إنما الخط للعقول عقال.

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مقال مضى تناولنا القلم في شعر السوقيين , واهتمامهم بالقلم والتغني به في شعرهم وبأمجاده ووعدنا حينها أن نخصص مقالا عن الخط في شعر السوقيين , ولا يخفا كم أن الحديث عن القلم لا ينفصل عن الحديث عن الخط ولكننا قدمنا القلم لكونه أول آلة ورد ذكرها في الذكر الحكيم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
رواد منتدانا الأدبي الفضلاء استطاعت المدارس السوقية في صحراء الطوارق, أن تسخر جهود كتابها وعلمائها ليكون القلم السوقي والخط السوقي, أداتين ساهمتا في تعريب الخطاب الديني في تلك المناطق, واستطاعت هذه المدارس أن يكون لها تميزها بخطها الكوفي (المطور)الخاص بها والذي تشهد له جميع الساحات العلمية بأنه أجمل الخطوط التي تستخدم في هذه الصحراء.
وكان الشعر في المدارس السوقية تولى توجيه بوصلة ذلك الاهتمام وساهم شعراء السوقيين بقدر كبير في الدعاية لهذا الخط عبر قصائدهم, ولا ننسى أن السوقيين بالرغم من اهتمامهم بالخط, فإنهم مع ذلك لم يكونوا يمتهنون الخط كمجموعة وراقين يسعون لمجرد الكسب المادي من وراء مهنة الخط, هذا في الأعم الأغلب من أحوال هذه المدارس, ويمكن أن يوجد من يكتب كتابا لشخص مهم عنده ثم يقوم ذلك الشخص بإكرام الكاتب ومواساته بما تيسر عنده, من دون أن يكون مصبوغا بصبغة نفعية تكسبية بحتة, بل هناك رسائل ودية تحملها أقلام السوقيين حيث إن الغالب من هذه الحالات أن تحاط بهالة ودية من بدايتها إلى نهايتها.
وإذا استنطقنا الوضع النفسي لشعرهم أو لشعرائهم وجدنا أن الخط يعتبرونه جزءا من الصناعات التي يتقنونها أو وظيفة تضاف إلى الوظائف العلمية التي يحسنونها, يقول الشاعر المرتضى بن محمد الإدريسي السوقي,
فالخط حرفتي القديمة مكسبي === تجويده وأضمه بوظائفا
وهذا البيت يكفي دليلا على ما سبق من أن السوقيين ليسوا وراقين بالمفهوم الحرفي المجرد, بل الخط وتجويده يعد ضمن سلسلة من المهن العلمية التي يتقنونها.
ويبالغ بعضهم في فلسفة الخط و رفع منزلة الخط حتى يجعل السوقي الذي لا يتقن الخط عبارة عن إنسان غير كامل بل مكانه في صف المحجور عليهم يقول الشيخ محمد إغلس بن محمد بن اليمان الإدريسي السوقي.
وأرى الحجر ليس ينفك عمن== شب والنقس لايلوث متاعه
ويبدو أن الحجر عند الشاعر إغلس لا ينفك عمن لا يحسن الخط أصلا وأن الشاب السوقي المثالي عنده هو من يتجاوز الكتابة المجردة إلى مرحلة التعلق الذي تجعل متاعه وأغراضه ملوثة بلون الحبر, وهذا التلوث يعرفه من يدخل غرف الخطاطين التي تمتلئ بجميع الألوان من كافة الجهات.
وقد أجابه الشيخ الشاعر المحمود بن يحيى الأنصاري وطلب منه أن يسأل الورق, عن الجهد الذي يبذله السوقيون في حفظ عهد القلم ورعاية شأن الخط السوقي (المميز) طالبا منه أن يسأل أهل الخط والقلم مستعملا بشكل رائع بديع المجاز المرسل بطلب سؤال (الرق) والمقصود اهله فقال:
سائل الرق حين نسطوعليه== بالمزابر هل نجيد اصطناعـه
ويسترسل الشاعر إغلس في التغني بالخط ومدحه قائلا:
إنما الخط للعقول عقال == ينبغي للفتى يؤم انتجاعه
ونرى الشاعر يتعدى به مطافه حول كعبة الخط وأهميته إلى الغوص في أعماق التأريخ , ليستدل بحادثة معركة الحديبة وغيرها من المناسبات التي قام فيها القلم بالنيابة عن السيف والسنان فقال:
وبه فتح الرسول لأولى== مرة إن يطع فأهل الإطاعه
ويستمر الشاعر في مدح الخط ويرى أن الحق وهو هو يزيده الخط الجميل جمالا ووضوحا فقال:
وبه الحق يستزيد وضوحا == حين جودته ورمت ارتصاعه
فيهدأ الشيخ المحمود بن يحيى الأنصاري من باله ويطمئنه بأن الأمور كما هي في ملاطفة, ومساجلة أدبية أخذت بأذمة الروعة وكانت من البيان بمكان فقال:
لاترى الألفات تشكواعوجاجا == لاولا الميم تشتكي الطمس ساعه
أسطرتستوي كأسنان مشـط == قومت أسهما كذاك الصناعه

ويواصل الشاعر محمد إغلس في قصيدته الإصلاحية في التنويه بأهمية الخط ومعرفته مستنهضا همم شباب السوقيين بتعلمه, جاعلا معرفة الخط السوقي من ضمن العهود والحقوق التي لاينبغي التفريط فيها بل ينبغي مراعات عهودها وحماية هذا الإرث من الضياع كما فعل الأجداد قائلا:
ياسليل الكرام أنتم حمـــاة == ووعاة فعوا عهود اليراعه
مثلما كانت الجدود تراعي == حقها فاعتلوا لحسن الصناعة
حرفوها وحركوها تنالوا== ما تمنيتموا وصيت الإشاعه
فانبرى له الشاعر أحمد بن محمد الإدريسي مبشرا له بأن شباب السوقيين لم يسلوا عهد القلم ولم يتركوا تحبير الخط وتزيين السطور بل كانوا على استعداد تام للحفاظ بهذا الإرث التليد.
ماسلونا هيهات نحت اليراعة== فسل النون بي وبث البراعــه
عاد عيدي يوم المزابر عادت== مرعفات نقسا تمج لعاعــــه
يالخمسي عهدي بها ماأبتني == وشي شعر تاقت عكاظ استماعه
نرجو من الأعضاء أن يتحفونا باقتراحاته وبما عندهم من المعلومات حول هذا الموضوع.