العودة   منتديات مدينة السوق > قسم الحوار الهادف > منتدى الحوار الهادف

منتدى الحوار الهادف حول القضايا الدينية والتيارات الفكرية والإقتصادية والإجتماعية

Untitled Document
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-13-2010, 10:45 PM
مشرف منتدى الحوار الهادف
أبوعبدالله غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل : Dec 2008
 فترة الأقامة : 5837 يوم
 أخر زيارة : 11-24-2024 (10:31 AM)
 المشاركات : 1,680 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : أبوعبدالله is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي مقالات مختارة



د. السيد ولد أباه
عندما تتصالح العلمانية مع الدين
يذهب الفيلسوف الألماني الكبير "يورجن هابرماس" في كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان "بين النزعة الطبيعية والدين: تحديات الديمقراطية" إلى المطالبة بإعادة التفكير مجدداً في دور الدين في المجتمعات الغربية التي يطلق عليها "مجتمعات ما بعد العلمانية". ولا تعني هذه العبارة أن الدين رجع إلى الشأن العام في هذه المجتمعات بعد أن أقصي منه منذ قرنين، وإنما تعني تغير العلاقة التي كرستها النظم اللائكية بين الدين والسياسة' إثر تغير الفضاءين الديني والسياسي نفسيهما.
فالدولة العلمانية المعاصرة لم تعد بقادرة على تأمين قاعدتها المعيارية من محض القيم المدنية المتراخية الهشة، بقدر ما أن المؤسسة الدينية فقدت قبضتها نهائياً على المجتمع، ولم تعد تشكل تهديداً للتعددية الفكرية والسياسية التي هي أساس الممارسة الديمقراطية.ومن هنا الحاجة إلى البحث داخل المخزون الرمزي للدين عن زخم تعبوي وقوة دافعة للحمة الاجتماعية، في مواجهة تهديدي العولمة المتوحشة ونزعة الوضعية الطبيعية التي بدأت تأخذ شكل تكنولوجيا جينية مهينة لكرامة الإنسان وحريته.
ومن الطبيعي أن تثير أطروحة "هابرماس" الجديدة ضجة كبرى في الساحة الفكرية الأوروبية، فالرجل معروف بأنه كان المدافع الأكبر عن قيم التنوير والحداثة من منظور عقلانيته التواصلية، حتى ولو كان بدا خط الانفتاح الحذر على الدين في حواره المشهور مع البابا الحالي بندكت السادس عشر قبل سنوات الذي تناول موضوع الخلفية القيمية للدولة الحديثة.
السياق الإسلامي تتصادم فيه أطروحتان هما: القول بضرورة الانفصام بين التصورات الدينية والحقل السياسي التعددي، والقول بالتوفيق بين المرجعية العقدية والحضارية التي هي أساس مبدأ التعددية السياسية.
ومصدر الإشكال الذي يتناوله "هابرماس" في كتابه الجديد هو أن الديمقراطية بمفهومها الحديث قامت على الفصل بين المنظور القيمي الجذري وإجرائية الفعل السياسي، "أي بين الخير كقيمة معيارية مطلقة والعدل كمفهوم توزيعي إجرائي ينحصر في مدونة إدارة التعددية القائمة". فلا يمكن للدولة أن تحدد مسبقاً تصوراً جاهزاً وكلياً للخير الجماعي "لأن فرض هذا التصور مناقض لمبدأ حرية التعبير والفكر وتضييق للحريات العامة".
فالأيديولوجيات والبرامج المجتمعية المتصارعة هي التعبيرات الحرة عن تعددية الحقل المعياري للديمقراطية. بيد أن المأزق الذي انتبه إليه دعاة الديمقراطية منذ القرن الثامن عشر، هو أن حيادية الدولة تجاه تصورات الخير الجماعي المشترك تؤثر سلباً على لحمة العقد الاجتماعي، في مقابل الأنظمة السياسية الوسيطة التي كانت تتأسس على الأطروحة القائلة بأن السياسة هي تجسيد عملي للأخلاق وهدفها تحقيق سعادة الإنسان.
فما يربحه الإنسان المعاصر من حريته يفقده من سعادته، ذلك أن وعود الديمقراطية الحديثة منحصرة في تأمين خيارات وإرادة المواطن بصفته كائناً راشداً يصنع مستقبله، لا رعية قاصرة يُحدد لها سلفاً مصيرها.
ولقد تغلبت الدولة القومية الليبرالية في الغرب على ثغرة هشاشة العقد الاجتماعي من خلال الأيديولوجيات العضوية التاريخانية والوضعية التي عوضت الدين في نزوعه الرعوي ومقوماته التفسيرية. إلا أن هذا المخزون الأيديولوجي قد انحسر بصفة متزايدة في العقود الأخيرة من القرن المنصرم، بحيث لم يعد بإمكانه توفير العدة الرمزية والقيمية للفعل السياسي. ولا شك أن الخطر الأكبر في هذا المشهد هو الانفصام المتزايد بين بعد الحرية من حيث هي أفق النظام الديمقراطي وحركية التاريخ، أي وعي المواطن بعجزه عن التحكم في مصيره وصناعة مستقبله، مما يعني أن الآلية الديمقراطية لم تعد قادرة على القيام بوظيفتها التي هي تجسيد الإرادة الحرة للمواطن، فما هو إذن المضمون الفعلي لهذه الإرادة المطلقة غير القابلة للنفي أو التنازل كما وصفها روسو؟
يتجه المفكرون السياسيون في الغرب في الرد على هذا الإشكال العصي في ثلاثة اتجاهات:
يذهب إحداها إلى إعادة الاعتبار للمنظور القيمي الجذري كما هو قول بعض الفلاسفة الداعين إلى الرجوع لفكرة المدينة الفاضلة من منطلق رفض النسبية الثقافية التي تقوم عليها التصورات الديمقراطية الراهنة. ولعل أبرز معبر عن هذا الرأي هو الفيلسوف الألماني -الأميركي "ليو شتراوس" الذي رجع بقوة هذه الأيام إلى الساحة الفكرية الغربية.
ويذهب اتجاه ثانٍ إلى إعادة بناء ومراجعة قيم الفردية التي هي أساس التصور الليبرالي الحديث للحرية، بالتنبيه إلى الهوية الثقافية الملازمة للذاتية التي أريد لها أن تكون إرادة ذرية خارج أي سياق اجتماعي أو معياري سابق عليها. ويعبر الاتجاه المدعو بالجمعياتي عن هذا التصور الذي يقول بالتعين الثقافي للهوية الفردية، مما يعني رفض مسلمة حيادية الدولة إزاء مفاهيم الخير الجماعي الذي هو المصادرة الكبرى للديمقراطية الحديثة. ومن أبرز ممثلي هذه المدرسة الفيلسوف الكندي المعروف "تشارلز تايلور".
ويذهب اتجاه ثالث على عكس التصورين السابقين إلى اعتبار انهيار الأرضية الأيديولوجية للديمقراطية بداية أفق واعد للحريات العامة في الغرب التي عانت طويلًا من تحكم الدولة القومية، التي كانت البيئة الحاضنة للديمقراطية الحديثة. فهذه الدولة التي قامت على معيار السيادة، وادعت القدرة على التعبير عن الروح الجماعية المشتركة غير مهيأة لتجسيد مبدأ الإرادة الفردية الحرة لما يسمها من تحكم سلطوي عبر إشكال انضباط ورقابة رخوة لا عنف فيها. ومن هنا فإن انهيار الدولة القومية مؤذن بتحرير "الجمهور" من قبضة الجهاز الأحادي القمعي الذي تأسس على وهم العقد الاجتماعي الحر. ويعبر المفكر الايطالي "انتونيو نجري" عن هذا الاتجاه في أعماله الغزيرة التي نشرها في الأعوام الأخيرة.
وبطبيعة الأمر ليست هذه هي الإشكالية المطروحة في السياق الإسلامي الذي تتصادم فيه أطروحتان هما: القول بضرورة الانفصام بين التصورات الدينية والحقل السياسي التعددي من منظور تلازم الآلية الديمقراطية والأيديولوجيا الليبرالية، والقول بالتوفيق بين المرجعية العقدية والحضارية التي هي أساس الهوية الثقافية للمجتمع ومبدأ التعددية السياسية، في حين لا يزال المدافعون عن الأطروحة العلمانية الراديكالية أقلية معزولة في السياق العربي.
وكان الكاتب والقانوني التونسي محمد الشرفي الذي رحل مؤخراً عن عالمنا قد طالب في كتاب له صدر في بداية العقد الراهن إلى مأسسة المرجعية الدينية في شكل سلطة مستقلة تدير الشأن التعبدي، وتكون في الآن نفسه مظلة قيمية للمجتمع على أن تتبنى الدولة الشرعية القانونية -العقلانية للدولة الليبرالية الحديثة وتكف عن استتباع الدين أو توظيفه في الشأن السياسي.

جريدةالاتحاد الاماراتية 29/12/2008م



 توقيع : أبوعبدالله


العقول العظيمه تناقش الافكار , والعقول المتوسطه تناقش الاحداث , والعقول الصغيره تناقش الاشخاص


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع