185. البحر / محمد أحمد بن مَحمد الإنصاري الإجدشي السوقي

185. البحر / محمد أحمد بن مَحمد الإنصاري الإجدشي السوقي :
هو الشيخ القاضي المفتي محمد أحمد المعروف بالبحر ابن مَحمد بن محمد المعروف بحَنَّ ابن المختار المعروف بأمّتّال ينتهي نسبه إلى محمد بن يوسف المعروف بإد إنتكرنت الأنصاري(1) .
قال عنه تلميذه وابن أخيه حماد الأنصاري : إن عمي البحر كان يحفظ متن صحيح البخار ، وكان وهو ابن تسعين سنة إذا أراد أن يرحل إلى أي بلد أو قرية لا يركب شيئا وإنما يرحل ماشيا وهو في هذا السن يقرأ بنفسه دائما ومرة مرضت إحدى عينيه فقرأت عليه بأمره . وعمي هذا قرأت عليه الفقه المالكي كله وأخذت عنه أيضا الفقه الحنفي(2) .
وقال عنه أيضا : إن عمي البحر هو المفتي والقاضي في البلاد ، وكانت فرنسا لا تأخذ ممن حوله من الناس ضريبة بسبب أنه المفتي(3) .
وقال عنه أيضا : إن عمي محمد أحمد الملقب بالبحر هذا في التوحيد السلفي إمام هو الذي درست عليه مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني وهذه المقدمة من أولها إلى آخرها في العقيدة السلفية(4) .
وقال عنه أيضا : إن عمي البحر يحفظ صحيح البخاري بالأسانيد وكان هو القارئ في البخاري في أيام رمضان ، حيث إن العادة في البلاد أنهم يجزءون صحيح البخاري إلى ثلاثين جزءا يقرأون كل يوم جزء منه(5) .
وقال عنه أيضا : إن عمي لم يدرس في النحو إلا ملحة الإعراب للحريري ومع هذا فقد درّس الكافية ، والخلاصة ، والأشموني ، وغيرها للطلاب(6) .
قلت درس ملحة الإعراب على : الشيخ مُحمد بن دانيال بن محمد الحسني الدغوغي(7) .
وقال الشيخ العتيق عنه : بلغني أنه من حملة القرآن وأنه نحوي صرفي بياني منطقي فقيه يدرس في جميع الفنون يفتي بمشهور مذهب مالك ويتقن مختصر خليل وشرحه لعبد الباقي ويقدم ما أدرك من عمل أشياخه على كثير مما يقوله أهل الحواشي الجديدة وله في ذلك وقائع مع من يريد العمل بكل ما يجده في الكتب من غير تقيد بعمل الأشياخ ولا بحث عن المشهور ، وسمعت عنه أنه على سنة سلفه من تعظيم الشرفاء وأنه كثيرا ما أوصى الناس بذلك ، وسمعت عنه من تعظيم أهل بيتنا ورعاية حرمتهم لما حازوه من النسب الشريف وتسليم الأعلمية لهم كثيرا من ذلك أنه ساء التفاهم بينه وبين بعضهم في بعض الأوقات فانتصر له بعض الأجانب وأساء الأدب في حق الشيخ محمود بن محمد الصالح ثم سار إليه متوسلا ومتقربا بذلك الجفاء الذي صدر منه إلى الشيخ وقال له يا شيخ قد منعت محمود بن محمد الصالح أن ينزل عندي فصاح عليه الشيخ البحري وهم بضربه وقال له إذهب عني لا تقربني بعد ما طردت شريفا عالما لا بارك الله فيك .
وحدثني عنه بعض تلاميذه أنه جاءه رجل آخر ممن يزعم أنه يتعصب له فقال له قد لقيت بعض علماء أهل تَكَلَلْتْ وهو سعد الدين بن عمر فناظرته فأفحمته فقال له البحري قد أتيتني ببهتان عظيم إن ابن عُمار أنا الذي أعرفه شابا وكهلا وقد أعجز من هم فوقك صغيرا فكيف تفحمه بعد الكهولة أسكت عني فإنك كذاب فخجل وصار ضحكة في المجلس ، وبلغني عنه أيضا أنه أتاه خصمان فتلكم أحدهما ولما اقتضت النوبة إلى الآخر أخرج من جيبه قرطاسا وقال له حجتي مكتوبة في هذا القرطاس فلما نظر إليه البحري قال له أليس هذا الخط لسعد الدين بن عُمار فقال له بلى فقال لم تأتون بعد أن حكم بينكم وأظهر الإنكار على الخصم الذي لم يقتنع بحكمه قال له اعلم أن ذلك الرجل لا يتعقب حكمه في مسجدنا ولم يقع بيننا وبين أهل بيته خلاف في حكم شرعي قط وقد زكيناه قديما في صغر سنه فلا تعد تطلب الحق في خلاف قوله فإنه المحق ومن أهل بيته يأتي الحق .
ويحكى عنه من تعظيم أهل العلم كثير ، وقد جرى بينه وبين بعض إخوانه من العلماء شيء مما يجري بين العلماء من التنافس حتى ساءت التفاهم بين فريقه وغيرهم فهم بعض المتعصبين لفريقه بمنابذة القريق الأخر والإساءة إليهم ما استطاعوا ، فلما علم بذلك قال لأولئك المتعصبين العلماء إذا أهينوا في بلد نزعت بركته فعليكم بتعظيم أهل العلم واحترامهم والإحسان إليهم فإذا جاءكم بعض العلماء الذين لا توافقوهم فبالغوا في إكرام نزلهم وإحسان قراهم وما يتعلق بإنزالهم ولا تحادثوهم ولا تجالسوهم . ولو لم تكن له فضيلة غير هذه النصيحة لكفى بها دليلا على نصحه لأهل الإسلام .
أما مقامه في العلم وسبقه في الفنون فقد شهد به من يعرفه وقد عاصرته ولم تقدر ملاقاتي له ولكن الشيخ الوالد يخبرني عنه كثيرا ويوصيني بتعظيمه واحترامه وقد شهدته في مرض وفاته هو في غاية الشدة إذ جاءه من أخبره بموت البحري فبلغ منه ذلك مبلغا كاد أن ينسيه ما هو فيه فجعل يستغفر له ويدعو ويأمرنا بالدعاء له حتى طال ذلك .
وأما شيخنا الخضر بن حماد رضي الله عنه فقد ذكره من المقتدى بهم وممن يهتدي بهديهم جامعا له مه والده ومع الشيخ بَايْ ومع الشيخ الكبير وغيرهم من أيمة البلد ، فقال في رسالته التي يرد بها على المبتدعة الذين يدعون رأية الله تعالى في الدنيا مالفظه : ( والعجب كل العجب أنهم يطمعون في استقالتنا بأقوالهم المموهة ، ونحن أعلم بما تحتها من البواطن المشوهة وكيف لا وعندنا سماسرة العلم ، وبياطرة النثر والنظم ، ولنا التمكن في الهدم والوضع ، والتصرف في أساليب القدح والمنع ، وأيضا من تلامذة الشيخ حماد رضي الله عنه وأتبعه اللائح على كل منهم بهاؤه وشعاعه ، وتلامذة تلامذته الكبار وهم أعداء منشترون في جوانب الأمصار ، وكلهم أو جلهم عارف بصار ، وماهر نظار ، ومنا تلامذة الشيخ بَايْ حامل الرآية وابن حاملي الرأي ، وتلامذة البحري وموسى الكسائي وكلاهما في العلم ضريب الخليل والكسائي ، وتلامذة عيسى بن وَدَا ، وناهيك به خبرا معظما وبحر علم وندى ، ومنا أتباع الشيخ سَديدِ صاحب الرأي الحازم والقول السديد ، وكل هؤلاء متشبث بطريقة لها أذكار وأوراد وأنوار ، ولأهلها أحوال ومقامات وأسرار ، ما منها جلي والخفى إلا وهو مستمد من أيمتهم الأكابر ، المخصوصين بغرائب المفاخر والمآثر ، وهم الشيخ حماد رضي الله عنه والشيخ حَـنَّ بن أمَّتَّالْ والشيخان البجلان والتيجاني والمختار الكنتي ، والسيد الإمام عبد القادر الجيلي قدس الله أسرارهم وضاعف أجورهم وأنوارهم ، ومستمد الخمسة سيد الوجود وعلم الشهود سيدنا محمد  وعلى آله وصحبه وسلم تسليما فهو الذي حباهم بالمواهب السنية ، وسقى كلا من كأسه بشربة روية هنية ) انتهى المرادمنه ولم أر له أثرا علميا وأخبرني بعض علمائنا أنه رأى له شعرا أنشده في أيام شبابه ولم يقرأ علي شيئا منه وقد ورث الشيخ العلوم من أبيه وأعمامه ولكن لم أقف على شيء من آثارهم ، وبلغني أن كلا من أولاد الشيخ حَـنَّ عالم ولي وهم : محمد والد هذا المترجم ، ومحمد آتَّ ، وحذيفة ، ومسلم ، وكذلك أولادهم لم أر شيئا من آثارهم إلا ما كان من الشيخ حماد بن محمد . وتوفي البحري عام 1370هـ(8) .

قلت ترجم له ابن أخيه محدث المدينة في زمنه الشيخ حماد بن محمد الأنصاري وما زالت تلك الترجمة ضائعة في مكتبته الضخمة ما شاء الله تبارك الله .