العودة   منتديات مدينة السوق > قسم اللغة والدروس العلمية > المنتدى الأدبي

المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله

Untitled Document
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 04-14-2009, 11:06 PM
أمح محمد أحمد غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 74
 تاريخ التسجيل : Apr 2009
 فترة الأقامة : 5704 يوم
 أخر زيارة : 08-09-2010 (09:34 PM)
 المشاركات : 16 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : أمح محمد أحمد is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
مختطفات من الإخوانيات في الأدب السوقي (بحث تخرج)



معكم أمح محمد أحمد السوقي ، أرجو أن تكون مشاركتي الأولى في هذا المنتدى بإرسال مختطفات من بحث تخرجي الذي بعنوان ( الإخوانيات في الأدب السوقي خلال القرنين الرابع والخامس عشر الهجريين ) فأرسل لكم الفصل الأول من هذا البحث وهو عبارة عن مقدمة تاريخية للسوقيين ، راجيا قراءة هذا الفصل ، وإبداء آراءكم فيه ، وبعد ذلك أرسل لكم بقية الفصول


الفصل الأول :
التعريف بالسوقيين ، وتحته مبحثان :
المبحث الأول : الناحية التاريخية للتسمية ، وتحته مطالب :
المطلب الأول : السوق
المطلب الثاني : السوقي
المطلب الثالث : أنساب السوقيين
المطلب الرابع : مناطق وجودهم
المطلب الخامس : الأصالة العربية للسوقيين



للوقوف على المدلول الحقيقي للتسمية (السوق) أو المنطقة المعنية بهذا الإطلاق ، وفي هذا المقام بالذات ، وللتنقيب عن الجذور الأصلية للقب (السوقي) يجدر بنا :
أولا : أن نجرد الكلمة من ياء النسبة حتى يتسنى تناول الطرفين (المنسوب إليه ، المنسوب) لوضع كل منهما – على حدة – فوق بساط البحث وتحت يد التفتيش .
ثانيا : أن نناقش الطرفين من منظر تاريخي حتى يتأتي تحديد الموقع الجغرافي للمدينة التي ينتسب إليها هذا الجيل ، وتمييزها بين مثيلاتها المشاركة لها في الاسم 1 ، وحتى نتمكن من التنبيه على مراحل التدرج أو أطوار التنقل التي مرت على هذا اللقب قبل أن يستقر على المشهورين به أخيرا ويثبت لهم بوجه خاص دون غيرهم من أبناء المدينة الأم ،
أولا : السوق
بغض النظر عن الخلاف الذي أثير حول تعيين المدينة المعنية بهذا الإسم (السوق) والتي سكنها أجداد السوقيين في العهود الأولى لوصول الإسلام إلى الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا ذلك الخلاف الذي أنتجه تعدد الأماكن المعروفة بهذا الاسم في شمال إفريقيا والوطن العربي بوجه عام وإن لم يحظ هذا الخلاف بتأييد علماء البلد ومؤرخي المنطقة ولم يكن له صدى يذكر في اوساط سكان الصحراء الكبرى ، فثنيت عنه عنان اليراعة ، وصرفت عنه زمام العناية ، فالتحقيق أن السوق المقصود هنا هي : مدينة بربرية قديمة تعرف عند الطوارق باسم (السوك) ويطلق عليها لدى العرب (السوق) وهي عبارة عن تعريب للتسمية الطارقية ،
واشتهرت المدينة بعد وصول الإسلام إليها بتسمية جديدة (تادمكة) 2 وتقع شمال مالي تحديدا قرب مدينة (كيدال) الحالية في محاذاة حدود مالي مع الجزائر 3
وحول أصل التسمية الجديدة أو الإطلاق الطارئ على المدينة (تادمكة) يقال بأن وفدا1 من المغرب قد مر على المدينة في طريقه إلى الحج ، وذلك أيام ازدهارها وتحت ظل اشتهارها فتأثر الوفد بأناقة وروعة المنظر العام للمدينة بشكليه (المعماري ، والسكاني) وفي أثناء إعجابهم بذلك المظهر أطلق أحدهم مقولته الشهيرة مشبها المدينة بأم القرى ، فقال باللغة الطارقية : (تادمكة) ومعني الجملة بالعربية ( هذه مكة ) فتداول الأقلام والألسنة الجملة حتى أصبحت لقبا غالبا على المدينة بل علما اشتهرت بها بدرجة تكاد أن تطغي على التسمية الأولى (السوق)
ويقول الشيخ العتيق بن سعد الدين السوقي هي القاعدة لما بين (آيير) وبلاد (السودان ) وإليها ينسب من كان تحت حكم أهلها ، وهم أمم لا تحصى وأجيال لا يجمعهم اسم واحد إلا أهل (تادمكة) ويقال أصلهم من (صنهاجة) من قبائل البربر أو العرب المتبربرة ثم انتقل إليهم كثير من قبائل البربر من المغرب والجزائر وليبيا ، فاختلط الكل وتكونت منهم إمارة عظيمة ثم انتقل إليهم كثير من العلماء والشرفاء والأنصار حتى صارت منهم قبائل عديدة ينتمون إلى الشرفاء وأخرى ينتمون إلى الأنصار وازدهر المدينة وسار أهلها بسيرة أهل الصدر الأول حتى لقبت بـ (مكة الجديدة ) لتمسك أهلها في سيرة السلف الصالح .
وقد وصل الإسلام إلى المدينة في القرن الأول الهجري ، إلا أن المصادر لم تسعفنا بطريقة وصوله إليها ، وإن كان الغرض لا يتعلق بطريقة ولا بكيفية وصوله ، وأيا ما كانت الطريقة أو الوسيلة ، فما أن قرع الإسلام أبواب المدينة حتى تفتحت له الصدور ، وانفتحت الدور ، واحتضنته بكل قبول وآوته بكل معاني السخاء والرضا ، فانبلج نور الإيمان وانبثت معالم الهداية وساد جو من التراحم والتكافل والتعاضد بفضل هذا الدين الحنيف وما ينطوي عليه من مبادئ فاضلة ويحتويه من تعاليم سمحا ، ويدل عليه من أخلاق نبيلة ، فأضافت المدينة إلى أهميتها الاقتصادية القديمة التي حازتها بفضل الله ثم بسبب توفر وجودة ذهبها وكرم أهاليها ، أضافت إليها أهمية جديدة ثقافية أفرزتها المكانة العلمية التي يمتاز بها أبناؤها ، فقد اشتهر علمهم وزاع صيتهم حتى أضحت المدينة قبلة للنخب المثقفة في كثير من البلدان ، وموئلا سخيا لطلبة العلم وملاذا آمنا لعلماء الدين ورجال الدعوة وأطباء اللغة ، الذين لم يألوا جهدا في بث علومهم ولم يدخروا وسعا في خدمة الإسلام وعلومه ، ، كما تشهد به المراجع التاريخية وكتابات المؤرخين ورحالة العرب قبل شهادات أبناء المنطقة 2 ، ومدينة (تادمكة) تضاهي مدينة (شنقيط) في عراقتها وتشاركها في دورها المميز ، إلا أنها لم يكتب لها من العناية في السابق ، ما كتب لأختها 3
فقد ذكر الشيخ العتيق أنها تعتبر في عصر إزدهارها من أهم مدن الإسلام ويعتبر أهلها من أهم حاملي رايات العلم ومقيمي السنة ومحاربي البدعة ، ولم يزالوا على تلك الحال إلى أن تفرقوا عنها وتشتتوا في البلاد بعد خرابها ، ومغادرة السكان لها ، فبقيت اطلالا لا أنيس فيها ولا اثر إلا الأسماء المنقوشة على الحجر ، وما هي إلا ذكرى للبشر
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس (1)
أما خراب المدينة(2) ، أو السبب من وراء جلاء السكان عنها فظل دائما يكتنفه الغموض مما أدى بدوره إلى تباين الروايات واختلاف الأراء بشأنه ، فهناك رواية تفيد بأن حاكم دولة سنغاي المعروف بـ (سني علي ) والمشهور بمناوءة ومعاداتهم ومهاجمتهم في ديارهم وتخريبها عليهم ، كما حصل لمدينة (تيمبكتو) هو الذي أغار على المدينة وخربها ، إلا أن هذه الرواية مردودة قطعا ، ولم نوردها هنا لتخليدها ولا للانجراف مع تيار مثلها ، وتقليدها ، فعلى من يريد الوقوف على الحجج القاطعة والآراء الساطعة التي دحضت بها من علماء البلاد ومؤرخيها المحققين أن يراجع كتابي ، الجوهر الثمين ، وإتحاف المودود ،
وحسب المصادر الموثوقة ، فإن السبب الوحيد من وراء مغادرة السكان للمدينة يرجع إلى عوامل طبيعية من الجفاف وقلة الأمطار وكثرة الجدب ، وظروف إقتصادية من نقصان الذهب ، وتراجع الحركة التجارية ، وقلة إقبال التجار عليها ،
علاوة على أن موقع المدينة يأتي بين جبال وأودية في صحراء قاحلة لا تنبت ولا توجد فيها مزارع ولا مراع تساعد على إقامة السكان فيها ،1 (3)
ويمكن تأييد هذا الرأي بأن استمرار الحياة في مدينة كبيرة على غرار (تادمكة) بمواصفاتها المذكورة صعب جدا في هذا العصر بتقنياته المتطورة ووسائل نقله المتقدمة ، فكيف بتلك العصور التي لا توجد فيها وسائل نقد إلا بدائية ، كسفينة الصحراء (الجمل) ،
أما التقنية فلم تزل تحت استار الغيب محجوبة عن أنظار أبناء المنطقة وبعيدة التناول والاستخدام


ثانيا : السوقي
انطلاقا من كون هذا الإطلاق نسبة إلى مكان يعرف بالسوق ، مرورا بوجود خلاف قليل بشأن تحديد هذا المكان ، هل هو سوق لزام بتونس أم لا 1 ؟ لاحتمال أن يكون أجدادهم سكنوه ثم تحولوا إلى (السوك) المعروف بعد ذلك بـ (تادمكة) ، حاملين معهم هذا الاسم ، فانسحب على المدينة ، وانتهاء بكون هذا الاحتمال بعيدا جدا باعتبار المدينة قد اشتهرت باسم (السوك) قبل الإسلام مما لا يتصور معه أن تكون قد أخذت هذه التسمية من جماعة وافدة بعد وصول الإسلام ،
فإن هذا اللقب إذا اطلق يقصد به كل من ينتسب إلى مدينة (السوك)2 أو (السوق) أو (تادمكة) التي مر علينا تحديد موقعها آنفا ،
وقد قطع هذا اللقب مراحل تدرج وعاش فترات تنقل أو انحسار عبر تقادم الزمن وتعاقب الأجيال وعقب تفكك الجوار وتباعد الأوطان وحسب معايير جغرافية أحياننا وثقافية تارة أخرى ، ذلك التدرج الذي أدى إلى انحسار اللقب عن بعض أصحابه ، بل انتقاله على غالبيتهم حتى أن كثيرا منهم لا يعرف باندراجه تحت اللقب ، ولا يدرك انسحابه على قبيلته يوما من الأيام ، وذلك ناتج عن انتشار سكان المدينة بعد خرابها في البلاد ، فاستقلت كل مجموعة باسم جديد يخصها ، مأخوذ من الجبل أو التل أو الوادي أو البئر الذي تسكنه بشكل دائم أو بصورة دورية بأن تحله في موسم معين من السنة ، وتتحول عنه في موسم آخر ، فبقي الانتساب إلى السوق في التطور أو التدرج المرحلي أو الانتقال الأخير على القاطنين في القرب من أطلال المدينة من أبنائها ، ثم شهد التطور النهائي أو التحول الجزري ، فأطلق على المتعلمين من أبناء المدينة أو أبناء الأجداد الذين انضموا إلى السوقيين فيما بعد ، فاندمجوا فيهم اجتماعيا وجغرافيا ، وعرفوا بهذا اللقب 3 .
وبهذا يتبين أن هذا اللقب مر على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : يطلق فيها على كل من سكن أجداده السوق (السوك) (تادمكة) في الفترة ما قبل الفتوحات الإسلامية وما بعدها إلى خرابها .
المرحلة الثانية: يعرف به كل مستوطن قريبا من أطلالها بعد الخراب من أبنائها وانجلاء سكانها.
المرحلة الثالثة : يطلق على كل متعلم من أبناء المنتسبين إليها ، أو أبناء الذين انضم أجدادهم إلى المنتسبين إليها بعد خرابها ، واندمجوا فيهم اجتماعيا وثقافيا ، حتى أن كثيرا من سكان المناطق التي تعرف السوقيين في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو ، يطلق هذا اللقب على كل متعلم ، ولو كان مخالفا للسوقيين في النسب ، العرقي والجغرافي ومغايراً لهم في اللون والزي
وهذا من شدة تمسكهم واشتهارهم بالعلم والتعليم والدعوة الإرشاد ، نحمد الله على ذلك ونتضرع إليه في الاستمرار فيه ، وإخلاصه له ، والثبات عليه ،
وللاطلاع على من تنطبق عليهم هذه الأوصاف ، راجع الجوهر الثمين (1)
إذا علمت هذا ، فاعلم أن هذا اللقب ، إذا أطلق على الفرد باللغة الطارقية ، يقال له (أوسوك) فـ (أو) في لغة الطوارق بمثابة ياء النسبة في اللغة العربية ، وإذا اطلقته على الجمع بهذه اللغة أيضا ، قلت (كل أسوك) فـ (كل) في لغة الطوارق عبارة عن تفسير لكلمة (أهل) في لغة العرب ، فإذا أضفنا السوق إلى (أهل) نقول ( أهل السوق) وأهل تساوى (آل) ، فنقول (آل السوق) ، والاستعمالات الثلاث مستخدمة في كتاباتهم النثرية والشعرية ، وكذلك من قبل إخوانهم من أهالي المنطقة ، العرب والعجم ، قال الشيخ الكبير الكنتي محمد المختار :
ولو كنت بوابا على باب جنة لقلت لأهل السوق أنتم لها أهل (2)
وقال حفيده سيدي البكاي بن محمد :
وينصر ضيفي من (كل اسوك) فتية لهم أسد في النائبات وأسود (3)
ويقول الشيخ سيدحم بن بادي الكنتي :
وذا سؤالي وآل السوق أول من فالعرب فالعجم من ندب ومنتدب (4)
ويقول الشيخ محمد العاقب بن سيدي محمد السوسي من أهل (سيقو) :
يا آل سوق فزتم بمآثر الـ ـعليآ عليـــــــــكم وقفها من واقف (5)
أنساب السوقيين :

مما سبق يتضح أن للسوقيين إطلاقين ، عاما ، وخاصا ، فالعام هو الذي يدخل فيه كل من حل أجداده تلك المدينة القديمة ، وإن زالت التسمية عن غالبيتهم ، والخاص هو من بقي فيهم العلم ومدارسته ، وهو المعني في هذا البحث ، وهم أبناء الجاليات العربية التي سكنت السوق في العهود الأولى لوصول الإسلام إليها ، أو بعدها ، ومن انضم إليهم من بني عمهم بعد ذلك ، وهم فصائل من بني الشرفاء والأنصار والفهريين ،
فأما الشرفاء منهم فينقسمون باعتبار النسبة إلى الجد الأعلى إلى ثلاث طوائف :
1- أدارسة ، ينتمون إلى إدريس الثاني بن إدريس ابن عبد الله الكامل ابن الحسن المثني ابن حسن بن علي بن ابي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين
2- أدارعة ، ينتمون إلى عبيد الله الأدرع بن عبد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثني بن حسن بن علي بن أبي طالب
3- بيت منهم ينتمي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن طريق ابنه الحسين بالتصغير لا الحسن بالتكبير
أما الفهريون ، فهم بنو عقبة بن نافع المستجاب الفهري
أما الأنصار منهم ، فيصنفون أيضا تحت طائفتين :
- من ينتمي إلى أيوب الأنصاري
- من ينتمي إلى يعقوب الأنصاري (1)
وهؤلاء الذين اشرنا إليهم ، هم الذين بارك الله فيهم ، وفي نسلهم ، وانتهت إليهم القيادة العلمية في بلدهم من القرن التاسع الهجري ، إلى يومنا هذا ، وهو آخر القرن الرابع عشر الهجري (2) ونفع الله بعلم هؤلاء من شاء من سكان الصحراء الكبري في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو ، حيث تمكنوا من مواصلة أداء دورهم الدعوي والإرشادي والتعليمي إلى جانب القضاء والإفتاء عبر تسلسل السلطنات والإمارات التي تعاقبت في البلاد بعد خراب مدينتهم ، انطلاقا من سلطنات (إولمدن) ومرورا بدولة (سنغاي ) وخاصة في عهد القائد الراشد محمد الحاج محمد اسكيا ، الذي أقرهم في أدوارهم وشجعهم ورعى حرمتهم وحقوقهم لعدالته المشهورة ، ولأنه من تلاميذهم في بداية أمره ، وانتهاء بعهد الاستعمار الفرنسي ، فقد أجبر الله سبحانه وتعالي الحكام الفرنسيين في فترة الاحتلال على ترك السوقيين في مراكزهم العلمية ووظائفهم القضائية والتعليمية ،
وكذلك في الفترة ما بعد الاستقلال إلى الآن ، فهم دائما يحظون باحترام القادة والمتغلبين لتميزهم بخصائص جديرة بالتقدير والإحترام ، ولإعراضهم عن مزاحمة الناس في أمر السياسة والإمارة وانكبابهم على الشؤون الدينية والعلمية ، وتفوقهم في ذلك المجال ، راجع الجوهو الثمين .
مناطق وجودهم :
تتكون قبيلة السوقيين من عشائر عديدة ، وتعرف كل عشيرة باسمها الخاص الذي يؤخذ في الغالب من المكان الذي تقطنه أو من جد معين من أجدادها ، وكانت عشائرهم قبل متجولة ورحالة في ربوع الصحراء الكبرى ، كل منها تتنقل حول مكان معين ، تنطلق منه وتعود إليه ، حسب المصلحة ، ووفق تقلب مواسم السنة ، وتغير أحوال المناخ من حرارة وبرودة ، إلا أن غالبيتهم قاطنون في مالي قديما وحديثا ،
أما في الوقت الراهن فكلهم مستقرون في قرى سكنية ،(1) متفاوتة الابتعاد عن ضفتي نهر النيجر الشرقية والغربية ، في كل من مالي والنيجر بالإضافة إلى مجموعات في بوركينافاسو ، وبيوتات في (تامرست) بالجزائر ، و (غدامس) في ليبيا ، كما توجد عائلات أخرى ذات عدد في السعودية ، قد هاجرت أجدادهم منذ عشرات السنين وتجنسوا في السعودية وتلاحق إليهم بعض أهاليهم ،
وبإمكان من يرغب في معرفة أسماء عشائرهم وأوطانهم الخاصة ، مطالعة كتاب ( أسرع الزوارق إلى المدارس الأدبية في صحراء الطوارق ) لمحمد أحمدا الإدريسي السوقي ، فقد بسط الكلام حول الموضوع وحول مدارسهم وشخصياتهم العلمية .
الأصالة العربية للسوقيين :
سنتناول هذا العنوان ، إن شاء الله بشكل اسرع من الخاطف ، وبوجه أدني من المختصر ، فما قصدت من وراء هذا العنوان إلا الإجابة عن سؤال مطروح فعلا ، سواء طرح تعلما أو تعنتا ، حول إمكانية إنتساب قبيلة كبيرة كهذه إلى أصول عربية ، وهي في منئً عن البلاد العربية ، ويتأكد هذا السؤال كما يتزايد التعنت ، إذا كانت القبيلة تنطق بلغة غير عربية ، وتتزيأ بزي مخالف ايضا ،
أ‌- الانتساب إلى العرب والتمسك بالأصالة العربية ،
يقول الشيخ محمد الحاج بن محمد أحمد بعد كلام طويل جلب فيه نقولا كثيرة تدل على الأصالة العربية للسوقيين ، واعتراف علماء البلاد وقادتهم لهم بذلك ، واحترامهم من أجله :
وعلى كل حال فقد تمسكوا بأصالتهم العربية ، واعترف لهم بها القاصي والداني ، وأقر لهم بها الأول والثاني ، ولم ينازعهم فيها الحبيب الناصح ، ولا العدو الكاشح ، (1)
ومن الأثار التي نقلها ، هو وغيره بهذا الصدد ، رسالة وجهها أحد من أجداد السوقيين ، وهو محمد بن عال الإدريسي السوقي المتوفي 1030 هجري إلى أحد حكام دولة سنغاي ، وهو (إسكيا إسحاق بن إسكيا داوود ، يذكر فيها أصول السوقيين ، وأنهم من ذرية من الصحابة وأنهم لم يزالوا أهل علم وعمل به ، وليسوا كغيرهم ممن لم يتصف بهذه الصفات ، فكتب جانبا من صفاتهم التي تميزهم عن غيرهم من أهل البلد ، ومما كتب : ( تجد صبيا صغيرا منهم يغلب الكبار من غيرهم كحال أجدادهم من أهل الحجاز يحفظون فنون العلم كلها وما تغير دينهم منذ أسلموا إلى هذا اليوم وبذلك يعرفون في جميع البلاد ، وكل من شهد عند القاضي التقي صاحب تينمبكتو محمود يطلب تزكيته إلا السوقيين ، فإنه قطع بدينهم وأمانتهم وعدالتهم وقال : لا نطلب تزكيتهم فقد جربناهم ووجدنا أصلهم خالصا ، ووجدانهم تابعين لأجدادهم في العلم والدين الخالص ، ومنهم أولياء كبار كالحاج الشيخ الكبير أبي الهدي ، وقاضي جدك أبي عمرو الداني ، ومن لا يحصى كثرة )2
والغرض من سوق هذه القطعة من تلك الرسالة الطويلة إلفات الإنتباه إلى إعتراف القاضي محمود بفضيلة السوقيين ، علميا ودينا ، وبأصالتهم العربية ، فأجدادهم الذين جزم باتباعهم لهم أجداد عربية لا غير ، وبعد أن سقنا لك أثرا منثورا في هذا المجال ، سنقدم لك آخر منظوماً إن شاء الله كدليل على توفر هذه الآثار في الموروث الثقافي السوقي ،
يقول الشيخ الكبير محمد المختار الكنتي في الثناء على السوقيين والتنويه بقدرهم والإعتراف بمآثرهم:
جز ى الله أهل السوق عنا بفضله فما حسدو فضلا ولا نطقوا هجرا(3)
فإنهم ذاقوا عسيلة علمهم فأورثهم فضلا واعقبهم ذخرا
حووا كل فضل عن كرام أجلة رووه عن آباء مداولة دهرا
لهم عقبة جد تهدوا بهديه ويحي ولم يلبث أعارقه خسرا
تشاركنا ثدي الكرام وننتمي إلى بازخ من جذم عدنان لا فخرا


ومن خلال ما اختطفنا لك من الثمار اليانعة في هذه القصيدة البديعة الرائعة ا ، يتجلى ما يكن ذلك الشيخ بجلالته وعلمه وعدالته للسوقيين من التقدير والإحترام والمودة والتوقير والإكرام ، والقصيدة طويلة وهناك قصائد أخرى ورسائل وجهها إليهم تسير في نفس الإتجاه ، فكلها تدور في فلك الإعتراف بهم وتحوم أحيانا حول الإعتزاز بهم وبقرابته منهم نسبا وجوارا2

أما خؤولة غير العرب أو التزيي بزي أجنبي عنهم ، فلا يقدح في الانتماء إلى العروبة ، فلم يبلغنا في جاهلية ولا في الإسلام أن عربيا منعته خؤولة غير العرب من إنتمائه العربي ، ولا من تعززه بعشيرته وفخره بآبائه مع كثرة أولاد السراري في أشرافهم وأبطالهم ، وشعرائهم ، وخطبائهم ، وعلمائهم ، يقول عنترة العبسي
إني إمرؤ من خير عبس منصبا شطري وأحمي سائري بالمنصل 1
وتجد مثل هذا في صدر الإسلام وفيما بعده من أشعار العرب وخطبهم 2
قال ابن تيمية في سياق تقسيم البلاد والأنساب بعد انتشار الإسلام والعرب في الأمصار ... كما انقسم الأنساب إلى ثلاثة أقسام :
قوم من نسل العرب باقون على العربية لسانا ودارا ، أو لسانا لا دارا ، أو دارا لا لسانا
وقوم من نسل العرب ، صارت العجمية لسانهم ودارهم 3
ومنه نستشف بسهولة أن كل من إنحدر من أصول عربية ، وبقي على العروبة لسانا ، فهو عربي محض ، اصلا وحالا ، ومن لم يبق لا على اللسان ولا في الدار فهو عربي الأصل ، أعجمي الحال
فالسكنى في البلاد العربية ليست شرطا في بقاء الأصالة العربية ، كما أنها ليست وسيلة إلى حيازتها بالنسبة لفاقدها ، وكذلك التزي بزي الآخرين ، لا يناقض الأصالة العربية ، لما هو معلوم من إقتداء الغالب بالمغلوب ، كما أفاده ابن خلدون 4
والجماعة التي نتحدث عنها مغلوبة بالضرورة ، لأنهم وصلوا إلى البلاد فردا فردا ، ومثنى مثنى ، ووفدوا على مماليك وعمارات كثيرة لا يتصور أن يكون الداخل إليها إلا مغلوبا 5
وبهذا القدر نكتفي بشأن أصالتهم العربية ، ولكن بعد أن ننشد البيت الذي يردده لسان حالهم :
إنا بنو نهشل لا ندعي لأب عنه ولا هو بالأبناء يشرينا ( 5)
وتمسكهم بأصالتهم العربية واعتزازهم بها ، وإظهارهم لمزاياهم من شرف النسب وغزارة العلم لا يتعارض مع التواضع في بعض الأحيان(6) ، ولا يتصادم مع الوفاء بعهد أخوالهم الطوارق ، ولا يتنافي مع إخلاص الود لهم ، فهو أحيانا ، يكون كرد على من استخف بهم وبأنسابهم الشريفة ، وتارة يدفع في صدر مناوئ يضمر السوء ، فيتذرع بأمور تستدعي التصدي له والتعريف بمقامهم ومناقبهم ، ويأتي مثل هذا الإظهار من باب شكران النعمة أو لطلب المصلحة العامة ، ولهم قدوة في نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، حيث آنس من عزيز مصر الإستخفاف به ، وعدم المبالاة بقدره ، وادرك عدم احتفال أهل

مصر بشأنه ، فأخبر الله سبحانه وتعالي عنه بإظهار فضله بقوله : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ، ذلكما مما علمني ربي ) 1
فعلم من هذا أن إظهار الفضل في مثل هذه المواقف مطلوب ، بل هو مزية وسنة ، وهو أيضا من باب الإعتراف بالنعم ، والشكر للمنعم ، وكذلك إذا دعت الحاجة إلى إظهار الفضل لمصلحة فإنه يتعين حينئذ كي لا تفوت المصلحة .
كما به أخبر الله سبحانه وتعالي عن يوسف عليه السلام بقوله : (قال اجعلني على خزائن الأرض ، إني حفيظ عليم ) 2 مراعيا في ذلك مصلحة العدل والبلاد ، ووضع الميزان بالقسط بين العباد 3
وعلى كل حال فالتواضع المشهور عنهم أعظم من أن يتفاخروا بالنسب ولا بالحسب بصورة غير شرعية علاوة على أن الفخر بالعروبة في بلاد تفتخر بغير العرب ، أمر لا يرد من شخص حكيم ولا يصدر عن فكر سليم.
ولا يدعين أحد أنهم يعلنون أصالتهم العربية ويحافظون عليها تنكرا لوشائجهم القوية مع أخوالهم الطوارق ، ولا استهانة بأصولهم ، ولا انسلالا من عهودهم القديمة الوطيدة التي شهد بها أجداد السوقيين بألسنتهم وأقلامهم ، وبالجميل الذي لا قوه من قبل أجداد الطوارق على مدى برهة زمنية تعد بالقرون ، فهذا الشيخ محمد أحمد بن وانفدنسن الجنهاني ، يقول في إحدى رسائله : ( لا نعرف أحدا من النواحي القاصية إلا ومن جاورناهم وساكناهم (الطوارق) أفضل لنا منه ، وأرفق وارحم ، إذ لا يعتدون علينا ولا يكلفوننا أن نحارب معهم ، ولا أن نهجر من هجروه ، ولا أن نكثر سوادهم في أي شيء يخالف الشريعة ، بل يبجلوننا ويوقروننا أشد التوقير ) 4

فهذا التوقير والرفق والرحمة لم تزل قائمة بحمد لله ، وعرى الصداقة ما زالت وطيدة وأواخي العهد مشدودة ، والاندماجُ الاجتماعي والثقافي في بعض صوره دائم ، فالأرض واحدة والدم مختلط ، والعروق مترابطة ، والأرحام متشابكة ، حتى أن كثيرا من شعراء السوقيين ينسب نفسه إلى الجيلين معا ( السوقيين والطوارق) في قصيدة واحدة فيقول :
أنا قرشي أو أنا أنصاري ، وانا أيضا طارقي أو لثام ،
قال الشيخ الحاج بن محمد أحمد الأدرعي السوقي :
إليكم يا بني بــــــــــــــغداد مني تحايا عمـــــــت القطر الزكيا (1)
يبلغها بني عمــــــــــــــي إليكم فتى منــــــــكم تــــحول طارقيا

وقال الشيخ المرتضي بن محمد الإدريسي السوقي
ولهجتي طارقية وفي المغرب الـ أقصى وبغداد والأردن أعمام (2)
وجدي السادس المرحوم حرفته علم وتـــــعليم علم وهو لثام
فالتلاحم الودي بين الجيلين أبدي إن شاء الله ، ما بقي منهما أثنان ، إذ لا يتأتي نسيان ذلك العهد فضلا عن تناسيه ، ولا ينبغي اختلال الوفاء به ، فكيف بالإنسلال منه ، ولا يجوز التهاون به ، فضلا عن نبذه ، فبمرصاد من فعل ذلك أو يفعل متي وأين وكيف فعله قوله تعالي : ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) 1 (3)
وأحاديث الوفاء بالعهد وصلة الرحم كثيرة ،

أمح محمد أحمد السوقي
خريج الجامعة الإسلامية بالنيجر




رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تساؤلات......حول الأدب السوقي محمد أغ محمد المنتدى الأدبي 14 11-04-2010 02:09 PM
نبذة عن الأدب السوقي alsoque.net المنتدى الأدبي 26 09-16-2009 04:29 PM
صور من الإعتداء على الأدب السوقي أبو ياسر الأنصاري المنتدى العام 18 07-15-2009 06:06 PM