عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 02-26-2010, 10:00 PM
اليعقوبي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل : Feb 2009
 فترة الأقامة : 5555 يوم
 أخر زيارة : 07-20-2020 (12:54 AM)
 المشاركات : 668 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : اليعقوبي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
المولد النبوي: بين جفاء المحبين، وغلواء المتبعين



مولد سيد المرسلين
بين جفاء المحبين... وغلواء المتبعين.
بسم الله الرحمن الرحيم

· إنه موسم عظيم في قلب مسلم، بل يجب أن يكون عيد الإنسانية لو لا أن التعييد تعبدي..
· في مثل هذه الأيام من كل سنة يستعير ضرام الجدل، وتحتد أسنة لهب المناقشات والردود، وتتصادم سهام الاتجاهات المعاكسة والمشاكسة... وتكون أمور لها مبررات ودواع ومسوغات، وأخرى لا لها من ذلك أزمّة ولا خطام، معارك يلهبها بنو بجداتها ومحككوها ومرجبوها وبنو جلائها.. جنبا إلى جنب مع من لا ناقة له ولا جمل ، ولا سيف له ولا رمح ولا مدية له ولا ظفر ... ولا يدي له بشيئ من شأنها...
· في كل سنة يحتفل جماهير كثيرة من العالم الإسلامي بما يسمونه عيد مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
· في كل سنة تستعيد الطائفتان: المبيحة والحاظرة للمولد ــ شريط الرأي والرأي الآخر مع مصادرة من كلا الجانبين لحقوق الآخر، واستدلالات من كلا الفريقين فقيرة محتاجة معدمة في حساب الموضوعية.
أقتضب: بدعة المولد: بدعة ... وأبدع منها: مولد البدعة... ومن هذا التعقيد أتخلص من عقدة الإلف المنهجي، وأنحل من عرى التبعية الطائفية ... معتصما بحبل أدلة الوحيين: النور والحكمة، وأعرض وجهة نظر لا أدعي عليها براعة اختراع، ولا أخطب من خلالها بنات أولاء ولا أولئك.
رجوع أخطب إلى القارئ الكريم: قراءة هادئة، وتأملا مجردا، وتأنيا وثباتا، لا تنشغل بتصنيفي عن إنصافي، ولا تستطرد بالدفاع عن انتمائك إلى قراءة دوافعي(رويدا.. قدك.. لا إله إلا الله .. مهلا ... رفقا).
إلى الذين يرفعون راية اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وينتهجون سبيل الاعتدال، وينهون وينأون عن الغلو فيه، ثم تغلو طائفة منهم في (المولد) وهم في نفس الوقت يتهمون الآخرين بالغلو في المصطفى صلى الله عليه وسلم!!!
إلى الذين يرفعون راية حب النبي صلى الله عليه وسلم، ويلهثون ويلهجون بمدحه والثناء عليه، ويتهمون خصومهم بجفائه صلى الله عليه وسلم، ثم تستطرد طوائفهم في حبه حتى الثمالة ويمرّ عليهم مولده ويحتفلون بأنفسهم وينسونه ويدعونه ويتركونه!!!
إلى الأحباب المتمدحين، وإلى المتبعين المعتدلين، وإلى الفريقين المسلمين أتقدم بعرض لهذه المسألة بطريقة لا أدعي عليها براعة الاختراع بقدر ما أعتقد فيها الصلاحية لأن تكون منهجا صحيحا يوطئ للفهم المستقل لمسائل خلاف أمتنا الإسلامية التي هي أولى بولائنا من أمهاتنا الطوائفية:
وهذا العرض الذي لا يخالجني خجل في التنويه به والدعوة إليه والصبر على الأذى في ذلك: لا يتم فهمه بطريقة صحيحة إلا بما خطبت منك ثم بتصور المسألة بطريقة أخرى (لا تتعجل تصنيفها): وهذا التصور سأقربه بما يلي:
· تصوير طبيعة المسألة...
· ثم نوع الخلاف فيها...
· ثم حسن الاستدلال لها، أو عليها...
· ثم مآلها بعيدا عن اسمها والهدف منها...
وإذا تابعت معي القراءة بشروط الموضوعية المخطوبة منك: فلن تختلف معي في النتيجة التي قادني إليها هذا التصور الذي أدعوك إلى تفهمه (على الأقل)، وهذه النتيجة تتكون من ثلاث دعوات:
الدعوة الأولى: للأحبة... كونوا أتباعا... ولا تجفوا، فلستم غلاة.
الدعوة الثانية: للأتباع كونوا أحبة... ولا تغلوا، فلستم جفاة.
الدعوة الثالثة: للدعاة... ادعوا إلى الله وحده... كما تدعون الله وحده... وتدعون إلى دعاء الله وحده.
وأخيرا يا أهل القرآن تعالوا إلى كلمة سواء... دعوة لجميع المسلمين.
الإضاءة الأولى: طبيعة مسألة الاحتفال بالمولد: هي من نوازل العبادات ، وهذا التصور يسلط الضوء على ثلاث حقائق يجب أن تكون حاضرة في الذهن، بل ويجب ترتيب آثار حضورها، وتوظيفها إيجابا لا سلبا، يعني في فهم المسألة وليس في دحر الخصم فقط، وهي:
1) الاحتفال بالمولد مظهر من مظاهر العبادات، وليس من العادات ولا من المعاملات، وهذا وحده لا يقطع حبال الخلاف، لكنه يجب أن يوجهه إلى جهة ما، وهذا ما لم يقع، بل بقي معلقا في سماء الانبغاء(إن كان موجودا) فعلا في الخارج لغة..
2) ليس الاحتفال بالمولد النبوي من مفردات قاموس مسائل (القرآن والسنة) التي دلا عليها سلبا وإيجابا دلالة تفيد في حسم الخلاف.
3) ليس الاحتفال بالمولد النبوي ضمن اهتمامات النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين، ولا أبو حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد ... وهذا لا يغني شيئا في حسم الخلاف، لكنه يعني شيئا (لم يُعْن) به في سياق الاستدلال والحوار والنقاش.
الإضاءة الثانية: نوع الخلاف في مسالة المولد: الخلاف في هذه المسألة فرعي، وليس من مسائل أصول الدين: وهذا التصور يسلط الضوء على أربع حقائق نحتاج لاستدعائها عند التعامل مع الخلاف فيها، قبل أن نستغله في تسويغها أو التهوين من شأنها، وهذه الحقائق هي:
1) ليس كل القائلين بالمولد من الخارجين عن السنة، ولا الموصوفين بالبدعة، وإن كان هو بدعة عند جماهير جمة من العلماء.
2) القول بالاحتفال المولد ليس من ذوات أنواط الولاء والبراء، بمعنى أننا لا يجب أن نجعل القول في هذه المسألة معيارا للموالاة والمعاداة، كإحدى كبر أصول الدين.
3) من اللحن الفاحش في فقه الدعوة إلى الله تعالى: أن نجر بالخلاف في هذه المسألة أفعالا تفرق الشمل والكلمة، من تباغضوا وتبادروا وتقاطعوا وأخواتها... ألم تر أن الشارع جزمها بـ(لا الناهية)، ولا نتعدى بها قدرها، أو نقفز إليها ونترك طوام أعظم منها: كالشرك بالله تعالى المجمع عليه.
الإضاءة الثالثة: الموضوعية في الاستدلال لجواز الاحتفال بالمولد النبوي، أو لمنعه: فرغم قدم هذه المسألة (النسبي)، واحتدام الجدل حولها منذ ألف عام تقريبا، إلا أني لاحظت أن عامة المنتصرين لها والمناوئين لهم يسدلون بأدلة قد تستغرب صدورها من عظماء المنظرين لأوجه الاستدلال وطريقته، ومن حفاظ الأدلة وحماتها...
وكي لا أخرج عن مساري الذي رسمته لنفسي، فإني بدل حشر حشود الأدلة التي أستغرب من عدم موضوعيتها ــ أذكر أقوى ما استدل به الفريقان من جهتي الاستدلال:
فأقوى ما استدل به المبيحون حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه" أخرجه مسلم. فاستدلوا بذلك على الاحتفال بمولد النبي صلى الله وسلم قياسا على صيامه ليوم ميلاده بجامع التعظيم.
وأقوى ما استدل به المانعون أحاديث النهي عن التشبه بالكفار عموما وبأهل الكتاب خصوصا، ومعلوم أن النصارى كانوا يحتفلون بمولد عيسى عليه السلام، ومنهم سرى إلينا هذا التعبد المظهري.
وفي هذا الصدد يهمني رأيي في هذه المسألة؛ لأنه مدعوم بالموضوعية حسبما أدعي.
والجواب عن القياس المذكور:
‌أ) أن هذا القياس مقابل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا العمل، حيث إنه نهى عن التشبه باليهود والنصارى، ولا شك أن هذا التشبه يتناول بالدرجة الأولى التعبديات، ولا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي تعبد، ولا شك أنه تشبه بالكفار من وجوه، منها الأصل والاسم والمضمون:
1) أما الأصل فلا شك أن الأجيال الأولى من هذه الأمة لم تعرف هذا العمل ولم تعمله، فدل على أنه من وحي المجتمع والجوار مع النصارى، لا من فرط المحبة ولا من كثرة العلم والعلم.
2) التسمية: فالنصارى سمّوه عيدا ونحن سمّيناه عيدا، وأنت تعلم أن الأعياد تعبدية.
3) المضمون: أن كثيرا من عادات النصارى في أعيادهم هي نفس الطقوس التي يمارسها كثير من المسلمين في المولد، منها الشموع قديما واللمبات حديثا، والمطاعم، والغناء والحفلات والرقص، والأغاني والمدائح، وجعله عطلة.
‌ب) أن قياسه: أن يصام هذا اليوم أو يقام، أو يختم فيه القرآن، سواء كان يوم اثنين أم لا، أما أن يكون ثالث الفطر والأضحى فذلك أمر آخر.
‌ج) أن العلة تعظيم الله وحرماته وشعائره التي منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتحقق بالاجتماع والأكل والإنشاد والأصوات الجميلة...
قال الحافظ ابن رجب: ".. ولكن الأيام التي يحدث فيها حوادث من نعم الله على عباده لو صامها بعض الناس شكرا من غير اتخاذها عيدا كان حسنا استدلالا بصيام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء لما أخبره اليهود بصيام موسى له شكرا ، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صيام يوم الاثنين ، قال : " ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه " فأما الأعياد التي يجتمع عليه الناس فلا يتجاوز بها ما شرعه الله لرسوله وشرعه الرسول لأمته" ( فتح الباري ـ لابن رجب 1 / 159).
الإضاءة الرابعة: فقه مآل هذه المسألة: وهذا من الملامح الفقهية التي يجب على الفقيه الاهتمام بها في الفتوى بل وفي القضاء، وأول من عمل بذلك عمر بن الخطاب رضي الله لما منع أبا هريرة من تبليغ الناس ما أرسله به رسوله صلى الله عليه وسلم خشية أن يتكلوا، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أمضى ثلاث الطلاق خشية لما رأى الناس توسعوا في ذلك، وقريب من هذا أصل بعض العلماء منهم مالك أن السنة إذا صارت شعار الفساق فإنها لا يعمل بها كلبس الخاتم، وتطويل الشعر، والاكتحال.
إذا اتفقت معي على أن المولد (إن جاز) لا يكون واجبا إنما يكون بمثابة صوم يوم الاثنين مثلا (سنة)، فإن كان سنة وعلمنا أن العمل بهذه السنة يتخلله خلاف الأولى أو مكروه أو معصية أو كبيرة أو شرك ــ فلا أشك أنك لن تجعل الدعوة إلى المولد الذي وصفه مئنة من الفقه (على الأقل).
هذا جانب من الفقه في هذه الإضاءة، والجانب الثاني تصور ما يحدث في المواليد.. فمن ذلك:
1) الاستغاثة بغير الله ودعاء غيره والتعلق به تعلق العابد بالمألوه، وهذا وإن كان هناك من لا يعتبره شركا، فليس من الورع ولا من الاحتياط في الدين اقتراف أمر نقل إجماع كثير من العلماء على أنه ردة عن الإسلام.
2) الأغاني والرقص والتطبيل والوجد والسماع، ولن تعدم من يفتي بطرة تبيح له شيئا من ذلك، لكن لا شك أنك لا تستطيع أن تدخل قرون ذلك في باب التعظيم والحب لله ورسوله إلا بمصادرة الموضوعية فأنت حرّ.
3) الاختلاط والسهرات الحمراء والخضراء والصفراء والشقراء وما يستحيى من ذكره في صحيفة ملؤها صلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه الأمور لا أجعلها مناطا ولا علة لتحريم المولد؛ فإن هناك موالد شاذة لا يكون فيها شيئ مما ذكر، لكن أقول إذا علمنا أن أغلب المواليد لا تخلو منها، فإن الواجب سد ذرائع المواليد، ولو ورد فيها أثر أن عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ومالك بن أنس يفعلونه، ونقول: ما قالت امرأة الزبير ابن العوام: فسد الزمان، ونترك المولد كما تركت حضور الجماعة، وكان عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن يحضرن معه الفجر فينقلبن ولا يعرفن من شدة الغلس.
4) أمور ليست حراما لكنها إذا علمنا أنها مآل الشيئ فلا يمكن أن نقيسه على السنن كالصوم والصلاة، منها:
o المدائح النبوية: من المعلوم أننا لا نتعبد الله تعالى بألفاظ صحيح البخاري وتلاوته، فكيف نتعبده بالشعر، ويصدنا عما هو أولى....
اهدأ قليلا أخي القائل بالمولد، وقارن بين بيت مكتوب عليه بلافتة أو بدونها: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بدافع من حب وتعظيم له لا أشكك فيهما، لكن لما ذا نصدف عن النجم والقلم والضحى والشرح إلى قول الشاعر:

كيف ترقى رقيك الأنبياء***يا سماء ما طاولتها سماء


لم يدانوك في علاك وقدحا***ل سنا منك دونهم وسناء

وأنا كشاعر أعتبر هذه الأبيات هجاء للأنبياء أكثر منها مدحا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولعل مثل هذا السياق هو مورد حديث النهي عن تفضيله على يونس بن متّى.
o الأكل والشرب ولبس الجديد: هذه أمور مباحة لا إشكال فيها لكن قياسها على الصوم ووضعها في موضعها، وجعلها ترجمان التعظيم والمحبة فيه توسع.
o اجتماع الناس: هذا عمل اجتماعي، أكثر منه محبة وتعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه الأشياء المذكورة لا أذمها ولا أمدحها لذاتها، لكن ليس من الموضوعية أن نقدمها كعنوان لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه.
وإلى هنا أنتهي ... وللحديث بقية أقدم فيها الرسائل المذكورة إلى أهلها.. والله ولي التوفيق.



 توقيع : اليعقوبي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


آخر تعديل اليعقوبي يوم 02-26-2010 في 10:49 PM.
رد مع اقتباس