|
منتدى المصطلحات يهتم بالمصطلحـــــــــــات و معانيها |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الفلسفة التجريبية
محمد زكريا توفيق المعرفة هل هي فطرية أم مكتسبة ؟ لو ولد إنسان ما أعمى، ثم ارتد له بصره في سن العشرين. هل يمكنه أن يفرق بين شكل الدائرة والمربع؟هل يستطيع أن يفرق بين الألف و “كوز الذرة“، كما يقول أبناء الريف؟ وهل تثيره جنسيا صورة امرأة عارية؟ هذه الأسئلة كانت تطرح في المحافل العلمية العالمية في نهاية القرن السابع عشر. في كتابه ”مقالة بشأن الفهم الإنساني“، تساءل جون لوك ( ١٦٣٢ - ١٧٠٤ م) عن مصدر المعرفة. كيف نعرف ما نعرفه؟ هل هو وراثي أم مكتسب؟طبع أم تطبع؟ هل يأتي ما نعرفه عن طريق الإستنتاج أم التجربة؟ التجربة، والتجربة وحدها، هي مصدر المعرفة الإنسانية. هكذا قال جون لوك. وهذه هي بداية الفلسفة التجريبية ( Empiricism ) التي قامت في إنجلترا في القرن السابع عشر. إجابة جون لوك هي أننا نعرف ما نعرفه عن طريق التجربة وإستخدام الحواس فقط. وجاء بعده جورج بيركلي ( ١٦٨٥ - ١٧٥٣ م) ثم دافيد هيوم ( ١٧١١ - ١٧٧٦ م)، ليقولا نفس الشيء. منذ البداية، والفلاسفة التجريبيون لا يؤمنون بقدرة العقل وحده على معرفة الحقائق. ولا يثقون في كلام ديكارت: ”أنا أفكر، إذن أنا موجود“. التفكير وحده غير كاف. وعلوم الرياضيات والمنطق والعلوم التي تعتمد على فروض واستنتاج فقط، بدون تجارب وقراءات، غير كافية لمعرفة الحقيقة. وغير صالحة لتفسير ما يجري في هذا الكون، أو لإثبات وجود الله والملائكة والشياطين والحياة الأخرى. التجريبيون لا يؤمنون بالغيبيات، وليس لديهم فلسفة ميتافيزيقية تبحث في هذه المواضيع. فقط ما تدركه حواسنا ونراه ونسمعه ونشمه ونحسه هو الحقيقي، وما عدا ذلك لا يمكن الوثوق به. السؤال الثانى الذي يثيره التجريبيون هو قدرة العقل المحدودة على الفهم. فعقل الإنسان، مهما كانت قدرته، خلق لمساعدة الإنسان على متطلبات الحياة وبقاء النوع. ولم يخلق لمعرفة كل الحقائق.يعتقد جون لوك أن الإنسان يولد وهو من الناحيةالمعرفية مثل الكراسة الفارغة أو السبورة الممسوحة.صفحة بيضاء لم يخط فيها قلم. وبالتجربة والتجربة وحدها، يعرف الإنسان ما يعرف. الماء يغلى في درجة حرارة ١٠٠ مئوية، لأن هذا ما نشاهده بالتجربة والقياس.وليس هناك طريقة أو أسلوب ما يمكننا من استنتاج هذه المعلومة بدون تجربة. فكرة أن الإنسان يولد ولديه معلومات فطرية غير مكتسبة، كما يقول ديكارت، هي فكرة خاطئة من أساسها.وحجة جون لوك هي عدم وجود دليل مادي يدعم هذه المقولة. فكيف نعرف أن الإنسان يولد ولديه معلومات بالفطرة؟ وهل هذه المعلومات عند كل الناس أم لدى البعض منهم فقط؟ وما هي التجربة والقراءات التي تثبت هذا الكلام؟ قدرة الإنسان على التعلم لا تعني أنه مولود ولديه معلومات بالفطرة. كل ما لديه معلومات مكتسبة. لكن، كان هناك علماء وفلاسفة في عصر جون لوك،يؤمنون بعكس ذلك تماما. فهم يعتقدون مثلا أن الطفل منذ ولادته، يستجيب بطريقة غريزية للوسط الموجود فيه. إذا شعر بالجوع أو البرد أو الألم يبكى. وهذا لا يتطلب خبرة أو تجربة مسبقة. سؤال: ”هل المعرفة فطرية أم مكتسبة؟“ هو سؤال قديم منذ عصر أفلاطون وأرسطو. أفلاطون كان يعتقد أن المعرفة فطرية تولد مع الطفل، لكنها تنتظر كامنة في عقله،إلى أن تخرج عن طريق التفكير والإستنباط. التفكير ما هو إلا بحث في العقل واستخراج هذه المعلومات عن طريق خطوات مرتبة تسمى المنطق. نظرية أفلاطون موجودة في عقل كل منا. التفكير هو الذي يخرجها كمعلومة.أما أرسطو فلم يكن مقتنعا تماما بنظرية أفلاطون في المعرفة. كانت له نظرية مخالفة تقول إن المعرفة تعتمدعلى التجارب السابقة. إذ كيف نعرف الصواب من الخطأ إلا بالتجربة؟ كيف نعرف تأثير المخدرات الضار مثلا على الجسم أو فائدة دواء جديد، إذا لم تكن هذه المعلومة وليدة تجربة ومشاهدة سابقة؟ لذلك يعتبر أرسطو ”أب“ العلوم التجريبية المبنية على التجربة والمشاهدة.بعد أكثر من ألفي سنة، الخلاف بين نظريتي أفلاطون وأرسطو في المعرفة، تحول إلى سؤال أكثر إلحاحا. هو: هل الحقيقة تتضح عن طريق الوحي والإيمان بالغيبيات؟ أم عن طريق العلوم المبنية على التجربة والمشاهدة؟ أم عن طريق المنطق؟ الإيمان بالملائكة والشياطين والحياة الأخرى والجنة والنار لا يعتمد على التجربة والمشاهدة. إنما هي قضاياإيمانية بحتة. وأيضا، العلوم النظرية مثل علوم الرياضيات والمنطق والفيزياء النظرية، لا تعتمد على التجربة والمشاهدة، بل على فروض واستنتاج ومنطق فقط. لكن علوم مثل الفلك والكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا وغيرها، عمادها الأساسي التجربة والمشاهدة. لا تأتي نظرياتها عن طريق إغماض العينين والإستلقاء على الظهر والتفكير، مع كوب من الشاي وخلفية موسيقية هادئة. في عام ١٩٦٠ م، قام الباحث ”فون سندن“ بدراسة مجموعة من الناس ولدوا وهم محرومون من نعمة البصربسبب سحابة المياه الزرقاء في العينين. لكنهم كانوا في صحة جيدة. عاشوا حياة عادية معتمدين على حواسهم الأخرى، بما يتطلبه هذا من تعليم وثقافة وعمل وخلافه. فقط تنقصهم الرؤية، التي لم يعرفوها طيلة حياتهم. تم عمل جراحات ناجحة لهؤلاء العميان، وإزالة سحابات المياه الزرقاء من عيونهم. أصبحوا قادرين على الرؤية لأول مرة. بذلك أمكن الإجابة على سؤال جون لوك،وحسم الجدل بين نظريتي أفلاطون وأرسطو في المعرفة.فماذا رأى العميان بعد أن أبصروا أول مرة؟عندما كانوا عميان، كان من السهل لهم أن يميزوا بين الدائرة والمربع باللمس. هذا ما أجادوه طوال حياتهم. أن يتعرف على هذه الأشكال والتمييز بينها. أيضا، لم يستطيعوا التمييز بين عمود النور وحبيبة القلب، حتى وإن وقفت عارية أمامهم. الغريب في الأمر، أن بعض هؤلاء العميان، عند النظر لأول مرة، أمكنهم التمييز بين المربع والدائرة. فمن أين أتت هذه المعرفة، وهي ليست مكتسبة بالتجربة والمشاهدة؟ في عام ١٩٦٣ م، قام العالمان ”جريجوري“ و“والاس“ بدراسة هذه الحالات، التي ميز فيها العميان الأشكال عند رؤيتها لأول مرة. لمعرفة: هل الفطرة والغريزة هي التي هدتهم إلى الشكل الصحيح؟ أم معلوماتهم السابقة عن طريق باقي الحواس، تحولت إلى خبرة بصرية بدون إستخدام العينين؟ دراسات أخرى على هؤلاء العميان أثبتت أن الصور لا تعني شيئا بالنسبة لهم. الفرد منهم لا يستطيع التفرقة بين أرض الغرفة التي يقف فوقها وأرض الشارع التي تنخفض عنها مسافة ٣٠ قدما. المرأة العارية أمامهم لا تعني شيئا. كل منهم لا يستطيع تمييز الأشكال إلا إذا كان له سابق تجربة بها عن طريق اللمس. لا يستطيعون التمييز بين وجه شخص وآخر، أو وجه إنسان وسجادة صلاة مثلا. العلماء يريدون أن يعرفوا الحقيقة بالضبط دون لبس أو شك. لذلك كانوا يناقشون أسئلة هامة مثل: ماذا لو أن المعرفة تولد بالفطرة مع الإنسان، لكنها تفقد مع الكبر في السن والنضوج؟ أو أنها تحتاج إلى مهارة معينة حتى تظهر؟ وهل الطفل يمشي لأنه تعلم المشي؟ أم لأنه كبر وقويت عظامه؟ وهل الطفل يعرف مسبقا، أي بالفطرة، أنه يمكنه الحصول على اللعبة بالسير إليها؟ أم هذه المعرفة مكتسبة؟ في عام ١٩٦٣ م، قام العالمان ”هيلد“ و“هين“ بعمل تجارب على القطط في منتهى الدقة. تأخذ في الإعتبار كل العوامل المشار إليها سابقا. لمعرفة كيف يعمل العقل. ثم قام ”هيلد“ و“بوير“ عام ١٩٦٧ م بتجارب أخرى على القرود لدراسة سلوك الحيوانات، في حالة إخفاء أجسامها أو بعض أطرافها عن عيونها. مثل إخراج رأس القرد منذ ولادته من فتحة في منضدة، وبقاء باقي جسده تحتها. ثم بعد ذلك، يترك القرد لكي يحيا حياته الطبيعية، مع دراسة سلوكه عندما يرى يديه لأول مرة. ووجد أن القرد كان ينظر إلى يديه كأنها مخلوق غريب عنه لم يقابله من قبل. ويجد صعوبة بالغة في إستخدامها بدون تدريب. نحن نعيش في كهف كما يقول أفلاطون. هذا الكهف هو ثقافة مجتمعنا. فلا يمكننا أن ندرك الحقيقة كاملة، لكن يمكننا إدراك جوانب منها أو ظلالها. هذه الظلال تكون متأثرة بوجودنا داخل الكهف، أي بتعليمنا وبثقافة المجتمع الذي نعيش فيه. على مر السنين، تتراكم في عقل كل منا خبرات سابقة. هذه الخبرات ليست مستقلة عن بعضها. الخبرات السابقة تتداخل وتتشابك وتشكل فهمنا للخبرات الجديدة. معرفتنا السابقة تحدد فهمنا ومعرفتنا اللاحقة. ما درسناه في الثانوية العامة يفيدنا في دراستنا الجامعية. ودراستنا الجامعية، تفيد في حياتنا العملية. إننا نرى البدر في الأفق البعيد أكبر حجما من البدر في كبد السماء. لكن الواقع يقول إن هذا بسبب خداع البصر ليس أكثر. فقد تعودنا أن نرى الأشياء في الأفق البعيد صغيرة جدا.وبذلك يكون البدر كبيرا نسبيا إذا تمت مقارنته بالمباني والتلال والأشجار البعيدة. بعكس البدر عندما يكون في وسط السماء. فليس بجواره شيء صغير يمكن أن يخدعنا ويجعلنا نراه في غير حجمه الحقيقي. نرى أيضا صورتنا في المرآه معكوسة. بمعنى أن اليد اليمنى مكان اليسرى، واليسرى مكان اليمنى. لكننا لا نجد الرأس مكان الرجلين، والرجلين مكان الرأس. كل هذه ”اللخبطة“ تحدث بسبب خبراتنا السابقة. فنحن عندما ننظر في المرآة، نتخيل أنفسنا واقفين مكان الصورة، وهذه هي المشكلة. هذا التخيل هو الذي يجعلنا نرى اليمين شمالا، والشمال يمينا في المرآة. لكن في الواقع، ليس هناك شخص أمامك، وإنما إنعكاسات ضوئية. المرآة تعكس الضوء الساقط عليها بأمانة. وكل جزء ظاهر من أجسامنا تنعكس صورته في الجهة المقابلة له، فقط لا غير. ماذا يعنى ذلك؟ هل الخبرة والمعرفة المكتسبة هي كل شيء كما يقول الفلاسفة التجريبيون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يبني الطائر عشه، أو يعتني بصغاره بدون خبرة سابقة؟ كيف تهتدي الطيور التي تهاجر ليلا وتعرف طريقها وليس أمامها سوى مواقع النجوم؟ ومن علمها ذلك؟ من علم سمك الثعبان الهجرة من نهر النيل إلى البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي، حتى يصل إلى مكان بالقرب من جزر ”بهامز“ للتناسل؟ الغريب أن سمك الثعبان يصل إلى هذا المكان في المحيط الأطلسي، بعد أن يقطع مسافات قد تصل إلى ٧٠٠٠ كيلو متر، قادما من جميع أنهار وبحار العالم في وقت واحد. بالرغم من إختلاف المسافات والأماكن التي يأتي منها. فأين الخبرة والتجربة هنا؟ الآن نأتي إلى السؤال الهام: ما هي المعرفة؟ المعرفة لم تعد تفسر في ضوء الطبع، أي العوامل الوراثية فقط. أو في ظل التطبع، أي التعليم والخبرة السابقة وحدها. وإنما أصبحت تعرف بأنها مزيج من كلاهما، لكن بدرجات متفاوته. العوامل الوراثية وتركيبة المخ والذكاء، هي التي تحدد قدرتنا على الكلام وتميزنا عن القرود في هذا الشأن (أشياء موروثة). التعليم والخبرة والتجربة وحضارة المجتمع الذي نعيش فيه، هي أشياء مسؤولة عن لغتنا وسلوكنا ومعتقداتنا الدينية (أشياء مكتسبة). وللإجابة على تساؤلات جون لوك بخصوص مصدر المعرفة، وهل هي طبع أم تطبع؟ وكيف نعرف ما نعرفه؟ هل هو عن طريق الإستنتاج أم التجربة؟ نقول: المزج بين المعرفة الموروثة والمعرفة المكتسبة بدرجات مختلفة، هي التي تحدد قضية المعرفة عند الإنسان. هذا يعنى أن أفلاطون وأرسطو، كلاهما كان على صواب، لكن بدرجات متفاوتة. العلوم التجريبية ليست العلوم النظرية، والعكس صحيح كافية وحدها لمعرفة الحقيقة. وإنما تحتاج بجانبها إلى العلوم النظرية، والعكس صحيح.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
بحث في الفلسفة والمنطق جدير بالتأمل | أبوعبدالله | منتدى الحوار الهادف | 6 | 07-06-2010 11:44 AM |