العودة   منتديات مدينة السوق > قسم الحوار الهادف > منتدى الحوار الهادف

منتدى الحوار الهادف حول القضايا الدينية والتيارات الفكرية والإقتصادية والإجتماعية

Untitled Document
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-28-2016, 06:07 PM
مراقب عام
السوقي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 17
 تاريخ التسجيل : Dec 2008
 فترة الأقامة : 5821 يوم
 أخر زيارة : 09-26-2024 (03:00 PM)
 المشاركات : 165 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : السوقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي شخصنة الحوار .. تفرّقنا!



الأربعاء 17 شوال 1435 هـ - 13 أغسطس 2014م - العدد 16851

إقصائيون يصنّفون الأشخاص بتوجهاتهم ويحكمون على مواقفهم قبل مناقشة أفكارهم

«شخصنة الحوار».. تفرّقنا!

البعض يلجأ لتشويه سمعة المخالف بدلاً من حواره

الرياض، تحقيق- عبدالعزيز الراشد
يحرص الناس في مجالسهم عادةً على مناقشة عدد من الأفكار والموضوعات، والتي تأخُذ جانباً من تبادل الآراء ووجهات النظر في فكرة أو موضوع ما، وساعد على ذلك شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والبرامج التلفزيونية المختلفة وانتشار مستخدميها، حيث أصبحنا نشاهد بشكل مستمر تلك النقاشات والحوارات في مختلف المواضيع سواءً كانت اجتماعية أو اقتصادية أو رياضية، ولكن ما يلحظ على تلك النقاشات هو خوض بعض المتحدثين في "شخصنة" الطرف الآخر، وتحديداً التطرق إلى مذهبه، أو شكله، أو لونه، أو تجاربه السابقه؛ مما يؤدي إلى حدوث موجة من الاتهامات الشخصية، وبالتالي يطرأ على ذلك الحديث جانباً من استحواذ شخصنة المواقف والأفكار، وعندما تسيطر "الشخصنة" على العقل فإنها تبعد الشخص عن المنطق والموضوعية والإنصاف؛ مما يجعله عاجزاً عن استيعاب الأفكار والتعامل معها، إلاّ بالنظر إلى قائلها والحكم عليه، وبالتالي تتحول من فكرة مجردة إلى فكرة مجسدة تتمحور في شخص معين، وربطها بأمور شخصية خارجة عن موضوعها ومنهجيتها.

ويُعدّ الاختلاف بين الأشخاص أمراً صحياً ومطلباً أساسياً للحياة في جميع جوانبها ومجالاتها، ولكن الأمر الذي يفصل في ذلك هو الأسلوب والطريقة التي يُعبّر فيها كل طرف عما يجول في خاطره، وما يطرأ عليها من فكر "ناقص ومُشوه"، لعدم احترامه للرأي الآخر واعتقاده بأن أقواله صحيحة وغيره "مخطئون"، حيث إنّ سماع وجهات النظر الأخرى ومناقشتها بموضوعية سيجعل أفكارنا وآراءنا أكثر رصانة وأقرب إلى العدل، والانصاف، والموضوعية، ويجهل البعض أنّ "الشخصنة" تكون بالحكم على الأفكار أو الأحداث من خلال الشخص المنسوبة إليه، لا من خلال مضمون الفكرة أو طبيعة الحدث وظروفه؛ مما أدى لبروز مظاهر وسلوكيات التعصب للرأي، والعنصرية، والتمييز، والتي تُعد صنفاً شائعاً من المغالطات، بحيث إنّ الدعوى أو الحجة تكون خاطئة؛ بسبب معلومات متعلقة بالكاتب أو بالشخص الذي يعرض هذه الدعوى، وليس بالدعوى نفسها.

مفهوم خاطئ

وبيّن "د. إبراهيم الصنبع" -باحث اجتماعي- أنّ الشخصنة مصطلح يُستخدم في كثير من العلوم الإنسانية ومنها علم الاجتماع، حيث إنّ فكرة الشخصنة هي تحويل الفكرة من الموضوعية البناءة إلى العائمة غير الدقيقة، مبيناً بأنّها من هنا تبدأ وتنتهي، حيث يبدأ الشخص في هذا الإطار بتحويل فكرته، إما لهدف شخصي أو لإطالة ذلك الموضوع؛ نظراً لحرصه في إضاعة الفكرة التي تم النقاش حولها، لافتاً إلى أنّ ذلك وبكل تأكيد لا يخدم الجانب الاجتماعي ولا يخدم الكلمة، كما أنّه لا يوصل صاحبه إلى توصيل الفكرة بطريقة بناءه وموضوعية، ولكنها تكون في إطار الجانب الفلسفي والنظري، حيث يحتمل دائماً الجدل أكثر من احتماله للموضوعية، مؤكّداً على أنّ البعض يشخصنون الفكرة لرغبتهم في الخروج عن الموضوع لأهداف شخصية، وذلك من أجل الابتعاد عن مفاهيم توصيل الفكرة وتضليل الرأي العام.

وأضاف أنّ كثيراً من أصحاب الفكر الشخصي يُقيمون الأشخاص في ضوء معتقد معين ومحدد، وبالتالي يغيّر صاحبها في هذه الحالة المفهوم السليم في ضوء معتقده تجاه بناء الشخصية وليس الفكرة، معتبراً ذلك مفهوم خاطئ؛ لأنه لا يصل بالفكرة إلى الهدف الذي ينشد به القارئ أو المتحدث، لافتاً إلى أنّها من الجانب الاجتماعي تعطي القارئ أو السامع بأنّ الفكرة أبعدت اجتماعياً عن الموضوع أو على المفهوم الفكري الاجتماعي، وتحولت إلى جانب تنظيري لا يوصل للهدف المشترك، بينما تحقق الشخصية الاجتماعية المُلكية، مبيناً أنّ سبل تحقيق الأسس والقواعد الصحيحة للحوار الهادف تأتي بالابتعاد عن تلك الشخصنة، وبناء حوار مفاهيمه وأهدافه وإيصال الفكرة وفق منهجية قائمة على الحسنى، إضافةً إلى الإنصاف والاستماع، منوهاً بأنّ الدين سمح للجدل والاختلاف بشرط أن يكون بالحسنى.

أفقدتنا الحجة والمصداقية وأخذتنا إلى طريق «التجريح» و«الجدل» و«التهكم» على الآخرين بعيداً عن الموضوعية

خطأ منطقي

وذكر "د. فلاح بن محروت العنزي" -استشاري علم النفس العيادي والعلاج النفسي- أنّ الشخصنة هي جدل أو نقاش موجه نحو الشخص وليس نحو حجته وأفكاره، والتي تهدف إلى تخطئة الرأي من خلال تشويه صاحب الرأي في جانب أو أكثر، مؤكّداً على أنّها خطأ منطقي يقع فيه الناس في الحوارات أو النقاشات، ويُسمى في الفلسفة بالجدل ضد الشخص، أو ببساطة الجدل الشخصاني، موضحاً أنّ هذا الخطأ المنطقي يحدث عندما يحاول أحد المتحاورين إثبات ضعف حجة أو رأي معين لمحاور آخر في قضية من القضايا بالحديث عن مصدر الرأي أو الحجة، أو عن بيئة صاحب الرأي أو جماعته أو تاريخه الاجتماعي، أو بالحديث عن سمات وخصائص المحاور أو شخصيته، أو عن ميوله السلوكية، أو نواياه وأهدافه، أو بناء على علاقاته وانتماءاته الفكرية أو السياسية، لافتاً إلى أنّ أكثر هذه الأخطاء شيوعاً هو الشخصانية المسيئة والتي نراها عندما يتوقف المحاور عن مناقشة الأفكار وينفذ هجوماً شخصياً صريحاً، سواءَ ضد فرد واحد أو جماعة، منوهاً بأنّه يوجد نوع من هذا الخطأ يسمى مجازاً ب"تسميم البئر"؛ لأنّه هجوم استباقي يقوم به المحاور قبل أن يبدأ النقاش، فهو يستبق النقاش ويشوه صورة محاوره حتى قبل أن يتحدث، والذي نراه كثيراً في برامج الحوار التلفزيونية التي تعتمد على طريق الحوار المعاكس.

وأضاف أنّ جميع ما سبق أخطاء تعوق الحوار الصحيح؛ لأنّها تتجنب موضوع الحوار أو النقاش وتستهدف الأشخاص، فعلى سبيل المثال: عندما يعرض شخص حجة معينة في أمر سياسي أو اجتماعي أو تربوي، فيلجأ المتلقي أو المحاور للكلام عن المتحدث وميوله، أو نواياه، أو أصله، أو بيئته، أو جنسه، أو يهاجمه هجوما مسيئاً له، مشدداً على أنّ وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مليئة بهذه الأخطاء، وتقريباً في أي موضوع أو مسألة اجتماعية، خصوصاً الموضوعات التي لها دلالة معينة في مجتمعنا أو موضوعاتنا الساخنة.

حجة ضعيفة

وشدد "د. العنزي" على أن التهجم الشخصي حجة من لا حجة له، أو حجة من يشعر بأنه ليس لديه حجة قوية، فربما يلجأ البعض سريعاً إلى الشخصنة المسيئة عندما يفتقدون الحجج التي يمكن أن يسوقونها في نقاشهم ضد رأي معين في مسألة اجتماعية معينة، موضحاً أنّ التهجم أو الشخصنة يمكن أن تكون عادة أو سلوك مكتسب ضمن نوع من الفكر يفتقد أبسط مبادئ المنطق أو التحليل الواقعي لمختلف القضايا، مبيّناً أنّه وفي هذه الحالة يصدر التهجم من الشخص تلقائياً؛ لأنّ هذا ما اعتاد عليه عقله، لافتاً إلى أنّ الشخصنة تزداد عند نقاش القضايا الساخنة التي يشعر الفرد أن مناقشتها أو تحليلها منطقياً يهدد نظرته التي اعتاد عليها للعالم، ويحدث هذا لأنّ الكثير من المسائل الساخنة تمس هوية الفرد ونظرته لنفسه وتقييمه لنفسه.

ثقافة مجتمعية

واعتبر "د. العنزي" أنّ الحوار ثقافة مجتمع قبل أن يكون مهارة فردية، وقوام الحوار الصحيح مبادئ وقيم تعلي من شأن تقبل الاختلاف ومن حق الشخص في التعبير عن رأيه وحقه في أن يمنح فرصة توضيحه والدفاع عنه بشكل منطقي وموضوعي، أما كيفية التعامل مع الشخصنة فليس هناك أحكم من كتاب الله سبحانه "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"، مشدداً على أنّ الحكمة هي عدم تبادل الإساءة الشخصية مع من يتركون موضوع الحوار ويتهجمون على محاوريهم، وهنا يأتي دور الفرد في تطوير أساليب حواره، ويعمل على تفهم الآخرين وربما إعطائهم العذر لجهلهم، ويحسن بالمحاور أن يذكر المتهجم بموضوع النقاش وبهدوء دون أن ينزلق معه إلى الغوغائية.

"أثر بارز"

وقال "د. عبدالله العباس" -مستشار إعلامي- أنّه لم يعد خافياً على أحد مدى تعاظم تأثير الإعلام على الناس في كافة ميادين وشؤون الحياة حتى قيل إنّ تأثير الإعلام بات أقوى من أي مؤثر آخر؛ لما له من أثر بارز وتوجيه واضح ونفوذ واسع لصنع حياة الناس، خاصةً العامة منهم أو الأغلبية السائدة الذين ينطلقون في حياتهم وعملهم مبدأ أنّ الانتماء والإخلاص للوطن ليس شعاراً، بل قيماً، وأخلاقاً، وسلوكاً، وعملاً يتصف به كل مواطن حر وشريف، مبيّناً أنّه متى ما دخلت الشخصنة والمحسوبية في الإعلام فإنّ ذلك يتعارض مع القيم والمعايير التي تربى عليها الناس ومنها الانتماء والإخلاص للوطن وهما من أسمى أشكال المواطنة، ويتمثل ذلك في رفض العنصرية والمحسوبية والفئوية والمجاملة والمداهنة والولاء للأفراد.

