الموضوع: نوازل القصري
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 07-24-2011, 12:07 PM
عبادي السوقي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل : Jun 2009
 فترة الأقامة : 5443 يوم
 أخر زيارة : 07-17-2022 (04:50 PM)
 المشاركات : 386 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : عبادي السوقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي نوازل القصري



التعريف بالقصري صاحب النوازل الفقهية

الحمد لله رب العالمين، حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن للتراث الإسلامي قصة، تشبه إلى حد ما قصة أبي الطيب المتنبي، حين أشاع خصومه نبأ موته، وهو لم يمت، فأنشأ يدحض هذه الفرية بنبرة تقطر تحديا واستعلاء قائلا:
كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن([1])
وهكذا تراثنا لا يكاد يدركه البلى أو الموت، حتى تنتشله الأيادي الرحيمة من مطامير غبار، ورميم أوراق، وتدرج به في دنيا الألق والنضارة، ليستوي ويخضر ويزدان من ذوب أقلام وعصارة جهود.
ولعل هذا التراث من السعة والتراحب والغناء، بالقدر الذي يغري الدارس بالجري خببا ووخذا في مضاميره، ليجتني حلو ثماره، ويستطيب داني قطوفه، إذ ليس من شيء أنت كلف به – وهو معدود من ضروب العلم وفنون المعرفة – إلا وتجده في مستودعات هذا التراث على حظ من التميز والتفوق، بيد أن حظا غير يسير من ذخائر التراث وأعلاقه ابتلي بأدعياء علم حسبوا التحقيق كلأ مباحا لكل راتع، فتجرأوا على النصوص مسخا وتحريفا([2])، وألبسوها حلة خرقاء غير التي اختالت بها في كنف مؤلفيها([3]).
وكتب النوازل والفتاوى والأجوبة، جزء عظيم من تراثنا الإسلامي، ولعلماء المالكية فيها النصيب الأوفر([4])، وإن اختلفت طرائقهم في جمعها وتدوينها، فمنهم من دون فتاويه الصادرة عنه في كتاب، ومنهم من جمع فتاوى عالم آخر، ومنهم من جمع نوازل وفتاوى فقهية صدرت عن طائفة من الفقهاء([5]).
والاهتمام بهذا النوع من التراث له مكانته الخاصة، ففي كتب الفتاوى والنوازل نجد تصويرا حيا لحياة المستفتين ومعاملاتهم وعاداتهم وظروف عيشهم، وتقدم أحيانا أحداثا أغفلها المؤرخون الذين ينصب اهتمامهم غالبا على الشؤون السياسية، وما يتصل بالحكام والأمراء([6]).
وقد أدرك هذه الأهمية بعض علماء الجزائر فقال: ولو درس الباحثون كتاب المعيار([7]) دراسة اجتماعية لخرجوا منه بكنز كبير في معرفة أحوال العصر وأحوال المجتمع المغربي عامة، بالإضافة إلى معرفة آراء المؤلف نفسه في محيطه وقضايا عصره، فنوازل البدع، والإجازة في التعليم والفتيا، وحكم سماع الموسيقى والتصوير، وحكم حلقات الذكر، وقضية القياس، والموقف من التصوف ورجاله، ومن تقليد العلماء أو استقلالهم، كلها أمور تستحق الاهتمام اليوم، كما كانت في وقته...إن قيمة المعيار لا تظهر فقط في كونه موسوعة للفقه المالكي في المغرب العربي والأندلس، ولكن في القضايا الاجتماعية والسياسية والعلمية التي يحتوي عليها([8]).
ومن هذه النوازل، نوازل القصري بن محمد المختار بن عثمان بن القصري الإِيدَيْلَبي رحمه الله تعالى، نشر الكتاب دار ابن حزم ببيروت، عام 1430 هـ، باعتناء الأخ أبي الفضل الدمياطي، ويقع الكتاب في أربعة أجزاء، بين المحقق في مقدمة تحقيقه مزايا النوازل، وذكر منهجيته في تحقيق النص، وأنها انحصرت في النقاط التالية:
1 نسخ الأصل الخطي([9]).
2 ضبط النص كله بالشكل، وإخضاعه لقواعد الإملاء والإعراب.
3 توثيق النص، وذلك بالرجوع إلى كثير([10]) من موارد الكتاب ومقابلة المنقولات بمصادرها التي نقلت منها، مع بيان الفرق بين المنقول وما في المرجع الأصلي.
4 تخريج الآيات.
5 تخريج الأحاديث، والحكم عليها.
6 شرح بعض الكلمات.
7 وضع هوامش لبيان ما يشكل، أو لزيادة بيان، أو لتوضيح قول أو ما شابه ذلك.
8 ترقيم النوازل.
9 عمل فهارس علمية للكتاب.
10 عمل مقدمة، بين فيها طرفا من أهمية النوازل، وطبيعة العمل فيها.

والمحقق لم يوفق للوقوف على ترجمة صاحب النوازل، وعذره في ذلك واضح، إذا تبين لنا كما سيأتي أن مؤلف النوازل أحد علماء قطر شنقيط([11])، ولم يكن الشناقطة يهتمون بالترجمة لعلمائهم([12]) مخافة من الرياء والإطراء، وفرارا من الظهور والمباهاة، حتى لا تشوب أعمالهم شائبة، أو تحوم حولها شبهة. فلهذا لا نجد لهم ذكرا في دواوين التاريخ، وسير الأعلام إلا ما ندر، مع أنهم ما حلوا بأرض إلا خلفوا فيها علما وأدبا وذكرا حسنا([13])، بل يكاد الآن الجيل العربي المعاصر لا يعرف شيئا عن بلاد شنقيط([14])، فمنذ عقود من الزمن أصبحت شنقيط نكرة في محيطها العربي الإسلامي، بعد أن كانت معرفة في قرون خلت([15]).
وهذا التقصير الذي حصل لأهل هذا القطر، من ترك الاعتناء بتراجم علماء البلد، مع كثرة علمائه، حتى قيل:
إن لم يكن شنقيط فيه زمزم ** فلهم في العلم أصل أقدم([16])
بل لم يجد أهل المشرق لقبا يطلقونه على علماء الشناقطة رحمهم الله تعالى أنسب لحالهم وأصدق عندهم من وصفهم بالمكتبات المتنقلة أو القواميس المتجولين، وذلك لما خبروه من حفظهم وتمكنهم من علوم الشريعة واللغة والأدب([17]) وغيره مما كان متداولا في القرون الماضية([18]).
بل تقدر التقارير الحديثة أن مجموع ما خلفه علماء قطر شنقيط في شتى العلوم يتجاوز الأربعين ألف مخطوط، إلا أنها تعرضت للنهب، وحرق المستعمر الفرنسي، كما ضاع أكثرها خلال سنوات الجفاف التي ضربت البلاد لسنوات طويلة([19]).
إن هذا التقصير الذي حصل لأهل هذا القطر، من ترك تدوين تراجم علمائهم، وجد كذلك في بعض دول المشرق، فهذا علامة اليمن الشيخ محمد بن علي الشوكاني يرمي باللائمة على أهل عصره، في ترك الاعتناء بتراجم علماء البلد وأعيانهم.
قال رحمه الله: ((...لأن الزيدية مع كثرة فضلائهم ووجود أعيان منهم في كل مكرمة على تعاقب الأعصار، لهم عناية كاملة، ورغبة وافرة في دفن محاسن أكابرهم، وطمس آثار مفاخرهم، فلا يرفعون إلى ما يصدر عن أعيانهم، من نظم، أو نثر، أو تصنيف رأسا، وهذا مع توفر رغباتهم إلى الاطلاع على ما يصدر من غيرهم، والاشتغال الكامل بمعرفة أحوال سائر الطوائف، والإكباب على كتبهم التاريخية وغيرها، وإني لأكثر التعجب من اختصاص المذكورين بهذه الخصلة، التي كانت سببا لدفن سابقهم ولاحقهم، وغمط رفيع قدر عالمهم وفاضلهم وشاعرهم وسائر أكابرهم. ولهذا أهملهم المصنفون في التاريخ على العموم، كمن يترجم لأهل قرن من القرون، أو عصر من العصور، وإن ذكروا النادر منهم، ترجموه ترجمة مغسولة عن الفائدة، عاطلة عن بعض ما يستحقه، ليس فيها ذكر مولد، ولا وفاة، ولا شيوخ، ولا مسموعات، ولا مقروءات، ولا أشعار، ولا أخبار، لأن الذين ينقلون أحوال الشخص إلى غيره هم معارفه وأهل بلده، فإذا أهملوه أهمله غيرهم، وجهلوا أمره، ومن هذه الحيثية تجدني في هذا الكتاب([20])، إذا ترجمت أحدا منهم، لم أدر ما أقول، لأن أهل عصره أهملوه، فلم يبق لدي من بعدهم إلا مجرد أنه فلان بن فلان، لا يدرى متى ولد، ولا في أي وقت مات، وما صنع في حياته )) ([21])
ومع شعور أبناء قطر شنقيط بالتقصير الحاصل في هذا الباب، ويد البلى تلاحق ذخائر التراث هنالك، والصدور التي تكنز العلم وتحفظ ذكريات المحاضر([22])، لا تفتأ تتناقص يوما بعد يوم([23])، اتجهت الجهود العلمية لأبناء هذا القطر لجمع تراجم علماء البلد، لعلها تنفض الغبار عن التراث، وتبعث فيه الحياة من جديد، ويصرخ في الناس غير هياب ولا وجل: (( فزال القبر والكفن )) ([24]).
وأهم ما وقفت عليه مما ذكرت، مما له عناية بالحياة العلمية والثقافية لأهل هذا القطر ما يلي:
1- الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، للشيخ أحمد بن الأمين العلوي، وهو أول كتاب يؤلف في موضوعه عن شنقيط وازدهار الأدب العربي فيها، اقتصر فيه مؤلفه على نماذج من علماء وشعراء بعض القبائل في جنوب البلاد وشمالها([25]).
2- فتح الشكور في تراجم أعيان علماء التكرور([26])، تأليف أبي عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي الولاتي ت 1219 هـ([27])، يشتمل الكتاب على مائتي ترجمة لعلماء عاشوا في منطقة التكرور بين عام 1056 هـ و 1215 هـ.
3- دراسات في تاريخ التشريع الإسلامي في موريتانيا، للدكتور محمد المختار ابن أباه([28]).
4- دراسة باللغة الفرنسية للمجتمع الموريتاني، من خلال كتاب الوسيط، إعداد الأستاذ أحمد بابا مسكه([29]).
5- حياة موريتانيا، تأليف المختار بن حامد، ويعتبر أضخم موسوعة موريتانية، تناول فيها المؤلف جوانب الحياة السياسية والثقافية للبلاد، وفصّل في شأن قبائلها([30]).
6- الشعر والشعراء في موريتانيا، تأليف الدكتور محمد المختار ابن أباه([31]).
7- الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر الهجري، إعداد الأستاذ أحمد بن الحسن، أطروحة علمية لنيل شهادة الدكتوراه في تونس
بلاد شنقيط، المنارة والرباط، عرض للحياة العلمية والإشعاع الثقافي والجهاد الديني من خلال الجامعات البدوية المتنقلة [المحاضر]، تأليف الخليل النحوي، ويعتبر الكتاب أضخم موسوعة شنقيطية([33]).

9- رواد الفكر السوداني، تأليف باشري محجوب عمر([34]).
10- شعراء موريتانيا القدماء والمحدثون، للأخ محمد يوسف مقلد([35]).
11- السلفية وأعلامها في موريتانيا، للأخ الطيب بن عمر([36]).
12- تاريخ السودان، إعداد عبد الرحمن السعدي([37]).
13- معجم المؤلفين في القطر الشنقيطي، سيدي محمد بن محمد عبد الله ولد يزيد([38]).
14- وفيات الأعيان لمحمد بن البراء، تحقيق أحمد بن سيدي([39]).
15- المحاضر الموريتانية وآثارها في المجتمع الموريتاني، إعداد الأخ محمد الصوفي([40]).
16- أعلام الشناقطة في الحجاز والمشرق، تأليف بحيد بن الشيخ يربان الإدريسي([41]).
إضافة إلى كتابي إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة([42])، وكتاب نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، لمحمد الطيب القادري([43])، فإنهما تضمنا جملة غير قليلة من تراجم علماء شنقيط.
وأما صاحب النوازل، فهو الشيخ العالم الفقيه المدرس المفتي القصري بن محمد بن المختار([44]) بن عثمان القصري الأيديلي([45]).
ووقع على ظهر لوحة العنوان من المجلد الثالث: اليلبي نسبا الولاتي منشأ ووطنا([46])، من أشهر علماء الحوض الشرقي.
والولاتي نسبة إلى ولاتة([47])، مدينة عريقة قديمة، تأسست في القرن الأول الهجري، زارها الرحالة المغربي ابن بطوطة سنة 753 هـ، وقال عنها: (( تبدو عليها مظاهر الشيوخة والقدم ))، وسماها المؤرخ ابن خلدون (( ولاتن ))، وكانت هذه المدينة محطة من محطات القوافل، وفيها عدد من المحاضر، من أبرزها مدرسة أهل سيدي عثمان، التي أسسها محمد بن سيدي عثمان الداودي، ومن رجالها البارزين، العالمان محمد بن يحيى الولاتي ومحمد يحيى بن سليمه([48]).
ولكن ههنا إشكال يمكن طرحه، وهو إذا كان المترجم له من علماء قطر شنقيط، فلماذا يذكر ضمن علماء بلاد التكرور، التي هي ضمن السودان ؟
والجواب أن يقال: ليس هذا بمستغرب، لأن هذه الأقاليم كانت ولا زالت دارا للإسلام، وللشناقطة فيها منزلة واعتبار، وهي أقرب إلى بلادهم من غيرها، فكان حجاجهم ينطلقون منها إلى الحجاز، وربما اتخذوا منها سكنا للتدريس والإرشاد، أو للتجارة – ولو لبعض الوقت -، فلهذا كان بعض المشارقة ينسبون من التقوا به من علماء الشناقطة إلى هذه الجهة أو تلك، حسب شهرة المنطقة التي قدموا منها.
ولعل القوم لم يعرفوا بهذه الألقاب كهوية إلا بعد مجيء بني حسان في أواخر القرن السابع الهجري، وانهيار السلطة المركزية التي أقامها المرابطون، وعليه يكون إطلاق البرتلي في كتابه (( فتح الشكور )) اسم (( التكرور )) على بعض جهات شنقيط تجوزا ومجاراة للمشارقة([49])، وهو إنما يعني بالتكرور حقيقة مدينتي "تنبكتو" و "ولاتة"، حيث يرجع إليهما غالبية العلماء المترجم لهم، وأما غيرهم فإنما ذكرهم بالتبعية، ولهذا كان الفقيه أحمد أبو الأعراف التنبكتي المتوفى سنة 1072 هـ أكثر دقة وضبطا لهذا المصطلح، حيث سمى معجمه: "إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر العلماء المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل الشنقيط"([50]).
والمترجم له لم يذكر البرتلي في كتابه " فتح الشكور" تاريخ ولادته، ولم يكن بحاجة إلى ذكر تاريخ وفاته، لأن الشيخ القصري صاحب النوازل كان حيا في الوقت الذي ترجم له البرتلي، وعبارته في " فتح الشكور" : وهو الآن بقيد الحياة، والحمد لله رب العالمين "([51]).
لكن الذي نستطيع الجزم به، هو أن القصري يعد من علماء القرن الثالث عشر([52])، لأن البرتلي مؤلف " فتح الشكور" ولد عام 1140 هـ، وتوفي عام 1219 هـ، وبناء على أنه كان حيا وقت ترجم له البرتلي، فتكون وفاته على سبيل الظن الراجح([53]) بعد عام 1219 هـ، والله أعلم.
ثم إن القصري يعد من المشاهير، وهذا شرط البرتلي في كتابه حيث قال: ولم أذكر غير المشاهير من العلماء([54]). وقال الشيخ محمد عبد الله: عالم بلغ الغاية القصوى في الفقه([55]).
وصف رحمه الله بالفقيه([56]) المدرس، وأنه كان يقضي بين الناس ويفتي، له بصيرة بالحكم والفتوى([57])، وهذا يدل على علو كعبه.
من مشايخ القصري: الفقيه الطالب البشير بن الحاج الهادي، والذي كان يعد عالم بلاد التكرور وفقيهها ومفتيها بلا مدافع([58])، أقرأ الطلاب كتبا كثيرة، وأكثر ما كان يقرئ الناس مختصر خليل وألفية ابن مالك([59]).
وأما القصري، فكان يدرس مختصر الشيخ خليل، ولعل هذا هو السر في كونه رتب النوازل طبق ترتيب مختصر الشيخ خليل، كما صرح به في المقدمة([60]).
ونوازله هذه لاشك في صحة نسبتها إليه، قال البرتلي رحمه الله: له نوازل مفيدة نافعة([61]). وزاد الشيخ محمد عبد الله ولد يزيد: شرح باب الفرائض من خليل([62]).
بيد أن المحقق اعتمد نسخة خطية واحدة، دون معرفة مصدرها، وفي مركز أحمد بابا التنبكتي([63]) نسختان:
أولاهما: تمثل المجلد الأول والثاني، وتقع في 313 ورقة، في كل ورقة 33 سطرا بمقاس 22 × 17.5 سم، ونوع الخط صحراوي.
ثانيتهما: تمثل قطعة من النوازل، وتقع في 31 ورقة، في كل ورقة 22 سطرا، بمقاس 23 × 16.5 سم، ونوع الخط سوداني([64]).

وأشار الدكتور عمر الجيدي إلى نسخة من النوازل، وأنها توجد بالخزانة العامة بالرباط ورقمها 877 ك([65]).
ولنرجع إلى النسخة التي اعتمدها المحقق، فإنها نسخة الشيخ محمد الولاتي، جاء التصريح بذلك على ظهر اللوحة الأخيرة من المجلد الثالث، والعبارة كالآتي: وأصل هذه النسخة نسخة الطالب محمد الولاتي رحمه الله([66])، بمعنى أن ناسخ المخطوط نسخها عن نسخة الشيخ محمد الولاتي، والشيخ محمد هو ابن يحيى بن محمد المختار الداودي، المدعو بابا الفقيه الولاتي، وهو من رجال ولاتة البارزين، صاحب التصانيف، حافظ علم الأصول، كثير الرد على أهل البدع والمناكر، المتوفى سنة 1330 هـ، والمدفون في مقبرة ولاتة([67]).
وأما ناسخ المخطوط فهو: المصطفى بن العالم بن أحمد بن محمد بن أبي أحمد بن مَحَم([68]) بن أبي بكر بن محمد بن مهنض بن إينض بن السالم بن مالك بن عمرو بن محنض ابن مالك بن تنده عمر بن تاشفين، رحم الله الجميع بمنه، عشية الخميس 12 شعبان 1320 هـ([69]).
