العودة   منتديات مدينة السوق > القسم الإسلامي > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي خاصة بطلاب العلم الشرعي ومحبيه، والقضايا الدينية

Untitled Document
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-16-2010, 08:02 PM
عضو مؤسس
م الإدريسي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 فترة الأقامة : 5719 يوم
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : م الإدريسي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي خصائص المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي



خصائص المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي


تمهيد:

لقد تميزت المدرسة المغربية بخصائص ومؤهلات هائلة رشحتها لتلك المكانة المرموقة ضمن المدارس الأخرى، ومنحتها ذلك النفس المتجدد الذي ظلت تنافح به قرونا طويلة من الزمن، ولم يصبها ما أصاب غيرها من المدارس من أنواع الانحسار والتلاشي الذي انتهى في أغلب الأحيان بالانقراض والانتهاء، فقد كانت هذه المدرسة تحمل بين طياتها بذور بقائها واستمرارها، ولم تزدها الضربات التي أصابتها إلاّ صلابة وقوة، ويرجع ذلك إلى جملة من الخصائص التي يعسر حصرها ويصعب تحديدها ولكن حسبي أن ألوِح على أهمها وأشير إلى أقربها.

1. مراعاة الخلاف العالي:

يعرف علم الخلاف بأنّه "علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبه وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية" وهو الجدل الذي هو قسم من المنطق إلاّ أنّه خصّ بالمقاصد الدينية.
وقد ألّف مالكية الغرب الإسلامي في هذا النوع من العلوم ما يعد كثرة، إلاّ أنّ تآليفهم لم تصل إلى الشهرة والكثرة التي تميز بها مالكية العراق الذين كانوا يعيشون في جو كثرت فيه المذاهب الفقهية، فقد كانوا يعاصرون الحنفية والشافعية وكان بينهم من المد والجزر ما كان، بالإضافة إلى أنّ البيئة العراقية كانت تزخر بنشاط عارم لكل التيارات العلمية بكل أطيافها السياسية والعقدية والفقهية والحديثية واللغوية والصوفية وغيرها، فكان من الطبيعي أن يكون ذلك الزخم الهائل من التصانيف في هذا الميدان، أمّا المدرسة المغاربية فكانت أقل احتضانا للصراعات الفقهية والعقدية لسلطان المذهب المالكي واستيعابه تقريبا لكل المنطقة اللهمّ إلاّ ما نذر وقلّ ممن كان لا يصدع بانتسابه لغير المذهب المالكي لاسيما بلاد الأندلس التي هدد أميرها كل خارج عن المذهب بالعقاب والنكال.
ويقوم علم الخلاف على الرد على المخالفين واثبات الخلل في أقوالهم ونقض حججهم وبراهينهم، وفي المقابل الانتصار لآرائهم وإظهار ما تحتوي عليه من الحجية والغلبة، ورغم قلة باع المغاربة في هذا الميدان إلاّ أنّهم سبقوا غيرهم في هذا الفن بما ألّفه محمد بن سحنون من خلال كتابه الموسوم بكتاب الجوابات والذي يسمى أيضا بكتاب الرد على الشافعي وعلى أهل العراق ويقع في خمسة كتب.
وألّف أبو الوليد الباجي كتابه الشهير السراج في عمل الحجاج، وهو كتاب في مسائل الخلاف كبير لم يتمه صاحبه، ويرد هذا الكتاب بعنوان آخر هو كتاب المنهاج في ترتيب الحجاج.
ولم يغفل كثير من علماء المغاربة عند شرحهم لمدونة سحنون مراعاة الخلاف في كثير من القضايا التي خالف فيها المالكية غيرهم، من ذلك كتاب التعليق على المدونة لابن الصائغ عبد الحميد القيرواني الذي كان يعرج على الخلاف خارج المذهب ولا يكتفي بسرد الآراء الواردة في المذهب فقط.
أمّا أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد فقد ظهر الخلاف العالي في كتابه "المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات" جليا، فهو في هذا الكتاب ينظر في ميدان الخلاف العالي وينافح عن المذهب المالكي بالحجة والبرهان.
وألّف محمد بن عبد الله بن العربي المعافري كتابه الشهير "الإنصاف في مسائل الخلاف" وهو كتاب ضخم يقع في عشرين مجلدا.
أمّا ابن رشد الحفيد فكتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد يعتبر أفضل ما ألّف في هذا الميدان في وقته فقد ذكر فيه أسباب الخلاف وعللّ فأفاد وبسط فأمتع.

2. الموسوعية وسعة الاطلاع:

لقد كان رجال هذه المدرسة موسوعيين بما تحمله هذه اللفظة من معاني، فلم يقتصروا على فن بعينه بل طارت هممهم أبعد من ذلك فعالجوا كلّ الفنون وطرقوا كلّ العلوم، وقد لا يكون غريبا أن يتخصص كل عالم في فن، بل الغريب أن يحوز عالم واحد فنونا متعددة ويحيط بعلوم مختلفة يعسر الواحد منها لتحصيلها على الواحد منا، وربما تطلب العلم الواحد من الزمن عمرا بأكمله ،فقد أحاطوا بعلوم القرآن وتفسيره والحديث وعلومه ومصطلحاته وقواعده، والفقه ومذاهبه وأصوله، وعلم الكلام والفلسفة والسير والتاريخ، واللغة وقواعدها من نحو وصرف وبلاغة أدب وشعر، ومنطق وحساب وطب ،كما كانوا يتقنون القراءات والتجويد وغيرها...وبالجملة فقد كانت كتبهم عبارة عن دائرة المعارف الإسلامية الكبرى.
فهذا ابن سحنون طرق أبوابا كثيرة من أبواب العلم فقد ألّف كتابه الكبير مائة جزء، عشرون في السير وخمسة وعشرون في الأمثال، وعشرة في آداب القضاة وخمسة في الفرائض وأربعة في الإقرار وأربعة في التاريخ في الطبقات والباقي في فنون العلم، وألّف في أحكام القرآن، وألّف كتابه المسند في الحديث، وكتابه الكبير المشهور الجامع جمع فيه فنون العلم والفقه فيه عدة كتب نحو الستين، وكتاب السير عشرون كتابا وكتابه في المعلمين ورسالته في السنة وكتاب الإمامة وكتاب الرد على البكرية وكتاب الورع وكتاب الإيمان وكتاب الرد على أهل الشرك وكتاب الرد على أهل البدع ثلاثة كتب، وكتاب الجوابات خمسة كتب وكتاب التاريخ ستة أجزاء.
لذلك لمّا نظر محمد بن عبد الحكم في كتاب الجامع قال "هذا كتاب رجل يسبح في العلم سبحا".
أمّا ابن أبي زيد القيرواني فقد كان آية في التأليف وقد طرق فنونا عديدة أتقنها أيّما اتقان وأبدع فيها أيّما إبداع، وأشهرها كتاب "الرسالة" التي ألّفها وعمره لا يزيد عن سبع عشرة سنة, والتي طار ذكرها شرقا وغربا، وكتب لها القبول في قلوب النّاس على مدى الأزمان، وكتاب "النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات" في مائة جزء، وكتاب "البيان عن إعجاز القرآن" وكتاب "تهذيب العتبية" وكتاب "الجامع في السنن والأداب والمغازي والتاريخ" وكتاب "مختصر المدونة" وكتاب "كشف التلبيس في الرد على البكرية" وكتاب "الذب عن مذهب مالك" وكتاب "إثبات كرامات الأولياء" وغيرها.
أمّا المازري فقد تفنن في التأليف وأبدع وترك للخزانة الإسلامية دررا متنوعة لا تزال تشهد له بالنبوغ والتفوق، ولعلّ أهم ما كتب "شرح التلقين" ليس للمالكية مثله، و"شرح البرهان لأبي المعالي" و"المعلم في شرح صحيح مسلم" الذي وصفه ابن خلدون فقال" "اشتمل على عيون من علم الحديث وفنون من الفقه"، و"الكتاب الكبير" وهو كتاب "التعلقة على المدونة" وكتاب "الرد على الإحياء للغزالي" و"النكت القطعية في الرد على الحشوية، نظم الفرائد في علم العقائد" وله الفتاوى والرسائل الكثيرة، وألّف في الطب فكان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتوى.
ومن أصحاب التواليف الكثيرة المفيدة ابن عبد البر يوسف بن عبد الله الذي طارت تآليفه بالآفاق وطرق بها ميادين مختلفة، فقد ألّف في الحديث والفقه والآثار والأنساب وغيرها، ومن أهم كتبه "كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" وهو سبعون جزءا، وكتاب "الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والأثار" وكتاب "الاستيعاب" جمع فيه أسماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكتاب "الكافي" في الفقه، وكتاب "جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله" و "كتاب جمهرة الأنساب" و"كتاب بهجة المجالس" في ثلاثة أسفاروغيرها.
أمّا الحديث عن مؤلفات سليمان بن خلف الباجي فهو حديث عن التأليف الحسن المتفنن المشهور، فقد ألّف رحمه الله تصانيف مشهورة جليلة متنوعة، فقد كتب في الحديث والقرآن والرجال والعقائد إلاّ أنّه كان أبلغ في الفقه وإتقانه على طريقة النظار البغداديين وحذاق القرويين، ومن أهم تآليفه "المنتقى في شرح الموطأ" وقد اختصره من كتاب حافل جليل سماه "الاستيفاء" ثم اختصر المنتقى في كتاب سمّاه "الإيماء" ومنها كتاب "السراج في علم الحجاج" وكتاب "مسائل الخلاف" وكتاب "المقتبس من علم مالك بن أنس" وكتاب "المهذب في اختصار المدونة" وكتاب "شرح المدونة" وكتاب "اختلاف الموطأ" وكتاب "مختصر المختصر في مسائل المدونة" وكتاب "أحكام الفصول في أحكام الأصول" وكتاب "الحدود" في أصول الفقه، وكتاب "الإشارة" في أصول الفقه، وكتاب "تبيين المنهاج" وكتاب "التشديد إلى معرفة طريق التوحيد" وكتاب "تفسير القرآن" وكتاب "فرق الفقهاء" وكتاب "الناسخ والمنسوخ" وكتاب "التعديل والتجريح" وكتاب "فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء من الأحكام"، وغيرها من الكتب ....
أمّا عبد الملك بن حبيب فقد كان آية في التأليف والكتابة سئل يوما كم كتبك التي ألفت فقال: ألف كتاب وخمسون كتابا، فقد ألّف في الفقه والتاريخ والحديث والأدب والتراجم..، من أهم مؤلفاته "الواضحة في السنن والفقه" لم يؤلف مثلها، و"الجامع" وكتاب "فضائل الصحابة" وكتاب "غريب الحديث" وكتاب "تفسير الموطأ" وكتاب "حروب الإسلام" و"كتاب المسجدين" وكتاب "مصابيح الهدى" وكتاب "طبقات الفقهاء والتابعين" وغيرها من الكتب...
هذا غيض من فيض وبعض من كل, ممّا تميز به علماء هذه المدرسة.

3. الطول والإطناب في المصنفات:

لقد تميزت معظم مصنفات هذه المدرسة بالطول والإطناب سواء تلك التي عالجت علما واحدا أو علوما كثيرة، فقد غطّت دراساتهم مساحات واسعة من الورق اتسمت في معظمها بالدقة والإحاطة، وتميزت بالجدية والشمول، ولعلّ السبب من وراء هذا الإطناب هو بسط قضايا الدين وشرح أحكامه وتفريغ مسائله بما يروي غليل السائل ويزيل عنه اللّبس والإبهام ويكشف له أسرار العلوم ويفتح له مغلقاته.
لذلك جاءت مصنفاتهم واضحة بيّنة لا يتحرج المبتدئ في الأخذ منها والانتفاع بها، وهي كثيرة في كل الأطوار التي مرت بها المدرسة المغربية منها الأمهات والدواوين والشروح والحواشي، ولعلّ من أهمها:

" المدونة"

التي ألّفها الإمام عبد السلام سحنون والتي هي في حقيقة الأمر "ثمرة مجهود ثلاثة من الأئمة مالك بإجاباته وابن القاسم بقياساته وزياداته وسحنون بتهذيبه وتنقيحه وتبويبه وبعض إضافاته".
"ولقد ضمت المدونة بين دفتيها حوالي ستة وثلاثين ألف مسألة إلى جانب الأحاديث والآثار" ولقد حظيت بالاهتمام والعناية ما لم يحظ به كتاب فقهي آخر، فبين شارح لها وبين معلق عليها ومختصر لمسائلها.

