|
المنتدى الإسلامي خاصة بطلاب العلم الشرعي ومحبيه، والقضايا الدينية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||
|
|||||||
أقبل شهر الصوم فماذا أنتم فيه صانعون
أقبل شهر الصوم فماذا أنتم فيه صانعون الحمد لله الجواد الكريم، الغني الوهاب، الذي جعل الصيام جنة للصائمين من النار، ومكفراً للخطايا والآثام، ومضاعفاً للأجر والثواب، ودافعاً إلى زيادة البر والإحسان، وشافعاً لأهله يوم الجزاء والحساب.وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وهو العظيم الجليل، البر الرحيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من صلى لربه وقام، وأتقى من حج وصام، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام، ما تعاقب ليل مع نهار. أما بعد، أيها الصائمون والصائمات: لا ريب أن جميعكم يُقر ولا يتنكر، يتذكر ولا ينسى، أن نعم الله ـ جل وعلا ـ عليه لا تزال تتابع، وإحسانه له يكثر حيناً بعد حين، وكل يوم هو منها في مزيد، فما تأتي نعمة إلا وتلحقها أخرى، يرحم بها عباده الفقراء إليه، المحتاجين إلى عونه وغفرانه وإنعامه، فله الحمد دوماً، ملء السماوات والأرض، وملء ما شاء من شيء بعد، وفي الأولى والآخرة. وإن من أجل هذه النعم، وأرفع هذه العطايا، وأجمل هذه المنن، هي فرضه عليكم صوم شهر رمضان، وما أدراك ما رمضان، ثم ما أدراك ما رمضان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيان كبير شأنه: (( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين )) رواه البخاري ومسلم. فهنيئاً، ثم هنيئاً، في هذا الشهر لمن أمسك بزمام نفسه، وشمر عن ساعد الجد، فسلك بها سبيل الجنة، لينعم بالسكنى فيها، ويتنعم بخيراتها ومطايبها، وجنبها سبل النار، والشقاء فيها، ومسكين بل وأشد من مسكين، من سلك بنفسه طريق المعصية والهوان، وأوردها موارد الهلاك، وأحلها محال العطب، وأوقعها مواقع الخسران، وأغضب ربه الرحيم الرحمن، وقد يسرت له أسباب الرحمة والمغفرة، وسهل له طريق التوبة والإنابة، ففتحت الجنة، وغلقت النار، وسلسلت الشياطين. فلئن كنتم تريدون مغفرة الخطايا، وإذهاب السيئات فاطلبوا ذلك في الصيام. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )) رواه مسلم. وإن كنتم تطلبون مضاعفة الحسنات، والرفعة في الدرجات، فعليكم بالصيام. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي )) البخاري ومسلم واللفظ له. وإن كنتم تودون أن تكونوا من أهل الجنة المنعمين السعداء فلا تغفلوا عن صوم شهر رمضان. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في حجة الوداع فقال لهم: (( اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم )) رواه أحمد والترمذي. وإن كان بكم شوق إلى دخول الجنة من باب الريان فكونوا من أهل الصيام. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون ؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد )) رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وإن كنتم تبغون وقاية النفس من حر النار ولهبها فأقبلوا على الصيام. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصيام جنة من النار، كجنة أحدكم من القتال )) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وإن كنتم تتمنون الشفاعة يوم الحشر والعرض فإن من أسباب نيلها الصيام. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان )) رواه أ حمد وابن المبارك في "الزهد" والحاكم وغيرهم. وإن كانت نفوسكم تهفو لأن تكون من أهل المنازل العالية الرفعية السنية. فقد ثبت أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (( يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء )) رواه ابن حبان وابن معين في جزء له. ويجمع ما تقدم كله قول الله ـ عز وجل ـ مبشراً أهل طاعته ومحفزاً: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً }. قال العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ في "تفسيره" عند هذه الآية: قوله: { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً } أي: مغفرة لذنوبهم التي أذنبوها وأجراً عظيماً على طاعاتهم التي فعلوها من الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصوم والعفاف والذكر، ووصف الأجر بالعظم للدلالة على أنه بالغ غاية المبالغ، ولا شيء أعظم من أجر هو الجنة، ونعيمها الدائم الذي لا ينقطع ولا ينفد، اللهم اغفر ذنوبنا، وأعظم أجورنا.اهـ أيها الصائمون والصائمات: بادروا إلى ربكم ـ عز وجل ـ في هذا الشهر الكريم المبارك بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام، من ذنوب الأقوال والأفعال، من ذنوب الشبهات والشهوات، من الشركيات الشنيعة المهلكة، والبدع القبيحة الفظيعة، والمعاصي الكريهة المخزية. توبوا إليه سبحانه من عبادة الأولياء والصالحين معه، بدعائهم والاستغاثة بهم، أو الذبح والنذر لهم، أو الطواف بقبورهم، فإن ذلك كفر وشرك. توبوا إليه سبحانه من اعتقاد أن الأولياء والصالحين يتصرفون في الكون، والغيب، فإن ذلك كفر وشرك. توبوا إليه سبحانه من الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين والشرف والحياة والآباء والأمهات، فإن ذلك من الشرك. توبوا إليه سبحانه من بناء المساجد أو القباب أو المقصورات على قبور الصالحين، ومن التبرك والتمسح بها، والعكوف عليها. توبوا إليه سبحانه من البدع في الموالد والمآتم والأعراس والشهور والأيام والأوراد والأذكار. توبوا إليه سبحانه من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والسب واللعن والقذف والشتم ورمي الناس بالباطل. توبوا إليه سبحانه من الغل والحقد والحسد والكبر والبطر والبغي والظلم والعدوان والإيذاء والسخرية والاستهزاء والاحتقار. توبوا إليه سبحانه من سماع غناء المغنين والمغنيات، وعزف آلات المعازف وأجهزتها. توبوا إليه سبحانه من مشاهدة الصور والمناظر المحرمة في الفضائيات والإنترنت والصحف والمجلات. توبوا إليه سبحانه من التهاون في أوقات الصلوات، والتكاسل عن الجمع والجماعات. فإنه من لم يتب في هذا الشهر الجليل فمتى يتوب؟ ومن لم يقلع عن ذنوبه وآثامه ومعاصيه في هذا الشهر العزيز فمتى يقلع، ومن لم يرحم نفسه التي بين جنبيه في هذا الشهر العظيم فمتى يرحمها؟ فقد ثبت عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: (( آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبوية أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين )) رواه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما. فيا حسرة ويا بؤس ويا خسارة من دخل في دعوة جبريل عليه السلام، وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فأبعده الله. فيا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب ............. حتى عصى الله في شهر شعبان لقد أظلك شـهر الصـوم بعـد همــــا ............. فلا تصيره أيضاً شهر عصيـان قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف المعارف": من رحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم، ومن لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح، ومن لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعد لا يبرح.اهـ أيها الصائمون والصائمات: إن الصائمين من الناس في شهر رمضان عن الطعام والشراب والجماع كثر، ولكن الصائم الموفق المسدد دون ذلك. وفي وصف هذا الصائم يقول الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه "الوابل الصيب من الكلم الطيب": والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته، وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم، هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ... فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم.اهـ ويؤكد كلامه هذا ويقويه، هذه الأحاديث النبوية، والآثار المروية عن الصحابة والتابعين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )) رواه البخاري. والمراد بالزور: كل قول محرم. فيدخل فيه الكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة والقذف والإفك والبهتان والغناء والاستهزاء والسخرية وسائر ألوان الباطل من الكلام. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر )) رواه أحمد وغيره. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ليس الصيام من الأكل و الشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فلتقل: إني صائم إني صائم )) رواه ابن خزيمة واللفظ له، وابن حبان والحاكم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان )) رواه أ حمد وابن المبارك في "الزهد" والحاكم وغيرهم. قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف المعارف": فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها، سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص كشهوة فضول الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته. فأما من ضيع صيامه، ولم يمنعه مما حرمه الله عليه، فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني، كما ورد مثل ذلك في الصلاة.اهـ وصح عن أبي المتوكل الناجي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد، قالوا: نطهر صيامنا )) رواه هناد بن السري في "الزهد" وغيره. وقال جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ: (( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء )) رواه ابن أبي شيبة وابن المبارك في "الزهد" وغيرهما. وثبت عن أبي صالح الحنفي عن أخيه طليق بن قيس أنه قال: قال أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ: (( إذا صمت فتحفظ ما استطعت، وكان طليق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا للصلاة )) رواه ابن أبي شيبة. وصح عن عطاء بن السائب ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان أصحابنا يقولون: أهون الصيام ترك الطعام والشراب )) رواه مسدد في "مسنده". وثبت عن جعفر بن برقان أنه قال: (( سمعت ميموناً يقول: أن أهون الصوم ترك الطعام والشراب )) رواه ابن أبي شيبة وغيره. فالله الله في صيامكم لا تكدروه بالذنوب والمعاصي، ولا تنقصوه بسماع ومشاهدة ومقارفة الآثام والخطايا، ولا تخدشوه بالوقوع في أعراض الناس بالكذب والغيبة والبهتان، وعفوا أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم عن سائر المحرمات، وبالليل والنهار. واحذروا أشد الحذر أن تدخلوا في سلك من ليس لله تعالى حاجة في صيامه، وممن حضه منه الجوع والعطش. أيها الصائمون والصائمات: إن من أعظم ساعات المسلم هي تلك الساعات التي يقضيها مع كتاب ربه القرآن، فيتلوا ويتدبر ويتعلم الأحكام ويأخذ العظة والعبرة. فأكثروا من الإقبال على القرآن في هذا الشهر الطيب الكريم، والزمن الفاضل الجميل، وحثوا أهليكم رجالاً ونساء صغاراً وكباراً على تلاوته والإكثار منه، واجعلوا بيوتكم عامرة به، فإن أجر العمل يضعف بسبب شرف الزمان الذي عمل فيه. ولقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يقبل على القرآن في هذا الشهر فيتدارسه مع جبريل ـ عليه السلام ـ كل ليلة. حيث قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة )) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف المعارف": دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ منه، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.اهـ ولقد كان سلفكم الصالح ـ رحمهم الله ـ يقبلون على القرآن في هذا الشهر إقبالاً كبيراً، ويهتمون به اهتماماً عظيماً، ويتزودون من قراءته كثيراً. فعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: (( أنه كان يقرأ القرآن في رمضان في ثلاث )) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" وقال الحافظ ابن كثير: إسناده صحيح. وصح عن إبراهيم النخعي أنه قال: (( كان الأسود يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين )) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن"وغيره. وروى عمران عن إبراهيم النخعي: (( أنه كان يقرا القرآن في رمضان في كل ثلاث، فإذا دخلت العشر قرأه في ليلتين، واغتسل في كل ليلة )) رواه عبد الرزاق. وكان للإمام لشافعي في رمضان ستون ختمة يقرأها في غير الصلاة، وفي غيره ختمة. وكان الإمام البخاري يقرأ في كل يوم وليلة من رمضان ختمة واحدة. وكيف لا يكون هذا هو حال السلف الصالح مع القرآن العزيز، ورمضان هو شهر نزوله، وشهر مدارسة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم له، وزمنه أفضل الأزمان، والحسنات فيه مضاعفة. وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (( تعلموا القرآن، فإنه يكتب بكل حرف منه عشر حسنات، ويكفر به عشر سيئات، أما إني لا أقول: { الم } حرف، ولكن أقول: ألِفٌ عشر، ولامٌ عشر، وميمٌ عشر )) رواه الفريابي في "فضائل القرآن"وأحمد في الزهد وأبو عبيد في "فضائل القرآن" وغيرهم. وثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (( ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه أو من حاجته إلى أهله أن يقرأ القرآن، فيكون له بكل حرف عشر حسنات )) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" وغيره. ومن باب الزيادة الفائدة أقول: قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف المعارف" بعد أن ساق جملة من الآثار عن السلف في ختم القرآن مرات كثيرة في شهر رمضان: وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.اهـ أيها الصائمون والصائمات: لقد كان لصيام رمضان أثر كبير على نفس سيد ولد آدم أجمعين في الإكثار من الأعمال الصالحة، لا سيما الجود والبذل والإحسان والإنفاق في وجوه البر، ودفع ضيق المحتاجين والمعوزين. حيث قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة )) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. قال الشافعي ـ رحمه الله ـ كما في "مختصر المزني": وأحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.اهـ فاقتدوا ـ بارك الله لكم في أموالكم ـ بأجود الناس صلى الله عليه وسلم، فجودوا على إخوانكم وأخواتكم من المسلمين، في هذا الشهر الكريم، والزمن الفاضل الشريف، وازدادوا جوداً، وكونوا من الكرماء، وأذهبوا عن أنفسكم لهف الدرهم والدينار، وتعلقها بالريال والدولار، وتخوفها من الفقر والحاجة، فإن الشحيح لا يضر إلا نفسه، ولا يكدر إلا ماله، وقد قال الله ـ عز وجل ـ معاتباً وموبخاً لمن هذا حاله: { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }. ولا تحتقروا القليل من البذل والعطاء، لا تحتقروا قليل الصدقة، ولا تجعلوها تردكم أو تضعفكم عن الإنفاق في وجوه البر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟ فليقولن: بلى، ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة )) رواه البخاري ومسلم.. ومن الجود بالخير في شهر رمضان تفطير الصائمين من القرابة والجيران والأصحاب والفقراء. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مرغباً في فعله، وحاثاً عليه، ومبيناً لعظيم أجره، وكبير فضله، وحسن عائده على فاعله: (( من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً )) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم. أيها الصائمون والصائمات من المتزوجين الجدد: اتقوا الله ربكم حق تقواه، وأجلوه حق إجلاله، وعظموا أوامره، وأكبروا زواجره، ولا تهينوا أنفسكم بعصيانه، وتذلوا رقابكم بالوقع في ما حرم، فتنقادوا للشيطان، وتخضعوا للشهوة، فتجامعون زوجاتكم في نهار رمضان. فإن الإفطار قبل حلول وقته من غير عذر ذنب خطير، وجرم شنيع، وفعل قبيح، وصنيع معيب، وتجاوز لحدود الله فظيع، وجناية ظاهرة، ومهلكة للواقع فيه. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في بيان عقوبة من يفطرون قبل تحلة صومهم: (( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم )) رواه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان. وقد وسع الله تعالى لكم في الوقت، فجعل الليل كله لكم مسرحاً، فعليكم بالسعة، واتركوا وقت الحرج والمنع، وتجنبوا أسباب الوقوع في هذه المعصية، وسدوا طرق الوقوع فيها. هذا وأسأل الله الكريم لي ولكم أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يرزقنا فيه التوبة الصادقة النصوح، ولإنابة إليه في جميع أوقاته، وأن يقنا شر أنفسنا والشيطان، وأن يغفر لنا ولوالدينا وأجدادنا وسائر أهلينا ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً، وأن يوفقنا إلى ما يرضيك، وأن يجعلنا عاملين بشريعته ومعظمين لها ومدافعين وناصرين. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وأتوب إليك. وهذه الكلمة أصلها خطبة ثم توسعت إلى محاضرة لأخيكم: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد. منقول
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نعم الركب أنتم | السوقي الخرجي | المنتدى العام | 1 | 04-18-2009 02:12 PM |