وأضاف أنّ الشخصنة تقع في الإعلام لعدم الفصل بين الأشخاص والأفكار، وبين الأحداث وأصحابها، فكم من شخصية أبرزها الإعلام وضخمها وقدمها للمجتمع وفقاً للجاه، أو الاتجاه الفكري، أو المال، أو المظهر العام، أو لصلة اجتماعية، أو مناطقية، أو قبلية، بالإعلامي نفسه أو زميله أو مسؤول التحرير، موضحاً أنّ بعض الإعلاميين يلجأون إلى الشخصنة بناءً على شخصية قائل الحديث أو الفكرة أو صاحبها، إذ قبولها ورفضها متوقفان على شخص قائلها وميوله، ومكانته، ومادياته، فتروج الفكرة وتلقى صدى الإعجاب لأنّ فلاناً -المرضي عنه- قائلها، وفي المقابل تموت أفكار أو تفتعل لها المساجلات الإقصائية الحادة لأنّ قائلها مسخوط عليه، أو ينتمي لذلك التيار المغضوب عليه.

انقسام فكري

وأكّد "د. العباس" أنّه بات من الممكن القول أنّ كثيراً من التصنيفات في مجتمعنا وانقساماته الفكرية الحادة التي وصلنا إليها سببها بعض وسائل الإعلام التي شخصنة الأفكار وأججت نارها، وتظهر ذلك في السجالات والمعارك الفكرية والثقافية، مشدداً على أنّ الشخصنة أصبحت في الإعلام مطية للنيل من شخصٍ ما وأفكاره وإسقاطه والتأليب عليه، أو ترميزه وتضخيمه هو وأفكاره وحشد الأتباع له، لافتاً إلى أنّ واقعنا الإعلامي قديماً يضج بالطرح الذي يعمل بحرص ودأب على توجيه العقلية لتصدق وتستسلم لأفكار ما، مهما كانت وعلى هدم روح النقد لتلك الشخصية أو الفكرة من مبدأ المجاملة عل حساب المصلحة العامة، واصفاً هذا الإعلام بأنّه خادع مضلل للقارئ إن هو ارتكز إلى مثل هذه المرتكزات أو أشرك معها أموراً ومعايير وأركاناً لا تمت إلى الحيادية ونشر الحقيقة بصلة، منوهاً بأنّه إن كان الإعلام لا يرتكز أصلاً على معايير محددة ولم يتأسس وفقاً لمرتكزات إعلامية صحيحة وواضحة فإنّ مصيره الركود، وسرعان ما ينفر الناس منه؛ لعدم مصداقيته.

غيرة وحقد

وكشف "د. العباس" أنّ الغيرة والحقد من الأسباب التي تؤدي للشخصنة، فالمتصف بهذه الصفة قد تؤدي غيرته أو حقده على صاحب الفكرة إلى رفضها والسخرية منها، على الرغم من أنّه في داخله يعلم أنّها صحيحة وصالحة، حيث إنّ المتعصب لا يرى إلاّ رأيه أو رأي من يحب، ويعتبره صواباً لا يقبل الخطأ، ورأي غيره خطأ لا يقبل الصواب، حتى إنّ الفكرة الواحدة إذا طرحت ممن يتعصب ضده رفضها، وإذا طرحت بعد ذلك ممن يتعصب له قبلها، وقد يكيل لها المدح والثناء، وهذا أمر مُشاهد وملحوظ في الواقع للأسف الشديد.

وأضاف أنّ هناك أسباباً نفسية أخرى، فالمشخصن إذا ضعفت ثقته بنفسه سلم قياده لغيره وذاب في فكره، ومن هنا تأتي مشكلة القبول الشامل لفكر غيره ممن يحوز ثقته، ليعوض بها المشخصن القصور في إيمانه بقدرته العقلية على التمييز بين الأفكار الحسن منها والسيئ، بالإضافة إلى الإعجاب والافتتان، فإذا أعجب بشخص آخر وافتتن به وقع في أسره فلا يرى فيه عيبًا ولا يتصور منه خطأ، لافتاً إلى أنّه قد يكون الإعجاب والافتتان بالذات وليس بالغير، فيصاب المفتتن بنفسه بداء شخصنة أفكاره واعتبار أنّه بات وصياً عليها، ليس من حق أحد أن يخالفه فيها أو حتى يناقشه ويجادله.

ليس بالضرورة أن يقتنع من حولك بأفكارك ولكن لا تسمح لهم أن يتطاولوا على ذاتك

سجال شخصي

وشدد "د. العباس" على أنّ هناك أسباباً فكرية أيضاً تكمن بالجهل، وذلك بأنّ الجاهل لا يدرك حقيقة وخطورة تجسيد الفكرة أو محورتها حول إنسان يصيب ويخطئ ويعتريه النقص ولا تُؤمَن فتنته أو يضل وينسى، أو يخضع لهواه فيشقى، فلو أدرك ذلك حقيقة لكان أشد حرصاً على التمييز بين الفكرة وبين مبدعها أو الداعي إليها، ولكنه -بجهله- يظن أنّه بهذا أبعد عن الخطأ وأقرب إلى الصواب، وأحوط له من إعمال عقله القاصر، فيتبع الفكرة -مثلاً- لمجرد صدورها عن من يعجبه ويهواه ولو كان جاهلا، إضافة إلى المبالغة وتضخيم الأمور، التي قد تكون دافعاً حقيقياً إلى شخصنة الأفكار لدى الكثير، فهم قد يبالغون بصاحب فكرة ضد مفكر، فيحقرون أفكار الأخير كلها ولو صدق بعضها، ويعظمون أفكار المفكر جميعها ولو لم يصح بعضها.

وأضاف أنّ تحويل الخلافات الفكرية لمعارك شخصية أحد الأسباب، حيث إن جعل الفكرة مرتبطة بالأشخاص يُحيل الحوار الموضوعي إلى سجال شخصي، قد يتحول إلى معارك شخصية تستخدم فيه أسلحة التدمير الشامل لمعنويات المختلفين، بالإضافة إلى جعل الفكرة المشخصنة لا الحكمة المجردة وكأنّها ضالة المؤمن، فانشغل بالأشخاص عن الفكرة نفسها، وبالأماني عن العمل، وبالتقليد عن الإبداع، وبالقعود والانتظار عن الجهاد، وأصبح الإصلاح المشخصن ضالة!، إلى جانب غيبة الفكر المؤسسي، مشدداً على أنّ الشخصنة أصبحت سمة أساسية ليست في الفكر وحده، بل وفي حياتنا العملية، فغاب الفكر المؤسسي وتحققت مقولة مالك بن نبي: "إنّ المؤسسات التي لا تجد سندها في الأفكار تبدو محكوماً عليها بالفناء"، وكادت تنعدم مؤسسة الفكر، فماتت أفكار مع موت أصحابها، وتبعثرت جهودنا العلمية والفكرية لعدم وجود مؤسسات تقوم بالرعاية والإشراف عليها.

قلب مفتوح

ونوّه "د. العباس" بوجوب محاورة الآخر بقلب مفتوح يحب الخير للغير، مشيراً إلى أنّه يجب علينا أن نفهم وأن نلتزم أسس الحوار، وأن يكون شعارنا في الحوار: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، ليصل الحوار في نهاية مطافه إلى نتائج رائعة يتبين فيها صحة فكره فيؤخذ بها، بروح عالية ورقي متميز، مشدداً على أنّ لا نتهم نيات الآخر، فالنيات مسألة قلبية لا يمكن اكتشافها بسهولة، حيث قد تحاور الآخر في أفكاره وآرائه، وقد تقودني قناعتي إلى رفض تلك الأفكار والآراء وإلى نقدها وتخطئتها، ولكن لا أتهم الدوافع والنوايا، موضحاً أنّ الصحة والخطأ تخضعان لشروط موضوعية يمكن التحقق منها واكتشافها؛ مما يسمح لنا أن نحاسب الرأي والفكرة، وأما الدوافع المغروسة في داخل القلوب فالوصول إليها يحتاج إلى جُهد كبير، مؤكّداً على وجوب مُعاملة الناس وفق ظواهرهم مع حسن الظن بهم والتماس الأعذار لأخطائهم وإصلاحها بالرفق والقول الحسن.

عدم تقبل الرأي المخالف بسبب شخص دليل على ضعف الحجة
عدم تقبل الرأي المخالف بسبب شخص دليل على ضعف الحجة
الشخصنة سلوك سلبي يجعل الأشخاص في تصادم بعيد عن المنطق والانصاف
الشخصنة سلوك سلبي يجعل الأشخاص في تصادم بعيد عن المنطق والانصاف
الشخصنة تؤدي لبروز سلوكيات التعصب للرأي والعنصرية والتمييز
الشخصنة تؤدي لبروز سلوكيات التعصب للرأي والعنصرية والتمييز
أوضح "د. عبدالعزيز الدخيل" -أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود- أنّ البعض يلجؤون إلى شخصنة الموضوع أو الفكرة، ويصحب ذلك الحديث جملة من الإسقاطات السيئة على الطرف الآخر، بدلاً من كون النقاش من خلال الموضوع المطروح، والذي قد يصل الحوار إلى حدّ الشتم أو القذف!، معتبراً أنّ ذلك ناتج عن عدم معرفة ثقافة الحوار الراقي ومهاراته في التعامل مع الآخرين، حيث إنّ الضعف الموجود في بعض الحوارات ينعكس على المتحدث بانتقاله إلى شخصنة المواقف، من خلال التلفظ بألفاظ نابيه، وذكر أمور شخصية بعيدة عن الفكرة المطروحة، مؤكّداً على أنّ تلك الأساليب الخاطئة في الحوار تنتج عن عدم مجاراة أو تبرير لفكرة طرحه من الطرف الآخر.

وقال إنّ أحد أسباب ظهور الشخصنة وجود أمور شخصية بين الطرف الآخر، إلى جانب النقص في أساليب التنشئة الاجتماعية، مشدداً على وجوب تعليم الأبناء وإكسابهم ثقافة الحوار، منوهاً بأنّ الأبناء في الأسر اعتادوا أن يكونوا متلقين، لذلك لا تتاح لهم الخيارات الكاملة للتحاور والنقاش، وتفهم وجهات النظر، مشيراً إلى أنّ التعليم من أسباب ظهور الشخصنة، حيث أنّ المدرسة تُعد المصدر الثاني للتنشئة الاجتماعية؛ لما لها من دور مهم في دعم ثقافة ومهارات الحوار، موضحاً أنّ المعلم هو أساس التعليم، وغالباً ما يكون الحديث من طرفه فقط، حيث يُعتبر الطالب مُتلقيين فقط!، مطالباً بتخصيص أوقات كافية لهم، يمكنون من خلالها التعبير وتبادل الآراء ووجهات النظر؛ مما يعزز فيهم أساسيات الحوار الراقي.

وأضاف أنّ الأساليب الصحيحة لبناء حوار هادف تبدأ من الأسرة، وتعليم الطفل لثقافة الحوار واحترام الطرف الآخر ووجهات النظر وتبادل النقاش بأسلوب هادف بعيداً عن الشخصنة، حتى لو اختلف مع الآخرين، لافتاً إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي وصلت ذروتها في شخصنة الأفكار والمواقف، مطالباً بوضع مناهج مبنية على أساس الحوار وتقبّل الآخر، منوهاً بأنّ ولاة الأمر -حفظهم الله- أولوا الحوار اهتماماً بالغاً والذي يتمثل في تأسيس لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني؛ نظراً لما يشكله من أهمية في بناء ورسم ثقافات الشعوب، وكما أنّ الأسرة والمدرسة يلعبان دوراً رئيساً في بناء تلك الثقافة؛ فإنّ خطباء المساجد يعتبرون المصدر الثالث للتغيير والتنشئة الاجتماعية، مشدداً على أننا بحاجة إلى خطباء يستطيعون بناء تلك الثقافة.

وأشار إلى أنّه يجب فرض عقوبات على الأشخاص الذين يخوضون في الأساليب الخاطئة من سب وشتم، والتي تصل إلى حد القذف، خاصةً في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أنّه يجب وضع عقوبات لتكون رادعة لأصحاب تلك المواقف، مؤكّداً أنّ الذي لا يرتدع بأخلاقه يرتدع بالعقوبة؛ لأنّ العقوبة ستُسهم في حل تلك المشكلة الاجتماعية الأخيرة، منوهاً بالفرق بين الخلاف والاختلاف، حيث إنّ اختلافي معك لا يعني خلافي معك، مطالباً بأن نتفهم وجهات النظر الأخرى، ونقدرها، ونحترمها، ونتقبلها، وفق هدف نتفق عليه جميعاً.

تمييز الأشخاص بأفكارهم وليس تقديس ذواتهم..!
رأى "د. عبدالله العباس" -مستشار إعلامي- أنّ الطرق الصحيحة لمعالجة الشخصنة، تكمن في التربية على التمييز بين الأشخاص والأفكار، مضيفاً أنّه يجب أن نُربي أنفسنا على عدم تقديس الأشخاص، وأن يكون تركيزنا فقط على الفكرة ومدى صحتها، وأن نفصل بين الفكرة وقائلها. وقال:"لا يجرمننا شنآن قوم على ألا نعدل، ولا يدفعنا حب أو ود أو مصلحة إلى عدم الأمانة في التعامل مع الفكرة والتنادي بصلاحيتها وعمقها على تفاهتها لمجرد أن صاحبها من أولي القربى، كما أنه يجب أن نُربي أنفسنا على أن قوله تعالى {فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ليس موجهًا فقط للحكم بين الناس، بل هو شامل كذلك للحكم على أفكار الناس، فلا نظلمهم بتقديس أو بخس في غير محله، إضافة إلى بدء الحوار مع الطرف الآخر بإبداء مكامن الإيجابية في فكرته من إيجابيات ثم الدخول في التفاصيل، حيث يُعطي للمحاور الآخر نوعاً من الراحة واحترام وتقبل الآخر، واستماع كلامه".

وأضاف أنّه يجب أن نغرس في أنفسنا سلامة الصدر فلا نحمل غيرة أو حقداً لأحد أيا كان؛ لأنّ الأخلاق لا تتجزأ، والمسلم مأمور بها في كل حال ومع كل الناس المفسد منهم والمصلح، لأنّه ليس إمعة فهو يعامل الناس بأخلاقه لا بأخلاقهم ويحسن إليهم ولو أساؤوا إليه، فيفعل الخير في أهله وفي غير أهله لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً، مبيناً أنّ فعل الخير هو أن ينصف الآخرين في فهمهم ولا يحمل كلامهم على محامل شخصية لا موضوعية، بالإضافة إلى تدعيم الثقة في النفس، دون عجب أو افتتان؛ لأننا مكرمون من خالق الكون، حبانا بنعمة العقل، وحملنا الأمانة لننظر ماذا سنفعل، فلا يجوز لنا بعد هذا أن نهدر نعمته ونستغني عن عقولنا ونسلمها لمخلوق آخر ليشكلها لنا كيفما شاء، واهمين أنّه امتلك الحق وحده، وكأنّ عقله مخلوق من مادة أصلح من التي خلقت منها عقولنا، إذ أننا لم نعدم التمييز والإدراك، ولا ينقصنا سوى بذل الجهد المعرفي المطلوب لتمحيص الأفكار وتبيان السقيم فيها من الصحيح والأولى بالترجيح، لا وفقاً لشخص قائلها ولكن وفقاً لعناصر الفكرة ومنهجها وفاعليتها، وكذلك التوعية بثقافة الاختلاف وآدابه.

وأشار إلى أنّه يجب نشر ثقافة الاختلاف وآدابه بين الناس والتي من أهمها التركيز على الموضوع لا الأشخاص، وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وهذا في الأساس موجه إلى الأعلام ووسائل الإعلام، فهم الذين يُشكلون الوعي ويبنون الوجدان، لافتاً إلى أنّه يجب أن يتجنب الشخص المبالغة بصاحب فكرة ضد مفكر، فيحقر أفكاراً على حساب الأخير، وإنما عليه إعمال العقل والاعتدال، وتقييم موضوع المحاور من وجهة نظر موضوعية قبل البدء في نقد فكرته أو مهاجمتها.



 توقيع : السوقي

من حكم المتنبي
ولم أرى في عيوب الناس عيبا = كنقص القادرين على التمام

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع