عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2009, 04:00 PM   #7
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



(7)



الفقرة الرابعة: تاريخ مدينة السوق ـ تادمكة ـ استقلالاً، وتبعاً:
قلت: إن هذه المدينة العلمية مرت على عدة أدوار، منها أنها كانت دولة مستقلة، بل مملكة كما سيأتي نقلاً، ومنها أنها كانت مدينة استراتجية تابعة لليبيا، ومنها أنها كانت منطقة تابعة للجزائر، ومنها أنها كانت منطقة تابعة لدولة الطوارق، ومنهم من يجعلها جيلاًً من الناس. هذا كله قبل الاستعمار، وأما بعد الاستعمار فهي منطقة من مناطق دولة مالي قولاً واحداً.
وإليك ذكر ذلك مسنداً إلى نقاله، وموثقاً من مصادره، ومفصلاً حسب حد الإفادة ـ بإذن الله. من ذلك قول الشيخ العلامة العتيق بن سعد الدين ـ حفظه الله: الباب الثاني في الكلام على مدينة تادمكة اعلم أن الكتاب يختلفون في إطلاق هذا الاسم منهم من يجعله مملكة مستقلة، ومنهم من يجعله مدينة، ومنهم من يجعله جيلاً من الناس، ومن جعلها مملكة مستقلة فالبكري في الممالك والمسالك، والقلقشندي في صبح الأعشى، وعبد الرحمن زكي المصري وممن عدها مملكة ابن حوقل فإنه قال وسيد ملوك (تادمكة) في وقتنا (يعني القرن الرابع الهجري). الخ
قال الشيخ العلامة الأديب الشيخ محمد الحاج بن محمد أحمد الحسني الأدرعي ـ رحمه الله:
من المهم أن تعرف أن لهذه المدينة في عصور ازدهارها اتصالات علمية وتجارية، يمكن أن ترغب في استيطانها بعض المنحازين إلى إفريقيا من المسلمين فلذلك قل ما تجد من المؤرخين العرب من لم يلم بشيء من أخبار تلك المدينة.
وأظن أن المؤرخين الإفرنج كذلك لأهميتها منذ قديم من القرون إلى ما بعد الألف. فمنهم من جعلها في تلك العصور تابعة لغدامس في ليبيا، ومنهم من جعلها من دولة المرابطين، ومنهم من جعلها خاضعة بالاسم لأبي الحسن المريني صاحب دولة الجزائر. الخ
قلت: وأقرب الأقوال السابقة إلى الصواب أنها قبل الاستعمار مدينة من مدن صحراء الطوارق، التي تخضع لسياسية الدولة الطارقية آنذك، بل هي عاصمتها أيام ازدهار هذه الدولة وهي دولة معروفة معروفة مذكورة في كتب المؤرخين.
من ذلك قول الدكتور إبراهيم الطرخان، بعد كلام له ما نصه : وكان جامع سنكرى من أشهر المراكز الثقافية في تمبكتو، وأول من تولى الإمامة في المسجد الجامع الفقهاء السودانيون زمن سيادة مالي، وبعض العهد من دولة الطوارق. الخ
ثم لما قسم الاستعمار الفرنسي صحراء الطوارق بين مستعمراتها، وقعت هذه المدينة ـ مدينة السوق ـ في قسم صحراء طوارق دولة مالي، من ذلك قول مجلة التاريخ العربي، بعد كلام لها ما نصه:محمد أكنا السوقي (نسبة إلى كل السوق من بلاد الطوارق والواقعة حالياً ضمن بلاد مالي). الخ
الفقرة الثامنة: ذكر سبب خراب مدينة السوق، وجلاء أهلها منها.
قلت: إن خراب مدينة السوق حدث تاريخي كبير لم يغفل ذكره المؤرخون ، وقد ذكر بعضهم له سببين: أحدهما غزو كبير من أحد الملوك في ذلك، يسمى: (سن علي ) قال به بعض المؤرخين، ووهنه البعض. الثاني: أنه جفاف ضرب المنطقة فيه جدب شديد كعام يغاث الناس وفيه يعصرون ، فأكل الأخضر واليابس، وهذا الذي قواه بعض المحققين، وهو الأقرب إلى الصواب ـ والله أعلم.
والآن آن لنا الشروع في ذكر ذلك نقلاً.
من ذلك قول من في كلامه أن خرابه كان بسبب غزو، وهو قول أحد أعلام التاريخ والفكر الإسلامي، وأحد أبرز رجالات الأدب في عصره ـ صاحب مجلة المنهل، وأحد أعيان مدينة (( السوق )) البررة، الذي استضاء بنجمه المشرق والمغرب، الأستاذ الأديب الشيخ عبد القدوس الأنصاري ـ رحمه الله ـ قائلاً ، بعد كلام له سابق: وشاء الله لهذه المدينة العبقة بالعلم والعرفان العامرة بالمساجد والجوامع والمفعمة بحلقات الدروس وبالمال الوفير والخير الكثير، أن تخرب في يد بعض الطغاة الطامعين، فتشتت شمل سكانها
وتفرقوا فيما حولها من البقاع وكان جلهم من العلماء وطلبة العلم فغلب عليهم لقب السوقيين بعد ذلك تمييزاً لهم بالنسبة إلى البلد الذي نزحوا منه، وقد بقيت حتى الآن أطلال مدينة السوق شاخصة، ولا تخلوا زواياها من بقايا الكتب التي كانت عامرة بها. وكان ما حدث لها من الخراب في غضون القرن الحادي عشر الهجري. وقد عرفت كل قبيلة وكل حي بمنازلهم.
وممن قال أن الجفاف هو السبب في جلاء أهلها منها هو الشيخ المؤرخ العلامة المحقق الأديب محمد الحاج بن محمد أحمد الأدرعي الحسني ـ رحمه الله:
الجواب عن هذا السؤال ـ والله أعلم ـ أن السبب الرئيسي لجلائهم عن المدينة ما آل إليه الأمر فيما بعد من خرابها ولذلك الخراب أسباب، منها: أن الفاجر (سُنِ عَلي)هو الذي خربها في القرن التاسع الهجري، وهو بعيد من الصحة ولذلك قصة شهيرة عند أهل البلد. والمحققون منهم من جعلها من الهراء الذي لا يلتفت إليه، ومنها: أسباب أخرى لا حاجة تدعو إلى نقلها. والأقرب إلى الصحة ـ كما في الجوهر الثمين ـ أن القرية ما خربها أحد، وأن مغادرة الناس إليها إنما كان لجفاف موضعها من الصحراء، وكثرة جدبه، وانقطاع التجار، وجميع المرافق وقلة الذهب الذي ياتي الناس إليهم لأجله.
وقال البكاي بن سيدي أحمد التمبكتي: بعد كلام له سابق: وعلى رأس هذه القبائل التي حافظت على كيانها العربي من الذوبان مجموعات قبائل السوقيين، وهم عبارة عن هجرات عربية وصلت إلى المنطقة على دفعات في فترات متباعدة ذلك منذ الفتح الإسلامي، فاستقرت في (مدينة السوق) التي تزعم بعض المراجع أن العرب الفاتحين هم الذين بنوها
فأصبحت حاضرة علم وتجارة على مدى قرون قبل أن يهجرها سكانها في القرون الأخرية بسبب الجفاف وغزو اللصوص، وقد بقيت هذه المجموعات مرتبطة فيما بينها بعد خراب المدينة، وتشتت أهلها في الآفاق. الخ
ثم إنه لما خربت هذه المدينة سوءاً على القول بغارة الأعداء عليها، كما هو مرجوح، أو على القول بالجفاف على القول الراجح كما حققه بعض المحققين كما تقدم، ومما يجدر بالإشارة هنا تسليط الأضواء على الجهة التي اتجه إليها سكانها، خاصة القبائل العلمية التي بقيت منتسبة إليها بعد الخراب الحاصل على مدينتهم تلك، فممن ذكر ذلك الدكتور الهادي الدال بعد كلام عن أهل السوق: وقد خربت مدينة السوق في عهد إسكيا الحاج محمد 1493 ميلادي أي قبل جودر ومن ثم انتشر أهلها فبعد أن كانوا أهل استقرار في مدينتهم السوق أصبحوا رحالاً تنقلوا حتى طاب بهم المقام من أزواد عهد جودر باشا وقد أعجب بهم سكان أزواد لعلمهم وتقواهم( ) الخ.
قلت: إننا لما زرنا هذه المدينة 1425هـ مع كوكبة من طلبة علم من أبنائها البررة ( ) فذكرني ما رأيت من معالم هذه المدينة، ومشاهدها الدالة على قدم حضارتها العلمية، ما تمثل به الإمام ابن الوردي عن مدينة (( منبج)). في قوله: دخلت منبج في بعض الأسفار، فرأيت مصراً كأمصار، ولكن قد صغر تصريف الدهر اسمها، وأبهم على المتكلمين حدها ورسمها، فمساجدها بالدثور ساجدة، ومشاهدها بحزنها على من غاب عنها شاهدة، ورباطاتها محلولة القوى والأنس فاقدة، ومدارسها دارسة إلاّ واحدة، فازددت بحديثها القديم حباً، وغدا قلبي فيها كلفاً ودمعي فيها صباً، وحسدت غرابها على النواح وسواد الثياب، وتلوت: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ }. الخ
وفي إسعاف المشوق ما ملخصه: إذا تقرر لديك هذا فاعلم أن هؤلاء الذين نتحدث عنهم متفرقون في مناطق شتى من غرب النيجر إلى منطقة كيدال شمال شرقي مالي إلى أن جاشت سنة 1404هـ1984م فعم الجدب والقحط منطقة (أوزا) فهاجر من هاجر منهم إلى البلدان المجاورة كالجزائر وموريتانيا وبلغ البعض ليبيا غير أن قبائل السوقيين لم يهاجر منها ما يذكر. الخ.
قلت: هذه نبذة حول هجرات قبائل السوقيين من بعد خراب مدينتهم مدينة السوق إلى وقت كتابة هذه الأحرف حسب نقول هذه الفقرة، وهذه الهجرات ليست مقصورة على قبائل السوقيين فقط، بل وقعت لكثير من سكان المنطقة أي صحراء طوارق مالي بأسباب متنوعة من جفاف كما تقدم في بعض النقول، وغير جفاف كما سنترك للشيخ عبد اللطيف الجيلاني في تناوله شيئاً من ترجمة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري ـ رحمه الله ـ في قول الجيلاني، تحت عنوان هجرته إلى الحجاز، ومواصلته طلب العلم، من قوله: بعد أن استولى الفرنسيون على بلاد ((مالي ))وضاعفوا ضغطهم عليها أيام الحرب العالمية الثانية، واشتد تضييقهم على المسلمين عزم الشيخ على الهجرة من بلده، ودعا قومه إلى ذلك، وألف رسالته الموسومة بــ( إعلام الزمرة بأحكام الهجرة ) وكانت وجهته نحو المملكة العربية السعودية لكونها مهبط الوحي وبلاد الحرمين الشريفين.
الفقرة الخامسة: انتماء قبائل السوقيين العربي
قلت: إن هذه الفقرة من الفقرات المهمة في حياة الإنسان ، وهو أن يكون ذا بصيرة بأصله ، ومعرفة تامة بنسبه ، إن وجد إلى ذلك سبيلاً ـ فالحمد لله ـ وإن أدركه محفوظاً كما هي الحال بين القبائل العلمية فذلك فضل من الله ينبغي أن يشكره عليه بالمحافظة على نسب عشيرته، أو قبيلته لأنه لا سبيل إلى الصلة إلاّ به ، على حد معنى حديث: تعلموا من أنسابكم . قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم: أخبرنا أبو العباس السياري أنبأ أبو الموجة أنبأ عبدان أنبأ عبد الله بن عبد الملك بن عيسى الثقفي عن يزيد مولى المنبعث عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في أهل مثراة في المال منسأة في الأثر هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه . تعليق الذهبي قي التلخيص : صحيح . (المستدرك 4/161) طبعة دار المعرفة .
وإن من المتعارف عليه كما في المثل المشهور : أهل مكة أدرى بشعابها . فكذلك أنساب الناس هم أدرى بها من غيرهم ، خاصة إذا كانوا أهل علم ، فإنهم أهل الاعتناء بها قديماً وحديثاً من ذلك قول الإمام السخاوي ، نقالاً قول ابن عدي بسنده إلى قرة قال: لم يكن للزهري كتاب إلاّ كتاب فيه نسب قومه .
الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية 1/194 تحقيق الدكتور محمد إسحاق
لذا فلا غرابة أن نكون من بين الذين لهم الاعتناء بأنسابهم ، وأعلم بها من غيرهم وأشد الناس تحقيقاً لها قال الشيخ العلامة الأديب محمد الحاج بن محمد أحمد الأدرعي الحسني: أما ما يتعلق بالمبحث الأول وهو انتماء هؤلاء ومن يلتقي معهم في بعض الأصول بالآباء إلى أصول عربية يتصلون بها بعروق نسبية فهو أمر لا يختلف فيه اثنان، ولا يتناطح فيه عنزان ولا يماري فيه إلاّ غافل، أو متعام عن الحقائق ذاهل، لم نسمع أحداً ممن قبلنا من الأعلام إلاّ وهو يعترف لسلفنا بفضيلتهم وانتمائهم إلى أصالتهم العربية. الخ
فضلاً عن نسب بلغ في الشهرة والتواتر والاستفاضة بطرق لا تدع مجالاً للشك في صحته ، ما جعل أهل العلم الأثبات الثقات في أفقهم يتناولونه خاصة في مصنفاتهم بأثبت أنواع الطرق، قال أبو بكر الصديق بن محمد المولود إدول بن محمد على الإيشكاغني الكلتجبستي: منطقة الطوارق المحيطة بسوق تادَمَكَتْ، وفي هذه المدينة قبائل توارق تادمكت، وتوارق إدنان ومن معهم من أولاد المهاجرين والأنصار السوقيين.
وإلى هذه المدينة في القرن الثامن والتاسع الهجري انحدرت من فاس ومن توات أسرة بني عبد الرحمن بن عبد الجبار الشريف المعروفة بشرفاء لمتونة لاختلاطهم وامتزاجهم بلمتونة قال القاضي محمد محمود في بعض قصائده:

أبناء أحمدَ نجْل أد فاتَّصلتْ أجداده للشريف عبْدِ جَبَّارِ
هذا أبو شُرَفَا لمتونَ مِنْ قِدَمٍ فَأهْلَ سوقٍ وصحراءٍ وأكْوارِ

وقال في نونيته الطويلة المنظومة في التاريخ:

شرفاءُ لمْتونٍ بسوقِ تَدَمْكَتِنْ بكُرْزُ كَيْ تِنْبَكْتُ مع أَرَوَانِ

انتهى تلخيصاً.
قلت : قد اقتصرنا في جر الذيل حول هذه الفقرة لكثرة نقولها التي تستحق أن تفرد في مصنف من المصنفات.


 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ


رد مع اقتباس