نثرة الورود الأولى

نثرة الورود الأولى:

اسم القبيلة العام للشيخ العلامة عالي الإدريسي
صاحب كتاب: صرف العتاب عن المتمسك بالسنة والكتاب
((كَلْ تَمُكَسِنْ))

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحان من له الحمد في الأولى والآخرة، القائل: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس
خلاصة المعنى الجميل الدقيق لكلمة: التاريخ.
أقول بين يدي هذه النثرة الوردية، بعد الثناء على الله بما هو أهله هو أهل التقوى وأهل المغفرة. قال عبد الكريم الفيلالي: ((التاريخ عند المقررين من أجلّ العلوم الإنسانية، وأدعاها للعناية، فيه يعرف الإنسان مكانه من السلسة الإنسانية، ومكانة أمته من الهيأة الاجتماعية، لو كانت فائدته تنحصر في هذه المعرفة لسهل الاستغناء عنه، ولكن فوق ذلك.....)) الخ التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير (1/3) طبعة شركة ناس للطباعة.
قبيلة: كَلْ تَمُكَسِنْ.
بادئ ذي بدء، إن صاحب كتاب: ( صرف العتاب عن المتمسك بالسنة والكتاب) هو من البدور التي تنميه إلى سماء مجد (كل تمكسن) قبيله (كَلْ مَرْسِي) التي هي إحدى قبائل ((كَلْ تَمُوكَسِنْ)) الشهيرة بالفضل والعلم. وسيأتي الكلام عنها مفصلاً ـ بإذن الله تعالى.
وأما القبائل التي يجمعها اسم: ((كَلْ تَمُوكَسِنْ)) فهي سبع ـ حسب ما توصلت إليه نقلاً.
1- كَلْ: مَرْسِي.
2- كَلْ: وَامي.
3- كَلْ: فانْبَلْقُ.
4- كَلْ: بَكَلْ.
5- كَلْ: تَجَشي.
6- كَلْ: بَنْغَوْ.
7- كَلَ: أَسُّوكْ إِنَ أَسُّوكْ.
وهذا القبلي الخليط من قديم الدهر قرابة وجواراً، اخترت اسماً جامعاً له حين التعرج إلى التحدث عنه، في مستقبل حياتي ـ بإذن الله تعالى ـ باسم اصطلحته له.
وعليه يجري نظم ذكره الكريم ـ بإذن الله ـ وهو الآتي بين قوسين: (الانمزاج القبلي ـ الرَّحِمِيّ ـ العلميّ ـ الجواريّ ـ السوقيّ ـ السُّباعيّ ـ المحكم ـ الربيط بعَلَمية: كَلْ تَمُوكَسِنْ). المتلخص منه: الانمزاج القبلي الأخوي العلميّ السوقي السُّباعي المتين.
وقد أكتفي في معرض ذكره ـ إن شاء الله ـ إن مرّ عليه سياق الكلام الأثير بجملة منه، كـ: ((الانمزاج القبلي السوقي)). أو: ((الانمزاج السوقي السُّباعي)). أو: ((الانمزاج الأخوي المتين)). أو: ((الانمزاج الرَّحِمِي العلمي الرائع)). أو: ((الانمزاج الجواري المحكم الربيط)).
قلت: وسيأتي الكلام عن هذه القبائل الشهيرة بالفضل، والعلم، والعرفان، في مقالات نثرات ورودها خاصة بها ـ إن شاء الله تعالى.
والتي يقرب ما عليه هذا: الانمزاج القبلي الأخوي السوقي السباعي المتين.ما تضمنه معنى حسن العهد والقرابة، على وجه ما قاله عمرو بن سالم الخزاعي (حين) قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة , وكان ذلك مما أهاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس. فقال أرجوزته المشهورة، التي منها، قوله:

قد كنـتمو ((ولداً)) وكنا ((والدا)) * ثمــت أسلمــنا فلـم ننزع يدا

انتهى مع التلخيص، من تفسير الخازن ـ سورة النصر.
قلت: إن هذا: (الانمزاج القبلي الرَّحِمِيّ والجواري السوقي السُّباعي المحكم الربيط بعَلَمية:كَلْ تَمُوكَسِنْ). قد ضرب أروع الأمثلة في حسن العهد والقرابة فيما بينهم.
بل قد ترى فيا بينهم من حسن العهد والجواري المشدود بهما صلة رحمهم، فيلوح لغيرهم بالفعل أنهم كأسنان مشط رحمي جميل المآثر ـ اللهم زد وبارك في هذه الكلية الممنوعة من الصرف.
هذا ومن أجمل مآثرهم إنزال كل واحد منهم أخاه منزله الكريم في القرابة، والمكانة العلمية، والاجتماعية.
أضف إلى ذلك أن صغار السن فيهم بل وغير المطلعين في دقائقهم قد لا يستطيع ميز أحد أعيان قبيلة من قبيلة أخرى في قبائل هذا: الانمزاج القبلي الأخوي السوقي السباعي المتين.
هذا ونحن الآن نتخلص هنا إلى المقصود في هذا المقال، وهو تسليط الأضواء على إثبات ذلك نقلاً وعقلاً أعني به هذا (الانمزاج القبلي الربيط بعَلَمية: كَلْ تَمُوكَسِنْ).
سواءً ما يتناقله أبناء القبيلة العام نفسها جيلا جيلا، أو ما بين ما يتناقله من له صلة بهم، مبتدئاً بنقولات بعض أبناء: كَلْ تَمُوكَسِنْ ـ المشاهير قديماً.
فممن نص على ذلك من قدمائهم أحد أعلام قبيل(كل وامي)وهو الشيخ العلامة والحبر الفهامة محمد الامين السوقي الوامي الإدريسي ـ رحمه الله قائلاً ـ: ((وبعد فيسلم صاحب الخط محمد الامين بن محمد المعروف بتَقَدُتْ الشريف الحسني الزكوي قبيلة، على الأديب العالم النزيه النجيب، ذاك سيد محمد بن بادي أزكى السلام، وتحية غاية التحية والإكرام..الخ.
وهي رسالة تتعلق ببعض الفتاوى التي أفتى الشيخ محمد الامين بها والتي لها صلة بالمرسل إليه وهو الشيخ ابن باد الكنتي. وعندي نسخة من الرسالة مخطوطة بخط الشيخ محمد الامين نفسه ـ رحم الله الجميع.
قلت: والشاهد في هذا النقل، قوله: ((الزكوي قبيلة..)) أي: نسبة إلى معنى: (كل تمكسن) باللسان الطارقي مترجماً باللغة العربية، وسيأتي بيان معنى: (كل تمكسن) في اللسان العربي، وأصل هذه التسمية، وضبط لفظ: (كل تموكسن)، وغير ذلك مما يتعلق به في مقال خاص به ـ إن شاء الله تعالى.
وعلى كل حال فهذا بعض العلماء الأعلام من أوتاد هذه القبيلة الكريمة القدماء سجل عنه التاريخ إطلاقه على قبيله (كل وامي) ضمن ذلك الانمزاج الرحمي الرائع.
ومن الشواهد على ذلك أيضاً: أن شيخ شيوخ المشايخ، العلم المتين الشامخ، القاضي زين الدين بن محمد الصالح المعروف (بإِنْقُنَّا) التنغاكلي السوقي الإدريسي شيخي ـ رحمه الله تعالى ـ كنت معه يوماً في زيارة أحد شخصيات الطوارق الدكتور أق بندش، وصادف أن أتاه أحد السياح الأوربيين، على لباس الزي الطارقي المعروف به الملثمون قديماً وحديثاً، ويظهر على ذلك الغربي أنه ممن له مآرب في مضارب الطوارق التي منها دراسة تتعلق بثقافة ذلك المجتمع المسلم الشهير المآثر الحسنة.
وعلى كل حال فإن ذلك السائح الأوربي لما استقر به المجلس، بعد أن مال شيخنا إلى الراحة ظن به أنه نائم، عند ذلك قام السائح الغربي بمد مسجل مع ميكرفون صغير طالباً مني من بين الجالسين أن ألقي قصيدة باللغة الطارقية، المصطلح عليها بلغة القوم: (تِسِيوَيْ) جمعاً، مفردها: (تَسَاوِتْ).
علماً أنه ما سبق أن رأيته ولا علمت به غير تلك الساعة، والحال أنه جعل ذلك السائح الغربي الدكتور أق بندش هو القائم بترجمة مطلبه من اللغة الفرنسية إلى اللغة الطارقية، فحاولت التهرب من الاستجابة لمطلبه، فعلل قائلاً حسب ما قاله لنا أق بندش أنه يجمع الأدب الطارقي على وجه مقارنة أدب طوارق شرق نهر النيجر، وطوارق غرب ذلك النهر.
ويراني من أهل اللساني الطارقي الغربي، عند ذلك استجبت لمطلبه على ظنّ منا أن شيخنا زين الدين التنغاكلي ـ رحمه الله ـ على غفوة من النوم، فلما أخذت شيئاً من مقتطفات الشعر باللسان الطارقي معقولاً لا منقولاً، أظهر السائح الغربي إعجابه بما سمع إذ طلب من المترجم أن ينقل ارتياح مشاعره بطلب تناول شيء من الشعر الغزلي باللساني الطارقي بشرط أن يكون من معقولي أيضاً لا من منقولي، فأنقذني الله من لغو حديثه، ولهوه الأثيم، بما أدركنا أن الشيخ زين الدين التنغاكلي ـ رحمه الله ـ غير نائم، فقطعت الإلقاء فضلاً من الله. ثم حياءً من شيخنا ـ رحمه الله.
وذلك أن المجتمع الطارفي الوفي وكثيراً من القبائل الضاربة في مضاربهم، لهم من الأعراف التقليدية فيما بينهم قديماً أن الشاب فضلاً عمن دونه في السن لا يشارك ببعض ثقافات ذلك المجتمع بين الرجال الكبار حتى يصل به سن الرجولة ما يؤهله إلى ذلك، وكذلك جانب النساء.
هذا وإن لتلك المجتمعات المسلمة ذات التاريخ المجيد عادات لبعضها حظ وافر بآداب الإسلام الكريمة.
وعلى كل حال فإني لما انتهى بي الموقف إلى ما انتهى إليه وذهبت مع شيخي الحبر البحر زين الدين التنغاكلي ـ رحمه الله ـ تحينت فرصة لائقة بعرض الاعتذار بين يديه، فلما سنحت لي وشرعت في عرض الاعتذار ببعض ما سبق بيانه عند ذلك ابتسم والسرور يلوح في وجهه قائلاً بما معانها، بل محل الشاهد منقول لفظاً، وهو قوله: أنتم: ((كل تمكسن)) معروفون بمهارتكم في الأدب، والشعر الذي منه الشعر باللسان الطارقي...
فهذا وجه الشاهد إذ شيخي هو من أعرف الناس بي أماً إذ هي من قبيلة (كل وامي).
وأباً الذي يعلم علماً يقينياً إني من قبيلة(كل تجشي) من بين قبائل كل تمكسن. ذات: الانمزاج الأخوي المتين.
كيف لا وهو الذي قد قال لي يوم جئته لطلب العلم عنده، بعد أن رحبّ بي قائلاً لي: اعلم أنك إن جئتني من غير طلب للعلم فبيتي بيتك لأننا نجتمع أنا وأهل بيتكم في الجد الثامن أو السابع، الشك مني. أي: تجتمع قبيلته بقبيلتنا في العمود النسب الشريف عند الجد الذي ذكره لي ـ رحمه الله رحمة واسعة.
وعلى كل حال هذا ما دونه التاريخ نقلاً عن بعض العلماء الأعلام من أوتاد علماء أفقنا العزيز فضلاً عن قبيلته: تنغاكلي وهو من العلماء القدماء الراسخين في العلوم الإسلامية قاطبة فضلاً عن علم السير والأنساب الذي سجل له التاريخ إطلاقه على قبيلة (كل تجشي) ضمن ذلك: الانمزاج الرَّحِمِي الرائع.
قلت: ومن الشواهد على ذلك أيضاً، وإن كان الأمر كما قال الشاعر:

وليس يصـــح في الأذهــان شيء * إذا احتــاج النــهار إلى دلـــيل

وذلك أنني في إحدى رحالتي الدعوية في مضارب الطوارق إذ أنا بشيخ طاعن في السن عليه ملامح آثار البادية فقمت لاستقباله قبل وصول مجلسنا فالتقينا وسلمت عليه سلام من يعرفه لأجل أن أونسه بمجلسنا، فقال لي بعد نهاية الترحيبات إنه ماضٍ إلى بعض مشاهير القرية نفسها له قرابة به لينزل عنده، فقلت له ألا تكرمنا بجلسة لتشرب الشاي الأخضر، كأقل زمن نتشرف بالجلوس معك فقال لي ما معناه: لك ما ترغب فيه.
فلما رأى ما يشير إليه قول الشاعر عن الشاي الأخضر:

شرب إذا ما صب في كــاساتــه * يكسى احمراراً كالخـــضاب بالأصـبع
وعلى احمرار الكأس تعلو رغـــوة * وتــخالها شيـــباً بهــامة أصلـع
فعمـــلت فيه بحيلتي حــتى أتى * جـــبر الخــواطر كالعصير المنقــع
فـــتنازعته حــلاوة ومـرارة * كـــلتاهـــما عن شــانها لم تنزع
كلــتاهما لم تزر بالأخـرى ومـا * شــرب الأمــاجد دون تــين بمقنع

هذا شيء من قصيدة جاءت على أصول استعمال المجتمع الطارقي و القبائل الضارب في مضاربه للشاي الأخضر وقد أملاها عليّ فضيلة الشيخ الداعية أبو محمد عبد الله موسى السوقي الوامي الإدريسي ـ حفظه الله.
و الحال أن ضيفنا الآنف الذكر لما رأى ما يليق بالكرام، وكنت قد أخبرته فيما سبق أني من السوقيين.
فبعد أن آنس بمقامه الكريم أخبرني: أنه من قبيلة (إمغاد) الشهيرة باسم (كل سريري).
فكان مما جرى بيننا أن سألني عن عالمين جليلين كان لهما صلة بقبيلته تلك قديماً ثم انقطع بخبرهما، قائلاً لي إن هما من (كل تمكسن).
فقلت له ما اسمهما؟ فقال لي أحدهما اسمه: عَلِيُّ، والآخر اسمه: حَمَظْ ـ رحمهما الله ـ فقلت له: هما قد ماتا ربما زمن ولادتي أو قريباً من ذلك، ثم أخبرته بمشاهير ذريتهما في الحاضر ـ رحم الله السلف وبارك في الخلف.
قلت:والشاهد قوله: من (كل تمكسن).
وهما كذلك حقاً إلاّ أنهما من أعيان وأعلام من تنميهما إلى ذلك: الانمزاج السوقي السباعي ، قبيلهما (كل بكل).
قلت: هذا نقل عن بعض كبار السن من بعض القبائل البعيدة عن محيط مضارب قبائل(كل تمكسن ) وقد حفظ للتاريخ بعض حقائقه التي سجلها له التاريخ من إطلاق(كل تمكسن ) على قبيلة (كل بكل) ضمن ذلك: الانمزاج القبلي العلمي السوقي.. الشهير.