|
المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الحسد في ديوان الشعر العربي
الحسد
في ديوان الشعر العربي أ.د/ جابر قميحة gkomeha@gmail.com من الحقائق التي حملها إلينا التاريخ، وسرت مسرى الأمثال قولهم: "العرب أمة شاعرة"، وكذلك قولهم "الشعر ديوان العرب". ولا مبالغة في ذلك: فالشعر هو الذي حفظ تاريخهم، وأيامهم ومسيرة حياتهم. ********** وندعوك ـ ياعزيزي القارئ ـ لنعيش مع "الحسد" . ولا تعجب لهذه الدعوة ؛ فمعرفةُ الشر ضرورة كمعرفة الخير ، حتى نتفادى الأول، ونسلك سبيل الثاني. ولكن ما هو الحسد؟ ... الحسد ـ في إيجاز ـ هو أن يتمنى الإنسان زوال نعمة الآخرين. ولكن عليك ألا تخلط بين الحسد والغبطة، فالغبطةُ تعني أن يتمنى المرءُ أن يكون له مثل ما للآخرين من مال ونعمة، أو صفات عقلية ونفسية دون أن يتمنى زوالها، فهي تطلعٌ طيب، وطموحٌ إلى ما هو أحسنُ وأرقى. والحسد آفةٌ نفسيةٌ تدل على طبيعةٍ فاسدة، وضعف في الشخصية والإيمان، واهتزاز بثقة الإنسان بنفسه، كما يدل الحسدُ على حماقة الحاسد؛ لأنه بالحسد ـ أي بهذا التمني المنحرف ـ "يحترق ذاتيًا" إذا لم يُصَب المحسودُ بما تمناه الحاسد. ********** ويقول زيدُ بنُ الحكَمِ الثقفي: تملأتَ من غيظ عليَّ، فلم يزل بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي وما برحتْ نفسٌ حسود حشيتها تذيبك حتى قيلَ: هل أنت مكتوي؟ ********** ويقدم ابنُ المعتز الدليل المشهودَ على شدة ما يعانيه الحسود. فيقول: اصبر على كيد الحسو د فإن صبرك قاتله فالنــارُ تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ********** ويرى أبو العلاء المعري أن الحسدَ طبيعة مركوزة في نفوس البشر ، لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، فيقول: ومن عاش بين الناس لم يخل من أذى بما قال واشٍ، أو تكلم حاســدُ ويغلو أبو العلاء في رأيه هذا فيرى أن الحيوان قد يقع عليه الحسد أيضًا، فيقول: ولا يرى حيوانٌ لا يكونُ له فوق البسيطة أعداءٌ وحساد ********** ولا شك أن الحسد يعتبر شهادة "ضمنية" بعظمة المحسود وتميزه بصفات وخصائص ومكارم لا تتوافر في الحاسد. يقول الشاعر: إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حُسدوا فدامَ لي ولهم ما بي وما بهموُ ومـاتَ أكثرُنا غيــظًا بما يجــدُ وفي هذا المعنى يقول سُفيان بن معاوية: إن العرانين تلقاها محسَّدة ولا ترى للئام الناس حُسادا ********** وقال أحد الشعراء: وترى اللبيب محسدًا لم يجترم شتْم الرجال، وعرضه مشتوم حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقومُ أعداءٌ لهُ.. وخصومُ كضرائرِ الحسناء قلن لوجهها حسدا وظلما "إنه لدميم". ********** ويرى ابن المعتز أن الحسد قد يقع من الأقارب، وأن الحسد دليل على عظمة المحسود، وشهادة بمجده. فيقول: وإذا ملكت المجد لم تملك مودات الأقارب والمجد والحساد مقـ ـرونان، إن ذهبوا فذاهب وإذا فقدت الحاسدين فقدت في الدنيا الأطايب ولا شك أن حسد ذوي القربى أشد على النفس من حسد غيرهم. يقول أبو تمام: ما هذه القربى التي لا تتقَى ما هذه الرحمُ التي لا تُرحمُ حسد العشيرة للعشيرة قرحة تلدت وسائلها وجرح أقدم ********** وكان أبو العلاء المعري من أكثر الشعراء ذمًا للحسد، ونهيًّا عنه، وزجرًا للناس، عن أن يلوثوا أنفسهم بهذه الآفة النفسية الخبيثة. يقول أبو العلاء: فلا تحسدنْ يومًا على فضل نعمةٍ فحسبك عارًا أن يقال حسودُ ويقول: لا بد للروح أن تنأى عن الجسد فلا تخيم على الأضغان والحسد ويرى أبو العلاء أن مجانبة المرء للحسد إنما هو مظهر من مظاهر التقوى، والخوف من الله، فيقول: إن كان قلبك فيه خوفُ بارئه فلا تجاوز حذار الله بالحسد ********** ويرى بعض الشعراء أن الحسد من الآفات المتجذرة التي قد يستحيلُ اقتلاعها من النفس، يقول أحدهم: كل العداوة قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حَسَدِ وهذا البيت يذكرنا بقول معاوية بن أبي سفيان: "كل الناس أستطيعُ أن أرضيه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها". ********** ومن أبشع ألوان الحسد أن يحسد المرءُ مَنْ أحسنَ إليه، وواصل إعطاءه والإنعام عليه، وفي ذلك يقول الشاعر: وأظلمُ أهل الأرض من بات حاسدًا لمن بات في نعمائه يتقلبُ ولكن علينا أن نؤمن بحقيقة مؤداها أن للحسد فضلاً ـ طبعًا لا يقصدُه الحاسد ـ وهو إبرازُ عظمةِ المحسود، ونشر مكارمه، ومآثره، وفرائده. وفي ذلك يقول أبو تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلــة طويت أتاحَ لها لـسانَ حســود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيبُ عَرفِ العود وفي قريب من هذا المعنى يقول البحتري: ولن تستبين الدهر موقع نعمة إذا أنت لم تدْلل عليها بحاسد ********** وقد بالغ بعضهم وطالب المحسود ـ لا أن يعذر حاسده فحسب ـ ولكن يشكره؛ لأنه بحسده أظهر ما يتمتعُ به من فضائل ومكرمات، وإن كنتُ أرى أن ذلك إنما جاء على سبيل السخرية من الحاسد. يقول أبو تمام: لولا التخوف للعواقب لم يزل للحاسد النعمى على المحسودِ ********** عزيزي القارئ ، آن لنا أن نترك الحسد والحساد، داعين الله أن نجتمع على الحب والمودة، والحق والخير، والألفة والسماحة، وقيم ديننا الحنيف .
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الشيخ أحمد الحسني الإغشري ــ بقلم العتيق بن عبد الله | الدغوغي | المنتدى الأدبي | 10 | 03-27-2012 08:16 PM |