عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2009, 11:20 AM   #4
مراقب عام


السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 04-24-2024 (09:15 AM)
 المشاركات : 163 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الفصل الثاني

نحو علم النفس الإسلامي

لعل هذا الفصل لا نأتي فيه بالجديد فكل الآيات التي تحدثت عن مفهوم الإسلام وعن النفس الإنسانية قد ذكرناها في محلها ولكن ربما نورد بعضها هنا أو لا نوردها ونحن في هذا الفصل سنورد بعض القواعد الإسلامية عن النفس في أحوالها وقد يستغرب البعض من كون الإيمان هو الدواء الشافي لكل حيرة نفسية يقول على حسن العماري([134]) (من مقالة بعنوان القرآن والنفس البشرية ص51 وحسبك أن تقرأ كتاب دع القلق وابدأ الحياة "لمديل كارلنجي" وكتاب العودة إلى الإيمان "لموريس كريسون" فكارلنجي يقول أن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهر القلق والتوتر العصبي).

الإيمان يقهر القلق والتوتر العصبي

ويقول الثاني (أن المرء المتدين حقاً لا يعاني قط مرضاً نفسياً) ثم أضاف صاحب المقالة ومتى انتصرت النفس الإنسانية على شهوتها وأصغت إلى ضميرها وراقبت ربها أثر عليها سمو ورفعة لما للإيمان من قيم) أهـ.

نعم ([135]) إن الإيمان هو البلسم الشافي لداء النفس المعذبة الجريحة المعقدة بمشاكل الحياة ولقد يصل اليأس بالإنسان حتى يرى أن الجهل راحة والعلم عذاب كما صرح بذلك أحد الشعراء وهو من فحول الشعراء وربما صدق حين قال المتبني:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخـو الجهـالة بالشقـاوة ينعم

ولكن النفس السعيدة ليست الجاهلة ولا الجاحدة ولا الغنية بما لدى صاحبها من أموال كل ذلك بعيد والنفس السعيدة هي التي عناها الشاعر حين يقول:

قال الحطيئة:

ولست أرى السعادة جمع مال

ولكـن التقـى هو السعــيد

والإيمان هو أساس كل دواء للنفس البشرية قال محمد قطب([136]) ( لـو آمن الناس بالله واليوم الآخر لا نصلح حال البشرية وزال ما تعانيه اليوم من القلق والاضطراب النفسي والعصبي الذي لا مثيل له في كل تاريخ البشرية).

ابن حزم سبق علماء الغرب في التأليف في علم النفس

وفي هذا الفصل الذي يدعو فيه إلى علم نفس إسلامي وجدت أن لابن حزم الأندلسي الذي عاش 356- 384هـ له كتابين يعالجان علم النفس قبل فرويد بعدة قرون الكتاب الأول أخلاق النفس) لم أجده وقد ذكر ضمن كتبه في كتابه (الأخلاق والسير في مداواة النفوس) وهو الذي وجدت فيه ضالتي إذ لابد لهذه الحضارة العريقة أن يكون لها مجال السبق في كل مجال وكان علم الاجتماع مبتكره ابن خلدون وأتى ديكارت وانتحل آراءه وادعى أنه هو المبدع المبتكر) فكذلك ابن حزم سبق فرويد في دراسته علم النفس لكن بدون اتفاق في الأفكار ولعل بعض مفكري الغرب اطلع على هذا الكتاب واستفاد منه كما هي عادتهم.

قال ابن حزم عن سبب تأليف كتابه محاولاً مداواة النفس الإنسانية بكل ما أوتي من علم. قال في كتابه([137]) ص 12 (وأنا راجٍ في ذلك من الله تعالى أعظم الأجر لنيتي في نفع عباده وإصلاح ما فسد من أخلاقهم ومداواة علل نفوسهم وبالله أستعين).

وقد تحدث ابن حزم عن اتفاق الناس على اختلاف طبائعهم عن اتفاقهم في طرد الهم والناس كلهم متفقون على طرد الهم والشكوى منه قال ص14([138]) (تتطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم فيه في استحسانه وفي طلبه فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهم فلما تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستوف استحسانه فقط وإلا في طلبه فقط ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم وتباين همهم وإرادتهم، لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يرجون به طرد الهم) وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان فكل إنسان يبحث عن طرد الهم عن نفسه.. ثم قسم الناس عدة أقسام حسب أهوائهم ورغائبهم:

أصناف الناس عند ابن حزم

القسم الأول([139]) ص14 من لا يستحسنه إذ في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة.

2- وفي الناس من أهل الشرف من لا يريد الخير ولا الحق.

3- وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن تلاهم من الزهاد والفلاسفة.

4- وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعض الصيت.

5- وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه.

6- وفي الناس من يؤثر الجهل على العلم كأكثر من ترى من العامة وهذه هي الأغراض التي لا غرض لهم سواها وليس في العالم منذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم ولا يريد طرده عن نفسه) هذه هي نظرة ابن حزم عن هموم الناس قد أوضحها بدون صعوبة تذكر ثم تحدث عن الأسباب الموصلة للسعادة فنجده سبق علماء هذا العصر عن السبب الحقيقي للسعادة أنه سبق صاحب كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) في رأيه السابق عن أن الإيمان وهو الدواء الشافي وأن المؤمن لا يعاني اضطراباً نفسياً- فنجد ابن حزم يقول في كتابه([140]) ص15 (بحثت عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس الذي اتفق فيه جميع أنواع الإنسان الجاهل منهم والصالح والطالح على السعي له فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل في العمل بالآخرة) فالعمل للآخرة يطرد الهم وينقي النفس من رغباتها وشهواتها ويجعلها مثقلة من كل شائبة فلذلك دعى ابن حزم إلى العمل بالآخرة أي الإيمان ونبذ كل سراب ونعيم وبهرج للحياة والعودة والسعي فقط للآخرة بدون إفراط أو تفريط لكل منهما-

مطالب الناس عند ابن حزم

وهو يذكر الأسباب التي دعته إلى قوله ذلك قال في كتابه ص15([141]).

أولاً: (فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم).

ثانياً: وإنما طلب الصوت([142]) من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها.

ثالثاً: وإنما طلب اللذت من طلبها ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها.

أقسام الناس وميزه كل فرقة عند ابن حزم

أقسام الناس حسب نزعاتهم النفسية قسمها ابن حزم إلى أربع أقسام ووضح ميزة كل فرقة قال (طالب الآخرة ليفوز في الآخرة متشبه بالملائكة).

ثانياً: وطالب الشر متشبه بالشياطين.

تفوق البهائم على الإنسان

3- وطالب الصوت والغلبة متشبه بالسباع.

4- وطالب اللذات متشبه بالبهائم.

ثم أن ابن حزم يرى أن الإنسان الذي يسعى للذات والقوة فإنه كالسباع والبهائم لأنه في أي مجال طلب الشهرة والقوة والسرعة والشجاعة يجد أن الحيوانات تفوقه في ذلك المجال ولكن الإنسان ضابطه ومعياره الذي يسمو به إلى الدرجة العالية الإنسانية الراقية وإلا فهو حيوان في كل تلك المطالب التي يشارك فيها البهائم وذلك ما ذكره ابن حزم في القاعدة الخامسة في كتابه ص18 (فالعاقل لا يغتبط بصفة يفوقه فيها السبع وبهيمة أو جماد وإنما يغتبط بتقديمه في الفضيلة التي أبانه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات وهي التميز الذي يشارك فيه الملائكة وبعد ذلك يذكر ابن حزم الأدلة المقنعة لكل نفس لا تغتر بأي صفة من صفات الجراءة والشجاعة وغيرها فتلك صفات يتشارك فيها الحيوان

قال في كتابه([143]) (فمن سر بشجاعته التي يضعها في غير موضعها لله عز وجل فليعلم أن النمر أجرأ منه – وأن الأسد والذئب والفيل أشجع منه ومن سر بحمله الأثقال فليعلم أن الحمار أحمل منه ومن سر بسرعته فليعلم أن الكلب والأرنب أسرع منه ومن سر بحسن صوته فليعلم أن كثير من الطير أحسن صوتاً منه وأن أصوات المزامير أطرب من صوته- فأي فخر وأي سرور في ما تكون فيه هذه البهائم متقدمة عليه) ولكن من قوى تميزه واتسع علمه وحسن عمله فليغتبط بذلك فإنه لا يتقدمه إلا الملائكة وخيار الناس) قواعد نفسية مستنبطة من القرآن الكريم وراح يدلل على نظريته وأن النفس الصالحة القويمة هي التي تكبح جماح رغباتها وأهوائها وغضبها فعندها تستحق الرفعة.

قواعد نفسية جامعة لكل فضيلة من القرآن الكريم

قال ابن حزم في كتابه ص19 وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}([144]). جامع لكل فضيلة لأن نهي النفس عن الهوى هو ردعها عن الطبع الغضبي وعن الطبع الشهواني لأن كليهما واقع تحت موجب الهوى فلم يبق إلا استعمال النفس للنطق الموضوع الذي به بانت عن البهائم والحشرات والسباع).

قواعد نفسية مقتبسة من الحديث

ثانياً: ما ذكره عن قيم من السنة قال في ص19 قول الرسول صلى الله عليه وسلم للذي استوصاه (لا تغضب) وأمره عليه السلام أن يحب المرء لغيره ما يحب لنفسه جامعان لكل فضيلة وهما أمران يردعان النفس عن هواها عن القوة والشهوة).

ثم راح يقسم الناس حسب نواياهم وهو تقسيم منصف يدل على خبرة الرجل بالعلوم النفسية ولعل كل ما ذكره في كتابه يكون مرجعاً في هذا المجال ونعود إلى ما ذكره من تقسيم الناس حسب نواياهم في كتابه([145]) (قسم يتمنى الغلا المهلك لناس والصغار ومن لا ذنب له.

2- والنية الفاسدة لا تعجل لهم شيئاً مما يتمنونه وأنهم لو صفوّا نياتهم وحسنوها لعجلوا الراحة لأنفسهم..إلخ.

راحة العقل عند ابن حزم

فقال في كتابه([146]) أن راحة العقل لا تتم إلا بثلاث أمور- أولاً: طرح المبالاة بكلام الناس.

2- استعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل).

3- من قدرته أن يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون ثم قال([147]) فالسعيد من أنست نفسه بالفضائل والطاعات وتعرت من الرذائل والمعاصي والشقى من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي ونفرت من الفضائل والطاعات ..إلخ.

وكل هموم لابد لها من عوارض ولكن الهدف الأسمى هو العمل بالآخرة وذلك حين يقول (وجدت للعمل للآخرة سالما من كل عيب خالصاً من كل كدر موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة) ثم أضاف على تلك القاعدة وقال لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلا منها وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل).

صفات نفسية قضائية

صفات نفسية قضائية ثم يحدثك عن الوجدان والألم فقد ترى الإنسان يبالغ في دعواه ويظهر نفسه مظلوم وآخر لا حجة لديه ولكن المظلوم هو نفسه الذي لا يملك الحجة وهلم جرا ولكن يحذر من ذلك فيقول ينبغي للعاقل ألا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وشدة تلويه وتقلبه وبكائه.

غرائب أخلاق النفس

2- ورأيت بعض المظلومين([148]) ساكن الكلام معدوم التشكي مظهراً لقلة المبالاة.

3- فقد يسبق إلى النفس ما لا يحقق النظر أنه ظالم وهذا مكان ينبغي التثبت فيه ومغالبة نيل النفس جملة (وقال في الإنصاف من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه فإنه يلوح له وجه تعسفه وقال في محاسبة الإنسان نفسه مستشهداً بقول الشاعر:

لا تنهى عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

وأبدأ بنفسك فأنهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}([149]).

نصائح نفسية

والكتاب([150]) مليء بقواعد نفسية ونصائح وتقسيم للمجتمع:

1- فيقول (احرص أن توصف بسلامة الجانب

2- وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك.

3- وطن نفسك على ما تكره يقل همك.

4- طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها.

5- من جالس الناس لم يعدم همه يؤلم نفسه.

6- والعز والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم ثم شبه الناس ومشاكلهم بالنار شارحاً المحاسن والمساوئ فقال([151]) (اجعل الناس كالنار تدفأ بها ولا تخالطها والرأي والقبح والعار عند ابن حزم لا يعلمها إلا من كان خارجاً عنه لا من كان داخلاً فيه.

ويتحدث عن علاقة الناس ببعضهم فيقول:

1- استبقاك من عاتبك.

2- إذا تفكرت في الهم بما يعرض للأصدقاء والإخوان من موت وفراق أو غدر من يغدر منهم كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم أقسام الناس بالنسبة للمدح والذم([152]).

1- طائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب وهذه صفة النفاق من العيابين.

2- وطائفة تذم في المشهد والغيب وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين.

3- وطائفة تمدح في الوجه والمغيب وهذه صفة أهل الملق والطمع.

4- وطائفة تذم في المشهد وتذم في المغيب وهذه صفة أهل السخف والنواكة.

5- وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة ويثنون بالخير في المغيب.

6- وأما العيابين البزئاء من النفاق والغيبة فيمسكون في المشهد ويذمون في المغيب.

7- وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح والذم في المشهد والمغيب.

أسباب الذل والمهانة

وابن حزم يعلل المهانة والخضوع وخسة النفس بالمجتمع والجشع والطمع فيقول في كتابه 53 (الطمع إذاً أصل لكل ذل ولكل هم وهو خلق سوء ذليل وضده نزاهة النفس وهذه صفة فاضلة مركبة من النجدة والجود والعدل والفهم) ثم يضيف ولولا الطمع ما ذل أحد لا أحد ثم قسم الفضائل إلى أربع أقسام:

أقسام الفضائل والرذائل

1- العدل 2- الفهم 3- النجدة 4- الجود

وأصول الرذائل أربعة منها متركبة كل رذيلة:

1- الجور 2- الجهل 3- الجبن 4- الشح

ولعلنا بهذه اللمحة عن كتاب ابن حزم قد ذكرنا بعض القواعد التي ينبغي أن يرجع إليها الدارسين وأن المسلمين لهم فضل السبق في مجال الدراسات النفسية والقرآن مليء بالآيات التي تعالج حالات النفس الإنسانية من قنوط وفرح وما شابهها ولكن نجد في هذه الأمة من يترك المنبع الصافي العذب ثم يذهب ويرتوي من مشارب منتنة ويا لها من جهالة ونحن كما قال الشاعر:

ومن الغرائب والعجائب جمة

قرب الحبيب ومـا إليـه وصـول

كألعيس في البيدءا يقتـلها الظمـأ

والماء فوق ظهورها محمــول

فالعلم متوفر عندنا والقرآن مليء بالقواعد النفسية التي تعالج وضع الإنسان ويكفينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم " أنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقوله "أدبني ربي فأحسن تأديبي" وقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما سئلت عن خلقه قالت: "خلقه القرآن" وهل ينبغي بعد هذا أن نرجع إلى دراسات الغرب ونظرياتهم الفاسدة أصلاً ونحللها ونطبقها على "أنفسنا ومن ثم ندرسها على أساس أنها علم جدير به قواعد جمة وما هو إلا هزل وجنون وسخافة لا يرضى بها أي عاقل.

واستكمالاً للموضوع نجد القيم متوفرة وحث عليها الشعراء أمثال أحمد شوقي حين يقول: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه – فقوم النفس بالأخلاق تستقم. ([153]) وقوله أيضاً: والنفس من خيرها في خير عافية والنفس من شرها في مرتع وخم

وقال البويصري

والنفس كالطفـل أن تهمله شب – على حب الرضاعِ وأن تفطمه ينفطم([154])

وبعد سرد هذه القواعد النفسية الشعرية من بعض شعراء الإسلام نختم هذا الفصل برؤية إسلامية عن النفس وهي مستمدة هذه النظرة من علم نفس إسلامي من منبع صافي غير ملوث بالنظريات الغربية الهدامة يقول الدكتور/ رمضان محمد القذافي في كتابه علم النفس الإسلامي([155]):

أولاً: إبراز الهوية الإسلامية لعلم النفس:

فالدارس لعلم النفس أو المتخصص فيه لا يطالع إلا أسماء أجنبية وتعبيرات غريبة عليه أينما ذهب، ولا يصادف ما يشير إلى وجود أسس علمية متينة يمكن أن يقوم عليها "علم نفس إسلامي" ذو طبيعة إسلامية تتمشى مع العقل والمنطق ولا تتعارض مع الدين، ترتكز على مصدر لا يأتيه الشك وهو القرآن الكريم.




ثانياً: بيان فضل الإسلام على علم النفس الحديث:

إن من يتطلع على مصادر علم النفس الحديث يخرج بانطباع عام مؤداه أن كل ما في هذا العلم هو غربي المنشأ والصياغة والفكر سواء نسبناه لفرويد أو غيره، غير أنه بعد الفحص والتدقيق يتضح لنا أن كثيراً من أفكار علماء الغرب واكتشافاتهم في الإطار العام لعلم النفس هو إسلامي المنشأ قرآني الطابع. فقد تناول القرآن مواضيع النفس، والسلوك، والثواب والعقاب والتعليل والقدوات والاتجاهات والدوافع وأنواع الاضطرابات ومصادرها. وبعض أساليب العلاج النفسي وغير ذلك كثير. أهـ.

ثالثاً: معالجة النقص الحاصل في مصادر علم النفس الإسلامي:

ثم أضاف غير أنه من الملاحظ أيضاً أن كثير من المراجع التي تحدثت عن الإسلام وعلم النفس الحديث أو الإسلام والعلاج النفسي الحديث أو التربية الإسلامية وقعت في خطأ الخلط بين هذا وذاك فإذا بها غاصة بنظرية التحليل النفسي ومنهج فرويد وفلسفات التربية الإغريقية والمعرفة اليونانية ولا تشتمل إلا على القليل من الأفكار الإسلامية وحرصاً على عدم الوقوع في نفس الخطأ فقد التزمت منذ البداية أن يكون القرآن هو مرشدي ومرجعي الوحيد ومصدر أفكاري، ثم أضاف وأخيراً أقول بأن موضعي من هذا الكتاب هو موضع الباحث وليس المؤلف لأن الأفكار القرآنية التي اعتمدت عليها أنشأها الله عز وجل. أما دوري كباحث فقد تمثل في البحث عن تلك الأفكار في ظلال القرآن وإبرازها وترتيبها في مواضيعها..إلخ

ثم قال في الفصل الأول([156]) ص7 ما نصه "النفس بالمعنى العلمي نقصده هي ذلك الجوهر أو النظام النفسي الذي يميز الإنسان عن غيره فيجعله يعقل ويفكر ويدبر، ويتخذ القرارات ويصدر الأحكام، ويدرك المنبهات المحيطة ثم يختار طريقه بإرادته الحرة.. إلخ. وقال([157]) أيضاً في نفس الصفحة السابقة عن طبيعة النفس ما نصه " النفس الإنسانية قادرة على اختيار طريقها والتمييز بين الخير والشر بما منحها الله من قدراته، وتلقي حرية الاختيار على النفس مسؤولية ضخمة هي مسؤولية الالتزام بنتائج ما تختاره من أنماط السلوك والاستجابات المتعددة، ونوعية الجزاء المنتظر بنوعيه إن خيراً فخير وإن شر فشر. أهـ. وهكذا نجد الباحث يبرز الهوية الإسلامية لعلم النفس محللاً النفس الإنسانية على ضوء القرآن الكريم بدون الخوض في متاهات الدراسات الغربية المنحرفة التي دنست الإنسان والنفس حسب النظريات الهدامة وبعد ذلك يمضي الكاتب يتحدث عن النفس مسترشداً بالآيات القرآنية مستدلاً بها على ما يقول مستدلاً بهذه الآيات {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }([158]) وذكر قوله تعالى {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}([159]). ثم قال([160]) بعد الآيتين السابقتين ومما يلاحظ في هذا المجال أن الله خلق النفس مستقيمة على الفطرة وذودها بالأدوات التي تساعدها على الاختيار وإصدار القرار...إلخ. ثم ذكر هذه الآية {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقال في الصفحة الثامنة([161]) "مسؤولية النفس أن كل نفس مرتهنة بعملها ولا تجازى إلا به، فالنفس الإنسانية قبلت الأمانة التي تزعزعت الجبال من ثقلها، وأبت الأرض حملها وسوف تحاسب على الالتزام بها أو التفريط فيها تبعاً لنوعية السلوك والمستوى والعمل.

{وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}([162]).

{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}([163]).

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}([164]).

ثم أضاف في نفس الصفحة السابقة ضبط النفس والسيطرة عليها " نعلم بأن النفس الإنسانية مزودة بالأدوات الطبيعية والفطرية التي تساعدها على الاختيار وصنع القرار" ..إلخ. وقال ص9 متحدثاً عن سلوك النفس والرقابة الداخلية الفعالة، قال ما نصه " تستطيع الرقابة الداخلية الفعالة والصارمة أحياناً من قبل الفرد أن تمنع الخطأ وتقي النفس من الشطط أو الزلل أو الانحراف. أما إذا كانت الرقابة ضعيفة أو معدومة فسوف تنساق النفس في نزواتها وتطلق العنان لشهواتها بلا حدود ولا قيود. ويشير القرآن إلى أن من يملك القدرة على كبح جماح نفسه يستطيع السيطرة عليها وأن يوجهها إلى فعل الخير وينهاها عن الشر ومتى فعل ذلك فهو من الفائزين " {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}([165]). {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([166]) {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}([167]).

وبعد ذلك تحدث الباحث عن مراتب النفس في ص9.([168])

يحدثنا القرآن عن مرتبتين للنفس، مرتبة عليا لأهل التقوى الذين يخافون الله ويتمسكون بأوامره وينتهون بنواهيه، ومرتبة دنيا للرافضين لأوامر الله المعطلين لحدوده، ولأهل الضلال المبالين إلى الانحراف وارتكاب الفواحش والمنكرات. ثم تحدث الكاتب الدكتور رمضان محمد القذافي في كتابه "علم النفس الإسلامي" عن مراتب النفس متحدثاً عن أقسام النفس كما ورد في القرآن الكريم وقال إن مراتب النفس تنقسم إلى ثمانية أقسام وتحدث عن كل نفس ذاكراً الدليل من القرآن الكريم ذكر ذلك من ص 10 إلى ص15 ولما لذلك من أهمية ننقل ما قاله بإيجاز أملاً أن تكون مع علم النفس الإنسانية قد بيناها على ضوء القرآن الكريم كما بينها المؤلف في كتابه فقال ما نصه "أن المرتبة العليا النفس ثم عدد مراتب النفس:

أولاً: النفس المطمئنة: وهي النفس التي تخاف الله، وتؤمن بلقائه، وترضى بقضائه، وتقنع بعطائه. ويؤدي الشعور بالاطمئنان إلى الثقة بالله وانتفاء المخاوف وزيادة مستوى الثبات الانفعالي.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}([169]). أهـ

ثانياً: النفس اللوامة([170]): وهي النفس التي تشعر بالذنب فتندم على ما فات وتلوم عليه، فهي في مرتبة الضمير الذي يتولى مهمة الرقابة الداخلية على السلوك مما جعل المؤمن يعمل دائماً على مساءلة نفسه ومحاسبتها ومعاتبتها على ما صدر منها من ذلات أو هفوات في قوله أو عمله: قال تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}([171]).

ثالثاً: النفس الزكية([172]): وهي النفس الطاهرة من الخبث والدنس والشرك بالله فهي لا تحنث ولا ترتكب معصية ولا تخالف أوامر الله..إلخ والدليل على النفس الزكية قوله تعالى {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}([173]).

قال تعالى: {وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}([174]).

{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}([175]).

{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}([176]).





 
 توقيع : السوقي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس