الصوم يدفع إلى فعل الطاعات
يظل الصائم متلبساً بعبادة من أفضل العبادات، متلبساًبعمل من حين يطلع الفجر إلى أن تغرب الشمس، و لا بد أن تبدو عليه حينئذ آثار هذهالعبادة، لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم "ثلاثة لا ترددعوتهم.. و ذكر منهم: الصائم حين يفطر"(أخرجهالترمذي برقم 2526 و قال: هذا حديث إسناده ليس بالقوي. و ابن ماجة برقم 1752 من حديث أبي هريرة رضي اللهعنه).
فالصائم من حين يبدأ صومه إلى أن يفطر و هو مستجابالدعوة إذا كان صحيح الصوم.و عبادة الصوم تجر إلى سائر العبادات، لأنك إذا عرفت أنكفي عبادة حملك ذلك على أن تأتي بعبادة ثانية، و ثالثة، و رابعة، و هلم جراً،فتستكثر من العبادات، و تقول: لماذا لا أرغب في العبادات؟ كيف أقتصر على عبادةواحدة، و العبادات كلها مرغوبة و محببة؟ * فتجد الصائم -صحيح الصيام- يحافظ على الصلوات فيالجماعة، لأنه يعرف أن الذي كلفه بالصوم كلّفه بالصلوات، و أمره بها، فأكد على هذهكما أكد على تلك، فتجده محافظاً عليها، و تجده في حال صلاته خاشعاً فيها غايةالخشوع، قائماً بجميع أركانها و شرائطها و مكملاتها و متمماتها و سُننها، لأنهيحاسب نفسه و يقول: كيف أكمل عبادة و أنقصعبادة؟ هذا لا يليق بي. لا بد أن أحسن في كل عبادة أقوم بها، فتجده محافظاً علىصلاته غاية المحافظة. * و هكذا يدفعه الصوم إلى نوافل العبادات، لأنه عرف أنربه يحب منه أن يدخل في العبادات كلها، فرضها و نفلها، فإذا حافظ على الفرائض حملهذلك على الإتيان بالنوافل؛ فتجده يتسابق إلى المساجد، و تجده يصلي الرواتب قبلالصلوات و بعدها، و تجده يذكر الله، فيأتي بالأوراد التي قبل الصلاة و بعدها، ويسبح، و يستغفر، و يهلل، و تجده يتلو كتاب ربه و يتدبره؛ لا سيما في هذا الشهر -شهررمضان- فإنه يعرف أنه موسم من مواسم قراءة القرآن و تدبره، و تجده مع تدبره يحرصعلى تطبيقه و العمل به، لأنه يعرف أن هذا القرآن ما أنزل إلا ليطبق و يكون منهاجاًللحياة و دستوراً للبشرية كلها. و هكذا فإن الصيام يحمل صاحبه على أن يستكثر منالعبادات، للفوز بجزيل الثواب و النجاة من أليم العقاب. * و هكذا أيضاً يحرص الصائم على عبادات مؤقتة في مثل هذاالشهر؛فمثلاً من سنن هذا الشهر صلاة الليل التي هي التهجد و التراويح، و هي مأمور بها ويستحب للمسلمين فعلها في المساجد جماعة. و كما جعل الله سبحانه و تعالى النهارمحلاً للصيام، فإنه جعل الليل محلاً للقيام و الاستكثار من الصلوات. * كما يدفعه صيامه أيضاً إلى النفع العام للمسلمين في هذاالشهر و في غيره، فينفع نفسه و ينفع سائر المسلمين؛ سواء كان في الأمور الدنيوية أوفي الأمور الدينية: فمن المنافع الدنيوية: الصدقات التي أمر الله تعالى بها،و أمر بها رسوله صلى الله عليه و سلم. قال بعض السلف: ""إذا دخل رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله". فالإنسان مأمور بأن يكثر الصدقات في هذا الشهر و قد كان النبي صلى الله عليه و سلمأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة (أخرجه البخاري برقم 6 في بدء الوحي،باب:5). ذلك أنه شهر يتفرغ فيه العباد لطاعة الله و يبتعدون عن طرق الغواية و المعصية، و يستحب فيه مواساة الفقراء، و قد ثبت في الحديثأن من فطر صائماً كان له مثل أجره(أخرجه الترمذي برقم 807 فيالصوم. باب "ما جاء فيمن فطر صائماً").
و من المنافع الدينية: فإنك كما ينبغي عليك أن تنفع نفسك، فإن عليك أن تنفع المسلمين، فإذا استقمت على طاعة الله، فإنك تحرص على أن تقيم غيرك على هذه الطاعة، و ذلك بأن تأمر إخوانك و أقاربك و جيرانك بأن يعملوا كماتعمل، و ترشدهم إلى ما أنت عليه، و تحثهم على العبادات التي أتيت بها، فتحثهم على قراءة القرآن، و على المحافظة على الصلوات، و تذكّرهم بذلك، و تقول لهم إن الذي يحب منكم الصيام يحب منكم الصلوات، و الذي أمركم بهذا الصوم أمركم بذكره، و فرض عليكم هذه الصلوات، و هذه الزكوات، و ربّ رمضان هو ربّ شوال و محرم و سائر الشهور، فلعلهم ينتفعون بذلك و يكون في ذلك فائدة عظيمة لك و لهم، و تسلم من الإثم إذا لم ترشدهم وإذا استقاموا على يديك كان لك من الأجر مثل أجورهم و ذلك خير لك من الدنيا و مافيها(لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك منأجورهم شيئاً، و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلكمن آثامهم شيئاً" أخرجه مسلم برقم 2674). كذلك أيضاً فمن النفعالمتعدي التعليم و التفقيه، و ذلك أنك متى علمت حكماً أو مسألة، و عرفت أن فلاناًأو فلاناً يجهلها، فإن من واجبك أنتعلمه وترشده سواء أكانت حُكمية أو وعظية أو إرشادية، أو غيرذلك
الشيخ عبدالله بنعبدالرحمن بن عبدالله الجبرين رحمهالله
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