إخوتي الأفاضل
أختكم الحقيقة, شامت بروق منتدياتكم النيرة منذ فترة, و من ذلك الوقت, تُقدم رجلاً و تُؤخر أخرى, في الالتحاق بهذه الحديقة الممتعة؛ وذلك لأسباب متعددة.
من أوْلاها بالذكر: قلة معلوماتها الشرعية, و قدراتها اللغوية, و ضيق آفاقها التاريخية, و أساليبها التعبيرية, و خفة لياقتها الإلكترونية.
و لأجل ذلك اقتنعت بالاستمتاع بتصفح المنتديات, و التردد عليها في أوقات انسداد النفس من ضغوطات الحياة, و قد استفادت ـ بحمد الله ـ مما ينثره إخوتها و أخواتها من أصناف المعارف, و غرر التعبيرات, و عوالي الأساليب, كما استفدت من التعامل الرفيع الذي يعكسه طرح الإخوة, و الأخوات, للموضوعات التي تم التطرق إليها, خلال الفترة الماضية.
و إنها هنا مدينة لكم ـ لكنَّ ـ جميعا بالشكر على كل ذلك, و قبل ذلك تهدي ضفيرتها, شكرا لمن رحب بها بعد تسجيلها في هذه المنتديات, و لا تملك إلا أن تقول : ليبارك الله المباركين و المباركات.
إخوتي, إنني هنا لست بصدد الإفادة, فإنكم منابعها, و لا المناقشة, فمنكم تتعلم, فضلا عن الاستفزاز, فكراهته هي التي دفعتني منطاعة إلى طرق الباب.
إنني هنا مدفوعة بإحساس أنوثي, يتمثل في الحساسية تجاه ملامح الانشقاق بين الرجال, فلعلكم أن تقبلوا مني تساؤلات أفرزتها بعض الانحرافات ـ عفوا الجموحات ـ التي اقتربت منها بعض الأقلام المحترمة, في هذه الفترة الأخيرة من فترات المنتديات.
و كلي رجاء أن تقبل مني هذه الاستفسارات, و يتم التعامل معها في إطار الموضوعية, التي تمثل السمة الأكثر ظهورا في هذه المنتديات, و عسى ألا تفهم استفساراتي على أنها تجاهل العارف ـ كما يقولون ـ بل إنها تعالم الجاهل.
و أكثركم نصيبا من شكري و تقديري ـ و كلكم مقدرون و مشكورون ـ من يقف معي في الصواب منها, و من يرجعني إلى الصراط المستقيم في الخطأ منها, و إليكم تلك الاستفسارات:
§ هل هناك خلاف بين كتاب السوقيين, و مؤرخيهم في أن دولة بني (كاردن) هي أعدل سلطة عرفتها الصحراء في وقتهم؟.
الحقيقة: أنني سمعت القصص و الحكايات من كبريات نساء الجماعة, و بعض كبارها, فلم أسمع غير ذلك, وإنما ملأ أذني, هو ثناء الناس على تلك الدولة, و حكاية العجائب من احترامها لحملة العلم, و الصالحين, و بالذات من تربط بينه و بينهم علاقات الود, و العهد, مثل السوقيين عموما, على تفاوت بينهم في ذلك.
§ هل هناك خلاف بين السوقيين, و مؤرخيهم, في أن القاضي (محمد البشير) هو الذي اعتُمد من أهل الحل و العقد لمنصب (قاضي القضاة) في تلك الدولة, و استمر ذلك في أحفاده إلى أن قضى الله أمرا كان مفعولا, بسقوط تلك الدولة؟.
الحقيقة: أنني كنت أحسب ذلك في السابق من المسلَّمات, و لم أكن أعلم بوجود الخلاف فيه أصلا, فإن كان هناك ما يخالف مسموعاتي, فأفيدوني مشكورين.
§ هل هناك خلاف في أن الذين ارتضوا هذه الشخصية, لنيل هذا المنصب, في ذلك الوقت, هم فطاحل من العلماء السوقيين, من شتى القبائل ـ أو ما يعرف أخيرا بأسماء الأماكن التي نزلتها الأجداد, التي انبثقت منهم هذه الأسر الحالية المباركةـ و كانوا في ذلك الوقت في أوج ازدهارهم من جميع النواحي, و يمثلون كتلة واحدة؟.
الحقيقة: أن هذا هو الذي تلوكه الألسنة, و يكتبه المؤرخون من هذه الجماعة المباركة, فإن كان عندكم معلومات خاصة غيره, فأفيدوني مشكورين.
§ هل سبق أن فهم أحد من هذا الاختيار عدمَ أهلية من سوى (قاضي القضاة) المذكور, من إخوانه (السوقيين) لهذا المنصب؟.
الحقيقة: أننا لم نسمع بمن زعم ذلك, و إنما يحكى أن الناس اتفقوا عليه؛ لصفات توفرت فيه تؤهله لذلك, وقد تكون متوفرة في الكثيرين من إخوانه, لكن المنصب الواحد لا يشغله إلا رجل واحد, لا سيما, و القوم معروفون بالإيثار, و عدم التنافس على المناصب في ذلك الوقت, هكذا فهمت, فإن كان عندكم غيره فأفيدوني.
§ هل مهمات العلماء في دولة (بني كاردن) منحصرة في القضاء فقط, أم أن هناك مجالات أخرى تحتاج إلى من يشغلها؟.
الحقيقة: أن العقل و الواقع متواردان هنا, على أن دولة مثل دولة (بني كاردن) لا يمكن أن تخلو من مجموعات, تهتم بجوانب أخرى, تعتبر ضرورية, من مثل الإرشاد, و التوجيه, و التعليم, و الإصلاح, و التقريب بين الناس, و لم نسمع بمن قام بذلك غير السوقيين, و ليس كل ذلك من اختصاص عائلة معينة منهم بمفردها, بل الجميع يشتركون في إدارة المجتمع, و لا يمكن أن ينكر التفاوت بين الأفراد في عمل من هذا النوع.
§ هل كوننا نعتز بجدارة بعض أجدادنا في القيام بمهمة, مثل (القضاء) يستلزم أن نقلل من شأن أجدادنا, الذين أثبتوا جدارة موازية في مجالات أخرى, مثل إتقان الفنون, وضرب الأمثلة الواقعية في العبادة, و مكارم الأخلاق, و الإصلاح بين الناس؟.
الحقيقة: أن الأمم التي كتب لها البقاء و النجاح, تعتز بجميع أبطالها, و في جميع الميادين, فقد ألف العرب كتبا خاصة بقضاتهم, كما ألفوا كتبا خاصة بعبادهم, وزهادهم, و كرامهم, و شجعانهم, ولم نسمع بأمة ارتقت بقاضيها فقط , و لا بزاهدها فقط, و لا بناحيها فقط, ولا...ولا...
§ هل كون بني فلان قد حملوا ريادة علمية, في منطقة معينة, و في فترة معينة, و وفق منهج معين, و بذلوا جهودهم في إنقاذ البشرية, على قدر ما أوتوا من الطاقة, ونجحوا في ذلك, وعم نفعهم من سواهم, أقول: هل هذا يقف حاجزا أمام بني فلان آخرين, في فترة أخرى, أن يساهموا في إنقاذ البشرية بطريقة أخرى, حسب ما أوتوا من الطاقة؟.
الحقيقة: أن الأمم التي تقدمت, إنما تقدمت على أيدي أطياف من أبنائها, مختلفين في الرؤى, و المناهج, و التوجهات, و ذلك أمر متساوق مع سنة الله في الكون, من الاختلاف (و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم...).
ففي الأمة العربية مثلا : توجهات دينية مختلفة, و سياسية كذلك, و إقليمية كذلك, و مع ذلك يفتخر المشارقة بأبطال المغاربة, و علمائهم, و خبرائهم, و العكس صحيح, فكيف إذا كانوا في إقليم واحد, و أجدادهم على توجه واحد, كما هو حال السوقيين؟!.
§ لما ذا يشمئز بعضنا من اشتهار العائلة الفلانية, بإتقان الفن الفلاني, و الأخرى بكثرة العلماء, و توافر الشعراء, وثالثة بالقضاء, ورابعة بسرعة الاستجابة للدعوة السلفية مثلا, و أخرى بالأبهة , أليس هذا هو ما يقتضيه المنطق, في أمة موصوفة بالأوصاف التي يوصف, و نصف بها أجدادنا السوقيين؟.
الحقيقة: أن الواجب, و المتحتم, و النافع, و الصالح, و الصواب, و الخير, و المفيد, و المعقول, و الإيجابي, أن يعتز السوقي بعُبَّاد أمته, و قضاتها, و علمائها, و أوليائها, ودعاتها, على نمط واحد, و يعبر عنهم بمستوى واحد من الاندفاع و النشوة, فهذا ما يقتضيه كونه سوقيا مؤمنا بأمته.
و الحقيقة: أنه من المحظور, و المكروه, و الضار, و الفاسد, و الخطأ, و الشر, و غير المفيد, واللامعقول, و السلبي, أن يكيل بمكيالين, فيركز ـ مثلا ـ على القضاء فقط, و يحاول أن يصور الأمة كلها على أنهم قضاة, لا لشيء, إلا أن فصيلته التي يعتبرها الخاصة, مشهورة بالقضاء, أو يصور الأمة جمعاء, على أنها دعاة سلفيون, لا لشيء, إلا أن بعض من يراه من أقاربه سلفي الاتجاه, أو يصورها كلها على أنها صوفية من أجل أن بعض أجداده قد توسل بالنبي t في قصيدته, أو قد تربى عند عم له مشهور بالتقوى, و الزهد, و الورع, و الصلاح.
§ لما ذا نشمئز من ادعاء بعضنا أنه أقرب جوارا من بعض الناس, أو أكثر فيه تأثيرا, أو أقدم معه علاقة؟ أليس هذا هو ما يعطيه العقل و المنطق ؟ هل يمكن أن نفهم أن أمة ضاربة في أعماق التاريخ بستة قرون أو أزيد, كانوا على قدم واحدة, في كل شيء , في المهارات, و الإمكانيات, و العلاقات, و الاتجاهات؟.
الحقيقة: أن هذا مما لا يقبله العقل, فلا بد لأمة بهذا الحجم أن يكون فيها من يقال عنه: أعلم الناس, و أشعر الناس و أزهد الناس, و أحسن الناس أخلاقا, و أكرمهم, وأحسنهم كتابة, وأجودهم خطا, و يكون فيهم ـ إن كانوا أهل علم ـ من يقال عنه: أفقه, و أعلم بالنحو, و أعلم بالتصريف...و...و...إلى آخره, و إذا كانوا متدينين أيضا, لا بد أن نجد فيهم من يدعي الاجتهاد, و من ينكر عليه ذلك, ومن يدعو إلى التمذهب, ومن ينكر عليه ذلك , و من يتهم بالغلو, و من يدعو إلى الاعتدال ... ومن...ومن ..إلى آخره.
§ بل لما ذا لا نسند الصفات إلى الأفراد الذين اتصفوا بها, بدلا من أن تُعمم تعميماً مخدجاً, يُتحكم فيه, فيثير التساؤلات العقلية, قبل العواطف , لما ذا لا نقول: فلان السلفي, فلان الصوفي , فلان القاضي, بدلا من القيبلة الفلانية قضاة, و الثانية سلفيون, و الثالثة صوفيون, و الرابعة...إلى آخره؟.
الحقيقة: أن المعتقدات, و الوظائف, لا تسند إلى القبائل, و العشائر, بقدر ما تسند إلى الأفراد, هذا ما يرتضية العقل و المنطق, و بتوفر أفراد كثيرين من حملة الاتجاهات المختلفة, و الوظائف المختلفة, يصح أن يطلق على الاسم الذي يجمعهم: أنه في مصاف القبائل العلمية ـ مثلاـ , أو القبائل ذات النفوذ في المنطقة الفلانية.
أما قسمة الاتجاهات, و الوظائف, كما تقسم التركة, بحيث يعطى أصحاب الفروض, ثم العصبات, ثم الحواشي, ثم الأقرب, فالأقرب, ويرزق اليتامى بالقدر اليسير, فهذا يدرس في علم الفرائض, و لا علاقة له بعلم التاريخ و علم الاجتماع.
هذا ما أرادت أختكم الحقيقة أن تبدي فيه تساؤلاته, وتنتظر منكم ردا جميلا, يضيء لها الدرب.مشكورين.