"الواضحة"

في السنن والفقه لعبد الملك بن حبيب وهو كتاب ضخم حظي بمكانة متميزة في القرنين الثالث والرابع الهجري جمع بين دفتيه أراء المدارس المالكية التي تتلمذ عليها ابن حبيب "فهو كتاب شامل يضاهي المدونة في بنائه وتكوينه الداخلي".

"العتبية" أو "المستخرجة"

لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي القرطبي، وسميت بالمستخرجة؛ لأنّه استخرجها من الأسمعة التي رويت عن الإمام مالك بواسطة تلاميذه وتلاميذهم ،وقد وصفها ابن حزم فقال :"إن لها القدر العالي والطيران الحثيث" ، ولقد اعتني بها كثير من العلماء بين شارح ومختصر.
ومن أهمهم ابن رشد الجد من خلال شرحه لها في كتابه المشهور "البيان والتحصيل" الذي كان سببا في حفظها وإلاّ ضاعت مع التراث الذي ضاع.
ومن الدواوين أيضا كتاب محمد بن سحنون الكبير الذي يقع في مائة جزء، وكتابه الجامع وهو كتاب كبير مشهور يقع في نحو ستين كتابا .
وألف ابن عبدوس كتابه "المجموعة" في نحو خمسين كتابا , وألّف عيسى بن دينار كتاب "الهداية" في عشرة أجزاء وله سماعه المشهور على ابن القاسم في عشرين كتابا.
ومن الموسوعات الفقهية نجد "النوادر والزيادات" لابن أبي زيد القيرواني، و"الجامع" لابن يونس الصقلي، و"التمهيد" و"الاستذكار" لابن عبد البر، و"التبصرة" للخمي، و"البيان والتحصيل" لأبي الوليد بن رشد، و"شرح التلقين للمازري" و"النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام" للمتيطي، ومناهج التحصيل للرجراجي، والمختصر في الفقه المالكي لابن عرفة الورغمي، والمعيار المعرب للونشريسي، وأحكام البرزلي لأبي القاسم بن أحمد البرزلي، ونوازل التسولي لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي، والمعيار الجديد لأبي عيسى المهدي بن محمد بن محمد بن الأخضر العمراني الوزاني، وغيرها من الموسوعات الكثيرة التي يصل عدد بعضها إلى خمسين مجلدا كما هو الشأن بالنسبة لكتاب الممهد للورياغلي, وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على العلم الزاخر الذي حظي به هؤلاء.

4. الفقه المقارن المذهبي:

لم يكن علماء المالكية في الغرب الإسلامي نسيجا واحدا ولا كانت آراؤهم قالبا متحدا بل تعددت آراؤهم واختلفت في كبرى المسائل وصغارها حتى إنّك لتجد في المسألة الواحدة عشرات الأقوال كلّ يدلي فيها بدلوه ويعلل رأيه واختياره حتى لكأنّ كلّ واحد منهم يمثل مدرسة قائمة واتجاها منفردا، ففي كتاب الواضحة نجد الخلاف الفقهي سيد الموقف حيث " نجد مؤلفه يرجع إلى رأي مالك إلاّ أنّه في نفس الوقت يرجع إلى رأي معاصره وخلفه من أهل المدينة الذي تختلف أحكامه وآراؤه الفقهية عن آراء شيخه, وتكمن أهمية كتاب الواضحة في أنّه يعرض الاختلاف في الرأي في عصر مالك بين حلقات علماء أهل المدينة وكذلك الاختلاف في روايات تلاميذ مالك والمعاصرين".
أمّا المستخرجة من الأسمعة والمعروفة بالعتبة فإنّها تحتوي على آراء فقهية لتلاميذ مالك وخلفائه, فهي في حقيقتها عبارة عن "سماعات أحد عشر فقيها ثلاثة منهم أخذوا عن مالك مباشرة وهم ابن القاسم وأشهب وابن نافع المدني وآخرون أمثال ابن وهب ويحي الليثي وسحنون وأصبغ".
كتاب النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني هو حلقة هامة من حلقات الفقه المقارن داخل المذهب، ولم يكن دور المؤلف في هذا الكتاب أكثر من عرض الآراء الفقهية المختلفة في المسألة الواحدة، كما صرّح بذلك في مقدمة كتاب النوادر والزيادات.
وقد اعتمد لإنجاز هذا العمل على أمهات الدواوين وقد ذكرها بقوله "وذكرت أنّ ما في كتاب محمد بن إبراهيم بن المواز والكتاب المستخرج من الأسمعة استخراج العتبي والكتب المسماة الواضحة، والسماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب والكتب المسماة المجموعة المنسوبة إلى ابن عبدوس والكتب الفقهية من تأليف محمد بن سحنون.. ".
وكتاب الجامع لمسائل المدونة والأمهات لأبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي "والذي يعرف بمصحف المذهب لصحة مسائله ووثوق صاحبه" وهو أحد الأربعة الذين اعتمد الشيخ خليل ترجيحاتهم في مختصره، والكتاب اعتمد كثيرا على النقل من جملة من المصادر هي النوادر والزيادات، ومختصر ابن أبي زيد للمدونة، والموازية، والمستخرجة، وكتاب الكافي الذي صرّح فيه صاحبه أنّه استقاه من جملة من المصادر حيث يقول في مقدمة كافية "فعوّلت منها على سبعة قوانين دون ما سواها وهي الموطأ والمدونة وكتاب ابن عبد الحكم والمبسوطة لإسماعيل القاضي والحاوي لأبي الفرج ومختصر أبي مصعب وموطأ ابن وهب، وفيه من كتاب المواز ومختصر الوقار والعتبية والواضحة فقر
صالحة".
أمّا أبو الوليد الباجي في كتابه فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء من الأحكام فقد بناه من جملة من الأمهات والدواوين كالمدونة وكتاب ابن شعبان وثمانية أبي زيد وعن شيوخ البغداديين ونقل مما انتشر من روايات الأندلسيين.
ولقد ألّف محمد بن الحارث الخشني رحمه الله في هذا الفن كتابان هما كتاب الإتفاق والاختلاف في مذهب مالك وكتاب رأي مالك الذي خالفه فيه أصحابه.

5.الاختيارات:

لم يكن كل علماء مدرسة الغرب الإسلامي مقلدين يجمعون ما يسمعونه ثم يبلغوه، يمكن أن يكون هذا شأن عدد هائل منهم، لكن عدد غير قليل منهم بلغ النضج الفكري عندهم مبلغا كبيرا أوصلهم إلى درجة الاجتهاد المذهبي حيث كانت لهم القدرة على استقراء النصوص وقوة التصرف فيها وحسن توجيهها واستنباط الدقائق منها بما عجز عنه من نقلوا عنهم ودرسوا عليهم وتلك موهبة يمنحها الله لمن يشاء.
فقد كانت لهم اختياراتهم وترجيحاتهم التي خالفوا بها صاحب المذهب وكبار تلاميذه، ومن هؤلاء مثلا عبد السلام سحنون ناشر المذهب المالكي في إفريقيا ومدون مسائله تجده "يخالف في كثير من المسائل المعروفة عن صاحب المذهب ونقف على آرائه المخالفة في صفحات من مدونة المذهب بروايته وقد تابعه في البعض منها من جاء بعده مرجحا لها على غيرها" وعبد الخالق بن خلف بن سعيد بن شبلون القيرواني ألّف كتابا سماه المقصد يقع في أربعين جزء، كان مستقل الرواية يفتي في المسائل برأيه مخالفا لرأي غيره ، قال صاحب الترتيب "وكان يفتي في اللازمة بطلقة واحدة" ، والإمام عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأصيلي ترك التقليد وكان يجتهد رأيه ولا يبالي أوافق مالكا أم خالفه، وكان إذا استفتي عن مسألة قال للسائل عن مذهب مالك تسألني أم عمّا يقتضيه العلم بإطلاق".
وكان لمحمد بن عبد الله بن عتاب القرطبي اختيارات وتصحيحات لبعض الروايات والأقوال عدل فيها عن المشهور، وباختياره جرى عمل الحكام.
أمّا الإمام أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي فقد كان مغرى بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال وربما تبع نظره فخالف المذهب فيما ترجح عنه، فخرجت اختياراته في الكثير عن قواعد المذهب، وقد ضرب به المثل في كثرة الاختيارات حتى قال فيه النابغة الغلاوي, واعتمدوا تبصره اللخمي*ولم تكن لعالم أمي*لكنّه مزّق باختياره*مذهب مالك لدى امتياره.
وكتابه التبصرة الذي وضعه على المدونة مليء باختياراته، ويعتبر اللخمي أحد الأئمة الأربعة الذين اعتمد خليل ترجيحاتهم وأخذ باختيارات اللخمي، يقول الخليل وبالاختيار للخمي.
والقاضي عبد الرحمان بن قاسم الشعبي العالم بالنوازل كانت له في الأقضبة مذاهب من الاجتهاد لم تكن لغيره من أهل طبقته ، وقد أورد النباهي في تاريخ قضاة الأندلس جملة من الاختيارات تدل استقلاله برأيه حيث كان يتفنن في استعمال القياس ويشرّع بناءا على المصالح تحقيقا للمقاصد.
ومحمد بن أحمد بن رشد القرطبي ممن بلغ درجة الاجتهاد في المذهب وهو أحد الأربعة الذين اعتمد خليل ترجيحاته في مختصره حيث يردد خليل عبارة وبالظهور لابن رشد.
ومحمد بن علي بن عمر التميمي المازري المعروف بالإمام والذي استجمع أدوات الاجتهاد ومع ذلك لم يدّعه وهو أحد الأربعة أيضا الذين اعتمد خليل ترجيحاتهم وأقوالهم وفيه يقول وبالقول للمازري.
وغير هؤلاء كثير أمثال القاضي عياض، وأبو القاسم بن أبي بكر بن زيتون، ومحمد بن هارون الكناني، ومحمد بن عرفة الورغمي، وإسماعيل التميمي التونسي... كلهم عرف باجتهاده في المذهب واختياراته فيه.

6. النوازل والأحكام:

ممّا ميزّ أيضا مدرسة الغرب الإسلامي حسن التعامل مع المستجدات والنوازل وتقليب النظر فيها، وتحكيم الشرع عن طريق استعمال أدوات الاجتهاد التي تجعل الشريعة مرنة تواكب التطورات والمتغيرات.
ولا يزال أمر الفتوى يعظم والإقبال عليه يكثر مع مرور الزمان وتقلب الحوادث واتساع العمران وكثرة النزاعات والخصومات واختلاف البيئات وتنوع الأعراف والعادات كل ذلك تسبب في اختلاف الآراء نتيجة اختلاف الأحداث الواقعة أو المتوقعة.
وقد صبغت الساحة المغربية بكم هائل من الكتب في هذا الميدان بذل فيها العلماء مجهودات جبارة تدل على إسهامات فعّالة حفظت الأيام بعضها وغاب عنا البعض الآخر فيما غاب من تراث.
والتأليف في هذا الفن لا يتأتي لأي كان لأنّه يتطلب تحصيلا علميا كبيرا وعقلية علمية يقظة لها القدرة الفائقة على التعامل مع المستجدات وحسن التصرف فيها من خلال إرجاع النظير إلى نظيره والفرع إلى أصله، ومن خلال إعمال الفكر في النصوص واستنتاج الأحكام المناسبة واستنباط القواعد الملائمة والتفاعل مع الآراء الواردة للخلوص إلى الرأي المناسب إمّا جريا مع مصلحة أو درءا لمفسدة أو تماشيا مع الضرورة، دون التحجر لرأي مشهور أو الجمود مع نص من النصوص، بل كانوا عند اقتضاء الحال يفتون بالمرجوح والشاذ والضعيف.
ومن أهم ما أصدرته هذه المدرسة من مؤلفات نذكر كتاب عيسى بن سهل الأسدي الإعلام بنوازل الحكام وهو كتاب "يحتوي على نوازل واقعية حكم فيها المؤلف بنفسه إذ كان قاضيا، أو صدر فيها حكم أو فتوى ممن كان يتصل بهم من العلماء, وظل كتابه مصدرا هاما يرجع إليه الشيوخ والحكام، قال صاحب الشجرة وصاحب الصلة عند إيراد ترجمته "وألّف كتاب الإعلام بنوازل الأحكام عوّل عليه شيوخ الفتيا والحكام.
وألّف أبو المطرف عبد الرحمان بن قاسم الشعبي كتابه نوازل الأحكام أو ما يعرف باسم فتاوى أبي المطرف وهو كتاب مفيد في بابه "في غاية النبل اعتمده ابن عرفة وغيره" .
والفتاوى لأبي الوليد بن رشد المليئة بالافتراضات النظرية والمسائل الجزئية بقيودها وشروطها والتي شعبّت الفقه وضخمته وعقدته , والتي قام ابن الوزان تلميذ ابن رشد بجمعها ونشرها.
وللقاضي أبي عبد الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن الحاج نوازل مشهورة, تسمى نوازل الأحكام وهي متداولة بأيدي النّاس.
وكتب ابن هشام كتابه المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام وهو من الكتب المعروفة عند المغاربة اعتمده ابن عاصم صاحب التحفة وذكره في مصادره حيث يقول :
فضمنه المفيد والمقرب والمقصد المحمود والمنتخب, وللقاضي عياض في النوازل جولات من خلال كتابه مذاهب الحكام في نوازل الأحكام حيث يقول في مقدمة كتابه "وجعلت كتابي هذا ديوان فقه يشتمل على جميعها، وترجمته بمذاهب الحكام في نوازل الأحكام، وربما ذيّلت بعض تلك النوازل بما تقدم فيها أو في نوعها للقرويين والأندلسيين وغيرهم" وقد عقب ابنه عبد الله كثيرا على فتاوى والده وأكثر من التذييلات خلال تعرضه لهذه النوازل.
ومن نوازل المتأخرين نذكر نوازل المهدي الوزاني المعروفة بالمعيار الجديد وهي "أجود من معيار الونشريسي إذ تمتاز عنها بنقلها لفتاوى المتأخرين".
وغيرها مما كتبه المغاربة في هذا الشأن ممّا يصعب حصره وتحديده ويطول شرحه وبيانه.

7. فقه الوثائق والعقود:

علم الوثائق والشروط يعتبر من العلوم المستجدة نسبيا إذا ما قورن بغيره من العلوم، إذ لم يظهر بشكله النهائي إلاّ في بدايات تأسيس المدرسة المغاربية حيث احتاج النّاس لتوثيق معاملاتهم حسما للنزاع وردا للخصام وحماية للحقوق وحفاظا على النفوس وصيانة للأعراض، خصوصا بعد التوسع المعماري والاختلاط البشري والتمازج البيئي الذي نتج عنه فساد الأخلاق وانحسار القيم وترجرج الثقة مما استدعى كتابة العقود وتوثيقها.
والمدرسة المغربية كانت سبّاقة للتأليف في هذا الفن، ومن أهم الذين تصدروا لهذا العلم نذكر فضل بن سلمة "الفقيه العالم بالمسائل والوثائق" له "في الوثائق جزء حسن مفيد" ومحمد بن يحي بن لبابة الملقب بالبرجون "كان عالما بعقد الشروط بصيرا بعللها له كتاب في الوثائق" ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد المعروف بابن العطار العارف بالوثائق والشروط "وله فيه كتاب عليه المعول" يسمى بالوثائق المجموعة, قال صاحب الصلة "وجمع فيها كتابا حسنا مفيدا يعول النّاس في عقد الشروط عليه ويلجأون إليه".
وأحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني المعروف بابن الهندي كتب في الوثائق والشروط "وله فيها كتاب مفيد جامع محتو على علم كثير وفقه جم وعليه اعتماد الحكام والمفتين وأهل الشروط بالأندلس والمغرب".
وأمّا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الباجي "فقد كان متقدما في علم الوثائق وعللها، وألّف فيها كتابا حسنا وكتابا مستوعبا في سجلات القضاء إلى ما جمع من أقوال الشيوخ المتأخرين" .
وكتب أحمد بن محمد بن مغيث كتابه المقنع في الوثائق "وهو كتاب حسن"
وقد ألّف عبد الله بن فتوح الوثائق المجموعة "وهو تأليف مشهور مفيد جمع فيه أمهات كتب الوثائق وفقهها" ، وقال ابن بشكوال "وله كتاب حسن في الوثائق والأحكام وهو كتاب مفيد".
وكتب أبو الحسن علي بن عبد الله المتيطي في الوثائق كتابان هامان هما عمدة الحكام ومرجع أصحاب الشروط والأحكام، يعرف الأول باسم النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام وهو كتاب كبير مشهور ، والثاني يعرف باسم سجلات العقود والأحكام وهو تكملة لكتابه الشهير النهاية والتمام.
وغيرها من الكتب التي ألفت في هذا العلم والتي تميزت بالاختلاط مع الفقه إذ قلّما نجد كتابا في الوثائق خالصا من الفقه، فقد كان لا يكتب في الوثائق إلا من يكتب في الفقه لذلك جاءت المصنفات فيه كبيرة والعلم فيه غزير، كما هو الشأن بالنسبة لأحمد بن عبد القادر بن سعيد الأموي الاشبيلي الذي وضع كتابا في الوثائق والشروط سمّاه المحتوى يقع في خمسة عشر جزءا.

8. فقه الماجريات (أو ما جرى به العمل):

وقد تميزت المدرسة المغاربية بهذا الفن الذي ظهر في القرن الرابع، وعرفه الجيدي بأنّه "العدول عن القول الراجح والمشهور في بعض المسائل إلى القول الضعيف فيها رعيا لمصلحة الأمة وما تقتضيه حالتها الاجتماعية".
فكثيرة هي المسائل التي يقع فيها الخلاف بين الفقهاء فيعمد القضاة إلى الحكم بالمرجوح أو الضعيف بسبب درء مفسدة أو جلب مصلحة، أو خوف فتنة أو جريانا لعرف من الأعراف فيعتمد هذا الحكم عند من جاء بعدهم لقيام السبب نفسه الذي لأجله حكم بالمرجوح أو الضعيف "لأنّه إذا كان العمل بالضعيف لدرء مفسدة فهو على أصل مالك في سد الذرائع، وإن كان لجلب مصلحة فهو على أصله في اعتبار المصلحة المرسلة".
ومنشأ العمل بما جرى به العمل يبدأ من الوقت الذي بدأ فيه العلماء يستندون لاختيارات شيوخ المذهب وترجيحهم لبعض الأقوال التي عدلوا فيها عن الراجح والمشهور، فعلموا بهذه الاختيارات جريا لمصلحة أو دفعا لمضرة، ولعلّ سندهم في ذلك هو قول عمر بن عبد العزيز ‹تحدث للنّاس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور› فيكون بهذا قد فتح للحكام والقضاة مجالا واسعا للتعامل مع المستجدات ومعالجتها وفقا لما تقتضيه مصلحة العصر وضرورة الزمان، والعمل بهذا النوع من التشريعات رغم المآخذ التي سجلت عليه والمعارضة التي لقيها الفقهاء المسترسلون فيه إلاّ أنّه دليل قوي على ما تميز به الفقهاء من قدرات في مجابهة المستجدات والمشكلات الواقعة والمتوقعة "فأعطوا بذلك الحلول للنوازل والقضايا التي لم يرد فيها نص صريح أو ضمني، وأثبتوا بذلك أنّهم قادرون على ملاحقة التطور البشري والتغير الزماني كما دلّلوا على أنّ الفقه المالكي قابل دائما للتطور لمرونته وقوة قابليته للاستمرار والبقاء" ، وقد امتلأت كتب هذه المدرسة بهذا النوع من التشريعات، ككتاب فصول الأحكام لأبي الوليد الباجي الذي نصّ في كل مسألة من مسائله على أنّ العمل جرى بها، وكثرت أيضا مؤلفات ابن عتاب وابن سهل وغيرها من كتب الأحكام كتحفة ابن عاصم الذي أكثر فيها من ذكر العمل.



 توقيع : م الإدريسي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


آخر تعديل اليعقوبي يوم 01-16-2010 في 09:56 PM.
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع