الأخ أبو عبد الله, هذه أسئلة تحتاج إجابة فعلية, ولكن القول قبل الفعل وأسهل منه, فهذا ما سيجعلني أقول مجيبا عن بعضها:
السؤال الأول:
قلتم:
(-في هذا العصر الذي يتسم – ليس بالكفر – ولكن بخروج المؤسسات عن سيطرة الدين وبمزايدات المغالين في الدين , ما ذا يستطيع كل السوك فعله في مجال القيادة الروحية وإنتاج فكر إسلامي متقد يحمل في طياته التحرير الاجتماعي والانفتاح الشخصي ؟ )
الإجابة على هذا السؤال تستدعي إلقاء الضوء على عدة نقاط :
الأولى: دين الإسلام دين من صفاته الشمولية والاستمرار, فيتوجه إلى (كل أسوك) كما يتوجه إلى غيرهم, وهذا كلام عام مستأنف, ولا يخصك.
الثانية:على (كل أسوك) أن يصلحوا أنفسهم وبيوتهم ومن يليهم, هذه أول خطوة في طريق استعادة دورهم في القيادة الروحية(كما سميتها) فالقيادة الروحية كانت وما زالت مرتقى صعبا لا ينال بالتمنيات(يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا...)..(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون..) فقبل أن أفكر-أيها السوقي-في قيادة البشرية إلى الصراط المستقيم, علي أن أفكر في: كيف أنجو بنفسي , قال الله-تعالى-: ( وكلكم آتيه يوم القيامة فردا) و كوني قدوة يأتي تبعا وليست هي الأساس, والناس يبحثون عن رجل صالح يرجعون إليه في أمر دينهم أكثر مما يبحث الصالحون عمن يقودونه إلى الصواب, وقد وضع الله في القلوب معرفة مجملة تميز بها بين الصالح والمتصالح, فالمرجو من الله توفر القدوة الصالحة في(كل أسوك) كما توفرت في سلفهم, وبعد ذلك فالقلوب مفطورة على حب الخير, فليسع (كل أسوك) في إصلاح أنفسهم قبل كل شيء.
وقد كتبت هذا الكلام والحال أنني أشكر الله -تعالى- على النماذج الموجودة بين (كل أسوك) ولا أقلل من شأنهم, وإنما عن مزيد أرقق.
الثالثة: ما سميته بالفكر الإسلامي المتقد, أظن أنه بمعزل عن (كل أسوك) فغالبية كل أسوك كما تعرف تجمعات تقليدية ليست بحاجة إلى إنتاج فكر إسلامي, بل ليس في مقدورها إنتاج فكر أيا كان, فإن الفكر بهذا المعنى وليد حضارة, وإنما الممكن -بل هو الواقع- استيراد أفكار الآخرين, وهذا ما بدأ (كل أسوك) يمارسونه, ونسأل الله أن ينحصر الاستيراد في البضاعات النافعة.
وهنا أشيد بدور النماذج الموجودة والمتمثلة في المنظمة والمركز وعدد من المساجد والمحاضر والمدارس الابتدائية والثانوية, وأسدي شكري الخالص لمن كان سببا في وجودها, وأسأل الله له التوفيق ولنا المزيد.
الرابعة: في كل موضوع من هذا النوع, لا بد من التفريق بين(كل أسوك) كمجتمعات, و(كل أسوك) كأفراد, فالمجتمعات ما دامت بدوية فلا يمكن تطبيق الأفكار الكبيرة فيها إلا بطريق المبادرات الفردية التي غالبا ما تتهم بالتركيز على المصلحة الآنية, أما الاستفادة من الأفكار بطريقة دائمة تبني الأجيال وتحافظ على سمات الأمة, فهذا لا يكون بالاستيراد , بل لا يناسبه مستوى المعيشة السائد في بوادي مالي والنيجر وبركينافاسو أصلا من وجهة نظري الخاصة التي لا أقدسها.
أما أفراد (كل أسوك) الذين يشتغلون في مؤسسات الدولة أو غيرها فأفكارهم لا تسمى إنتاجا كلسوكيا على الإطلاق, وإنما هم أجزاء صغيرة من تجمعات مدنية كبيرة أقصى ما يمكنهم الاستفادة منها, أما انتماء أفكارها إليهم ك(كل أسوك) فنوع من مغالطة النفس.
وأما العوائل المتمدنة فعليها أن تشارك في أماكن إقامتها فيحاول كل أحد أن يتعرف على الصالحين في حيه والمراكز الطيبة النافعة في مدينته ويتواصل معهم ويشارك في الخير, وإن وجدت جهود يمكن تنسيقها لتصبح رابطة فاعلة أو جمعية أوأي شكل من الأشكال التي يتمظهر بها ما يسمى بالمجتمع المدني فذاك,
الخامسة: لا أظن أن بإمكان (كل أسوك) أن يستعيدوا القيادة الروحية في الوضع الراهن ولا أظنها مكسبا أيضا فإن المسؤولية وخاصة الدينية تكليف لا تشريف, وإنما أقصى ما يمكن لهم أن يساهموا في التقدم بالوطن في جميع المستويات بما فيها المستوى الروحي.
السادسة:إن ما سميته(أنت) بالتحرير الاجتماعي والانفتاح الشخصي إنما نحتاج التقليص منه, فإن ما وصلنا من هذا المنتج لا أظن أنه من شركة إسلامية خالصة.
السابعة: جمهوريتا مالي والنيجر جمهوريتان مسلمتان يمثل المسلمون فيهما99% تقريبا فيكفينا نجاحا أن يظهر دور(كل أسوك) البارز في العمل الإسلامي في هذه الدول بصورة تضمن المشاركة الفاعلة في التقدم بالوطن والمساهمة في الرقي بالأمة.
متى نسمع ب(أو أسوك) في المجلس الإسلامي بمالي وما يشاكله من الهيئات؟.
السؤال الثاني:
(ما ذا يستطيع كل أسوك فعله من أجل الحفاظ على الرابط الاجتماعي وعلى دعمه ليس فقط بين قبائل كل أسوك ولكن أيضا بينها وبين كل المجموعات
التي تقطن المحافظات الثلاث ؟
إن توثيق الرابط الاجتماعي سيساهم مساهمة كبيرة في إحلالالسلام وفي جعل نظم الإنتاج والتبادل أكثر نجاعة).
هذا السؤال مهم جدا وهو الأساس لكل الأسئلة الأخرى , وأظن أن السلوكيات الاجتماعية الكلسوكية والكلتماشقية بشكل عام سلوكيات غاية في التميز والارتقاء بل والرسوخ, ولا نستغرب حينما نرى الواقع الذي أدركناه مختلفا عما نسمعه من روايات وقصص تحكي من التلاؤم والتحاب بين الأفراد وبين القبائل ما يكاد أن يكون مثاليا أو من سلوكيات المدينة الفاضلة كما تصورها الفارابي, لا نستغرب من عدم إدراكنا لهذا الحجم من شبوب العلاقات فلا يخفى علينا ما مر به هذا المجتمع في العقود الأخيرة من ويلات ذابت بسبب أمثالها مجتمعات عظيمة ولم تحتفظ بشيء من مميزاتها بل انماعت وأصبحت الفجوة بينها وبن أدبها كما بين السماء والأرض, أما المجتمعات الكلتماشقية وغيرها من مثيلاتها مثل المجتمعات السنغاوية حسب ما يقال, فبحمد الله احتفظت بالشيء الكثير على المستوى الأخلاقي والعلائقي معا, فأظن أن هذه الناحية لا تحتاج إلا إلى التفعيل الموجه, فإن الأرض-بحمد الله- خصبة للتحاب والتكاتف وإلى الآن.
أما فقرتك الأخيرة, فأخالفك فيها من باب المزاح, فإن توثيق الروابط الاجتماعية من أكبر الأعداء للدخل التماشقي, فكل زيارة سينفق فيها الرجل التماشقي دخله في شهر فيصبح مديونا.
السؤال الثالث:
(ما ذا يستطيع كل أسوك فعله من أجل إحياء تعليمهم التقليدي للغة
العربية والعلوم الإسلامية وذلك لغرض إدراجهما في النظام التربوي لجمهورية مالي ولغرض الاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة ؟)
؟؟؟
لم أستوعب السؤال جيدا, فلا أفهم الجمع بين إحياء التعليم التقليدي وإدراجه في النظام التربوي المستفيد من فرص العولمة, فلو أعيدت صياغة السؤال, حتى يكون أوضح.
السؤال الرابع:
(مع تحولات الاقتصاد المعنوي في شمال مالي ما ذا يستطيع كل أسوك فعله من أجل الحد من تبعيتهم الاقتصادية ومن هشاشة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية)
هذا أخطر الأسئلة في نظري فهو السر الذي ما لم يكتشف فلن نصل إلى شيء, وبقدر ما هو خطير فإنه تسهل الإجابة عنه جدا, فإن الاستقلال عن الغير يعتبر من أسهل الأمور, فلا يتطلب إلا مجرد التفكير فيه فقط , بمجرد ما بدأت تفكر في الاستقلال فأنت مستقل, إذا أعجبتك حال امرئ فكنه, فليستقل السوقيون عن الغير من الآن وليمارسوا نفس ما يمارسه إخوانهم الآخرون من الأعمال, ولا يوجد أي تمايز بين الأجناس في هذا الجانب, فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها.