|
منتدى الحوار الهادف حول القضايا الدينية والتيارات الفكرية والإقتصادية والإجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الخروج الإيجابي من أجل تواجد أفضل
سأنتقل بكم إلى "صالون الفكر الحر"، المفروش بالأزهار والكؤوس الطافحة بمعين الحب العزيز، والصاخب في صمته اليليغ، الهادئ في ثورته الخضراء ...
لاحظت أنه لا يرتاده سوى أمثال الجاحظ المثقل ببيانه، وأجزاء من حيوانه، ومسكويه مع التوحيدي المفتخرين بهواملهما المنسية، ولا يغيب عنه الشارح، والشيخ ينشد السينية، إذ في مساءاته تابعنا شرح المعري لديوان شاعر العربية، في برنامج يومي يختتم بمقاطع قارسة، وقارصة من لزومياته الجميلة الإزعاج، والجليلة الإنتاج .... كتبوا على بابه بخط كبير لافت هذه الجملة: "من أجل حق الاختلاف". فجذبني إليه بمجاذيب أقوى من تلك التي تشد الصوفي إلى الحضرة، بل هي أقوى من نزوات الشياطين حين تغني أمام دارة الخمرة ... فقعدت لأنه مفتوح للجميع بدون تمييز،.... كنت أرتاده صباح مساء، ولكني لا أبرح بيتي ولو دقيقة واحدة !!. كل من أعجبه هذا "الصالون" فمرحبا به، وليصغ لحديثي الآتي: هذه ليست مقدمة طللية يا عزيزي القارئ، فهي من صميم الموضوع، فأنصحك بحفظها، واستحضارها لدى كل جملة من الجمل القادمة. 1 "أن طائفة من الأصدقاء تزور أديبا إنجليزيا يقيم في لندن، فتجده محاطا بحقائب كبيرة تؤذن برحلة طويلة بعيدة، فتسأله: إلى أين؟ فيجيب: إلى لندن" هنا يتساءل محمود أمين: "هل من الضروري أن يخرج المرء من لندنه ليتمكن من أن يتواجد فيها ؟ وهل يخرج المرء من لندنه وهو مقيم فيها؟" يجيب لنفسه: "نعم، يخرج منها بالاغتراب، أو بالرفض النفسي، أو بالتهميش الاجتماعي، أو بالجنون، أو بالثورة، أو بالتجاوز العقلي والعاطفي، أو بإبداع لندنه الحقيقية في قلب لندن الواقع، وعلى رغمها، وفوق أنقاضها". 2 3 4 بل لا نكاد نسمع وليا لم يمارس رحلة أو رحلات عديدة من هذه كي يلتقي بالخضر، وإلياس، وبمحمد كذلك ... بل تارة بالحق جل جلاله حسب التفاوت في المقامات. أما عن حاكايات حج الولي في ليلة واحدة، ويعود فلا تعد ولا تحصى . الطريف أنهم يروونها على أنها حقائق لا تقبل الجدال !! أظن حكاية اللندني ما زالنا نذكرها بعد، فما أشبهها بهذا الخروج الروحي الصوفي، لولا ألوان الطقوس التي تضفي على المشهد صبغة خاصة قدسية... إنها فعلا رغبة جامحة في نيل ما تمناه النبي موسى، مشاهدة الله. والكشف عن هذا اللغز الجليل الجميل... ولكن. 5 حاول في الخلاصة أن يقرب أطروحة مصرحة بإمكانية الخروج من الإسلام كدين تمت صياغته باللغة العربية، وفي جزيرة العرب، وما لبث أن تعددت نسخه بتعدد القراء والرواة، وتنوع المشارب والمضارب ... كي تتمكن من مشاهدة عيوبه، والقبض على نواقصه، والرجل يؤكد أنه لم يفارق الإسلام في لحظة ..!! ألا تذكرنا حالة كاتبنا سعيد هذا بحالة الأديب المقيم في لندن.؟؟ النتائج أولا: الخروج من وضعيتك الراهنة ينقسم إلى نوعين كبيرين: "الحسي/ المعنوي"، وإن أردنا أضفنا ثالثا "الروحي" في نموذج الصوفي، ومنه "البعث" كذلك بعد الموت، فالموت خروج من الحياة لأجل حياة أبدية، كما أن للصوفية مصطلح الفناء الذي يساوي وجودا آخر، فنفي النفي إثبات كما يقول اللغويون. ثانيا: أن كل واحد من هؤلاء مارس نوعا من أنواع اخروج، وكأنه الطريق الوحيد التي توصل إلى الهدف. رابعا: الخروج يعطي "الاطمئنان" في جميع أنواعه، ففي نموذج اللندني يمنح الحرية، ويفسح المجال للإبداع أمام الخيال. وفي نموذج "الهجرة" الأمر أوضح، من حيث الإطمئنان على النفس... كما أنه في "المثال الصوفي" تبدو فيه السعادة الروحية فوق الوصف بالنسبة له. خامسا: هذه هي التنيجة الأهم، ومن أجلها سقت كل ما ذكرت، وهي طبعا على شكل سؤال مفتوح: إذا كان "الخروج من أجل العودة" كما رأينا بنوعيه، أو بانواعه "الحسي، والمعنوي، والروحي" هكذا فلم لا نجربه مع كل أية قضية في الحياة فكرية كانت أم عملية، معنوية كانت أم حسية... ؟؟ خاصة في مجال الفكر، والبحث العلمي، "يعتبر الفيلسوف فوكو أن رهان الفكر بل الفلسفة أن يتحرر الفكر مما فيه، وأن يتاح له دوما التفكير على نحو مغاير بدلا من تبرير ما يعرفه من قبل" نقلا عن علي حرب في كتابه "نقد الحقيقة". * إن هذا الخروج يزودنا بصدور رحبة، وقلوب منفتحة اكثر على الآخر، ومن ثم يتعمق فينا فهم "الاختلاف" كما هو سنة كونية يجب الاعتراف بها كواقع غير مرفوع، إن أردنا الوحدة، يقول علي حرب في الكتاب المذكور: "الاختلاف بين مشهود، والائتلاف معنوي معقول". نحلم به منذ فجر التاريخ مثل حلمنا بالفردوس المفقود، ولم نره على أرض الواقع. * إن هذه الفكرة بوحدها تحل لنا المعضلة، فأن تخرج قليلا عن المقعد العزيز الذي تتربع عليه كي تعطي المخالف مساحة نسبية من الوجود، والاحترام هو ما يقرب بينكما نفسيا، ففكريا، كي تتفهم الأسباب التي جعلته يخالف بكل هدوء ووقار. * إن هذه الفكرة وحدها التي ستساعد الباحث في القبض على خيط الموضوعية الرقيق الأملس، فأن تحاول الخروج من ربقة أفكارك السابقة على الموضوع، أي "التجرد" كما يقول ديكارت، وطه حسين، هو ما يمكنك من رؤية موضوعك عن كثب، والتحرر من سلطة المعتقد الحاجبة للحقائق، كما أنك لا يمكن أن تدقق النظر في عمارة، أو مبنى صغير تريد أن تنقده كمهندس ما دمت فيه، بل يجب عليك أن تتجول "أمام خلف، يمين/ يسار" في الخارج تماما، كما تتجول بين الغرف في الداخل. * وهكذا يمكن أن تعالج هذه الفكرة أزمة "العنصرية، والتعصب"، والطائفية من جهة النقد الذاتي، فلا يمكن أن تدرس قبيلتك، أو مذهبك الديني، والسياسي إلا إذا افترضت هذا الخروج الإيجابي وهكذا. لعله يلفت الانتباه وصف "الخروج" ب"الإيجابي" هنا، لألفت الانتباه إلى أن هذا المصطلح مشبوه، لأنه ملطخ بلون أحمر قان في معجمين خطيرين : معجم الدين/ معجم السياسة. ففي الدين يحيل إلى معني "الارتداد، وفي السياسة إلى "الثورة، بل بشكل شبه صريح إلى طائفة "الخوارج" بالنسبة لتاريخ الإسلام السياسي، فلهذه العلائق الدلالية يستعصي على الفكرة أن تنبت نباتا حسنا في تربة المسلمين القاحلة. إذن لا أقصد الخروج الفوضوي، السلبي، والمجاني. رجــــــــــــاء ولهذا أسارع في الرجاء المقدم إلى سماحة قارئين جليلين، مضمونه ألا يتهماني، وألا يسيئا الظن : 1. رجل الدين المبجل الذي سيدعي أنني أدعو الناس إلى الارتداد والعياذ بالله تعلى، فأنا لا أدعوهم إلى ذلك ...كما أنني لست من "الخوارج".. نعم أدعو إلى الارتداد عما نسجه خيال المسلمين عبر القرون من خرافات، وأوهام، وقطعيات، نشط الكسالى من الفقهاء في دعمها بوضع حديث لا أصل له، أو بتأويل لا يلزم الجميع، ولا أصفه أنا شخصيا بالضلال. أما جوهر الإسلام كما جاء به محمد، وكما طبقه عمر الفاروق فأنا من الدعاة إليه. 2. رجل السياسة المحترم أرجو منه أن يحسن الظن قليلا، فأنا لا أدعو إلى عدم استقرار البلاد، وهز الأمن ... هذا إذا فسر الثورة بتلك المعاني، أما إذا فسرها بالتمرد عن الظلم، والطغيان، والانتفاضة ضد الاستبداد ... وطلب الحرية ...فأنا من الدعاة إليها. إنني إجمالا أدعو إلى الخروج عن مكة الضلال، وصحراء البؤس، ولندن الرذيلة، ومصر التخلف والجمود، كي نتواجد في مكة الحرية، والسلام، ولندن العلم والوئام، ومدينة الخضرة في أمصار الازدهار والختام.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|