بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بين لنا شرائع دينه , وفطرنا على عبوديته وتوحيده , أحده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه , وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير من تعبدنا بالتأسي به في جميع أحواله وشؤونه , صلوات الله وسلامه عليه ما سبح في الأفق القمران , وتعاقب الجديدان , وأضاء النهج الدليلان , وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى , ومصابيح الدجى , من اقتفى أثرهم فقد نجا , ومن خالف سبيلهم فقد افترى , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء الأوفى . وبعد
فقد طلب منا شيخنا د / خالد السبيعي حفظه الله ورعاه أن نكتب له أبحاثا في قواعد أصولية تناولها الأصوليون بالبحث والتنقيب وكشفوا عنها النقاب بالتمحيص والتهذيب , فلم يبق لنا مجال إلا الاستفادة من عصارة تلك الأقلام المحلاة بعقول الأعلام ؛ إذ هو الغرض من التكليف بلأبحاث إضافة إلى الإطلاع على الطرائق المسلوكة , والعبارات المسبوكة , ومحاولة تفكيكها , والوقوف على المراد منها , ومعرفة مناقشتها مناقشة أصولية بعيدة عن التعصب والتقليد , والتردد والحيرة . فنسأل الله العظيم أن يمدنا بالعون والتأييد , ويمن علينا بالفقه في الدين ,
إنه ولي ذلك والقادر عليه
الطالب / عبد الله محمد أحمد الإدريسي
مكة المكرمة 1 / 5 / 1428 هـ
حجية قول الصحابي :
المطلب الأول في تعريفه:
هو : ما نقل إلينا عن أحد من أصحاب رسول الله rمن فتوى , أو قضاء , أو رأي , أو مذهب في حادثة لم يرد حكمها في نص , ولم يحصل عليها إجماع .
المطلب الثاني في تحرير محل النزاع:
اتفق الأصوليون على أن قول الصحابي إذا خالف قول صحابي آخر فليس بحجة .
واتفقوا أيضا على أن الصحابي إذا قال قولا ثم ثبت رجوعه عنه فليس بحجة كذلك .
وإذا قال الصحابي قولا ثم انتشر بين بقية الصحابة , ولم ينكره أحد فحجة عند من يقول بالإجماع السكوتي .
واختلفوا فيما إذا قال الصحابي قولا ولم ينتشر بين بقية الصحابة ولم يظهر له معارض من نص أو قول صحابي آخر على خمسة مذاهب :
المطلب الثالث في عرض مذاهب العلماء فيه :
القول الأول: الاحتجاج به مطلقا : وهو الذي اختاره الشافعي في الرسالة وحكاه عنه أصحابه في القديم , وحكاه عنه الزركشي في الجديد أيضا , (1) وأكثر حكايات الأصحاب في الجديد أنه ليس بحجة , ونقل عن أبي حنيفة أنه احتج به في مواضع , وفي أخرى أنه قدم عليه القياس , وللإمام أحمد رواية أنه حجة .(2)
القول الثاني : عدم الاحتجاج به مطلقا : وهو قول الشافعي في الجديد , ونقل عن أبي حنيفة وبعض أصحابه في مواضع , والرواية الثانية عن الإمام أحمد اختارها أبو الخطاب , وهو قول جمهور الشافعية , وعامة المتكلمين .
القول الثالث : الاحتجاج بقول الخلفاء الأربعة دون غيرهم من الصحابة .
القول الرابع : الاحتجاج بقول أبي بكر وعمر .
القول الخامس : الاحتجاج بقول الصحابي فيما لا يعقل بالقياس . وهو قول الحنفية .(3)