وأما دراسة المخطوط والعناية به، فلم تكن في المستوى المطلوب، فمن ذلك ترجمة المؤلف نفسه، كان بإمكان الأخ المحقق الوصول ولو إلى بلد مؤلف الكتاب وعصره، بالنظر إلى الكتب التي اعتمدها في نوازله، لعلماء قطر شنقيط، توضح بجلاء كون صاحب النوازل من أهل ذلك البلد، وسأذكر جملة منها على سبيل التمثيل لا الحصر، فمنها:
1- الأجوبة الناصرية([70])، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن ناصر الدرعي، وفيها الأجوبة على مسائل تخص البدو([71]).
2- نوازل الأعمش، لأبي عبد الله محمد بن المختار بن الأعمش العلوي، مفتي مدينة شنقيط وعلامتها الشهير([72])، صاحب النوازل الفقهية الشهيرة، المتوفى سنة 1036 هـ([73]).
3- رائحة الجنة شرح إضاءة الدجنة، لأبي عبد الله محمد بن المختار بن الأعمش، السابق ذكره، ويعتبر الأصل وشرحه من مراجع المحضرة لعقيدة الأشاعرة([74]).
4- فتاوى أحمد التنواجيوي، للشيخ أحمد بن محمد بن رار التنواجيوي([75])، المتوفى سنة 1210 هـ([76]).
5- فتاوى الحاج حسن([77])، للشيخ الحاج حسن بن أغبد الزيدي، المتوفى سنة 1123 هـ، الفقيه المفتي، قال البرتلي في ترجمته: عليه مدار الفتوى في الفقه في بلادنا، وأنه أفقه أهل عصره بالاتفاق، له فتاوى عجيبة مفيدة مجموعة، ومن أقواله: الأصل في الإقراء تقرير المتن، وما زاد في الإقراء على ذلك فضرره على المبتدئ أكثر من نفعه([78]).
6- فتاوى الحاج أحمد بن أحمد بن أعمر بن أقيت([79])، وهو والد الشيخ أحمد بابا التنبكتي، الفقيه العالم، ولد في محرم عام 929 هـ، وتوفي في شعبان عام 991هـ([80]).
7- فتاوى القاضي سنبير([81])، للشيخ القاضي الفقيه سنبير بن طالب بن القاضي سيدي الوافي بن طالبن بن السيد أحمد بن آد الأرواني، وسنبير معناها العربي الكبير بالسودانية، كان رحمه الله من صدور الفقهاء وأعلام النجباء، صاحب كتاب صنجة الوزان في نوازل أروان، توفي رحمه الله في رمضان عام 1180 هـ([82]).
8- نوازل عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي([83])، للفقيه الأصولي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي نسبا التججكي وطنا، صاحب نظم مراقي السعود وشرحه، وطلعة الأنوار اختصر فيه ألفية العراقي في مصطلح الحديث، توفي رحمه الله عام 1233 هـ.
9- نوازل الشريف حمى الله([84])، للشيخ الشريف حمى الله بن الشريف أحمد بن الإمام أحمد بن الإمام محمد نض بن أحمد هند بن ألشغ الحسني، صاحب النوازل والفتاوى المشهورة، التي عم النفع بها في إقليم تكرور، ولد عام 1107 هـ، وتوفي عام 1169 هـ([85]).
10 نوازل التكرور([86])، للشيخ المصطفى بن أحمد بن عثمان بن مولود الغلاوي([87]).

فهذه بعض المراجع والمصادر التي اعتمدها القصري في نوازله، ومؤلفوها كلهم من القطر الشنقيطي، فهي تدل بوضوح وجلاء أن صاحب النوازل – أعني القصري – من هذا القطر المبارك، وتدل كذلك ولو على سبيل التقريب أنه من علماء القرن الثالث عشر([88])، فإن المصنفات المذكورة أعلاه قريبة من هذا القرن، فأحمد التنواجيري صاحب الفتاوى توفي عام 1210 هـ، والشيخ عبد الله العلوي صاحب نظم مراقي السعود وصاحب النوازل توفي عام 1233 هـ، لو أن الأخ بذل جهدا في دراسة المخطوط، لكنه يغلب على الظن أنه لم يفعل، وهذا مما يؤكد في وجهة نظري أن تراث المغاربة ينبغي أن يهتم به أهله، لأن أهل الدار أعرف بما فيه.
ثم إن الأخ محقق النوازل، لم تكن تعليقاته على المتن في المستوى المطلوب، من ذلك قول القصري لما سئل عن سبب تخصيص العقيدة السنوسية بأم البراهين([89])، فكان الجواب أن ما اشتملت عليه تلك العقيدة تواترت على موافقته وصحته أكابر مذهب أهل السنة، ولاسيما ذكر صاحب بغية الطالبين عن أستاذه عن جماعة من أشياخه المحققين أن الشيخ الإمام السنوسي رضي الله تعالى عنه تلقى العقيدة المذكورة من اللوح المحفوظ([90]).
قلت: إذا كانت عقيدة السنوسي أم البراهين تلقاها من اللوح المحفوظ، فهنيئا للأزهريين الذين جعلوها الأساس الأول لتعليم التوحيد في الأزهر، والحق أنها نظريات كلامية غير شرعية، أخطأ محشوها وشراحها في جعل التوحيد عبارة عن نفي الكم المتصل والكم المنفصل في ذات الله وصفاته وأفعاله، أو المنفصل في أفعاله فقط، وهي فلسفة مبتدعة لا يعرفها الشرع ولا تدل عليها اللغة، لأن تلقين العقائد للمسلمين يجب أن يعتمد فيه على آيات القرآن، والمأثور في الأحاديث، وسيرة الصحابة وعلماء التابعين وأئمة الهدى قبل ظهور البدع، ومن أكبر الضلال أن يعتمد فيها على أقوال المتكلمين، فتجعل أصلا ترد إليها آيات القرآن المبين، وإيثارا لبيانهم على بيانه([91]).
ومن أمثلة عدم تحريه في ضبط النص ما ذكره القصري عن الشيخ محمد بن شقرون في جوابه المسمى بـ " الجيش الكمين لقتال من كفر عامة المسلمين " في مسألة تكفير عوام المسلمين([92])، وعلق عليه الأخ في الحاشية قائلا: ذكره كحالة في معجم المؤلفين([93]) باسم: " الجيش الكمين في الكر على من يكفر عوام المسلمين " لكنه نسبه إلى شقرون بن محمد، والمصنف([94]) هنا يقول: محمد بن شقرون([95])، والذي أراه أن الاسم انقلب على المصنف هنا، فبدلا([96]) من أن يقول: " شقرون سبق القلم إلى " محمد "، والله أعلم.
قلت: أترك الاستدراك لكحالة نفسه، فإنه ذكره في موطن آخر من كتابه([97])، فقال: محمد شقرون (ت 929 هـ) محمد شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي، الوهراني، الفاسي، أبو عبد الله، محدث، توفي بفاس، له جزء جمع فيه مروياته، والجبين([98]) الكمين في الرد على من يكفر عوام المسلمين.
والكتاب مطبوع، نشرته دار ابن حزم، عام 1425 هـ، بتحقيق الأخ هارون بن عبد الرحمن الجزائري([99]).
وفي الختام أحمد الله جل جلاله الذي وفقني للوقوف على ترجمة صاحب النوازل، فله الحمد وحده أولا وآخرا، وما سطرته لم يكن الغرض منه تتبع أخطاء الأخ محقق النوازل، ولكنه إتمام نقص وجبر كسر، إذ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له

رد مع اقتباس