|
المنتدى التاريخي منتدى يهتم بتاريخ إقليم أزواد . |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
المشهد القبلي بالبلاد البيضانية في اقرن 19
المبحث الأول : المشهد القبلي بالبلاد البيضانية .
تعد حرب شرببة[1] حدثا هاما في تاريخ التوازنات القبلية بالمجال البيضاني ، لما سيترتب عنها من إزاحة العنصر الصنهاجي[2] و بشكل نهائي من قمة الهرم السياسي القبلي ، و حلول القبائل الحسانية بدل منها في هذا المركز ، فرغم أن البعض حاول أن يربط هذه الحرب بمسببات دينية محضة متمثلة في امتناع أحدهم عن دفع الخراج الذي كانت حركة ناصر الدين[3] قد فرضتها على القبائل من صنهاجة و حسان ، مما دفع هذا الشخص إلى الاستنجاد بحسان الذين كانوا يترصدون لناصر الدين ، فقامت الحرب ، و التفت صنهاجة حول ناصر الدين ، و بعد الهزيمة فرضت حسان سطوتها على البلاد . لكن هذا التحليل قد يجانب الحقيقة التاريخية ، إذ أن المصالح المادية كانت الدافع الأساسي وراء قيام هذه الحرب ، و كانت كذلك تعبير عن رفض صنهاجة للمضايقات الحسانية ، خصوصا و أن الفريقين تقاطعت مصالحهما ، و كذاك بعد أن بدأت حركة ناصر الدين ترفض التعامل مع النصارى ، مما هدد مصالح حسان و الممالك الزنجية جنوب النهر . على كل حال و بعد انجلاء الحرب ، و بعض أن وضع كل فريق السلاح ، كانت مجموعة من الأمور قد تغيرت ، أو وجب تغييرها ، إذ أن الحرب دائما ما تعطي منتصرا واحدا ، الشيء الذي حصل مع بني حسان على حساب صنهاجة ، هذا المصطلح الذي سيختفي بعد الحرب لتظهر بعده لفظتي الزوايا و زناكة ، فما هي المتغيرات السياسية و الإجتماعية التي أحدثتها حرب شرببة ؟ على المستوى الاجتماعي أول تحول وقع هو أن الانتساب لحسان أصبح من دواعي الفخر و الاعتزاز ، إذ الملاحظ هو لجوء القبائل الصنهاجية لإعادة كتابة مشجرات أنسابها لأن النسب [1]- شرببة ارتبطت بشخص يدعى بيبة بن أحمد أصور الصكاعي الذي طلب منه الإمام ناصر الدين الخراج ، و هو من قبيلة تاشدبيت فامتنع ، و سميت الحرب شر ببة انظر ـ الخليل النحوي ، بلاد شنقيط المنارة و الرباط ...، م س ، ص 307 . [2]- كما هو معروف فإن هذه البلاد كانت حكرا على صنهاجة إذ " صار ما بين بلاد البربر و بلاد السودان حجزا عليهم ، و اتخذوا اللثام خطاما تميزوا بشعاره بين الأمم " أنظر : ـ ابن خلدون عبد الرحمن ، العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم و البربر و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ، ضبط المتن و وضع حواشيه و فهارسه خليل شحادة ، بيروت ، 1989 ، ط 1 ، ج 6 ، ص 241 . [3]- هو أبوك بن ألفغ أبهم الديماني ، الشمشوي ، أول قائد للزوايا في حرب شرببة و منظر قيامها أنظر ـ محمد الأمين ولد سيدي أحمد ، السلطة و الفقهاء في إمارة الترارزة ، م س ، ص 84 . الجديد أصبح هو النسب الأكثر حظوة[1] ، كما ترسخت عقب ذلك اللغة العربية ، لأن ثقافة الغالب غالبا ما تصبح ثقافة المغلوب مع مرور الوقت ، فأصبحت اللهجة الحسانية هي وسيلة التعبير الأولى و الوحيدة من واد نون شمالا إلى نهر السنغال جنوبا . إذن يمكن اعتبار اللهجة الحسانية مظهرا من تمظهرات السيطرة العربية على المجال البيضاني . كما ظهر إلى الوجود تراتبية اجتماعية احتفظت من خلالها كل مجموعة بميزات ميزتها عن المجموعة الأخرى ، البعض جعل هذا التقسيم يستند إلى معطيات عرقية ، و البعض الآخر إلى معطيات و ركائز وظيفية ، على كل حال وجد في المجتمع البيضاني طبقات اجتماعية عنت كل واحدة بوظيفة معينة ، محافظة على أكبر قدر ممكن من الانسجام مع الطبقة الأخرى . · المحاربين ( العرب أو حسان ) : تحمل هذه الفئة مجموعة من الأسماء ، كالعرب أو حسان ، تحتكر هذه الفئة سلطة القوة ، و تعيش على ما تدفعه لها الفئات التابعة ، و أن رزقهم على أسنة رماحهم[2]، إذ جعلوها ديدنا يربون عليها أطفالهم[3] ، و هذه الفئة نفسها تنقسم هي الأخرى إلى تراتبية ، إذ أن المغافرة يحتلون الصدارة داخل هذه الفئة ، مما تجدر الإشارة له أيضا هو أن هذه الفئة لم تبق محصورة في إطار عرقي ضيق ، إذ نجد قبائل ذات أصول صنهاجية تنتمي لهذه الفئة ، و تضم بذلك هذه الفئة بعض قبائل لمتونة كإداوعيش[4] ، و تنقسم حسان بأرض شنقيط إلى أربعة أقسام و هم أولاد يحيى بن عثمان سكان أدرار ، , إدوعيش سكان تكانت ، و الترارزة سكان القبلة ، و البراكنة[5]. نكتفي بهذا القدر [1]- سيدي عبد الرحمن العلوي ، القبائل الحسانية ، م س ، ص 82 . [2]- لقد ذهب مجموعة كبيرة من فقهاء الزوايا إلى تكفير هذه الفئة نظرا لما تقوم به من عمليات سلب و نهب واسعة ضد القبائل غير التابعة لها ، خالقة بذلك جوا من انعدام الأمن و الإستقرار بالبلاد البيضانية ، إلى درجة أن أحدهم و هو الكصري بن محمد المختار حرم بيع الخيول و آلة الحرب للمغافرة الحسانيين . أنظر ـ محمد المختار ولد السعد ،الفتاوى و التاريخ دراسة لمظاهر الحياة الاقتصادية و الاجتماعية بموريتانيا من خلال فقه النوازل ، ط 1 ، بيروت ، 2000 ، ص 95 ، نقلا عن الكصري بن محمد المختار ، النوازل ، نسخة بالمعهد العالي للدراسات و البحوث الاسلامية ، نواكشوط ، رقم 2138 . [3]- محمد الأمين ولد السعد ، م س ، ص 46 . [4]- القاضي بي بن السالم ، موريتانيا الوقائع و الوفايات ذكر الحروب و الإغارات ، م س ، ص 27 . إدوعيش : هي قبيلة تنحدر من أصل لمتوني ، أسست إمارة قوية في تكانت بعد أن هزمت سنة ffice:smarttags" /> ـ محمد الأمين ولد السعد ، م س ، ص 89 . [5]- أحمد بن الأمين الشنقيطي ، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، م س ، ص 480 : و الملاحظة المثيرة للإهتمام أن صاحب الوسط أدخل إدوعيش في عداد حسان ، و لم يذكر البرابيش و أولاد دليم ، و ذلك راجع في إعتقادنا أنه فضل أن يورد حسان أصحاب الإمارت و من سار على نهجهم . و لمعرفة قبائل حسان أكثر ، يرجى العودة إلى : ـ المختار ولد حامد ، موسوعة حياة موريتنايا التاريخ السياسي ، م س ، ص ص 95 / 177 . فيما يخص المحاربين نظرا لكون الإمارات التي سوف يؤسسونها ستكون موضوع مبحثين قادمين. · الزوايا : بتسكين الزاي ، يقول صاحب الوسيط معرفا هذه الفئة ، و هو المطلع على خبايا الأمور و تاريخ المنطقة ، بحكم الانتماء " إن لفظة الزوايا صار علما على قبائل كثيرة ، أغلب سيرها في تعلم العلم و تعليمه ، و تعمير الأرض بحفر الآبار و تسيير القوافل ، و قرى الضيف "[1] ، و يبدوا هذا الدور الذي تلعبه هذه الفئة أكثر نبلا ، و شرف لا يضاهيه شرف ، إذ كانوا حملة العلم و الدين في هذه البلاد قاطبة قديما و حديثا ، لا ينازعهم في ذلك طائفة من طوائفها[2] و يضيف [1] - أحمد الأمين الشنقيطي ، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ... ، م س ، ص 478 . [2] - الخليل النحوي ، بلاد شنقيط المنارة و الرباط ...، م س ، ص 34 . صاحب الوسيط في ذكر شيمهم " و يحمد من أمرهم عدم شهادة الزور ، و التحرج من مال الغير، و التعليم و الإمامة يكونان مجانا عندهم "[1] ، و مما يعاب عليهم حسب نفس المصدر " و من العجيب أن الزوايا على ديانتهم و علمهم ، أهل حقد على بعضهم ، فترى القبيلة إذا وقعت حرب بينهما لا تنمحي أضغانها من الصدور ، بخلاف حسان فإن الطائفتين المتحاربتين منهم بعد قليل صارتا يدا واحدة "[2] . قد تكون هذه الشهادة من الحقائق التاريخية التي منعت الزوايا من التكتل من جديد بعد مغامرة ناصر الدين ، و من بين قبائل الزوايا نجد قبيلة كنتة صاحبة المكانة المميزة داخل فئة الزوايا ، لما لعبته كما أبرزنا من أدوار هامة تروم خدمة مشروع ديني محض . مما تجدر الإشارة إليه و عند القيام بنظرة خاطفة للمجال البيضاني و تموقع الإمارات المغفرية به أو المتغفرة[3] ، نلحظ أن قبائل الزوايا المتواجدة تحت نفوذها ضعيفة ، و غير ذات شوكة ، بينما إذا تتبعنا مناطق نفوذ قبائل الزوايا القوية كتجكانت و كنتة ، نجدها غير خاضعة لنفوذ أي إمارة مغفرية و لعل السبب يرجع إلى " أن زوايا القبلة ( الواقعة تحت النفوذ المغفري ) أفرغوا جذوة حدتهم في معارك شرببة و معارك أخرى دارت بينهم ، فكانوا بعدئذ حروبهم جدال و مناظرة ، لقد حلت الكلمة عندهم محل الفعل العنيف"[4] ، و بالتالي يمكن أن نميز في فئة الزوايا بين نموذجين اثنين من القبائل ، فئة خضعت للمغافرة و أصبحت تحت حكمهم بحكم الموقع الجغرافي ، مسلمة لهم بالسلطة السياسية ، و فئة لم تخضع لحسان بل كانت الند للند ، تتمسك بدورها الديني ، لكنها في نفس الوقت مستعدة للدفاع عن نفسها أمام أي طارئ ، و هي الفئة التي تنتمي لها قبيلة كنتة ، قبيلة الشيخ أحمد البكاي . شكل إذن المحاربين و الزوايا رأس المجتمع البيضاني ، إن على المستوى السياسي أو الإجتماعي، مستمدين ذلك من القوة العسكرية بالنسبة لحسان ، و القوة الدينية بالنسبة للزوايا ، مما جعل باقي الفئات تقع تحت سيطرة هاتين الفئتين . · الفئات الغارمة : و تتكون من مجموعة من الفئات بداية بزناكة و هم أحسن حظا ، و أرفع شأنا من باقي الفئات ، و يبدوا من الاسم أنه اللفظة القديمة لصنهاجة ، تهتم هذه الفئة بالإنتاج الفلاحي و الحيواني ، وهي [1] - أحمد بن الأمين الشنقيطي ، م س ، ص 478 . [2]- نفسه . [3] - المقصود هنا إدوعيش . [4] - الخليل النحوي ، م س ، ص 25 . تحت سلطة الفئتين السابقتين ، زوايا أو حسان ، و لعل المثل الشعبي الحساني " ازناكي ألا تحت الركاب و لا تحت كتاب "[1] يلخص إلى حد كبير الوضعية التي كانت تعيشها هذه الفئة ، فهذه الفئة تحت حماية قبيلة زاوية ، أو تحت هيبة قبيلة حسانية ، إذ سخرتها الفئتين السابقتين للرعاية و تنمية الماشية[2] ، و ينقسمون ( زناكة ) إلى ثلاث طبقات أعلاها اللحمة التي تفيد كثرة المال و حسن الخلق ، و أزناكة التي يعتبر أصحابها أقل مالا و أقل خلقا ، أما الرعيان فهم غير المالكين و كل عملهم بالأجرة[3] ، و يمكن القول أن هذه الفئة شكلت عصب الحياة الاقتصادية لما تقدمه من خدمات للمجتمع البيضاني ، و داخل الفئات الغارمة نجد كذلك أربع فئات أخرى إلى جانب زناكة، منهم الحراطين الذين يهتمون بالمجال الزراعي على وجه الخصوص ، و هم سود البشرة لكنهم ليسوا عبيد ، أو يمكن أن يكونوا عبيد محررين[4] ، لم تحض هذه الفئة بما تستحقه من الدراسة ، إذ يمكن أن تفك الغموض حول الأصول السوداء للمنطقة ، خصوصا و أن هذه الفئة تنتشر شمالا إلى حدود واحات المغرب الشرقي ، فهل هذه الفئة تمثل العنصر الزنجي الذي نزح منذ فترات متقدمة من التاريخ و عمر هذه الأرض ، إلى حدود وصول القبائل الأمازيغية و بعدها القبائل العربية ؟ ، مما جعلها تنكمش و تنحصر في الواحات و المناطق الفلاحية ، قد يحتاج هذا لسنوات من البحث و التنقيب . و تأتي خلف فئة الحراطين فئة المعلمين و هم الصناع التقليديون ، المهتمون بالصناعة ، مثل صنع الأواني المنزلية ، و الأدوات الحربية ، كما تأتي فئة إكاون ، و هم مطربوا و شعراء حسان، و خلف هؤلاء تأتي فئة العبيد ، و إسمهم يغني عن الشرح و التفصيل . ننتقل الآن للمعرفة المشهد السياسي البيضاني في تجليه الأميري ، من خلال الإمارت التي أنشأتها المجموعة الحسانية الأكثر تنفذا المغافرة ، لما بلغته هذه الإمارات من قوة و نفوذ ، و ما ستمثله عقب ذلك من مقاومة ضد التدخل الأجنبي بالبلاد . [1] - سيدي عبد الرحمن العلوي ، قبائل بني حسان ... ، م س ، ص 94 ، نقلا عن - Abdel wadoud ould cheikh ; Nomadisme islam et pouvoire politique dans la société Maure précolonilae . [2] - الخليل النحوي ، بلاد شنقيط المنارة و الرباط ...، م س ، ص 37 . [3] - محمد الأمين ولد سيدي أحمد ، السلطة و الفقهاء في إمارة الترارزة ...، م س ، ص 47 [4] - سيدي عبد الرحمن العلوي ، م س ، ص 94 .
يتبع
آخر تعديل أبوعبدالله يوم
03-29-2010 في 10:59 PM.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|