سكان المدن. ظل ابْدُوكَلْ يراقبون الطريق التجاري الرابط بين وادي درعة وبلاد السودان، حتى أواخر القرن الثامن الهجري حين بدأ يتدهور لصالح طريق توات ـ تنبكتو، بفعل ظهور قبائل المعقل على أطراف البلاد وسيطرتهم على طريق تافيلالت ـ سوس مما أدى إلى تحول التجار شيئا فشيئا من طريق سوس ـ ولاتَة [= وَلاتَا] إلى طريق توات ـ تنبكتو. وكان تحول مسالك التجارة نحو الشرق والضغط الحساني، بداية انهيار إمارةابْدُوكَلْ بفعل شيوع الصراع فيما بينها، ورجوعها إلى نهب قوافل سكان المدن بعد أن كانت تحميها، وكان ذلك عهد تمرد الشيخ الكنتي على سلطة أخواله الذين قاموا بنهب قوافل تِينيِكيِ ثم بنهب شوله هو فرمي رحله وطرده. في نهاية القرن الثامن الهجري 14م بدأت الحركة التجارية تنتقل عن طريق الغرب نحو طرق الشرق. ينضاف إلى ذلك عامل أشدّ حسما، هو تزايد "فُرص الإخلال بأمن القوافل" بفعل سيطرة طلائع الهلاليين على تخوم البلاد حيث " أن تقدم البدو البطيئ نحو الغرب كان بلغ منتهاه مع بداية القرن الثالث عشر، والحزام الصحراوي أصبح كله عمليا في قبضة القبائل العربية المتنافسة فى منتصف القرن ".[25] وفي مقدمتها قبائل المعقل. كان المعقل في عهد ابن خلدون ( ت 808 هـ) في أواخر المائة الثامنة من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى،(…) بقبلة تلمسان وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب …. واستفحل شأن المعقل في تلك القصور* ( = السوس، توات، وركلان،) وفرضوا المغارم على سكانها من زناتة، كما صار المعاقل أنفسهم يقدمون ضريبة إجبارية تسمى: "جمل الرحيل" [ المغرم ؟] إلى الدولة المرينية، وذلك قبل أن يصبحوا شيئا فشيئا قيّمين للمرينيّين على جباية الْمُدَاراةْ من سكان وقبائل تلك النواحي. وطوال العهد الموحدي المريني، جزئيا، اكتفى المعاقلة بالإقطاعات الواسعة التي نالوها، عن التعرض لقوافل التجارة بين سجلماسة والسودان، وكانت مواطنهم، في أيام ابن خلدون، من درعة إلى المحيط، وينتجعون من السوس إلى الرمال المتاخمة لمجالات الملثمين، لكن يبدو أن هذا التغلغل جنوبا، حتى الساقية الحمراء، كان قبل عهد ابن خلدون بكثير، فقد ذكر ابن عذاري المراكشي أنه "في سنة اثنين وخمسين وستمائة تفاقم أمر على بن يَدَرْ [ صاحب إمارة في الجنوب] بالخلاف في بلاد السوس و انقادت له بعض عرب الشبانات و بني حسان وذلك قبل أن يتصارع حلفاء الأمس سنوات خمس وسبعمائة. وفي عهد المرينيين أثخن فيهم يعقوب بن عبد الحق[ 656ـ685 هـ/1258ـ 1286م] وحاصرهم يوسف ابن يعقوب [ 685_ـ 701 هـ/1286_ـ 1306م] وأثخن فيهم ثانية سنة 786 هـ مما اضطرهم للتقدم جنوبا. واشتداد هذه الظاهرة فى أواخر القرن الثامن (قرن 14 م) هو ما لفت انتباه ابن خلدون حيث لاحظ، فى أُخْرَيَاتِ أيامه، أنّ الطريق الغربي المارّ " من ناحية السوس الى ولاتن [ = ولاتَة [= وَلاتَا] ] قد أُهْمل لما صارت الأعْراب من البادية السوسية يُغيرون على سابلتها ويعْترضون رفاقها، فتركوا تلك ونهجوا الطريق إلى بلد السودان من أعْليى تمنطيت [ = إقليم توات ] ..". هذا العامل الإقتصادي أدى، فيما يبدو، إلى تراجع مداخيل السلط الحاكمة في ابْدُوكَلْ، وفاقم من ظاهرة بدأت تتسع هي الإغارة على قوافل المدن التي كانت تحميها نفس الإمارة، فضلا عن الإفراط في المغارم المفروضة على الممالح سيما أن أغلبها صار تابعا للممالك السودانية الصاعدة من الجنوب والشرق. وتكررت ظاهرة نهب الأنعام حتى لمن لهم صلات وشيجة بالكيان البدوكلي. وتلك الظواهر عادية في تاريخ الكيانات السياسية في هذه البلاد إلى مجيئ الإستعمار. بدأت الصراعات تشتد بين القوى البدوكلية، وكان ذلك بداية التدخل الخارجي من قبل قبائل بني حسّان وفي طليعتها عشائر أولاد الناصر القوية وقتها، في بداية مسلسل انهيار إمارة ابْدُوكَلْ التراجيدي. رواية الشيخ سيد محمد الكنتي في الغلاوية تعتبرأهم رواية تاريخية وأقدمها حول حرب أولاد الناصر ضد ابْدُوكَلْ وسبب انحياز سيد امحمد الكنتي ضد أخواله اللمتونيين. تتحدث الرسالة الغلاوية عن تواريخ أجداد كُنْتَهْ في توات تلمسان وغيرها ثم تصل إلى الجَدّ الذي انتقل نحو الصحراء وهو ".. سيد أعْلي وكان قطبا علامة مربيا قدوة، يُهْتدى بهدْيه ويُرجع إلى إشارته ورأيه وكان يخرج إلى المرابطين أيام دولتهم بالصحـراء، وجِيلُ حَسَّان ياخذون عنه الأوراد ويستمدون منه الأمداد. وذلك في دولة السلطان أبي فارس وكان مقلّدا له لايعمل إلا على وفق إشارته، فخرج إلى الصحراء فتزوج بنت محمد ابن آلم بن كنت بن زم رئيس ابْدُوكَلْ، واسمها أهو، فأولدها ابنه خاتمة السلف وعين أعيان الخلف، سيد امْحَـمد الكُنْتي فنشأ في أخواله ابْدُوكَلْ من صنهاجه، وقفل سيد اعلي إلى تْواتْ. وبها توفي ـ رحمه الله ـ فدفن إلى جنب أبويه، بعزي وتخرج على يده أزيد من ألف واصل. ثم لم يزل سيد محمد الكنتي بأخواله حتى تدرب وحفظ القرآن و مهر في سائر الفنون، وكان مجاب الدعوة، لايجاريه في مجاريه خلف، وهو أغلى وزنا وأأعْليى محلاًّ، دام يُحْيي ما قد أُميت من الفضل، وينفي فقرا ويطرد محلا. ثم رجع إلى الصحراء ما بين تيرس إلى الساقية الحمراء . واستوطنها بمن معه من تلامذته وجيرانه، محترما مكرما معظما عند سائر دولة المرابطين من لمتونة وبني حسان مُقدّمًا عليهم مُحَكّما فيهم. إلى أنْ جرى القضـاء بأمر غاظه على أخواله ابْدُوكَلْ. وهم يومئذ المتغلبون على الصحراء ومن فيها إلى أطراف السودان. فارتحل عنهم، مُغاضبا لهم، فورد عليه غزو من أولاد الناصر وقد بلغهم مغاضبته لأخواله، فقال بعضهم لبعض: إنْ فاتتكم هذه الفرصة في لمتـونه فحرام عليكم الظفر بهم بعدها. فقد غاظوا هذا الغوث وأغـضبوه. وما يزيل قلنسوة الغوث عن رأسـه، يزيل ملك السلطان من أسّه، فاستضافوه ليلتهم وطلبوا منه أن يعطيهم دولة لمتونه، فقال: أعطيتكموها على شرط: أنكم متى بلغتم منهم الحـد الذي تامنون شوكتهم، رفعتم عنهم السيف وأبقيتم عليهم عيْشة لبنيَّ وبينكم، فاعطوه عهدهم وميـثاقهم على ذلك وقالوا: كيف لنا بجموعهم المتكاثرة ومحالهم المتظاهرة. فقال: إنما عليكم شن الغارات والإجهاز عليهم فإني قد دعوت الله عليهم بإذهاب الدولة وإيهان الصولة، فأجابني فيهم. فانقلبوا إلى أهاليهم، وتألب أفـناء أبناء حسان بمن أنضاف إليهم فصبحوا لمتونه وهم غارون، فانتدب لقتالهم من يليهم من الأحياء واشتغل من عداه بأشغالهم استهانة بشأنهم واستخفافا بصولتهم. فهزموا من يليهم لأول حملة، وركبوا ظهورهم مع من وراءهم ممن لم يستعد لحربهم فهزموهم هزمة لم تبق منهم على مجتمع، وأبقوا منهم البقايا المدعوة الآن: باللحمة، التي ضرب بنوا حسَّان على رقابها المغارم ومن كان منهم زوايا أبقوه على ما كان عليه. واجتمعت الجموع على سيد امْحمد الكنتي بالصحراء، وتجكانت زمنئذ بتنيك، قصرهم المشيد قبل حربهم فيه وفرقتهم منه كما هو مشهور مذكور..". هذا النص يعرض بلغة سيد محمد الخليفة الكنتي الجزلة القوية، بداية الصلة بين الأجداد الكنتيين المغاربييّن والسلسلة "الصحراوية" التي ستبدأ بالإبن "نصف الصنهاجي" سيد امحمد الكنتي وحياة الإبن بين أخواله وسبب موْجدته عليهم وتعبئته للقبائل الحسانية حديثة الوصول ضدا على القبائل اللمتونية في إمارة ابْدُوكَلْ ومسار الصراع ونهايته. التواريخ الواردة في النص منسجمة من الوجهة التاريخية، تزامن فترة أبي فارس [796-837هـ/1393-1434م] وفترة وجود بني حسّان في الساقية الحمراء[منذ 602هـ وأعوام و685 و652 و705هـ ومابعدها] التي صاروا ينتجعون إلى تخومها إلى أيام ابن خلدون ت808هـ، ووجود إمارة ابْدُوكَلْ قائمة في تلك الفترة وهي التي أسْماها دولة المرابطين وهي إشارة بالغة الأهمية لاستمرار التقليد المرابطي في تلك الإمارة ولكونها وريثة المرابطين. كما تعني العبارة المذكورة أن بني حسّان قبل القرن الثامن كانوا على وفاق مع اللمتونيين أو خاضعين لهم، أو يكون المعنى في الحديث عن الدولة متصلا بلمتونة وحدهم. الإشارة إلى ظاهرة أخذ بني حسان الأوراد عن الكنتي، جزء من ظاهرة قديمة في أوساط عرب الهجرة الهلالية، وهي نوع مبكر من التدين والتخلي عن حياة الغزو والحرب، وقد سمى ابن خلدون أصحابها بالمرابطين! ومن الوهم اعتقاد أن التديُّنَ والزهد والتعلم حديثان في الأوساط الحسّانية، لأن الظاهرة أقدم من ذلك بكثير، وقبل دخولهم في المجال الموريتاني التقليدي. والظاهر أن سيد امحمد الكنتي عاش في النص الأخير من القرن الثامن والثلث الأول من القرن التاسع الهجري، أي أنه ولد أواخر 770هـ أو 780هـ وتاريخ وفته قريب من 830-840هـ لأنه توفي وابنه سيد احمد البكّاي في ريعان الشباب وتاريخ وفاته سنة 920هـ م معمرا عن مائة سنة، فتأمل! وبذلك تكون تواريخ الحرب بين ابْدُوكَلْ وبني حسّان في حدود 800-830هـ لأنها دامت أزيد من عشرين سنة بين كر وفر. حسب رواية الغلاوية فإن السبب الرئيس للحرب كان "أمْرًا غاظ "الكنتيَّ" من أخواله..". لا تصرح الغلاوية بسبب المَوْجدة، ولا نعرف الأسباب التي منعت مؤلفها من ذلك الإستحضار. تقول الروايات المنقولة شفاهيا[26]أن سبب موْجدة الكنتي على أخواله هو رفضهم شفاعته في ردّ المنهوبات التي يحصلون عليها من إغاراتهم على قوافل تلامذته أو أصهاره من تجكانت، بل بلغ الأمر ببعض البدوكليين أنهم أساؤوا معاملة الشيخ سيد امحمد الكنتي شخصيا ورموا رحْله وكان من نوع "تاغشميت". والرحْل المذكور هو الذي كان مستعملا لدى صنهاجة لأنه رحل تارقي "مسوفي"، مما يؤكد تاريخية الرواية، فضلا عن الطابع المنطقي لسبب الخلاف بين الرجل وأخواله. ينضاف إلى ذلك درجة القوة والصولة التي بلغها محاربوا ابْدُوكَلْ حتى ضربت بهم الذاكرة المحلية المثل في التيه والشراسة والصلف فقيل: فلان امْدَوْكَلْ: أي مجتمع الأسر شديد القوى... وإشارة الغلاوية إلى "محَالِّهم المتظاهرة" هي معطاة بالغة الدلالة لكونها تفصح عن كون ابدوكل كانوا ظواعن محاربين في شكل "محال" "تيكرارين" جمع "تَاكْرَارَتْ" المعرفة في حياة المرابطين السياسية. والمهم أن اتساع الهوة بين الكنتي وابْدُوكَلْ صادف تربص القبائل الحسانية بتلك الإمارة التي كانت سدا أمام انسياحهم جنوبا. ويذكر ابن حامد أنّ أُولى الحروب التي خاضها الحسّانيُّون ضد صنهاجة كانت من جهة إقليم "إكيدي" الواقعة شمال آدْرَارْ، وليست "إيكيدي" الواقعة في الجنوب الغربي حاليا. وإقليم "إيكيدي" المذكور، شمال موريتانيا حاليا، كان مجالا رعويا ممتازا للإبل التي تمتلكها قبائل ابدوكل. كانت عشائر أولاد الناصر وحينها قوية وكثيرة العدد، وكانت في طليعة الزحف الحسّاني المندفع من الشمال. وقد بقيت بعد الحرب بطون قليلة من أولاد الناصر أما القسم الأكبر منهم فقد رجع شمالا ومنه عدة بطون لا تزال قائمة في وادي نون مثل: أولاد أعمر، أولاد أعلي، لكْرارْمه، أولاد مسعود، أولاد أمحمد وهذه البطون لاتزال فروعها موجودة في شرقي موريتانيا الحالية، ثم: أولاد الشيخ، أولاد العباس، أولاد الصغير، أولاد الطالب، أولاد امرين، أولاد انوال. والغريب بقاء ترتيبهم الحالي على نحو الترتيب الذي جاء في الحسْوة البيْسانيّة لصالح بن عبد الوهاب الناصري. كا جاء في وقت تجذر فيه الخلاف والصراع بين قبائل ابْدُوكَلْ نفسها، مما جعلها فريسة سهلة للمجموعات الصنهاجية الأخرى مثل تجمع أنْ يارْزيكْ. ونعتقد أن اسم أنْ يارْزيكْ قد يكون معناه: ذو السعد، ذو البناء. وفي كل الأحوال فيرزيك لا علاقة لها باللفظ العربي: رزق الذي نجده في اسم أولاد رزك: أولاد رزق المنحدرين من حسّان بن معقل. وكانت أنْ يارْزيكْ[27]إمارة كبرى في غرب البلاد وجنوبها الغربي، وتذكر بعض المصادر البرتغالية قبيلة "إزارزيكي" في أحواز وادان، فلعلها كانت هناك أو أن فرعا منها وجد في نفس المكان[28]. وقد تكونت من عدة تجمعات محاربة كبرى: انْكادس: كانوا تسع قبائل محاربة لكل قبيلة رئيس وطبل: إدويدر، أهل احمد اد انان، إدو زغار"أولاد اسحاق"، إدغ شاتجه وهم:"إدويشلي"، إديندك،إدويدّر وهم "إدَوْعِيشْ "، إيديندكان، ديكرتان، ديلان، وغيرهم. وكان في انْكادس زوايا مثل: أهل يوسف، أهل يفرج الله، أهل بتار، أهل المختار غالي.. تغْرجّنت: إيدبياي، الخبابشة، إيدغمحم، أولاد باي.. إدكباجه: أهل أكد أحمد، أيتال، إيدوبجه، إيدانبيك، إيفلان، .. إدغبانو: كانوا أهل قوة وبأس، وكان من أتباعهم: قبائل الرغيوات، باران، جاران.. كانت إمارة أنْ يارْزيكْ تحوي عدة كيانات محاربة ستستقل بنفسها بعد تفكك الكيان الجامع تحت ضربات عشائر أولاد رزك الحسّانية في القرن التاسع الهجري. ومع ذلك فهناك إشارات تدل على أن سيطرة الأوداية ولاسيما فرعهم المتقدم جنوبا أولاد رزك، ظلت نسْبية إلى أواخر القرن العاشر الهجري (16م)، على الأقل! وتدل وثائق البرتغاليين[29]التي تعود إلى سنتي 1549 و 1551 على استمرار النفوذ النيرزيكي في الأقاليم الشمالية الغربية المتخمة للساحل الأطلسي ولا سيما حول قلعة آرْكَينْ وغيرها من التحصينات التي بناها البرتغاليون. تذكر رسالة مؤرخة ب 1549 من العامل البرتغالي إلى ملكه في لشبونة أن ملك أنْ يارْزيكْ يحارب قراصنة جزر كناريا، وأنه يريد المساعدة من ملك البرتغال، وسيعطي ملك أنْ يارْزيكْوس [أنْ يارْزيكْ] في المقابل 800 بقرة سيأخذها من أودايته ؟. وفي رسالة أخرى من نفس العامل مؤرخة ب 1551 جاء ما مضمونه إن ملك أنْ يارْزيكْ [= انيارزيكوس في الرسالة] واسمه دومَ [ هل نُسِب له الميناء: أكادير دوم؟] تعامل مع تجار يهود من أكادير جاؤوا عبر البر [ تجارة القوافل؟] وأن قماشهم أحسن من قماش البرتغاليين ولذلك كسد قماش هؤلاء. هذه الوثائق البرتغالية المهمة تدل على استمرار وجود أنْ يارْزيكْ إلى حدود منتصف القرن العاشر الهجري قبل خضوعهم نهائيا لقبائل أولاد رزك الحسانية، كما يذكر بعضها بداية الحرب بينهم ومجموعات حسانية أو تابعة لبني حسان. أما الحديث عن "جلب 800 بقرة" وكونها من "أودايته" فلايعني، في نظرنا، سيطرة أنْ يارْزيكْ على الوداية وهم أولاد أودي من بني حسان، بقدرما يعني كونهم الأقرب إلى حوز قائد أنْ يارْزيكْ. ولعل بين الطرفين هدنة من نوع ما ستتغير بعد ذلك بخمسين سنة لتتحول إلى خضوع مطلق لقبائل أنْ يارْزيكْ وغيرها من صنهاجة لسلطة قبائل بني حسان من الوداية ولاسيما فرع أولاد رزك والبرابيش، وتردد ذكره في التقاليد المكتوبة والمروية في بلاد البيضان. المهم أن الخلاف بين الكنتي وابْدُوكَلْ كان السبب المباشر، بعبارة المؤرخين، في نشوب الحرب الصنهاجية ـ الحسّانية. لكن هناك أسبابا أخرى تضافرت في بناء ذاك الحدث الذي غيّر تاريخ الصحراء الحديث. كان هناك عامل الانحطاط التجاري للمسالك التي يراقبها ابْدُوكَلْ، ثم عامل الخلافات الداخلية بين أطراف الإمارة نفسها، وجاء التوافق الحسّاني ـ الرزكاني ليجعل من الحرب خلاصا للجميع من قوة مهيمنة طال أمدها. كان رافع راية الحرب هو سيد امْحمد الكنتي وثائر ضائع الأخبار اسمه "أدد" أو "أداد"[30]. لقد حزّب هذا الأخير الجموع والأحلاف من القبائل الصنهاجية: أنْ يارْزيكْ وغيرها التي كانت تعاني من هيمنة ابْدُوكَلْ وبطشهم، وعبأ الكنتي عشائر أولاد الناصر ومن معها من بني عمومتها من بني حسّان. وشكلت فتوى يعقوب الجكني قاضي تِينيِكيِ بشرعية قتال ابْدُوكَلْ، الفتيل الذي أشعل الحرب، وقد دعم هذه الفتوى الشيخ الكنتي بوثيقة ضمنها نص الفتوى وتسليمه لها. وقد حمل الوثيقة "الصك" المتضمن للفتوى المحارب الثائر ضد لمتونة "ابْدُوكَلْ". بدأت الحرب في تاريخ قرب من نهاية القرن الثامن وبداية تالية أو في العقود الأولى من التاسع، واستمرت أزيد من عشرين سنة بين كر وفر دون تغلب طرف على آخر، لكنها انتهت بهزيمة ابْدُوكَلْ بعد استنجاد خصومهم بجيش من بلاد السودان غير معروف تحديدا. وقد تم ابرام صلح مؤداه تفكيك إمارة ابْدُوكَلْ وإخضاع محاربيها للمغارم التي فرضتها القبائل المنتصرة من أولاد الناصر وأنْ يارْزيكْ، أما المجموعات والقبائل المختصة بالشأن الديني والعلمي فقد تُركت وشأنها. وهو ما لخصه مؤلف الغلاوية قائلا:" فهزموهم هزْمة لم تُبْق منهم على مُجْتمع، وأبْقوا منهم البقايا المدعوة الآن: باللحمة [الأتباع]، التي ضرب بنوا حسَّان على رقابها المغارم ومن كان منهم زوايا أبْقوه على ما كان عليه..". وإشارة المؤلف إلى أن ذلك كان نتاج شروط فرضها سيد امحمد الكنتي على محاربي أولاد الناصر، منطقي بحكم سعي الكنتي إلى إنقاذ المجموعات التي تربطه بها مصاهرات وصلات علمية لأنه درس في عشائر من زوايا ابْدُوكَلْ. تشتتت القبائل البدوكلية المحاربة ولم يبق منها من يحمل الإسم إلا: ابدوكل في مدينة ولاتَة [= وَلاتَا] ومنها خرجوا في 1222هـ إلى النعمة ولا زالت بقيتهم هناك،وايدكوجي وبطونهم: أهل اتفاغ موسى وأهل محنض وأهل ابن يدوك وفيهم أهل بوفلان من كُنْتَهْ "كُنْتَهْ البدوكليون وليسو كُنْتَهْ العرب". ومن ابدوكل عشائر وأسر لم تعد تحمل الإسم: أهل تيكي "جيكي: بجيم فارسية" وهم في عداد أولاد مُحُمُّدْ في الحوض، وأهل كُنْتَهْ في إدَيْشَلّي وغيرهم. وكان من نتائج هزيمة ابدوكل: 1. فرض المغارم على المهزومين وحظر حمل السلاح عليهم، مع ترك الوظائف الدينية للزوايا. 2. من نتائج الحرب سيطرة بني حسان على أتباع القبائل اللمتونية أي على الفئات المنتجة منها، وفرض التخصص الفئوي على جماعات المتعلمين من الزوايا. 3. ومن نتائج الحرب كذالك التعرب اللغوي والنّسَبي والظاهر أن سيد امحمد الكنتي كان يتحدث العربية مع عشائر أولاد الناصر ومع غيرهم من الحسانييّن رغم حذقه لغة أخواله صنهاجة. وبعد هزيمة ابْدوكَلْ صار الطريق سالكا أمام القبائل الحسّانية نحو الشمال الشرقي والجنوب الغربي، في المسار المعروف.
|
05-18-2013, 01:35 PM | #2 |
مشرف منتدى الحوار الهادف
|
رد: الذاكرة المرابطية: ماذا بقي منها وكيف؟
III- الهجرة اْلحَسّانيّة: قبل وصول الهجرة اْلحَسّانيّة كانت الصحراء مسرحا لتوازنات بشرية بين كتل صنهاجية مختلفة.([31]) ويرى المؤرخ الراحل ابن حامد أن الوضع السياسي في الصحراء لم يكن واضحا منذ أفول نجم المرابطين في القرن الهجري السادس. ولكن يفترض أنه كان هناك نوع من التنظيم الساسي، ولو في صورة بسيطة. و يمكن القول بأنه كان هنالك ( وخاصة منذ أواخر القرن الهجري السابع) نوع من توزيع السلطات، بين قبائل صنهاجة، في النواحي المختلفة من الصحراء. ففي القبلة ( الجنوب الغربي) كانت السيطرة بيد قبيلة أنْ يارْزيكْ، و في تكانت والرقيبة (شرق موريتانيا) كانت السيطرة لقبيلة الآنباط. أما في آدْرَارْ(الشمال الغربي)، فكانت السلطة بيد قبيلة إديشلي، بينما كان الحكم بيد أبدوكل في الشمال. ا- دخول بني حسان: بنو حسان بطن من عرب المعقل، المنحدرين، على الأرجح، من عرب اليمن، رغم ما يُذكر خطأ أنهم من الطالبيّين، لأنه لا وجود لمعقل في نسب قريش البتة ([32]). وكان وصولهم مع الهجرة الهلالية إلى شمال إفريقية، ثم عمروا صحاري المغرب الأقصى وتغلبوا على فيافيه ([33]). كان المعقل في عهد ابن خلدون ( ت 808 هـ) في أواخر المائة الثامنة من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى،(…) بقبلة تلمسان وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب …([34]). واستفحل شأن المعقل في تلك الكصور( = السوس، تْواتْ، واركلان،…) وفرضوا المغارم على سكانها من زناتة، كما صار المعاقل أنفسهم يقدمون ضريبة إجبارية تسمى جمل الرحيل[ المغرم ؟] إلى الدولة المرينية، وذلك قبل أن يصبحوا شيئا فشيئا قيمين للمرينيين على جباية الْمُدَاراةْ من سكان وقبائل تلك النواحي. وطوال العهد الموحدي والمريني، جزئيا، اكتفى المعاقلة بالإقطاعات الواسعة التي نالوها، عن التعرض لقوافل التجارة بين سجلماسة والسودان، وكانت مواطنهم، في أيام ابن خلدون، من درعة إلى المحيط، وينتجعون من السوس إلى الرمال المتاخمة لمجالات الملثمين ([35])، لكن يبدو أن هذا التغلغل جنوبا، حتى الساقية الحمراء، كان قبل عهد ابن خلدون بكثير، فقد ذكر ابن عذاري المراكشي ([36]) أنه: " في سنة اثنين وخمسين وستمائة تفاقم أمر على بن يدر [ صاحب إمارة في الجنوب] بالخلاف في بلاد السوس و انقادت له بعض عرب الشبانات وبني حسان وذلك قبل أن يتصارع حلفاء الأمس سنوات خمس وسبعمائة. وفي عهد المرينيين أثخن فيهم يعقوب بن عبد الحق[ 656ـ685 هـ/1258ـ 1286م] وحاصرهم يوسف بن يعقوب [ 685_ـ 701 هـ/1286_ـ 1306م] وأثخن فيهم ثانية سنة 786 هـ مما اضطرهم للتقدم جنوبا ([37]). ويذكر ابن حامد أن أولى الحروب التي خاضها الحسانيون ضد صنهاجة كانت من جهة إقليم إكيدي الواقعة شمال آدْرَارْ موريتانيا. واستطرد بهذا الشأن رواية الشيخ محمد الخليفة الكُنْتِي حول فصول صراع أولاد الناصر ضد إبدوكل اللمتونيين، وكيف انتصر أولائك بدعم وسند روحي من سيد محمد الكُنْتِي، على إبدوكل و حولوا أغلبهم إلى أتباع، ثم تقدم أولاد الناصر وبنو عمومتهم من قبائل بني حسان الأخرى فأطاحوا بحكم إديشلي في آدْرَارْ، والأنباط في تكانت والرقيبة وأنْ يارْزيكْ في جنوب غرب البلاد([38]). وكانت من نتائج هذا الصراع أنْ عمّق بنوا حسّان التراتبية الاجتماعية من خلال بنائهم لهرم اجتماعي كانوا هم أنفسهم في قمته، واحتكروا اسم العرب، وياتي في وسطه فئة الزوايا القيّمة على الخطط الدينية و الثقافية، ثم تأتي في أسفل السلم، القبائل التي تدفع المغرم ( الْمُدَاراةْ الإجبارية) وسموها: آزناكة أو: اللحمة، هذا بالرغم من أن ضرب المغارم قد يشمل أي حساني أو زاوي أنهكته الحروب أو اضطر لطلب الحماية، أو كان بصدد الانتجاع في مجال محتكر. واستطاع بنوا حسّان، بعد مسار تاريخي معقد، أن ينشروا لهجتهم العربية الملحونة اْلحَسّانيّة على كافة البوادي والمدن، حيث اختفت، تقريبا، اللهجات البربرية الخالصة مثل الصنهاجية و انقرضت اللهجات البربرية السودانية المشتركة مثل اللهجة المسماة: كلام أزير[39] ( = الآزيرية) و هي مزيج من الصنهاجية والسوننْكية[40] ازدهر في مدن الساحل علىطريق الملح بين بلاد السودان جنوبا وبلاد الصحراء شمالا (بلاد الحوض في الجنوب الشرقي صعودا إلى آدْرَارْ في الشمال الموريتاني ) إبان ازدهار التجارة بين تجار الذهب السوننكيين و الجمّالين المسوفيين. و قد كان هذا اللسان رائجا في تيشيت ووادان و شنجيط. وتراجعت كذلك لغة السُّنْغَايْ التي كانت رائجة في ولاتَة [= وَلاتَا] مع عهد الرحالة الحسن الوزان ( ق 16 م). ونشر بنوا حسّان أيضا عادات تناقض موروث البربر الصحراويين: مثل إطالة شعر الرأس بدل حلقه[41]، و حسر اللثام بدل إلزامه، وكان ذلك مما ساعد على تميُّز الركاب الحجية التي بدأت تنطلق دوريا من المدن الصحراوية على نحو مستقل بعد أن كانت تندمج في ركاب حاجّ السودان المسماة "الركاب التكرورية" ([42]). واحتكر بنوا حسّان حمل السلاح، واقتصر استعمال الزوايا له على أوقات الحروب، على أن بعض قبائل صنهاجة مثل إدَوْعِيشْ ومشْظُوفْ ظلت تحمل السلاح، وانخرطت في التقاليد اْلحَسّانيّة فصارت من فئة: حسّان، وكما اختار بعض صنهاجة حمل السلاح وهو شعار بني حسان اختار كثير من بني حسان أن يدخلوا في الزوايا و يشاركوهم في وظائفهم الدينية و الثقافية، ويسمون حينئذ: التياب أو المهاجرين ليلتحقوا بطبقة: الطلبة وتسمى أيضا الزوايا، وكلها مترادفات، لكن اللفظتين الأخيرتين أكثر استعمالا. وتدل أوْصاف الرحالين الأجانب والمسلمين، على أن بَني حَسّان كانوا، قريبا من نهاية القرن 9(هـ/15م) قد أحْكموا قبضتهم على المجال الموريتاني وصاروا يراقبون تجارة المدن ويفرضون الإتاوات على قبائل صنهاجة. وقد عرفت الإقليم، خلال هذه الفترة، هجرات بشرية واسعة من الشمال إلى الجنوب و الجنوب الغربي، تحت ضغط الحروب الأهلية وتوالي القحوط والأوبئة، إلى جانب العوامل البنيوية المتمثلة في تحول المسالك التجارية من الغرب نحو الشرق قبل أن تتراجع نحو الغرب على مستوى الساحل الصحراوي ثم تتحرك ببطء نحو الأطلسي. وأهم الأحداث الإقليمية التي أثرت على غرب الصحراء والبلاد السودانية كان الحملة التي وجهها عاهل المغرب المنصور السعدي واحتل بموجبها مدن مملكة سنغاي السياسية والثقافية والتجارية وأنهى فصولا من تاريخ الدولة والمجتمع في الصحراء وبلاد السودان. ب ـ الغزو السعدي لدولة سنغاي (1000هـ/1591م): اهتم ملوك المغرب من السعديين من محمد الشيخ إلى المنصور، مبكرا، بالممالح الصحراوية، وحاولوا مرارا الحصول على جزء من موارد الضرائب المتأتية منها، ودخلوا في سبيل لك عدة مناورات سياسية وحربية مع ملوك دولة سنغاي بين سنوات (1544-1581) دون جدوى[43]. ثم وجه المنصور السعدي ت1603م وجهه نحو البلاد المحيطة بسنغاي، فجهز حملة عسكرية سنة 1584م اخترقت المجال الموريتاي الغربي الحالي، سيرا مع الساحل الأطلسي، إلى أن وصلت ضفة نهر السنغال، ولم تواجه معارك أو تمردا، بل لقيت قبولا حسنا من أعيان الناحية، كالشريف إبراهيم بن رضوان ـ جدّ فالات كنّار الحاليين، ورجالات من الولوف وغيرهم[44]. وبعد أن اقتنع المنصور السعدي بصعوبة انتزاع موارد السُّنْغَايْ بالديبلوماسية، جهز جيشا زاد تعداده على بضع وعشرين ألف مقاتل منهم 6000 رامي مسلح بالبنادق الطويلة ولذلك عُرفوا باسم: "الرُّمَاةْ" ثم أُطلقت التسمية على جيش الحمْلة السّعْدية بكامله، ودرج على ذلك كتاب السودان والأقاليم الصحراوية المتخمة لها[45]. كان قائد الجيش هو الباشا جودر وهو الذي قاد أهم المعارك ضد جيش السُّنْغَايْ وهي معركة "تونديبي" ابريل 999هـ/1591م ودرات فيها الدائرة على جيش السُّنْغَايْ الذي فقد آلاف القتلى بينهم ادة معروفون وفر الأسكيا من الميدان ناجيا بنفسه[46]. وفي 20 رجب 999هـ/ 13 مايو 1591م دخل الباشا جودر وجيشه "غاوة" عاصمة السُّنْغَايْ.ثم دخل الجيش تنبكتو في30 مايو 1591م واتفق جودر مع قاضي المدينة على رتيب مقام القادة وتأمين المؤونة والعمال لبناء مقر الحاكم الجديد[47]. وبعد مناوشات مع التوارق وبقايا الجيش السنغاوي، عاد جيش الرماة بقيادة الباشا محمود إلى تنبكتو ونكّل بعائلة الشريف الصقلي، ونكب العلماء قتلا وتهجيرا، ورحل أغلبهم في قوافل إلى مراكش، وكانت آخر قافلة تحمل من بقي منهم في 27 ابريل 1594م[48]. واشتهر من بين العلماء النكوبين العالم الشهير أحمد باب التنبكتي[49]. والظاهر أن الحملة السعدية التي اخترقت غرب البلاد الموريتانية لم تؤد إلى نتائج ملموسة، بدليل أنها لم تبق في ذاكرة السكان المحليين إطلاقا. أما الحملة الكبرى على مملكة السُّنْغَايْ فقد أدت إلى انهيار المجتمع الأهلي الذي كان قائما في المدن السودانية مثل: تنبكتو ، جني، ... وأنهت النهضة الفكرية في تلك الأصقاع وحملت إلى البلاد الموريتانية المتاخمة لها المزيد من الهجرات والإضطرابات البشرية والسياسية. لقد رافق الحملة السعدية نهب واسع، وتزامن معها مسلسل من الطواعن والمجاعات والوهن الإجتماعي. وشهد المغرب السعدي بعد وفاة أحمد المنصور 1012هـ/1603م فصولا من الإضطراب السياسي والأمني ودورات من المجاعات والأوبئة وغيرها من الأدواء. وأدى فراغ السلطة والإحساس بنقص الشرعية، إلى انثيال الناس إلى المتنبئين والمهدويين وقادة الزوايا من الصلحاء والصوفية. بدءا بحركة ابن أبي محلي 1019-1022/1610-1613م، وحركة الزاوية السملالية بقيادة أبي حسّونة علي بن محمد بن أحمد بن موسى السملالي ت1070هـ/1660م وقد اهتم السملاليون بالصحراء وربطوا صلات تجارية وسياسية وثيقة بأهلها، ولعل ذلك كان من أسباب حركة ناصر الدين التي كانت ذات نزعة مهْدوية[50] باطنية. وتدل الشواهد الأخبارية المتعلقة بنهاية القرن 16م إلى أواسط القرن 17م على تدهور الأوضاع في شبه المجال الموريتاني الحالي بفعل الأوبئة والمجاعات والنهب نتيجة لاضطراب قونات التموين بفعل انهيار الكيانات السياسية المركزية أو تأزمها. حماه الله ولد السالم [1] ـ ذكر ذلك ابن الصيرفي في كتابه الأنوار الجليّة، وهو أهم مصدر عن تاريخ المرابطين. [2] ـ ابن عذاري: البيان المغرب..، ج4، ص17 [3] ـ حسن الوزان "ليون الإفريقي": وصف إفريقيا، ترجمه عن الفرنسية د.محمد حجي و د.محمد الأخضر، بيروت: دار الغرب الإسلامي، طبعة ثانية، 1983، ج2، 164 [4] ـ عبد الرحمن بن خلدون: تاريخ ابن خلدون المسمّى: العبر.. (بيروت: دار الفكر، 1399هـ/1979م)، ص 198 [5] ـ هويثي ميرندا: التاريخ السياسي للإمبراطورية الموحدية، المترجم عبد الواحد آكمير، الرباط: دار النجاح الجديدة، 2004، ص131 ومابعدها. [6] ـ نفسه. [7] ـ ابن بابا حيدة (محمد الطيب بن الحاج عبد الرحيم): القول البسيط في أخبار تمنطيط، ص16 ملحق بـ: فرج محمود فرج: أضواء على إقليم توات في القرنين 18-19، الجزائر، 1977. [8] ـ هذه الرواية نقلها أحد أعيان تجكانت من النص المذكور، وأفادني بها مشكورا الأخ يحي بن محمد بن حريمو. [9] - أحمد بن خالد الناصري السلاوي: الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الدار البيضاء: دار الكتاب، 1954، مجلد 1، ج 2، ص 23 [10] ـ العبر..، ج6/185-186 [11] ـ هويثي ميرندا: مرجع سابق، ص 142 [12] ـ ميرندا: نفسه. [13] ـ البيذق: مصدر سابق، ص 77، 79، 85. [14] ـ ابن خلدون: العبر..، ج6/ [15] ـ هويثي ميراندا: مرجع سابق، صص 311-320، ومواضع مختلفة أخرى. [16] ـ قراقش: مغامر أرميني الأصل دخل إفريقية سنة 568هـ في فصيلة من الغز تنتمي أصلا إلى جيش تقي الدين (ابن أخي صلاح الدين)، واستولى على واحتي أوجلة وفزان، وأمير رياح مسعود بن سلطان، قبل أن يحتل طرابلس. وقد انضم كل العرب الرحل في إفريقية إلى التحالف الذي شكله قراقش وعلي بن غانية. [17] ـ صحيحة النقل، مخطوط، نقلا عن: الوسيط: 425 [18] ـ ابن خلدون: العبر..، ج6/ [19] ـ تمييزا لها عن المدن "الدارسة" مثل: كمب صالح، أوداغست، كلتاهما في شرقي موريتانيا الحالية، أزوكي في آدرار، ... [20] ـ مثل: ورقات سيد احمد البكاي الكنتي، والأنساب لأحمد بن الحاج عبد الله الرقادي، محمد امبارك اللمتوني: نظم تاريخ الدولة اللمتونية، كتاب الأنساب لوالد بن خالنا... [21] ـ كالكتابات البرتغالية التي ترجمها إلى الفرنسية بيير دو سينيفال، ومونى، ونشرا أغلبها في أعمال المعهد الأساسي لأفريقيا السوداء بداكار. [22] ـ مثل كتابات المؤرخ الراحل المختار بن حامد. [23] ـ راجع مثلا: ابن حامد: الجغرافية، ص63 [24] ـ راجع: والد بن خالنا: الأنساب، نشرة اسماعيل حمت، السنغال. [25] ـ القبلي: مراجعات حول الثقافة والمجتمع في المغرب الوسيط، الدار البيضاء: توبقال، 1987، ص17 * ـ القُصور: وتكتب بالكاف المعقودة"كَصور": تسمى بالبربرية "تغرمت" واحدها "أغرم" وأصلها البناء المحصن يتنشّأ حوله أحياء فتنسب له. وأغلبها مدن وقرى حسب الحجم والنشاط. [26] ـ حدثني بها الباحث محمد بن مولود بن داداه الشنّافي في قرية عين السلامة قرب أبي تيليميت، وكان تلقّى الروايةَ في الخمسينيات من رجال البرابيش نقلا عن كنتة. [27] ـ المعلومات عن انيرزيك وفروعهم نقلناها من رواية ابن حامد بتصرف. [28] ـ Dearte Patchico Pereira: Esmeraldo de situ orbis, trad. R.Mony,Bisaoo,1959,p 43 [29] ـ مصدر هذه الوثائق هو الباحث البرتغالي فرانسيسكو، والذي يعد في جامعة لشبونة الجديدة أطروحة بعنوان " الحضور البرتغالي في الرواية الشفهية لدى سكان الصحراء" [30] ـ يخلط محمد امبارك اللمتوني في "نظم تاريخ الدولة اللمتونية" بين أدد هذا و بب الذي سيَرِد ذكره في حرب "شرُّ ببّ". [31] ابن حامد: الحياة السياسية، مرجع سابق، صص 60_61 [32] راجع: ابن خلدون (عبد الرحمن ): العبر، دار الفكر، بيروت، د.ت ـ ج6، صص: 58،59. [33] ابن خلدون، مرجع سابق. [34] نفس المرجع. [35] ـ نفسه. [36] ـ ابن عذاري: البيان المغرب في ذكر بلاد إفريقية والأندلس والمغرب، القسم الثالث، تحقيق محمد زنيبر و محمد حجي، الرباط،، ص: 403 [37] راجع: أبو ضيف ( أحمد):أثر العرب في تاريخ المغرب، ص: 222_ 224. [38] ابن حامد، مرجع سابق، ص: 61 وما يليها [39] ـ الآزير: تحريف لكلمة: أجَرَ = إد أجر= قبيلة صنهاجية كانت تنتشر في مدينة شنقيط ثم في الحواضر الأخرى. كان منها مثلا حاكم تنبكتو "محمد نض"، وهي المعروفة باسم "إديجر" وبقيتها في عداد إدوعلي. [40] ـالسوننْكى: شعب من شعوب الماندانغ، كان يحكم مملكة غانة، ثم أسلم وبثّ الإسلام إلى مشارف الغابة. وهو من أكثر الشعوب حيوية تجارية. [41] ـ كانت القبائل الصنهاجية تحلق رؤوسها. [42] ـ يراجع: ابن حامد، التاريخ السياسي، النسخة المرقونة، دار الثقافة، نواكشوط، صص: 63_ 65. وانظر: حماه الله ولد السالم: موريتانيا في الذاكرة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، الفصل الأول. [43] ـ محمد الغربي: بداية الحكم المغربي في السودان الغربي، بغداد: دار الرشيد، 1982، صص 162-169 [44] ـ نفسه، ص176 [45] ـ الغربي: 206-207 [46] ـ الغربي، 254 وما يليها. [47] ـ الغربي: مرجع سابق، ص 282 [48] ـ نفسه: صص325- 328 [49] ـ أحمد بابَ التنبكتي ( وُلد بتنبكتو ليلة الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة ختام عام 963هـ/26 اكتوبر 1556م و توفي بتنبكتو في 6 شعبان 1036هـ/22 أبريل 1627م)، ينتمي إلى أسرة شهيرة تعرف بـ "آل أقيت" أصلها من مدينة ولاتة الشهيرة في بلاد الحوض من شرقي موريتانيا. ونسبه كما ورد في كتابه كفاية المحتاج وفي كتاب بذل المناصحة للهشتوكي : أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحي .. الصنهاجي المسوفي الماسني ، وماسنة التي ينمى إليها قبيلة من مسوفة وليست ماسنا الفلانية. وكان يُعرف أيضا بأحمد بابا التكروري نسبة لبلاد التكرور (غرب الصحراء + بلاد السودان) ، وأحيانا بالسوداني نسبة لبلاد السودان التي كانت تنبكتو ضمن فضائها رغم تأسيسها الصنهاجي الثابت . نشأ أحمد باب تحت حكم أسكيا داود (956-990/1549-1582)، الذي تعتبر أيامه عهد سلم واستعادة نماء. وكانت تنبكتو إذ ذاك من أهم مدن مملكة سغي (سونغاي)، لها علاقات بالمراكز الثقافية الكبرى في العالم الإسلامي شرقا وغربا. درس على شيوخ أسرته و على العالم الكبير محمد بغيغ الونكري ، وحصل علما واسعا بفضل مطالعاته وعلاقاته مع معاصريه حتى نال مكانة علمية قل من نازعه فيها . وفي يوم السبت 25 جمادى الثانية 1002هـ/18 مارس 1593م نُفي أحمد باب من تنبكتو باتجاه مراكش بأمر من قائد جديد من جيش المنصور الذي احتل المدينة هو الباشا محمود بن زرقون، وأجبر على الإقامة في مراكش 14 عانا تركت في نفسه جرحا لايندمل تردد في جل مصنفاته ، ثمرجع إلى تنبكتو فوصلها في 10ذي الحجة 1016/27 مارس 1607. ترك عشرات المؤلفات البديعة في الفقه والحديث والسيرة والعقائد التصوف وغيرها. راجع عنع : أحمد باب نفسه : كفاية المحتاج ، القسم الأخير ، مخطوط. البرتلي الولاتي : فتح الشكور ، صص 31-37. أحمد مطيع : كفاية المحتاج وأحمد بابا التنبكتي ، رسالة دراسات عليا، كلية الأداب بالرباط . وانظر المادة الجامعة : أحمد مطيع : مادة"أحمد باب" ، معلمة المغرب ، ج1، صص165-169 [50] ـ أورد اليدالي ما معناه أن ناصر الدين كان يُقال بحضرته أنه المهْدي فلا ينكر ذلك. |
|
05-18-2013, 10:19 PM | #3 |
مراقب عام القسم الأدبي
|
رد: الذاكرة المرابطية: ماذا بقي منها وكيف؟
ذاكرة مهمة لمن يهتم بالتاريخ الموريتاني وشكرا على الساهر الناقل لكل جديد ومفيد ومن هو غير ابي عبد الله.
|
غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|