عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2013, 02:25 PM   #20


عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 07-17-2022 (04:50 PM)
 المشاركات : 386 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: الملف الأزوادي وأقوال العلماء فيه



فرنسا في مالي عودة للاستعمار القديم
المفكر الشيخ / محمد الأحمري
January 26, 2013 كتبت فى
5
لماذا الغزو
نحن –أعني العرب والمسلمين- سنختلف في التسمية، فالمتدينون المحافظون يصرون على تسمية الغزو “حربا صليبية” وعامة المثقفين المسلمين والقوميون من الغارقين في نصوص الكتب الحديثة يسمونه “استعمارا”. أما أتباع الغرب فلا يكلفون أنفسهم مصطلحا جديدا فيسمون الغزو بالتسمية الغربية: “حربا على الإرهاب”.
والطريف أن الغربيين حكومات ومحافظين وبعض الإسلاميين الملتزمين يستخدمون التسمية الدينية ولكن معكوسة بينهما كل بحسب دين الآخر. فالغربيون يرونها حربا على التطرف الإسلامي أي في المحصلة هي مواجهة لدين أو لفهم ديني يخالف دينهم، وهذا بحسب الدين الذي يحاربونه، وأغلب المسلمين الملتزمين دينيا وتاريخيا يرونها أيضا حرباّ دينية على الإسلام ويسمونها “صليبية” باعتبار أن الحروب التي سماها المسلمون قديما حروب الفرنجة وسماها الغربيون “صليبية” لأن شعاراتها كانت دينية وكان مثيروها يستخدمون الدين للتهييج والحرب، ولكن الموجات العلمانية أقنعتنا بأن تلك الحروب الصليبية كانت تحت شعارات دينية ولكن المحتوى علماني استعماري. أما ما أميل إليه فهو أن الحروب الغربية المعاصرة لنا هي حروب استعمارية في المجمل –نوازع الحرب الانتقامية نادرة كحرب أفغانستان ضد القاعدة وطالبان، وإن كانت عندهم مشروعة ولكنها سرعان ما لبست النوازع الاستعمارية كما سيتجلى من صراع على الثروة في أفغانستان- وهي حروب تبحث عن الموارد والثروات والأرض والقوة بشرية كما في نهب السود كعبيد أو جغرافية كممرات ومواقع استراتيجية؛ ومع هذا فإن الحروب الاستعمارية قد تحتاج أحيانا للدين لتحفز شعوبها في كنائسها ومعابدها على القتال، وقد تنسجم وتدمج الدين بالدنيا كما في حروب شخصيات مثل جلادستون وحرصه على فلسطين، وبلير وبوش خالطين دوافعهما الدينية بدوافع النائب تشيني النفطية.
أما هنا فقد غلبت المعلومات والحجج التي تسم هذه الغزوة الفرنسيةعلى مالي بأنها حرب استعمارية فسميتها بهذا الاسم، كما سيمر بنا في التفصيل.
أول ضحايا الغزو والاستعمار هو “اللغة”؛ فلا تصدق تلك المصطلحات التي تُصم أذنك في أول كل حملة استعمارية، فالمحتل يحتل اللغة ويقهرها قبل قهر المغلوبين على أرضهم وعلى أنفسهم، فأنت تعلم أن المستعمرين دائما كانوا ينقذون سكان الأرض من الإرهابيين أو الملحدين أو الوثنيين، أو ينقذون العالم من تجار المخدرات، أو السلاح، يستوي في هذا العرب والهنود السمر والهنود الحمر والصينيون والأفارقة وكل سكان الأرض التي قهرت لهم. وهم اليوم يغلقون عليك مسامات التفكير والفهم بشعارات وثقوا أنهم زرعوها في رأسك دون سؤال مثل: “الحرب على الإرهاب” أوالحرب على “الإسلاميين الراديكاليين”.
ولهذا فكلمة: “لماذا غزت فرنسا الطوارق؟ وكلمة “عودة الاستعمار القديم” كلها عناوين لا تعجب المحتل ولا يقبل بها، بل يريد منك أن تتحدث عن عظمة دوره الإنساني، وإذا استعان بصورة طفل يعطيه حلوى “كما نشر الجيش الأمريكي على صفحة جريدة عربية في أول أيام غزو العراق فتلك لحظة صورة جميلة للدعاية، ولو جاء بشيخ جلله بلباس أبيض وعمامة خضراء أو حمراء ليشكو لك فساد الإرهابيين ورحمة الغازين فهذه بضاعة المستعمرين منذ أقدم العصور، وإذا استطاع التقاط صورة لمرعوبين أو خائفين أو مستأجرين يقفون مصفقين ومرحبين بالغزاة، فذلك سلاح لاضطهاد العقل والسخرية بالعيون المسمرة على الشاشة بلا وعي حيث يصب المستعمر سمومه في لحظات غياب الوعي التي نمارسها كثيرا، إن لم يكن دائما.
دعني أنقل لك بعض المقاطع الطريفة التي أصبحت مقبولة ومبررة وحتى بإمكانك بعد صياغة العقل العالمي أن تعلنها وأنت مرتاح ويقبلها ليس الرعاع في العالم، بل وللأسف الجميع؛ العبارة أعلنتها مجلة الإيكونومست البريطانية في عددها الجديد وهي تتحدث بصراحة وبلا لبس عن هدف من أهداف الغزو تقول ما معناه ان الغزاة ذهبوا هناك: “لقتل أكبر عدد ممكن من الإسلاميين” وهي وصية وثقافة سيء الذكر رامسفيلد وزير دفاع بوش الابن “اقتلوهم لا نريد أسرى” وهنا لا تنس أن الأطفال والنساء وتلاميذ المدارس ومن كان في حفلات الأعراس والأسواق والسيارات المستهدفة ومليون عراقي نفذ فيهم القتل لأنه لا يريد أسرى. ولكن عليك أن تعلم أنهم وبلا لبس أيضا قالوا ليس وجود الإسلاميين هو المشكلة فعلى قناة الجزيرة الإنجليزية برنامج “في العمق” تحدث خبير بريطاني أن ليس للإسلاميين علاقة، ولا وجودهم ولا قصة الإرهاب فهم هناك من قبل بل: “السبب ثروة مالي”.# وليس لأن الطوارق احتلوا فرنسا؟ لا، فهم يعيشون في بلادهم، ويقيمون دولتهم القومية أو الإسلامية كما يريدون! نعم يستحقون القتل أجمعين لأنهم ورثة الإرهابيين “الهنود الحمر” الذين توهموا بغباء أن لهم حق العيش في أرضهم آمنين، أو كأي شعب آمن بحقه في أرضه أو ثروته في وجه غاز أبيض عرف أن للضعيف أرضا غنية أو تحت قشرتها نفط أو غاز أو فوقها ذهب أو يورانيوم.
إذ لا يكشف أي احتلال الأسباب الأساسية لغزوه لأي بلد بل يكتفي بأن يسوق المبررات الشكلية السابقة المقبولة لغزوه، ويؤكد أن الناس كانوا محبين لتدخله ومحتاجين لغزو فرنسا لهم! فجأة وبلا مقدمات فبمجرد قرار هولاند غزو الطوارق أظهر الاحتلال الفرنسي كأي احتلال غربي دعايته الفجة التي يكفي أن تقرأ جانبا منها يشير إلى أن الماليين يقهرهم الطوارق والإسلاميون وأن الماليين يحاولون رفع الرايات الفرنسية ولكنهم لم يجدوا ما يكفي منها، وكذا التجار يشتكون من عدم توفرها، ويصورون الماليين وهم يصطفون يرحبون بهم، ومن شوق الماليين ومحبتهم للمحتلين بدأوا يسمون أبناءهم “هولاند” باسم الرئيس الفرنسي.# ومع أن هذه الحوادث قد تقع هروبا من غالب إلى غالب ومن سلطة إلى أخرى فإن التركيز الإعلامي على هذا تشويه للحقيقة ولحال الشعوب الحقيقية ودعاية ثقيلة فجة فإن هذا الإعلام لن يظهر المواطن المدافع عن بلده ضد محتل ولا تركز على آلاف النازحين الهاربين منهم في كل اتجاه.
وكالعادة القديمة خرج شيخ صوفي يحذر من تشويه عمل الفرنسيين الطيبين! ولا يفهم من قولي أن جميع الصوفية هكذا ولكن هذا الذي غلب عليهم في بعض المواطن، مع أن من الصوفية شرفاء سطروا تاريخا مجيدا كعبد القادر الجزائري.
وقد حسم الغرب تقبيح وتشويه وترعيب العالم من الإسلام والمسلمين حتى أصبح شن حرب مهما كانت فاجرة وظالمة عليهم عملا مبررا، لأنهم أقنعوا العالم حتى أصبح الإسلام شرا وطاعونا عالميا تخفي تحت اسم حربه وحرب إرهابه أي مشروع وأي جريمة، فـ”المسلمون متعصبون”# وإرهابيون حيثما كانوا، وقتلهم مشروع والخروج لحربهم واجب والتعاون عليهم التزام عالمي. فقد طبعوا على قلوب وألسنة العالم بشعار “الحرب على الإرهاب” وجعلوه اسما للمسلمين ولمن أراد أن يحرر أرضه، ويالبؤس المغفلين والتابعين في العالم العربي الذين ابتعد بعضهم عن تحرير بلاد العرب كفلسطين خوفا من اللقب الذي ساهمت ثروة العرب المجردة من الفكر في خلط حق يسير بباطل عظيم لتعيير المسلمين، وشتمهم وخذلانهم وتجنيدهم تحت شعارات وضعت بوعي ليستهلكها الأتباع والرعاع في عالمنا، كما فعل بعض المتطرفين في اختطاف قضايانا فذهبت ريحنا وصادروا الوعي العام للأمة بين متطرف وعميل.
طوارق مالي شيئ من التاريخ
مالي تبلغ مساحتها حوالي مليون وربع المليون كيلو متر مربع، وسكانها حوالي 14 مليون، منهم قرابة مليون ونصف من الطوارق، ويقال إن عدد الطوارق عموما يبلغ مليونين، وهم البربر أو الأمازيغ، وهناك من يقول إنهم عرق مختلف عن العرب، منهم قبائل أصولها عربية قريبة الاندماج، أو من أصول بربرية وهناك من يرى أن البربر يعودون لهجرات عربية قبل الإسلام -بحسب بعض أبحاث اللغة والتاريخ- وبعض قبائلهم يرون أنفسهم امتدادا لسكان موريتانيا إذ أن منهم عددا كبيرا يعود نسبه للحسانيين في موريتانيا، وآخرون منهم يعدون عربا مثل: كلنصر الغربيين، وبعض جماعات كنته، والبرابيش، والأزواد هم الطوارق أو “الملثمون” قيل الاسم “أزواد” نسبة لنهر قديم جف في مناطقهم وما زال يسمى الموقع بهذا الاسم وينسبون إليه،وبدايات الكتابات عنهم والأخبار بهذا الاسم أزواد قبل حوالي ستة قرون، خضعوا قليلا من تاريخهم للسلطنات الإسلامية، ولكنهم كانوا أحرارا في صحرائهم أغلب تاريخهم المعروف، حتى قدم الاحتلا الفرنسي 1893م “الذي أصبح علينا أن نسميه الاحتلال الأول” لأن الجديد هو الثاني. وقد قاوموا الاحتلال الأول بشجاعة.# كان لهم حضور تاريخي في مراكز ثقافية عالمية خالدة مثل تمبكتو، وجاوو، وساهموا في الإمبراطوريات الإسلامية في السودان الغربي، ولهم دور رئيس في حركة المرابطين وانتمى لها عدد كبير منهم. يتوزع الطوارق على منطقة واسعة من الصحراء الكبرى، أغلبهم في مالي والنيجر والجزائر وليبيا، وأعداد قليلة في تشاد وفي محيط تلك الحدود. وقد استقلت مالي عام 1960 من فرنسا وكانت بداية حركة لاستقلال الطوارق في عام 1962-1963 وقد أحبطت هذه الحركة، وكانت العزلة الصحراوية وحرية الحركة تقلل من حاجتهم لقيام دولة خاصة بهم.
وقد حاول القذافي استغلال طموحات الطوارق منذ سنين في حروبه مع الجيران، وأخيرا في الثورة التي اقتعلته وقد كان أعطاهم سلاحا وسيارات عاد بها لمالي كثيرون ممن كانوا معه، أو من غنائم الثورة وفوضى السلاح والمال اللاحقة.
وكانت مالي قد تحولت في بداية التسعينيات الميلادية من القرن الماضي إلى نظام ديمقراطي، ثم حدث فيها انقلاب عام 2012 على يد عسكري سبق أن تدرب في الولايات المتحدة ست مرات، واضطرت الحكومات الإفريقية الانقلابيين إلى التراجع عن انقلابهم. ولكن الحكومة المركزية ضعيفة فتشجع الطوارق لتنفيذ مشروعهم القومي وكذا اتفقوا مع الإسلاميين لتحقيق ذلك، ومع هذا يبدو أن هناك فوارق بين هذه التجمعات الطوارقية الهشة إسلامية وقومية حتى أن بعض الإسلاميين بدأ يفاوض الفرنسيين على الصلح منذ الأسبوع الأول. وفي البلاد تنوع سكاني فالجنوب مختلف عرقيا عن الشمال إذ يغلب في الجنوب العنصر الإفريقي والطوارق في الشمال، وفي كلا المنطقتين فقر وبؤس شديد، فمالي بلد فقير ومن الحكومات الفاشلة تقريبا.
وهناك مجموعةقليلة جدا منهم لها صلة بالقاعدة في المغرب الإسلامي، أما أغلب القاعدة فمن ليبيا والجزائر ونيجيريا وقليل من موريتانيا بعضهم ممن لهم ديون كثيرة على الحكومة الجزائرية ولم تنته مقاومتهم لها، وقليل منهم تحت الضربات الشديدة ذهبوا لمالي ويشبه أحد المراقبين هذه الحالة بحالة الجهاديين في جزيرة العرب وذهابهم لليمن بعد حصارهم، ولكنهم لا ينتهون بالسهولة التي يتخيلها بعضهم لأن المظالم الجزائرية والتاريخ المرعب هناك أقوى أسباب استمرار المواجهات والتطرف، ويطيب للحكومات المستبدة أن تقول هو فكر منحرف ولكنها لا تسمح بنقاش ومعرفة ومعالجة سبب وجود هذا الفكر وهو ممارساتها التي ولدت هذه الأفكار، وفسادها منجب لهذه الأفكار ومولد بشدة وأملنا أن يتجه الناس لمحاولة الإصلاح المدني وليس لهذه النماذج المدمرة. وعندما يتم الإصلاح السلمي فإنه يلغي المواجهات العنيفة، ولكن الفاسدين المستبدين لا يريدون أحيانا نهاية التطرف لأنه يبقي لهم حجة العنف ضد الشعب، وحرمان الشعوب من المشاركة السياسية ويبقون على حرمان الناس من كل حقوقهم ليخلو المجال للقلة المستغلة.
وأكثر حركة الطوارق ومجنديها هم من “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” وهي حركة تسعى لتحرير بلادها في منطقة قومية مستقلة، وهم ليسوا ذوي أفكار صارمة عدا رغبتهم في قيام دولة قومية للأزواد “الطوارق” و ثقافتهم عربية إسلامية ومنهم العلماني والمواطن العادي الذي يرغب في تحصيل حقوقه، وقد تتعرض هذه المجموعات الشعبية لأي أفكار منتشرة في المنطقة، وهم يرون أنهم استمرار لحركة التحرير والاستقلال الطوارقية المديدة التاريخ منذ 1962، وعندهم سلاحهم الخفيف المعتاد من قبل ، ولكنهم حصلوا على تسليح واسع نتيجة حرب ليبيا. أما الحركة الإسلامية الطوارقية المهمة الأخرى فهم: “جماعة أنصار الدين”، وليسوا من القاعدة ولا يبدو أنهم يماثلونهم في ثقافتهم ومطالبهم-كما تدل الدراسات والبيانات- ويهتمون بتطبيق الشريعة وتأسيس كيان إسلامي وفق رؤيتهم المحافظة، وهم أقرب إلى حركة محلية أزوادية إسلامية ليست ذات خطاب أممي أو إسلامي عام. أما جماعة “التوحيد والجهاد” فأغلبهم من الموريتانيين، والحركة الأخرى: “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” فهي حركة أغلبها من الجزائريين.# وهاتان الحركتان الأخيرتان ليستا في سياق المواجهات في مالي ولا هي أولوية لهم، ولكن هذه الحرب سوف تأتي بهما للمواجهة وتجمع معهما أضعاف العدد من كل القارة وخارجها، وهذا جانب من ورطة فرنسا الكبرى، وقد تذرعت فرنسا بمشكلاتها مع أطراف أخرى كحركتي “التوحيد والجهاد” و “القاعدة في المغرب الإسلامي” لتبرير احتلال أرض لمجموعات أخرى. ورغم أن كثيرا من مشكلاتها كانت مع آخرين فإن عينها اتجهت للثروة في مالي وضد من يمكنه اعتراضها. وهي كما جمعتهم في سياق سيجدون أنفسهم يجتمعون عليها وعلى أنصارها، وهذه من شرور ومضار الاحتلال على فرنسا وعلى العالم وعلى سكان المنطقة المستضعفين بين المتصارعين، ولا نقلل أبدا من أثر هذه الجماعات في نشر القلق وفرض نمط حياة قاس على الناس.
واقتصادهم كان يعتمد على الماشية والسيطرة على طرق تجارة الملح والذهب والعاج والعبيد في الماضي، وفي بعض الأزمنة القريبة نمت تجارة المخدرات العابرة للقارة من خلال مناطقهم. وبلادهم تحوي ثلث اليورانيوم في العالم، وهناك تنقيبات وتوقعات بالنفط وثروات أخرى.
الاستعمار القديم والجديد
هذا المصطلح لم أذكره هنا لأستقدم الحدث من التاريخ، بل لأن هيلاري كلينتون استخدمته منذ أقل من عامين في غرب إفريقيا تحذر من المنافسين، فقد وقفت هيلاري يوما في زامبيا عام 2011م وحذرت الأفارقة من “الاستعمار الجديد”، الذي يأخذ الثروة ولا يبادل بالتنمية،# وتقصد كلينتون بالاستعمار الجديد الاستعمار الصيني القادم للقارة مع مجموع ما يسمى بدول “البريكس” وهي البرازيل وروسيا الهند والصين وجنوب إفريقيا” وهي الموجة الجديدة المنافسة للاستعمار الغربي، وعلى هامش البريكس تحاول كل من تركيا وإيران دخول السباق على المستعمرات.
ولكن لا بأس قد يستيقظ الضمير متأخرا، وكثيرا ما يفعل البشر، وبخاصة الغرب في دعاوى صحوة ضميره قبل عودته للموت ما بين عام وآخر، حتى تلوح ثروة جديدة أو مصلحة سياسية، أما اليوم فإن أمريكا أيدت مع الاتحاد الأوربي عودة الاستعمار الفرنسي الأوروبي والأمريكي القديم، وهو لا يترك من التنمية إلا ما يضاعف به ربحه.
المشاركون في الحملة الفرنسية
حجة فرنسا لاحتلال مالي هي الخوف من وصول الإسلاميين إلى باماكو، وأن لها ستة آلاف شخص في مالي يحملون الجنسية الفرنسية، وأن لها عند القاعدة في المغرب الإسلامي ثمانية رهائن، وقتل لها في بدء العملية جندي، ولا تثق أن حكومة باماكو قادرة على مواجهة الطوارق، غير أن هذه الأسباب لا تكون حجة كافية لحرب واسعة في ظروفهم العسكرية ولا تكفي للغزو.
وقد وعد فابيوس رئيس الوزراء بأن تبقى القوات لأسابيع، ولكن هولاند رئيس الجمهورية قال ستبقى بحسب الحاجة، ولعل هذا هو القول الفصل لو أسعف المال والحال. فقد احتاجت فرنسا لمئة وثلاثين عاما في الجزائر ولخمسة وأربعين عاما في تشاد المجاورة، فكم ستحتاج فرنسا لزرع حكومة عميلة قاسية، أم هي المدة التي يحتاجها تأمين وصول الثروة المالية لفرنسا؟ يبدو أن فرنسا تحتاج سنين عديدة لتعرف كم ستبقى. والأصوات المعترضة على فرنسا قليلة الآن وقد تحدث ألن جوبيه محذرا بعد أقل من أسبوع من بدء العملية، وصرخ اليسار في وجه الحكومة، ولكن أوروبا [التي كانت جنة بلا سلطة]#عموما ليست جاهزة للحرب، وأمريكا تتخلى وتقود من الخلف إن قادت مستقبلا.
لعل فرنسا تقود الحملة على مالي لتأكيد سيطرتها الدائمة على ما تسميه: “أفريقيا الفرنكفونية” فهي تسيطر على حكام المستعمرات السابقة لها في شمال وغرب إفريقيا، وتختار حكام هذه المناطق وخاصة غرب إفريقيا التي تربطها بهذه المستعمرات القديمة ما أسماه أحدهم: “الاستعباد الفرنسي المالي لغرب أفريقيا” وما يعينه هذا من استمرار الهيمنة الفرنسية على الاقتصاد والسياسة والجيوش.# أما بريطانيا فساعدت بناقلات جوية سي 17،# ونقلوا أن أمريكا تشهد انقساما بين وزارة الدفاع والبيت الأبيض في الموقف. فالدفاع يرى خطورة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي عليها والبيت الأبيض لا يرى خطورة كبيرة على أمنه، ثم ظهر أخيرا اندفاع للمساهمة في الحملة الفرنسية لتصبح حملة غربية على مالي، على أن تساهم الولايات المتحدة بالجهود الاستخبارتية والصور الجوية بالمراقبة الجوية وربما ضرب الإسلاميين بالطائرات بدون طيار، ولكن أمريكا ساعدت الآن بأكثر من ذلك. وقد سبق أن اتفقت الحكومة الأمريكية مع مالي في إطار ما سمي بـ “الحرب على الإرهاب” على مساعدات في المطارات وغيرها على ما يقدر بـ 460 مليون دولار ما بين عامي 2006 و 2012 للحكومة المالية. وأبلغت روسيا فرنسا رغبتها في المشاركة في الحملة على مالي،# وكذا عرضت كندا رغبتها في المشاركة أيضا.# وهناك جيوش وحكومات سوف تجبرها أو تستأجرها فرنسا من نيجيريا والنيجر وبوركينافاسو والسنغال وتشاد وتوجو. وهناك محاولات لإقناع موريتانيا والمغرب ولكن يبدو أن هناك صعوبات بسبب مبادرات شعبية إسلامية مضادة في البلدين، وسوف تساعد حكومات عربيةبالترويج الإعلامي للحملة ولم يؤكد ما إذا كان هناك مساعدات عربية مادية مباشرة، ولكن هولاند طلب المساعدة من دولة خليجية وترك لها طريقة المساعدة.
ويبقى أن هذه الحملة أقرب أن تتحمل عبئها الأكبر فرنسا. فالاتحاد الأوروبي متثاقل ولم يبادر ثم وعد ب 450 جنديا في منتصف شهر فبراير، وغضبت فرنسا من أسبانيا إذ تأخرت ثم وعدت بمعونات هزيلة، ولأن الأوربيين يرون أن فرنسا غزت لمصالحها الخاصة وليست لمصالح أوروبية ولا للناتو، ولأن أمريكا لا يبدو أنها سوف تعطي أكثر مما وعدت به، وبريطانيا ما لم تتأكد من مكاسب مباشرة وإلا فإن عملها سيقف قريبا مما وعدت به فقط، والحكومات العربية في المغرب العربي تخاف من شعوبها وبخاصة بعد ظهور فتاوى تمنع المشاركة وبداية مظاهرات في الجزائر قادها بالحاج وبيان أصدره الشيخ عباسي مدني عاب على الجزائر مشاركتها للمستعمرين الفرنسيين في الهجوم على بلد مسلم.
غرب ضد الإسلام، أم غرب ضد الجنوب؟
يبدو أن الحملة الفرنسية على مالي سوف تجمع المآسي مضاعفة فهي ضد المسلمين بوضوح، وهي ضد الجنوب بوضوح، و عودة لوجه المستعمر الأوربي القبيح إلى القارة المريضة به، وقد تكون المواجهة كبيرة و واسعة وقد تطول، ولأنها يوما بعد آخر تتخذ أبعادا أكثر من كونها صغيرة قصيرة ولأسابيع ومحدودة، ولكنها في الناحية العملية حملة أممية وعالمية على ألفين من الطوارق وليس معهم من الإسلاميين ما يوازي هذا العدد، فهذه حرب عالمية على ألفي رجل؟ غير أننا عندما نضعها في سياقها الذي يظهر لنا فإن هذا السباق فرع عن سباق عالمي تجدد على إفريقيا، فإن الحكومات الغربية تريد طرد الصين من المنطقة بأي طريقة، بعد تصاعد وخوف من الوجود الصيني في إفريقيا في كل أرجائها. وفي غفلة وبؤس الغرب وأزمته المالية غارت الصين على إفريقيا فقرر الغربيون استعادة مستعمراتهم. وهناك مبادرة سارعت لها تركيا وقبل أيام قليلة من الحملة الفرنسية كان أردوغان يحمل كالعادة تجار تركيا للمنطقة، وهذا يصيب فرنسا بالجنون، وخاصة أن تركيا أخذت الصومال تقريبا من الغربيين. وغرزت خيامها في مصر . وفي العام الماضي تجاوزت تجارتها هناك عشر مليارات دولار. ولهذا فإن هذه الحملة قد تؤسس لتحالف غربي كبير يواجه التحالف الجديد الذي ترأسه دول البريكس ودول تعمل منفردة كتركيا في إفريقيا.
وإذا أنفقت فرنسا مالا في الشمال المالي أثار الجنوبيين، وكأنه مكافأة للثوار،# وسيصارع الجنوب للبحث عن غنائم الحرب بطرقه الخاصة، أو سببت فرنسا صراعا على الثروة التي سوف تبذل في سبيل صناعة أي استقرار في الشمال. هذا إلى جانب المناطق الواسعة المفتوحة على كل الجهات مما يصعب ضبطه.
وستواجه فرنسا مشكلة بذل الدم، في حرب قد تطول جدا، وأزمة مالية توفير المال وهي تعاني من أزمةمالية طاحنة، تضعف من حركتها السياسية والحربية -تعاني من نقص ميزانها التجاري مع الاتحاد الأوربي بأكثر من 60 مليار يورو، مقابل 160 مليار يورو لصالح ألمانيا- ومشكلة الحل الذي يجب عليها تنفيذه، وهو وضع إدارة ونظام في بلد غزته وسببت أو ستسبب له الكثير من المآسي فوق ما هو فيه. وهنا قد تستطيع فرنسا قتل كثير من الماليين، ودحرهم إلى مدن أخرى، ولكن كما قال أحد الكتاب “قد تنتصر فرنسا في المعركة ولكنها ستنهزم في الحرب”.
التدمير بسلاح العنصرية “فرق تسد”
يحمل الغربيون دائما معهم سلاح التفريق العنصري بين الشعوب التي يحتلونها أو تذل لهم، وها هي مالي في الأيام الأولى ينتشر فيها قتل الأفارقة للطوارق حتى في معسكرات وفرق الجيش المالي المختلط، وأصبح العربي والطوارقي مهددا في مناطق قبائل أو أقاليم أخرى بالذبح بسبب لونه. وهو السلاح نفسه الممكن له في العراق بين الشيعة والسنة والكرد، الذي حرص الاحتلال الأمريكي على جعله قانونا، ليكون الضعف الدائم والتبعية والتمزق مصير العراق، وهو مصير أفغانستان، وهو الداء نفسه الذي تنشره فرنسا بقوة في أول أيام احتلالها لمالي، وينشره إعلامها، ويروج للعداوة النامية بين السود والبيض في مقطع، ثم يعقب بهذا المقطع من تغطية واشنطن بوست: “الطوارق يرون أنهم أذكى، لذا يجب أن يكون السود عبيدا لهم”# وتفرضه في الدول العربية في شمال أفريقيا من خلال فرض تقسيم المجتمع إلى عرب وبربر “أمازيغ” وصناعة ثقافتين مختلفتين، واستطاعوا اصطناع حروف لكتابة اللغة الأمازيغية، ليس حبا في البربر ولكن كرها للغة العربية وتمكينا للمستعمر كسيد دائم يحكم ويسيطر ويفصل بين ضعيفين متخاصمين موهنين دائما، وهذا ما يؤسس له الآن ومنذ الأيام الأولى في مالي، هذه الاختلافات قد تكون موجودة ولكنها تحت السيطرة ومكبوته أو غائبة منسية ولكن المستعمر هو الذي يوقدها ويستثمرها بأعلى قدر ممكن، كما يمنع ويجرم من يثيرها في بلاده، غير أن هذه السموم يربيها وينميها في العالم في المستعمرات ولكن سيأتي يوم يراها قوية على أرضه.
والمستعمرون الجدد يختلفون عن المستعمرين القدماء، فالجدد يهدمون كل شيء قدر طاقتهم، والعالم أجمع يذكر الأقوال على السي إن إن التي كانت تبشر باعإدة العراق إلى العصور الحجرية، ويصورون النساء يحملن الماء من النهر في العراق على رؤوسهن مستبشرين بإنجازهم. واليوم، ها هو العراق بلا كهرباء ولا ماء بعد عشر سنين من الغزو، وكذا تتحدث الأخبار عن تمبكتو يوم 25\1\2013 مبشرة بانقطاع الكهرباء والماء عن المدينة، والاتصالات مقطوعة في جاوو، وهم يصنعون من الحرب ومن الخصومة دمارا دائما فقطع الطرق والجسور بين النيجر ومالي يستوي أن يقطعها الغازي أو المغزو الذي يراها تسهل وصول الغازي إليه، فتدمير بلده في هذه الحال يراها دفاعا عن النفس كما يرى المستعمر أن الهدم التام خير عمل يقدمه لنفسه بتدمير خصمه.
والتدمير النفسي للمجتمعات المغزوة يراها الغازي انتصارا له، ففي الأيام الأولى بلغ عدد النازحين من مالي إلى موريتانيا أربعة آلاف وخمسمائة، ويستعد الماليون للهروب من بلادهم إلى كل الاتجاهات عدى المناطق التي يمنع الغازي الحركة تجاهها أو يمنع غيره ذلك، فقد فرض الفرنسيون حصارا على مناطق عديدة وكذا فعل الجزائريون بإغلاق الحدود، حيث يكون الموت والقتل والتهجير والفقر والجوع والعراء نصيب السكان المستضعفين بحجة وجود إرهابي في بلادهم، وليس الإرهاب هو السبب بل الثروة هي الأهم.
الحملة للثروة والنفوذ
مع أن فرنسا ذهبت لاحتلال مالي لأسباب اقتصادية فإنها تطمع في تمويل حملتها على مالي من حكومات أوروبية وأمريكية وإفريقية وعربية. وسوف تعرض فرنسا طلبا لتمويل حملتها في اجتماع الدول الأفريقية وما نحين في أديس أبابا يوم 29 يناير بمبلغ 452 مليون دولار، تحت حجة محاربة الإرهاب، ولكن لفرنسا مغانمها الاقتصادية المعروفة للعالم والتي جعلت حكومات كثيرة تتلكأ في تمويلها، فثروة مالي أهم أسباب الهجوم الفرنسي عليها، وبعض المحللين المتخصصين في الشؤون الفرنسية قال إن اليورانيوم هو السبب الوحيد للغزو الفرنسي. ففي مناطق الطوارق ثلث اليورانيوم الموجود في العالم، وقد فقدت فرنسا وشركتها أرفا لليورانيوم حقوق الشركة لصالح النيجر فلن تترك يورانيوم شمال مالي بسهولة. إضافة إلى أن هناك مناجم لليورانيوم تنتج الآن في جنوب مالي ويصدر إلى فرنسا تنتجه شركة روكجيت الكندية لأن فرنسا تعتمد على المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 75% وتبيع فرنسا الكهرباء المنتجة من مفاعلاتها بما مقداره 3 مليارات يورو سنويا.
والمناطق المنتجة الآن بعيدة عن مناطق النزاع ولكن فرنسا خشيت من وصول الثوار إلى الجنوب وهي مضطرة لليورانيوم وأهم من ذلك الذهب والألماس الموجودان بكميات هائلة في صحراء مالي. وهناك مخزون نفطي في شمال مالي ومشاريع مشتركة بين شركات عدة منها شركة توتال الفرنسية وشركات عربية مشاركة في المشروع، وأيضا هناك مشاريع تنقيب في مالي تقوم بها شركات متعددة منها “ربسول الأسبانية، ونترشال الألمانية وتريليانس الأمريكية وأفكس جلوبال من برمودا.
وبجانب اكتشافات النفط الأخيرة هناك حقول أرلت وأكوتا لليورانيوم في النيجر في مناطق للطوارق، ولعل القارئ يذكر كذبة بوش وبلير على صدام واتهامه باستيراد اليورانيوم “الكعك الأصفر” من النيجر وتحقق السفير جوزيف ويلسون من كذبة هذه الدعاية مما ورط البيت الأبيض في كشف اسم زوجته فاليري بليم وأنها تعمل في السي آي آي، وكانت أزمة شهيرة. والمهم هنا أن الكعك الأصفر الذي تستخرجه شركات فرنسية في هذه المنطقة من بلاد الطوارق في مالي والنيجر وليبيا وقد “يسبب تدخل الناتو والأمم المتحدة ودول غرب إفريقيا وقوات حفظ السلام، والنتيجة ذبح آلاف الطوارق، كما كتب معين رؤوف أحد الخبراء في المنطقة وقد سافر وشارك مع السفير ويلسون في كشف أكاذيب بوش وبلير التي مهدت لغزو العراق.
مواقف الإسلاميين والحكومات العربية
تزعم فرنسا وموافقوها أن عموم الناس في مالي والمنطقة ضد الإسلاميين، ولكن الثقة قليلة في المقابل بالحكومة المالية، هيئة علماء المسلمين وهيئة علماء موريتانيا قالت بصراحة أن هذا غزو يقصد حرب المسلمين وأرضهم وثروتهم، ثم خرجت مواقف إسلامية بعضها قريب من تيارات هي في مواجهة مع الجهاديين في مواقع عديدة، وحملت تلك المجموعات الجهادية خطأ المواجهة مع الفرنسيين.
أما السلفيون في المغرب فاعتبروا التدخل الفرنسي غزوا أجنبيا ومساعدته عملا خيانيا. وكذا علماء كثيرون من المشرق والمغرب مثل بيان علماء البحرين، وبيان الشيخ محمد الحسن الددو، ونقلت وكالات منها يو بي آي، تظاهر عدد من المصريين في جنوب القاهرة ضد فرنسا وقرب السفارة الفرنسية يوم الجمعة 18\1\2013 وتظاهر جزائريون بقيادة علي بالحاج في الجزائر في اليوم نفسه احتجاجا على ضرب فرنسا لمالي.
أما عن “مواقف الحكومية العربية” فقد أرسل هولاند قواته ليقاتل عربا في بلد مختلط الأعراق، ثم ذهب في اليوم نفسه ليبحث عن تمويل من بلد مسلم عربي آخر، وقيل ما قيل وقتها مما لا أود إعادته، إلا أنه لم يثبت إلى وقت كتابة هذا النص وجود تمويل عربي صريح ومعلن للحملة الفرنسية. ولكن الحكومات العربية في النهاية لم تتخلص من عقدة التبعية للمستعمر، فأموالها في أرضه، وبعض حكوماتها تراه مرجع التفكير في أزمات العالم. ولأن فرنسا خاصة لها مواقف متطرفة تجاه الإسلام وكل ما هو إسلامي ولو كان خرقة على رأس طفلة فتحرمها من الدراسة لأن الطفلة رفعت شعارا إسلاميا.
وفي مواجهة الحملة العالمية على مسلمي وعرب الطوارق واحتلال مالي لن تجد الحكومات العربية مفرا من أن تتبع كثير منها رغبة المحتلين الغربيين. وقد بدأت فرنسا تحشد معها مشايخ متصوفة من بلدان كثيرة، ومن إفريقيا ومن مالي، وسيكون للفقر والخوف والتزلف دوره في بناء صف كبير ضد الماليين والإسلاميين.
وكان الرئيس الفرنسي هولاند قد زار قبل ذلك الجزائر، على طريقة حكام فرنسا مع المستعمرات السابقة، ولم يعتذر عن ذبح واحتلال الجزائر كما يطالب الجزائريون دائما. وقد طلب الفرنسيون فتح الأجواء الجزائرية للطائرات الغازية لمالي و وافق الجزائريون وقد خدعهم الفرنسيون فأعلنوا الاتفاق الذي لم يتوقع الجزائريون إعلانه فأحرج عساكر الجزائر أمام شعبهم.
في تونس حذّر الرئيس التونسي منصف المرزوقي من تبعات الهجوم الفرنسي على مالي. أما الحكومة التونسية فتحدث نيابة عنها رفيق عبد السلام موضحا “دعمها لمالي ..ومبينا تفهم حكومته للقرار السيادي الذي قامت به مالي ودعا لحوار وطني شامل بالتوازي مع العمل العسكري” وكذا يوسف العمراني وزير بالشؤون الخارجية المغربية بين “تأييد حكومة بلاده لدعوة الحكومة المالية لتلقي مساعدات خارجية لمواجهة القوى الإسلامية المقاتلة” وفي يوم 25\1\2013 نقل عن وزير داخلية المغربي أنه يدعم بلا تحفظ التدخل الفرنسي، وكانت المغرب تلوذ بالصمت وتنتقد تصرفات الجزائريين في طريقة تعاملهم مع أزمة الرهائن.
النتيجة
هذه الحرب لا تلقى إجماعا في فرنسا فهناك من انتقدها بشدة مثل رئيس وزراء فرنسا الأسبق دو فلبان، أما الغالبية فمعها الآن ولكن الحكومة تخاف من تراجع الدعم فوعدت بأن الحملة لمدة أسابيع فقط. لأنهم يخافون مما أصبح يسمى قبل بوجوده بـ “أفركانستان”، وأن تتورط في مالي كما تورطت أمريكا من قبل في أفغانستان وباكستان، ولم تكن تجربة فرنسا لمواجهة الإسلامين ذات نجاح يذكر فقد حاولت افتكاك جاسوس لها من الصومال فأرسلت من سفية حربية مقابل الصومال أربع طائرات هيلوكبتر وخمسين من الكوماندوز وانتهت العملية بفشل مريع فقتل الجاسوس الفرنسي وقتل اثنان من الكوماندوز، وذلك قبل غزوها لمالي بأيام. وبمجرد تصاعد خوف الفرنسيين سارعت الحكومة بإعلان أنها ضربت قافلة للطوارق متجهة لباماكو وعطلتها، ويقول آخرون أن الطوارق يتلقون الضربات بالتفرق والاختفاء ويعيدون اندماجهم بين المدنيين فيخفون أسلحتهم ويحلقون لحاهم. بعد أن كان هؤلاء يمنعون الناس من الدخان ويفرضون الحجاب على النساء.
فسوف يتورط الفرنسيون في حرب استعمارية طويلة وسيفقدون مالا ورجالا في الحرب، مع أنهم يرون أنهم سيكتفون بفتح الجبهة أولا ثم على طريقة المستعمرين القدماء سيحارب أبناء المستعمرات نيابة عنهم، وسيموت جزائريون ونيجيرون وماليون وأفارقة كثيرون وعرب آخرون والغنيمة لفرنسا، ولكن الحروب ليست دائما كذلك فالوعي القومي والإسلامي في أفريقيا أكبر من ذي قبل، والإعلام العالمي أوسع و وسائل التواصل أصبحت تحارب بحضور كبير في هذا الميدان. وفرنسا وجه استعماري لا يمكن تحسين صورته بأي سبب، فقد يهيج حالة إسلامية جاهزة النقمة على فرنسا وأنصارهها في هذه المناطق الواسعة. ومهما استعانوا بثقافة كراهة الإسلام والإسلاميين فإن النزعات القومية عند الأفارقة والعرب والطوارق جاهزة للانتقام والحياة، وسيضر إعلان الفرنسيين بأن الحكومة الجزائرية فتحت الأجواء لهم بتلك الحكومة، وقد خدعها الفرنسيون بإعلان الاتفاق، وهذا سيسبب لها أزمات في الجزائر ويضطرها للبعد عن فرنسا، فهي حكومة هشة في مشروعيتها وفي قبول الشعب بها، ولم يتأخر بيعها إلا لرعب الدم السابق في التسعينيات الذي أهدره ضباط فرنسا أولا ثم من ناوءهم، ولكن هذا الانحياز الصريح للمستعمرين سوف يكون له ما بعده، وها هو خطاب الجبهة وعباسي مدني وبالحاج يعيد الكرة ويستنكر تبعية حكومة بلاده للمستعمر.
الطوارق حركة قومية صاعدة في النهاية ما بين خطاب قومي وإسلامي قد تعيد تقسيم كيانات تلك المنطقة الإفريقية وتقيم دولة طوارقية في هذه المساحات الواسعة وحين تتراجع قوميتها فإنهاسترفع شعارا إسلاميا وستجد تعاطفا وتضامنا عاما. فهي حركة قومية عابرة للدول الموجودة الآن. وقيامها سيكون على حساب دول كثيرة قد لا تتكون من دول إفريقية جنوب الصحراء فقط بل قد تقتطع مناطق من دول عربية كليبيا والجزائر وربما موريتانيا، وتسبب أزمات وفوضى في كثير من الجوار.
وستزيد الأزمة من معاناة وفشل الحكومات القائمة في غرب إفريقيا تلك التي تعاني من مشروعيات مهتزة فلا هي ديمقراطية ولا هي قومية عادلة، وستجعل هذه الكيانات تعاني من سلوك طريق طويل يكاد يبدأ من الصفر في بناء هويتها ومن هي ومن أهلها وماهي قوميتها وما هي لغتها ودينها وسياستها، إنها بداية معركة طويلة في داخل هذه الكيانات لتعرف ما هي؟ وماذا يجب أن تكون عليه.
وتبدأ ازمات حروب الأعراق والأديان والبلدان القائمة فالكل جاهز للحرب وتجنيد الفقراء والمعدمين والمتعصبين سهل، ونيجيريا تغلي وتشاد وأزمات كبيرة في كل المنطقة، لا يخفف من النيران المندلعة إلا سلام سريع وخروج أسرع.
الإسلاميون من اتجاهات عديدة سيظهر أثرهم وكياناتهم المختلفة ويوسعون نفوذهم وقوتهم، وسيعاني بعضهم من بعض وكذا هذه الحكومات الكثيرة ستواجه هذه الظاهرة وتعاني منها ومن محاربتها، أما التوجهات القومية فيعتمد مستقبلها على ذكاء المستعمرين، فإن تمت مراعاة الحركة القومية وكوفئت وفصلت عن الإسلاميين فقد يضعف أثر الإسلاميين الأزواد ويقصر زمنهم، ولكنهم سيكون الأعلى انتصارا كلما تطاولت مدة الحرب.
لا يبدو أن فرنسا التي تعاني من الإفلاس والبطالة يمكنها بناء حكومة قوية في مالي ولا صناعة استقرار في الشمال، وليس هناك عائدات سريعة جاهزة تبني عليها سياستها. فاستثمار مالي يحتاج وقتا أطول، وسوف تضطر إلى تقاسم المغانم والمغارم مع مستعمرين آخرين إن بقيت، ولعل هذا ما تأمله الآن من إشراك كثيرين، ولكنها ستواجه موجة شديدة من مقاومة الاستعمار وكذا شركاؤها، ولن تستطيع وضع “كرزاي” مالي بسهولة، مع أنها قد تفضل لو وجدت “عنصريا” إفريقيا متعصبا ضد العرب والطوارق والإسلاميين، وقد لا تجده بسرعة كافية.
إن إعادة احتلال أفريقيا وغزوها يعيد التاريخ جذعا “بمتحاربين جدد” فالذين حاربوا المستعمرات وتحاربوا عليها فيما قبل الحرب العالمية الأولى ثم الثانية ومجمل حروب الاستعمار التالية تفتح اليوم بابا موحشا لصراع عالمي على المستعمرات في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ولكن ليس بين الأوربيين أو الغربيين أنفسهم كما كان قديما، بل بين الغربيين الآن وبقية العالم، وما دول البريكس إلا الجزء الكبير المعادل لأوربا ولكن آخرين سيجدون أنفسهم في السباق، وها نحن نستقبل تقسيما عالميا جديدا يتشكل بخجل، وسيتكوّن ويظهر قريبا بلا أقنعة.
إننا عندما نستنكر احتلال الفرنسيين لمالي فلا يعني هذا قبول تصرفات هذه الجماعات ولا توجهها لاسقاط حكومة مالي، ولا القبول بالفوضى والاختطاف للعاملين الأجانب والأبرياء من السياح والتجار، فلا يقابل الوجود الأجنبي بإرهاق السكان بهذه المآسي، كما أن الحلول السلمية عبر الديبلوماسية والحوار هي الحلول الوحيدة ضد انحرافات وعنف أطراف الخلاف.
http://alahmari.org/?
p=318&utm_source=feedburner&utm_medium=twitter&utm_campaign=Feed%3A+alahmari%2FZPDR+%28%D9%85%D8% AD%D9%85%D8%AF+%D8%A8%D9%86+%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8% AF+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1%D9%8A%29


 
 توقيع : عبادي السوقي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس