ذيل الذيل
إنه مر في حواشي الذيل عُلَق أصيلة مما يتمتع به كثير من سكان صحراء أزواد من المآثر الحميدة الجليلة، خاصة في المجتمع الطارقي، فعلقت هناك دون تسليط الضوء البرهاني عليها، نظرا إلى إرجاء ذكرها ـ ذكر نماذج رائعة منها هنا في حاشية ذيل الذيل.
من باب قوله تعالى: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
منعا لإيراد الدعاوى دون برهان، وذلك أن الدعاوى مهما وردت من أي مدع، تحتاج إلى إيضاحات برهانية، تقنع من بلغته بشكل يقوده إلى تصديقها على ما هي عليها.
وإلى ذلك يشير قول من قال:
والدعاوى ما لم تقيموا عليـ***ها بينات أبناؤها أدعياء
فلذلك سأورد هنا ـ بإذن الله تعالى ـ نماذج رائعة من صور مآثر الطوارق، يكتب مثلها بماء الذهب، وهي غيض من فيض، مما لا يمكن حصره، مما يقال عن مثلها لدى من يعرف الطوارق حقا وكان من أهل العدل والإنصاف.
ولا يصح في الأذهان شيء***إذا احتاج النهر إلى دلـــــيل
و لا يعني ذلك أن هذا المجتمع من جنس الملك، لسلامتهم من العيوب البشرية، بل الأمر في حقيقة البشر غير من اصطفي بالرسالة والنبوة، هو كما قال من قال:
من ذا الذي ما ساء قــــــــط***ومن له الحسن فقــــط
فلذا ما سطر من امتلاكهم ثروة هائلة من المآثر الحميدة، إنما هو من باب الإخبار عن جانب حسناتهم، التي غمطها كثير من كتاب تاريخ المنطقة من قريب وبعيد، إلا من رحم الله، وقليل ما هم.
هذا ولقد تحيرت في بعض مآثر القوم الحميدة الجليلة ما أسوقها هنا سوق النماذج، كما تحيرت في نوعها من مختلف أنواع الخصال الحميدة...
وذلك لعلمي ـ ولله الحمد ـ بكثير منها مشاهدة معايشة، أو ما علمته علم السماع نقلا.
لكن وقع ذكر نموذج منها على ما يلي ـ بإذن الله تعالى ـ ذكره مما يشهد له الأدب الطارقي نفسه، العتيق القديم قدم أهله، من باب قول من قال:
قواعد من قول أهل العلــــم***وليس لي فيها سوى ذا النظم
فكذلك أقول: هذه من مآثر الطوارق الجليلة المأثورة في أدبهم الجميل، في نموذجين رائعين.
النموذج الأول: صورة رائعة أدبية طارقية في معرض جلالة صورة من صور النهي عن المنكر بينهم.
فقال قائلهم ـ رحمه الله تعالى:
تَسْلامْ سَطَّاهِرْ إلاّمْ أَسَمْدِ***وَايِجَ اِمِــــــدَّنْ وِيُرْدَ اَيْلَــــــسْرِ
أُجَرْ كَيَّ اللهْ أَدَّيَتْ نَــكْلِ***اِنْتَ اَتِّنـــــاقَنْ أَجِ دَغْتَـــــــمْسِ
أَسْوَرْهـــــاسْ تَقْدِلْ الدنيا اَنْمَــــــشْرِ
القصيدة قيلت في حق الأمير، بل هو من أهل السلطة على أفقه، ذلكم السيد الطاهر أغ إلي ـ من قبيلة: إفوغاس ـ هو والد السيد الشيخ انتالا ـ رحم الله السلف وبارك في الخلف.
الذي أصدر قرارا صارما لمعاقبة كل من علم عنه علاقة بامرأة أجنبية له من العلاقات المحرمة في معرض المعاكسات...
وكانت تلك العقوبة هي: أن يؤدب من علم عنه التعرض لامرأة لا تحل له، فيربط على عمود ليفتضح أمره بين الناس عقوبة له، وردعا لغيره.
فرحمه الله رحمة واسعة، هو والإمام الحريري، لقوله: نحو كفيت المسلمات شري.
في معرض تناوله ما ينصب به جمع المؤنث السالم... كما في ملحته.
قلت: ومن الملح أن السيد الطاهر أغ إلّي ـ رحمه الله تعالى.
لما انتشر قراره الصارم الجليل في باب النهي عن المنكر تأديبا للمعاكسين، تعرض لبيان القرار ونشره بعض الشباب في عصره تأكيدا ومعارضة كعادة بعض شذاذ الأخلاق من الشباب ـ عفا الله عنه ـ في قصيدة طارقية، المسمى عندهم: تَساوِتْ، وجمعها في اللسان الطارقي أيضا: تِسِيوايْ.
كما تقدم منها أبيات ذلك الشاب الشاعر باللسان الطارقي:
إنه أدب طارقي جميل، لو لا ما فيه من معنى المعارضة لصنيع السيد الطاهر في أبهى صور النهي عن المنكر من سيد من سادات الطوارق....
والشاب في أبياته الطارقية تناول:
· الإخبار بخبر قرار السيد الطاهر، كما سبق بيانه.
· ثم جر الذيل الاعتراضي، بما مفاده:
- أن الله أشد من السيد الطاهر عقوبة للعبد.
- هو الذي يميته، فيدخله النار ـ أي بسبب عصيانه لربه.
- ومع ذلك لم تمنعه الدنيا من العصيان ـ أي: سبب شهوات الدنيا، التي منها شهوة النساء...
وفي تلك الأبيات فوائد دينية، منها:
· دور سيد من سادات الطوارق في إصلاح المجتمع المبني على تعاليم الدين.
· عدم مبالاته بلومة لائم، وما في معناها تجاه تنفيذ قراره الإصلاحي الديني التأديبي الصارم.
النموذج الثاني: صورة رائعة أدبية طارقية في معرض حسن الأمر بالمعروف مما يتمتع به أفراد من المجتمع الطارقي في سبيل وجوب الإنابة لله ـ مالك يوم الدين:
فقال قائلهم ـ رحمه الله تعالى:
إيهَفّْ اِمِــــــــــــدَّنْ مِــــــلانْ إِقَزِّ***فَلْنَكَّلْ آظْرَفْ نَكْفِ يــــالْفَقِّ
ياهانَــــــغْ اِسَغَرْ (طه) اَدْ(والشمسِ)***هانَغْ تِقَظْنِنْ دَغْ رَقْ اَنْتَـــمْسِ
سَالْكـــتابْ آيِنَنْ إيرُكْــــــشَنْ تَكْشِ
قلت: وفي تلك الأبيات أيضا، فوائد دينية، منها:
· مناشدته قومه في معرض أمرهم في الحصول من بينهم.
· من له الرأي الحكيم منهم.
· ليجمعوا أمرهم في إعطاء المال عالما دينيا.
· يعلمهم سورة طاه، وسورة والشمس، أي: هما مما ينبغي عليهم تعلمها، لتنجيهما من النار، التي أخبر القرآن الكريم، وهو الكتاب، أن من من ضل سبيل الهدى أكلته.
قلت: هذا مجمل ما دعا إليه الشاعر الأديب الطارقي، مما تناول في قصيدته الطارقية ـ رحمه الله تعالى.
وهذا الشاعر لم أقف على اسمه واسم قبيلته، وقد حفظت ـ وكنت طفلا ـ ما حفظت من قصيدته، وقصيدة من سبقه، عن والدتي فاطة ـ فاضمات بنت محمد الصالح الإدريسية السوقية الوامية ـ وكانت ـ رحمها الله تعالى ـ من الحافظات للأدب الطارقي، خاصة ما احتوى على المواعظ منه.
قلت: وفي تلك الأبيات فوائد دينية، منها:
· جرم الجهل الذي يوقع صاحبه في المعاصي.
· أهمية رفع الجهل بتعلم الدين، إذ هو السبيل الوحيد للنجاة من النار.
· طرح الحل في سبيل كيفية تعلم الدين، بدفع المال لفقيه يعلمهم الدين من مصادره التي أجلها القرآن الكريم، الذي منه سورة: طه، وسورة: والشمس...
وصدق الله العظيم، إذ قال في سورة والشمس ـ في معرض حسن العاقبة لمن زكى النفس من الآثام، وسوء المصير، لمن أوقعها في الآثام ـ : قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.
وعلى كل حال فالمجتمع الطارقي له من المآثر الشيء الجليل، التي من أجلها المآثر الدينية.
وهذا موضوع يخص لمثله دراسات بارة، من أبناء بررة بأقوام أفقهم البررة.
ولعل ذلك وغيره سيكون من شغلي الشاغل ـ إن مد الله في العمر ـ بإذن الله تعالى ـ وفاء لهذا الشعب الأصيل، ذي الأثر الجليل.