عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2009, 04:22 PM   #10
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



(10)



الفقرة الرابعة: مكانتهم السياسية
قلت: من المعروف تاريخياً أن العلماء قديماً وحديثاً هم أجل رجالات أي دولة من الدول خاصة الدول الإسلامية لأن الدولة الإسلامية سياستها قائمة على المنظور الشرعي في كل صغيرة وكبيرة، إذ القرآن الكريم كتاب الله هو المرجع الحق للبشرية كلها المقول في حقه : ما فرطنا في الكتاب من شيء. لذا فإن علماء السوقيين من علماء المسلمين الذين اعتمدتهم دولهم في القضاء والإفتاء والتعليم والاستشارة، وما يتعلق بذلك، بل علماء السوقيين هم أهل عقد وحلّ ولاية لولاة الأمر في سيادة دول الطوارق عبر مختلف قرونها وازدهارها إلى ما قبل الإستعمار.
من ذلك ما سنترك الشيخ العلامة حَنَّ بن أمتّال السوقي الأنصاري ـ رحمه الله ـ وهو من أعلام السوقيين القدامى يحدثنا عن تلك اللفتة التاريخية الدينية الرائعة، بعد كلام له نفيس، ما نصه: إن أولي الأمر من ولاة الطوارق كلهم حكّموا العلماء والصالحين من السوقيين في أمورهم كلها حتى على أنفسهم واحترموهم، وبجلوهم، وفوضوا أمورهم كلها إليهم ، فجعلوا يخدمونهم بأنفسهم، بل وولوهم على تولية من شاءوا منهم وعزلهم، وما ذلك منهم إلاّ لعلمهم بأنهم أعلم بأحكام الله، وأتقى له،
وهذا من زمن دولة إِمَزْغِرَسَنْ، قبل مجيء إوَلَّمَدَنْ، إلى امتداد دولة إوَلَّمَدَنْ فلما انعقدت الولاية لأول سلطانهم كَرِدَنَّ بعد عقد أهل الحل والعقد من جميع طوائف الطوارق، ومن العلماء والصالحين من السوقيين، وغيرهم، من المومنين وبيعتهم له، وعقد أمير المومنين بإِكَدَشْ من عند الإمام الشريف عثمان. فلما تمت له البيعة من الكل أحضر العلماء والصالحين من أهل بلاده والطوارق وغيرهم، وأشهدهم وقروهم، بعد ما بحث كل البحث، وتجسس وتحسس عن أعلم من في ولايته من علماء أهل زمانه، وأتقاهم، وأرضاهم، وأورعهم، وأشدهم لله خشية، وأشدهم خوفاً بحيث لا تأخذه في الله لومة لائم، فدلّه أهل بلده باتفاق منهم على جدنا محمد المختار (الملقب بأمّدْ)الولي بن الولي محمد أحمد بن الشيخ الولي الجليل البشير بن الشيخ الولي القطب الرباني محمد بن يوسف، فقلده خطة القضاء وكتب إلى من بعد عنه كتادمكت وغيرهم بذلك. ثم كتب رسالة مضمنها أنها وصية منه إلى من سيجيء بعده من أبناءه إلى يوم القيامة أن يقلدوا ذرية هذا العبد الصالح الذي استقضاه باتفاق أهل بلده كلهم على أنه أعلم أهل بلده، وأتقاهم، وأرضاهم، مثل ما قلدوه ويفوضوا إليهم جميع الأحكام الشريعة والوظائف العادية المرتبة، بل ويحكمونهم على أنفسهم، وعلى من تحت أيديهم بأخذ الزكاة منهم، وصرفها في مصارفها، وإنفاذ كل ما حكموا به لهم وعليهم، من أمر الدين والدنيا، ومصالحهم، وبعد ذلك، حث الكل على رفع أيديهم بالدعاء على من خالف ذلك من أولادهم بالبوار، ودائم الشقاء، فامتثلوا أمره هذا. فكان السوقيون هم السلاطين والحكام وأولو الأمر من هذه الحيثية، أيضاً في المعنى من زمن دولة إِمَزْغِرَسَنْ إلى الآن، وأمراء وسلاطين الطوارق بالاسم فقط، فكيف يجوز لأهل هذه البلاد أن ينتزعوا من السوقيين وظائفهم الموسسة على مصالح الدين والدنيا، المشيدة بما اقتضته قواعد الكتاب والسنة، واجتمعت عليه أهل الملة الحنفية السمحاء، ويقلدوها من عموا وصموا. الخ
قال بول مارتي لما تعرض في كتابه لبداية دراسة الشيخ الكبير الكنتي، بعد كلام له سابق منه: فبلغ فخذا من قبيلة كل السوق الذين هم كما هو معروف (طلبة) ووعاظ الطوارق. الخ
قلت: والطلبة اصطلاح معروف عند الموريتانيا على أهل العلم كما قال الشيخ الطيب بن عمر بن الحسين، لما ذكر (الزوايا) فقال مشيراً في تعليقه ما نصه: كما يطلق عليهم اسم الطلبة لطلبهم العلم، واشتغالهم به
قلت : قوله: الذين هم كما هو معروف (طلبة) ووعاظ الطوارق. معناه أنهم من رجال الدولة المنوط إليهم السياسة الدينية التي منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق الساسة الولاة فضلاً عن رعيتهم وهذا أمر متواتر جيلا جيلاً. خاصة في أفقهم وذلك معروف على حد قول الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

من ذلك ما يقوله العلامة المؤرخ الشيخ النسابة محمد حبّ بن محمد أحمد السوقي الإدريسي الحسني ـ رحمه الله ـ،حين تكلم على تاريخ دولة إولمدن، فقال ما نصه: ومنها محبتهم لكلسُّوك ـ أي : السوقيين ـ خصوصاً بين علماء التكرور وتعظيمهم لهم والانقياد إليهم والعفو عن زلاتهم والغض عن هفواتهم وإعطائهم من الأموال كل ما طلبوه إليهم وإن كان أنفس نفيس لديهم. الخ
قلت: قوله: والعفو عن زلاتهم والغض عن هفواتهم. أي أن من شأن الآمر بالمعروف الرباني والناهي عن المنكر أن لا تأخذه في الله لومة لائم. لذا فإن علماء السوقيين لهم مع ساساة وساداة الطوارق مواقف دينية مشهورة تتسم بالجرأة والشجاعة في باب الأمر والنهي من شأنها أن يتجاوزها ولاتهم عنهم مهما بلغت في الإنكار الديني النصوح. ولعل العمر يطول لتناول ذلك مفرداً مفصلاً ـ إن شاء الله.
الفقرة الخامسة: ذكر أمثلة من أعلامهم
قلت: إنني حين أتناول هذه الفقرة المتعلقة ببعض من ترجم لهم من أعلام السوقيين القدامى من باب تسليط الأضواء على حقائق ثابتة من تبوء السوقيين مبوأ المقامات العزيزة في العلوم الشرعية وفنونها في أفقهم بلا منازع، كما سأترك بعد قليل ـ إن شاء الله ـ صاحب فتح الشكور ليحدثنا عن بعض أعلام السوقيين في عصره. ولعل موضوع تراجم أعلام السوقيين سينال الاهتمام البالغ في حياتنا ـ إن شاء الله ـ من ذلك ما قد تمّ من الترجمة لبعضهم كالشيخ العلامة محمد إِكْنَنْ بن محمد الصالح بن إِنْكَسْ أُونَنْ الوامي الإدريسي ـ رحمه الله ـ في ترجمة مفردة، بعنوان: (الرصف المتقن في ترجمة الشيخ محمد إكنن). ومنهم ترجمة البحر شيخي الشيخ العلامة والحبر الفهامة القاضي زين الدين بن محمد الصالح التَّنْغاكْلِي الإدريسي ـ رحمه الله ـ في ترجمة مفردة أيضاً، بعنوان: (مرآة المقتدين في ترجمة الشيخ العلامة زين الدين).،ومنهم من ترجمنا لهم مع غيرهم في مصنف يضم عدداً من الأعلام، ككتاب : النجم السامي في تراجم أعلام كَلْ وَامي). وغيرهم من الأعلام مدى الحيات ـ بإذن الله ـ أنا مع بعض الفضلاء من طلبة العلم فينا المهرة النابغين الأدباء الذين يتمثل لهم بقول الشاعر :

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلاّ لصابر

وإن تأخر رؤية العالم لتراجم أعلامنا كغيرهم من الأعلام الذين اكتحلت عيون القراء بكحل مناقبهم العطرة، ومحاسنهم المعطرة، إلاّ أننا نرجو أن نكون ممن ينطبق عليهم قول القائل في القريب العاجل:

يا عجباً لمشيك المدلل تمشي رويداً وتجيء أول

هذا ونسأل الله البر الكريم أن يوفقنا وإياهم إلى كل ما فيه خدمة الدين وأهله رجاء ما عند الله من ثواب الدنيا والآخرة.
لذا فقد آن لنا الشروع في هذه الفقرة المهمة لأجل تسليط الأضواء على قدم العلم في هذه القبيلة، واشتهارها به خاصة في أفق الصحراء طوارق مالي ونيجر وبركينافاسوقديماً وحديثاً.
على أن يسلط لنا على شيء من ذلك الدر المؤرخ أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي الولاتي من باب البرهنة على مفاخر قبيلة السوقين العلمية، فنترك الولاتي، قائلاً:
الطالب سيدي أحمد بن البشير بن محمد بن محمد بن موسى الكلسوكي رحمه الله تعالى. نشأ رحمه الله في بلد السوقيين بلاده , ثم قدم أروان وهو ابن خمس وعشرين سنة. وسبب خروجه عن بلده أنه خرج يطلب رجلاً صالحاً اسمه سيدي أحمد الهكاري وهو معلم عند أهل رأس الماء , وله أولاد ثمت يعرفهم أهل رأس الماء. فلما قدم عليه أمره أن يتوجه لأروان , وذكر له أنه يدرك الخير ثمة , ثم إنه توجه لأروان ونزل عند كاهية البلد ,
وأخذ الورد عن سيدي أحمد بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن محمد الرقادي , وأخذ القراءات السبع عن الشيخ سيدي الأمين بن حبيب الجكني , وسيدي إبراهيم بن الإمام العلوي رحمهما الله تعالى.و أجازاه.
وأخذ روايات البخاري ومسلم والشفاء والخصائص إلى غير ذلك عن القاضي سيدي الوافي بن طالبن الأرواني , وأخذ التفسير أيضاً في أروان , وكان أكثر ما يستعمل من الكتب التفاسير والأحاديث والقراءات , وقد كان رحمه الله تعالى قليل الكلام فيما لا يعنيه , ولا يكاد يفتر عن الذكر ليلاً ونهاراً , ولا تراه إلا يقرأ أو يقرئ أو يذكر وكثيراً ما يرتل القرآن بقالون , ولا يكاد يترك من يتكلم حذاءه , ويأمره أن يذكر الله.
وكثيراً ما يسرد للعوام المواعظ , ويعظ كل واحد ويسرد لهم الترغيب والترهيب , وكتاب السمر قندي والعلوم الفاخرة في أمور الآخرة , وشرح الصدور في أحوال الموتى والقبور وتنبيه المغترين. وذكر رحمه الله تعالى: أنه ذكر له بعض الصالحين قبل أن يبلغ خمسين عاماً أن الصالحين اجتمعوا وجعلوه من أهل التصريف


 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ


رد مع اقتباس