عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2009, 10:58 AM   #2
مراقب عام


السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 04-24-2024 (09:15 AM)
 المشاركات : 163 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الفصل الثاني

النفس كما يصورها القرآن الكريم

النفس لغة يقال تنفست الريح هبت طيبة وتنفس الصبح تبلج وظهر ونفس بالشيء ضن به وبخل. ونفس الشيء نفاسه أي كان عظيم القيمة والنفس الروح ويقال خرجت نفسه أو جاد بنفسه أي مات. وتستعمل النفس بمعنى القلب والضمير يكون فيه السر الخفي كما في قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى}([44]) وقوله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ}([45]) والنفس البشرية عظيمة قيمة وكل إنسان له نفس ولكن لكل نفس رغبات وسيئات وحسنات ومتطلبات ومفاهيم وأسس تدور فيها وسنن تتبعها والنفس الإنسانية عظيمة فلذلك أقسم بها الله عز وجل في كتابه الكريم وورد فيها في بعض السور وفي آيات كثيرة وربما السور التي ذكرت فيها النفس جاوزت أربعين سورة ونحن سوف نتحدث عن النفس كما يصورها القرآن وسنورد بعض الآيات ولنا وقفة عندها وبعض الآيات سنوردها على سبيل المثال.

فأما الآيات التي تحدثت عن الإنسان وسلوكه وغرائزه وفسرت تلك الأهواء التفسير الإنساني كما فسر فرويد النفس محاولاً نزع القيم عنها وردها إلى أسفل سافلين بل أدنى حتى جعل الإنسان كالحيوان وقبل الشروع في الرد على تلك الأباطيل نتحدث عن النفس كما يصورها القرآن ولعلنا بذلك نبين علم نفس إسلامي مبنياً على القيم الإسلامية كما وردت في القرآن فإن طبيعة النفس الإسلامية الهداية والفطرة السليمة كما ورد في الحديث النبوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبوه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) وهذا الحديث يؤكد لنا سلامة نفس الطفل إذا لم تكدر بشوائب مؤثرة فهو مسلم على الفطرة وقد قال الله تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}([46]) أوضحنا له الطريقين فيختار أي منهاج يسلك. يقول السيد قطب في تفسيره([47]){وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ليختار أيهما شاء ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين... إلخ. ثم يضيف([48]) وهذه الآية تكشف عن حقيقة الطبيعة الإنسانية وكما أنها قاعدة النظرية النفسية الإسلامية هي والآيات الأخرى في سورة الشمس {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}([49]) يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى في هذا الوجود المترابط المتناسق ثم يضيف بعد ذكر الآيات السابقة {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} قال وهذه الآيات الأربع بالإضافة إلى آية سورة البلد السابقة {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وآية سورة الإنسان {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} تمثل قاعدة النظرية النفسية للإسلام وهي مرتبطة ومكملة للآيات التي تشير إلى ازدواج طبيعة الإنسان كقوله تعالى في سورة (ص) {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} كما أنها مرتبطة ومكملة للآيات التي تقرر التبعة الفردية كقوله تعالى في سورة المدثر {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} والآيات التي تقر أن الله يرتب تصرفه بالإنسان على واقع هذا الإنسان كقوله تعالى في سورة الرعد {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ومن خلال هذه الآيات وأمثالها تبرز لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان بكل معالمها ..الخ.

قال ابن عباس([50]) كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحساناً- ويلوم السيئ نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته([51]).ومن هنا يتضح لنا أن الإنسان مزود باستعداد متساوي للخير والشر وأنه قادر على توجيه نفسه ويعبر القرآن عن ذلك بقوله {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} .........{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} فكل شيء واضح أمام نفس الإنسان وبصيرته وعقله فيختار ما يريد. وقال ابن القيم([52]) عند ذكر آية النفس التي في سورة القيامة وكذلك النفس التي أقسم بها وما سواها وألهمها فجورها وتقواها، فإن من الناس من يقول قديمة لا مبدع لها. ومنهم من يقول بل هي التي تبدع فجورها وتقواها- فذكر سبحانه أنه هو الذي سواها وأبدعها وأنه هو الذي ألهمها الفجور والتقوى- فأعلمنا أنه خالق نفوساً وأعمالها.

وذكر لفظ التسوية كما ذكره في قوله {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} ([53]) قوله تعالى: {سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} ([54]) إيذاناً بدخول البدن في لفظ النفس وكقوله تعالى {هوالَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة}سورةالأعراف (189) وكقوله { َفسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ}سورة النور(61 ) وقوله {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} ([55]) وكقوله {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً}(سورة النور(61) ) ونظائره باحتجاج الروح مع البدن تصير النفس فاجرة أو تقية. إلا فالروح بدون البدن لها فجور لها" أهـ



القول الثاني([56]) وهو مخصوص قال الحسن البصري: هي النفس المؤمنة وأن المؤمن والله لا تراه إلا يلوم نفسه على كل حاله، لأنه يستقصر في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه وأن الفاجر يمضي بما لا يعاتب نفسه.

القول الثالث([57]):

أنها النفس الكافرة وحدها قاله قتادة ومقاتل وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على التفريط في أمر الله.

القول الرابع([58]): قول ابن تيمية:

والأظهر ان المراد نفس الإنسان مطلقاً. فإن نفس كل إنسان لوامة وهذا اللوم قد يكون محموداً أو مذموماً. 1هـ

قال السيد قطب عند قوله تعالى في سورة النجم {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} ومتى انتهى الأمر إلى شهوة النفس وهواها فلن يستقيم أمر ولن يجدي هدى، لأن العلة هنا ليست خفاء الحق ولا ضعف الدليل ثم يقول وهوى النفس ومناها لا يغران ولا يبدلن في الحقائق. إنما يضل الإنسان بهواه ويهلك بمناه وهو أضعف من أن يبدل في طبائع الأشياء وإنما الأمر كله لله يتصرف فيه كما يشاء في الدنيا وفي الآخرة سواء. 1هـ.

وهذه لمحة عن النفس كما تحدث عنها القرآن وهناك آيات كثيرة نورد منها ما يلي على سبيل المثال:

قال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}([59]) إلى آخر الآية.

قال تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}([60]).

قال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ}([61]).

قال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}([62]).

قال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِد}([63]).

قال تعالى: { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً}([64]).

قال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}([65]).

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}([66]).

قال تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً}([67]).

قال تعالى: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}([68]).

قال تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}([69]) إلى آخر الآية. وهذه الآية تحمل في طياتها قاعدة نفسية لا غنى عنها للإنسان ولو نظرنا إليها بتمعن وتمحيص لوجدنا أنها أتت على أبلغ قول يصور حالة النفس وما تطيقه من تحمل فإن خالق النفس يشرع لنا أن لكل نفس طاقة فلا تكلف نفس إلا بحسب مقدرتها وطاقتها وذلك في القواعد النفسية التي لو أخذنا بها لوفقنا وسلمنا من كل تصور غير إسلامي يحاول النيل من أنفسنا وتعليلها بعلل زائف خاطئة.

وقبل أن نختم هذا الباب نذكر ببعض آراء العلماء حول فطرة النفس الإنسانية. نتوقف عند هذه الآيتين في سورة يوسف وسورة الشمس.

يقول سيد قطب في تفسيره عند الآية 23 من سورة يوسف ص2004 {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وفي هذه الفقرة الأخيرة تبدأ المرأة المؤمنة متحرجة تبرئ نفسها من خيانة يوسف في غيبته ولكنها تتحفظ فلا تدعي البراءة المطلقة، لأن النفس أمارة بالسوء- إلا من رحم ربي- ثم تعلن ما يدل على إيمانها بالله ولعل ذلك اتبعاً ليوسف- أن ربي لغفور رحيم- 1هـ- وهكذا نرى النفس الإنسانية بين مد وجزر بين نفس صالحة وطالحة نفس المؤمن تلومه وتدفعه إلى الخير كما أقرت امرأة العزيز لتعلن الحقيقة كاملة، فتقول امرأة العزيز إذا الآن حصحص الحق. أنا راودته عن نفسه. وأنه لمن الصادقين. وهذه النفس المؤمنة صادقة حتى لو كان الأمر ضدها بعكس النفوس الضالة الغاوية الأمارة بالسوء إذن فلا نقيس حالة المؤمن على حالة الكافر فخلل الدراسات النفسية الهابطة الكافرة ونقيس عليها نفوس المؤمنين تلك هي مفارقة عجيبة أوقفنا فيها اتباع سنن من كان قبلنا وأعني اتباع أحفادهم في هذا العصر الذي بهر المسلمين بتفوق أحفاد اليهود والنصارى في الحضارة الغربية في كل مجال إلا مجال الدين والقيم فهم في الحضيض فكيف نقتدي بهم وهم يدسون السم الناقع والمدقع للمسلمين أعياناً وبياناً في وضوح النهار فكيف يغلفونه باسم الفكر وهو التهور والانحدار بذاته.

وقال محمود الآلوسي البغدادي في تفسيره روح المعاني ص73 المجلد السابع في الآية السابعة من سورة يوسف آية رقم 53 إشارة إلى أن النفس بطبعها كثيرة الميل إلى الشهوات، قال أبو حفص " النفس ظلمة وسراجها التوفيق فمن لم يصحبه التوفيق كان في ظلمة قد تخفي دسائس النفس إلى حيث تأمر بخير وتضم فيه شراً ولا يفطن له إلا اللوزعي مخالف النفس والشيطان وأعصهما.. وإنهما محضاك النصح فاتهم وذكر بعض السادة أن النفس تترقى بواسطة المجاهدة والرياضة في مرتبة كونها أمارة إلى مرتبة أخرى من كونها لوامة ومرضية ومطمئنة وغير ذلك وجعلوا لها كل مرتبة ذكراً مخصوصاً وأطنبوا في ذلك فليرجع إليه- 1هـ-.

يراجع تفسير الظلال وآية {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} المجلد الخامس عشر من تفسير روح المعاني لمحمود الآلوسي ص36-39.

(ونفس وماسوها) الآية التي أنشأها وأبدعها مستعدة لكمالها. وذلك بتعديل أعضائها وقواها الظاهرة والباطنة ..إلخ- هذه الدراسة التي أعطت النفس الإنسانية مالها وما عليها لأن الدراسة النابعة من القرآن الكريم هي التي تمحص وتظهر الحق من الباطل.

عذب صافي فكيف نروي ظمأنا وهيا منا المنبع الفاسد والذي هو كملح أجاج فجاج عسيره وجرفٍ منهمر ألا وهي دراسات الغرب عن الإنسان والنفس الإنسانية ومن لا يصدق فليرجع إلى دراسات سيد قطب ومحمد قطب عن الغرب منها الكتب التالية في تفسير ظلال القرآن لسيد قطب ومنهج التربية الإسلامية. ودراسات في النفس الإنسانية كلاهما لمحمد قطب.

وقال القرطبي في المجلد العشرون في تفسيره سورة الفجر فألهمها أي عرفها كذا روى بن نجيع عن مجاهد أي عرفها طريق الفجور والتقوى. وقاله ابن عباس وعن مجاهد أيضاً: عرفها الطاعة والمعصية، وعن محمد بن كعب قال "إذا أراد الله عز وجل بعبده خيراً ألهمه الخير فعلم به، وإذا أراد به السوء ألهمه الشر فعمل به وقال الفراء "فألهمهـا" عرفهما طريق الخير وطريق الشر، كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وروى الضحاك عن ابن عباس قال: ألهم المؤمن المتقي تقواه وألهم الفاجر فجوره، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ بهذه الآية {فألهمها فجورها وتقواها} رفع صوته بها وقال اللهم آتِ نفسي تقواها أنت وليها ومولها وأنت خير من زكاها...إلخ.

يقول الأستاذ عمر عوده الخطيب([70]) ما نصه (تنحرف نفس الإنسان عن الهدى فتغرق في ظلمة الجهل والتناقض والكبرياء وتستبد بها الأهواء وتبهرها المتع الزائلة وتستبد بها الشهوات العاملة فإنها تنفك بذلك عن روح الفطرة الطيبة فيغمرها ركام الشرك الذي يطمس بصيرتها ويدنس طبيعتها ويشوه فطرتها.

ثم ذكر قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ}([71]).

نعم أن الإنسان إذا خلى من الإيمان يكون ضائعاً ممزق النفس حائر يتيه في متاهات مظلمة حالكة الظلمة بدون عقل أو بصيرة هادية مرشدة إلى طريق الفلاح والقرآن صور النفس الإنسانية في كلا حالتيها حالة اليأس والفرح حالة الإيمان وحالة الكفران فالآية السابقة الذكر أوضحت كل الأشياء التي يمر بها الإنسان. وقد قال الأستاذ عمر عوده الخطيب([72]) بعد أن ذكر الآية السابقة معلقاً عليها (فما أعجب هذا الإنسان حين يتحول إذا فقد الإيمان من خائف ضعيف مرتعد الفرائص وجل القلب ممزق النفس في قبضة الأزمات مغرور مظلم النفس محطم الضمير ثم يضيف([73]) بعد أن ذكر قوله تعالى {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}([74]) إن النفس المنحرفة الضالة لا تستوي حالاً ومالاً ومظهراً ومخبراً مع النفس السوية القويمة حين يملأ الإيمان وجوهها هدى الله. أهـ

ونحن إذا تتبعنا القرآن وجدنا فيه آيات كثيرة تعرضت لحالة الإنسان وما يلزم نفسه من خلجات ومشاعر وهموم وحيرة من فوح ويأس ومن غرور وكبرياء وصور النفس في كل حال من أحوالها حين تمردها وحين يتغطرس الإنسان ويتكبر عن الحقائق الناصعة الواضحة ويبلغ به الصلف مبلغ الجدال في الله بغير علم وهذه الأفكار والأيدلوجيات والنظريات المضللة والمذاهب المنحرفة ما هي إلا نوع من المجادلة بغير علم وما هي إلا اتباع الشيطان والهوى أو لشيطان النفس قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ. كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}([75]).

ويقول عمر عوده الخطيب([76]) (ولذا فإن البشر حين يحاولون معرفة الحقيقة في غير هذا المنهج الرباني العظيم لا يخرجون بغير أخلاط من الآراء المضطربة والنظريات المتعارضة ولا ينتهون بعد بحوث طويلة ودراسات معقدة إلا إلى متاهات الفلسفة وركامها العجيب ولا يكون التصور الناتج عن هذا إلا تصوراً ناقصاً محدوداً لا يصلح معه التصدي لمحاولة تنظيم الحياة الإنسانية ووضع المنهاج لها لا تدركه العقول البشرية مهما بلغت من الذكاء والعمق في التفكير واتساع المعرفة لا يمكن أن يبلغ حد ادعاء القدرة على اكتشاف الحقيقة الإنسانية وليس يزعم مثل هذا الادعاء إلا من سيطر عليه الغرور واستبدت به عقدة الكبرياء([77]).

وقال في ص97 متحدثاً عن الفطرة الإنسانية وما يجوس في أعماق النفس الإنسانية على ضوء القرآن قال ما نصه (في ضوء هذه الحقيقة تتجلى لنا في منهج الهدى الرباني حقيقة هذا الإنسان بسمات حسه وخطرات نفسه ومطالب جسمه وأشواق روحه ويتضح ما ركب عليه في أصل الفطر من ميول ورغبات وما يتحرك في داخله بطبيعة التكوين إلخ أهـ.

وبعد أن تحدثنا عن الفطرة النفسية للإنسان كما يراها القرآن نستعرض بعض الآراء القديمة والحديثة حول الفطرة فقد اختلفت الآراء كثيراً وتشعبت حول الفطرة التي جبل عليها الإنسان يقول على حسن العماري في مقالة له بعنوان القرآن والنفس البشرية([78]) (يقول ذهب فريق كبير من العلماء ومنهم الفيلسوف اليوناني (سقراط) أي أن الفطرة خير ونفس الطفل في نظر سقراط وعاء لكل كمال.

وذهب فريق ومنهم أفلاطون إلى أن الفطرة شر والنفس في نظره هبطت إلى العالم المادي من عالمها الروحي للابتلاء والاختيار وهي لا تطهر إلا بالرياضة والمجاهدة وعلى هذا الرأي كثيراً من شعرائنا المتشائمين أمثال أبي العلاء المعري الذي يقول:

ونحن في عالم صيغت أوائله

على الفساد ففي قـولنا فسدوا

ويقول أيضاً: والشر في الجسد القديم غريزة

فكبل نفسه من عرق ضارب

هذا رأي بعض الشعراء وهناك رأي آخر يتحدث عن فطرة نفس الإنسان وأن كان أقل تشاؤما ([79]).

قال المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فأن

تجد ذاعفه فلعله لا يظـلم

وإذا تتبعنا([80]) العلماء الشرقيين والغربيين منهم وجدنا أن معظمهم متفقون على رأي واحد وهو أن الفطرة مستعدة للخير وللشر ومن هؤلاء أفلاطون الذي يرى أن من الطبائع ما يميل إلى الشر ميلاً شديداً أو منها ما هو على عكس ذلك ميال إلى الخير من تلقاء نفسه وأن الله عز وجل لم يسوي بين الناس في الميول فيما قدر عليهم من ميول- ورأى الغزالي([81]) ما نصه قال العماري (وقد اضطرب رأي الغزالي فرأى في موضع من كتبه أن الإنسان ولد قابلاً للخير والشر ورأى في موضع آخر أن الإنسان ولد قابلاً للخير والشر ورأى في موضع ثالث أن الإنسان ولد وفي طبيعته الشر.

وقد ذكر أن ميل الإنسان إلى الحكمة وحب الله ومعرفته وعبادته هو مقتضى طبعه أي كالميل إلى الطعام والشراب. وأن ميله إلى السوء والقبائح غريب عليه خارج عن طبعه إلخ.

ورأي حول هذا الموضوع أن الإنسان أي الطفل ميال للخير بدليل الحديث الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه "أن والدي الطفل يهودانه وينصرانه ويمجسانه".

والفطرة هي الإسلام- وقال تعالى {وهديناه النجدين} والهداية هنا إرشاده إلى الطريقين وبما له من عقل وبصيرة وبما أعطاه الله من حواس ودركه وميزه للخير والشر وهو بنفسه الذي يختار أي الطريقين يسلك.

والفلاسفة الغربيين أخطأوا عندما ذهبوا إلى أن الطفل ليس له حياة أدبية وأن فطرته لا تتناسب لا إلى الخير أو الشر([82]).

والقرآن مليء بالآيات التي تدل على سلامة الفطرة عند الإنسان قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}([83]) وهذه الآية تؤيد الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) أو كما قال.

وهناك حديث آخر يثبت لنا على صفاء النفوس وفطرتها على الإسلام ففي الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه "كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين فأمروهم أن يشركوا بي" ومن هنا يتضح لنا زيف كل ما ذهبت إليه النظريات الهدامة من أن الإنسان ليس له صلة بالأخلاق بل يكبت أو هو ميال للشر دوماً وبعد هذا الإيضاح لأسرار النفس وفطرتها بعد أن غصنا في أعماقها وكينونيتها ونواميسها وتفيأنا بظلال القرآن وسلكنا المنهج القويم المنهج الرباني والمنهج النبوي ليوصلنا إلى أعماق أغوار النفس السحيقة فوصلنا إلى الرأي القويم والطريق المستقيم وابتعدنا عن الطريقة الشائكة التي لوث بها علماء الغرب النفس الإنسانية وأغرقونا في متاهات مظلمة ليس تحتها طائل ولست أدعى في هذه العجالة السريعة أني استقصيت الموضوع ولكن عسى الفكرة التي تحدثت عنها وضحت بعض الشيء


 
 توقيع : السوقي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس