عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2014, 08:26 AM   #22
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تثقيف اللُّسَن بأخبار ومآثر إمزغيرسن



قبيلة إمز غيرسن: في ولادة جديدة رجالا وقوة ودولة

هذا فإن الله ذا أراد شيئا هيأ أسبابه.
لذا فإن معركة الإبادة ما دامت ما طالت إبادتها الأطفال الذكور، الذين بقوا بقاء أيتام، بقي الأمل بهم أملا براقا...
أما الرجال فلم يبق رجل بالغ في قبيلتهم ـ قبيلة إمز غيرسن ـ على قيد الحياة، بعد معركة الإبادة الماكرة تلك...
فأصبح على قبيلة إمز غيسرن يوم أسود، يوم افتقد فيه إلى رجل منهم يقوم بلم شمل القبيلة مرة أخرى، ورعاية نسائها وأطفالها، ولم يوجد...
لكن الله تعالى لطف بلطفه الخفي على هذه القبيلة ـ قبيلة إمز غيرسن، خاصة في القيام بشئون احتضان أيتامها برعاية كريمة بارة...
إذ قامت ـ بتلك المهمة على كفاءة عالية وجدارة تامة ـ جهة السيد إنتقاد ـ رحم الله الجميع ـ كما أخبرني به الراويتان السيد ابن زياد، والسيد ابن سعدن ـ حفظهما الله تعالى ـ قالا ما ملخصه:
وأما من جهة أيتامهم فقد قام السيد إنتقاد بعد زوال سيادته، وزوال سيادة حلفائه رجالات إمزغيرسن، بعد مقتلتهم، فقام السيد انتقاد برعاية أيتام حلفائه ـ إمز غيرسن.
قلت: وما زال إلى اليوم في لسان رواتهم تلك الرعاية يذكرونها ببعض صفاتها المذكورة المشكورة باسم: (أَرَوَيْ، أو أَلِوى وانِنْتِقّاد)، أو كما أثر.
أي: أن ذلك المأكل هو نوع طعام ممنهج صفة ووقتا يجهز كغذاء يتغذى به أولئكم الأيتام برا بهم...
ومضى الراويتان في قولهما: وهكذا الحال برعية السيد انتقاد أيتام إمز غيرسن، إلى أن بلغ أيتام إمزغيرسن مبلغ الرجال، واشتد ساعدهم...
وكان من حالة الأيتام من حين البلوغ أن قاموا بتدريب أنفسهم تدريب المقاتل التقليدي الطارقي، المعروفة لدى قبائل إموشاغ وقتئذ...
فتدربوا على أنواع القتال على أصول قبائل إموشاغ، ومن سار على سيرها في القتال التقليدي استعدادا لمواجهة قوة السيد أقزام وحلفائه، من سقطت دولتهم بمكيدته المحكمة التدابير...
وكان ممارستهم للأعمال القتالية من تداريب، وما في معناها يمارسونها في مكان بعيد عن الأنظار، إلى أن آنسوا من أنفسهم كفاءة قتالية ذاتا وعتادا، عند ذلك أجمعوا أمرهم إلى تحقيق هدفهم، وهو استرجاع ملك قبليتهم سيادة، ورفع مقامها اجتماعا...
فجاءوا إلى الراعي لهم السيد انتقاد، فأخبروه بنواياهم الحربية ضد قريبه السيد أقزام، فلما رأى عزمهم، وأهليتهم على ذلك...
قام ناصحا أمينا لهم في إرشادهم أن يذهبوا ويأتوا برمز سيادة قبيلتهم(الطبل) من السيد أقزام فقط، على أن من لم يتعرض لهم بالقتال فلا يتعرضوا له بالقتال...
عند ذلك قاموا بتنفيذ وصية السيد انتقاد لهم، من أحسن إليهم بالرعاية الكريمة التامة، فذهبوا إلى محيط السيد أقزام، بل أتوه في سيادته، فأخذوا من سيادته رمز سيادتهم(الطبل)، وهو رمز سيادة كانت قبيلة إمزغيرسن تتمتع به قبل معركة الإبادة الماكرة.
هذا فإنهم قاموا بأخذ ذلك الرمز من سيادة السيد أقزام، ووضعوه وضع إعزاز ووفاء عند السيد انتقاد نفسه جزاء وفاقا وتقديرا لدوره الكبير في رعايته لهم، فقاموا بوضع رمز سيادتهم بين يديه مقابل رعايته الكريمة لهم من حين طفولتهم إلى حين بلوغهم الأشد...
فقدموا رمز سيادتهم بعد مخاطرتهم عليه رفعوه إلى مقام السيد انتقاد هدية كأثمن وأغلى وأعلى وأندر مكافئة يمتلكونها تقدم من قبلهم بين يدي السيد انتقاد ـ رحمه الله تعالى...
هذا وكان رمز سيادة إمزغيرسن عند جهة السيد إنتقاد إلى دخول النصارى أفق صحرائنا الغالي.
وزاد لي السيد محمد بن محمد إبراهيم بن سعدنْ بن تُويْتُويْ عمدة النقل الثاني: أن رمز سيادتهم ذلك بقي رمزا سياديا للسيد إنتقاد على محيط قومه من تلك السيادة التي منحها له ذراري إمزغيرسن الذين رعاهم زمن يتمهم بعد معركة إبادة أصولهم، فأصبح السيد إنتقاد سيدا على من في محيطه بمنح سيادتهم له كما أصبح سيد قوم ابن عمه وقربيه السيد أقزام بعد زوال سيادته...
هذا وإلى اليوم هو رمز سيادة بقي في عقب السيد انتقاد على من في محيطه دهرا دهرا وإلى اليوم.
قلت: إن ما تقدم آنفا فيه من الدروس التاريخية الكبرى الجليلة:
· سرعة استرداد سيادة إمز غيرسن بحيث أنهم أسقط سيادة من أسقط سيادتهم في وقت تعدى ما يسمى الرقم القياسي، لأن مرحلة بلوغ الأيتام مرحلة يعطي القوة المحتلة قوة نفوذ واسع، وامتلاك قدرة كافية عسكريا هجوما، ودفاعا، ويقظة...
وهذا إن دل دل على أمر، لعله دبر بليل، إذ لا يبعد أن يكون مدبره هو السيد انتقاد نفسه، المنزوع السيادة بمعركة الإبادة.
فيكون السيد انتقاد هو الذي أمد أيتام إمز غيرسن بكافة ما يمتلكه من خبرة وقوة وعتاد، ليسترد سلطته من قريبه السيد أقزام، كما تحقق ـ رحمهما الله تعالى.
· وفيما تقدم إشارة أيضا حربية مهمة، وهي من أعمال عسكرية طارقية قديمة كالتدريب التقليدي لدى الطوارق القدامى، خاصة قبائل إموشاغ، القوة القاهرة في المنطقة دهرا دهرا...
فهل هناك من الأعمال العسكرية الطارقية، غير ما عرف باسم(تِيدَمَتِنْ)؟
وهي بالذات ما نوعها من هيئات قتالية، ومن أي آلات يتدرب بها؟
وفي أي سن يبدأ بها لدى قبائل إموشاغ خصوصا، وبقية الطوارق عموما؟
وهل هي لا بد من أخذها على مقاتل سابق ماهر بها في مواطن معينة؟
أم ليست هي تعاليم قتالية ممنهجة سنا، ومدربا، ووقتا، ومكانا؟
ومتى عرفت كعمل عسكري لدى قبائل صحرائنا العزيزة؟
وهل انتهت بانتهاء دخول فرنسا لصحرائنا، أم بعد الاستقلال...؟
قلت: وبهذه الرؤى العارضة في عارضةالأحوذي ننتهى إلى التبرك بعرض آية: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِيفِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَاتَعْبُرُونَ}.
هذا ومما ينبغي على كتاب صحائنا التاريخية أن لا يغفلوا مثل هذا وغير من تاريخ تقاليد مجتمعات صحرائنا الغالية، خاصة التقاليد الحسنة نقلا وعقلا، كتقاليد المبارزة والقتال المشروع...
وكل شيء غير مشروع فلا يجوز التساهل بذكره إلا مع بيان مخالفته للشرع، سواء في التقاليد القتالية أم غيرها.
وأحسن بقول الشاعر:
وَلا تَكتُبْ بِكفِّكَ غَيْرَ شَيءٍ***يَسُرُّك في القِيَامَةِ أنْ تَرَاهُ
بل قل وصدق الله إذ يقول:
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ}

· حسن سياسة السيد انتقاد بقومه وبحلفائه أيتام إمز غيرسن، إذ لزم الصمت السيادي، ومضى في رعاية مقاتليه من النشأة إلى بلوغهم الأشد إلى أعمالهم العسكرية، إلى غير ذلك مما يطول استنطاقه تاريخيا...
· براعة خصوصيات سياسة قبائل إموشاغ الاجتماعية وعبرقيتهم الفذة حربا وسلما، وذلك جلي جدا في مواطن كثيرة ومجالات مختلفة، وتعاملات تذكر فتشكر، كبقاء متانة الأخوة الكريمة الجميلة الجليلة بينهم، وعدم إفراطهم في إبادة العدو، إذا غلبوه...
من ذلك أن أيتام إمز غيرسن بإمكان السيد أقزام الذي قتل أصولهم، أن يقتلهم جميعا، خاصة بعد سن المراهقة، إلى البلوغ، إلى ما بعد ذلك...
هذا ولو أراد أن يقتلهم جهارا نهارا لفعلته سلطته ـ بإذن الله تعالى ـ لأنها السلطة القاهرة المسيطرة على من في محيطهم، كما أنه لو أراد أن يقتلهم قتل غيلة لكان ذلك بإمكانه أيضا، ومع ذلك لم يفعله على حكمة بالغة تعيشه قبائل إموشاغ حربا وسلما.
أضف إلى ذلك صنع أيتام إمز غيرسن أنفسهم أيضا بالسيد أقزام ـ رحمه الله تعالى ـ إذ لم يقتلوه هو كذلك تشفيا منه وانتقاما، بل ما أهانوه ولو بأدنى إهانة تذكر، سوى أنهم أخذوا منه رمز سيادته، وسيادتهم، إن ذلك ـ منه ومنهم ـ حقا: لمن خلق السادات ـ الأمراء ـ السلاطين الكبار.

· إلفات نظر، وهي أن ما وقع من حرب معركة الإبادة ليس بين بني آلاد وبين إخوتهم الأشقاء إمز غيرسن، بل ذلك حرب بين سيدين من سادات بني آلاد، وهما السيد أقزام، والسيد إنتقاد، لا غير، فمن قتل بينهما من الأحلاف قتل على أنه قوة للآخر، لا أنه قوة مستقلة اعتدي عليها...
لذا فليست قبيلة إمز غيرسن مستهدفة لدى بني آلاد، ولا بنو آلاد مستهدفون لدى إمز غيرسن، وإنما أحد سادات بني آلاد يستهدف شقيقه من سادات بني آلاد أنفسهم، فرحم الله الجميع رحمة واسعة: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبت.
رأيت التقوى والجود خير تجارة***رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
· إلفتة أخرى، وهي أن هذه القصة من معركة الإبادة إلى هنا، قد حدثنيها أحد الراويتين لها أمام رجل من رجالات: (كل برم ويشقغنن)، وهم قبيلة من قبائل بني آلاد...
هذا فكل من الراوية وذلك السيد يفيد بعضهما بعضا في استذكار القصة...
وكأنهما يتحدثان عن واقعة ليست بهما صلة لا من قريب ولا من بعيد.
قلت: والأمر كذلك لأن القصة تتعلق بسيدين من سادات بني آلاد يقاتل أحدهما بحلفائه الآخر بحلفائه، فيُقتَل أحدهما أو يغلب هو وحلفائه، كما هو شأن التحالفات البشرية في القديم والحديث.
فلأجل ما تقدم بيانه رويتها، وكما سبق سردها من بدايتها إلى هنا، ورد ذكره لسلامة ذكر القصة اجتماعا، وكما هو معروف ما يقع من تحارب أهل القرابة فيما بينها، من أخوة أشقاء أبا وأما، ثم الأقرب فالأقرب...
فالحرب المذكورة في القصة من حروب القرابات بحلفاء كل سيد من السيدين، فحلفاء القرابتين لا يلحقهم تبعات المعركة ملاحقة تاريخية تصنفهم تصنيف الأعداء المستقلين.
قلت: ومن الفوارق اللطيفة في معرض ذكر ما يقع بين القرابتين القريبتين من جهة التاريخ، دون الأبعد قرابة، كقبيلة بقبيلة أخرى يجتمعون في جامع بعيد...
أن حالة القرابة القريبة يؤمن معها الانفلات العدائي أكثر مما يؤمن من انفلات الأبعد فالأبع، لما سيأتي مبثوثه عن قريب ـ بإذن الله تعالى.
لذا فعلى سبيل المثال النقلي في معرض الفروق الآنفة الذكر: قصة قابل وهابل، فإنها قصة ذكرت بالتفصيل، في غير ما موضع، منه ـ بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {واتل عَلَيْهِم نبأ ابْني آدم بِالْحَقِّ إِذْ قربا قرباناً فَتقبل من أَحدهمَا وَلم يتَقَبَّل من الآخر} الْآيَة.

فذكرا ذكر التفصيل تاريخيا، في مواضع من الذكر الحكيم دون إشارة لحكم بالغة، منها ـ والعلم عند الله ـ: أنها قضية أسرية فردية ماتت بموت أربابها الأشقاء...
فالحمد لله القائل: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

هذا بخلاف القبائل فيما بينها ذات قرابة فضلا عن غيرها، فإن شرها مستطير كلما ذكرت فتنهم فيما بينها، لقلة الرشد في أفراد كل قبيلة، بخلاف ما يقع بين فردين في أسرة واحدة، فنادر من بقية الأفراد من يخرج عن الرشد، لأنه إن قتل قريبه وقع كما قال القائل:
يا أقرع بن حابس يا أقرع***إنك إن يصرع أخوك تصرع
لذا تعقل الأسرة ما يقع من ذلك، فتقوم بإحاكم أمر سفهاءها، وتتدارك أخطاءها بالصلح والإصلاح، متكاظمة غيظها، حينا بعد حين لتدفع عن نفسها بذلك شمامة الأعداء...
بخلاف مستوى القبائل فإن ذكر فتنها خطير جدا، وذلك لقة ضبط عقلائها وانضباطهم، فضلا عن إحكام أمر سفهائهم...
لمثل ذلك يعظم خطر ذكر فتنتهم نقلا وعقلا، عظما يجعل ذلك الذكر محظورا لا يجوز، فإن دعت إليه الشريعة ذكرت على حكمة ذكر الله لما وقع بين القبيلتين ـ الأوس والخزرج، إذ لم يذكر ما وقع بينهم ذكر التفصيل، بل ذكره ذكر الإشارة والإيماء، كما قال تعالى: {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا}.
فذكروا في الذكر الحكيم ذكر الإشارة تاريخيا، دون تفصيل لحكم بالغة، منها ـ والعلم عند الله ـ: مبالغة في إماتة الفتنة، إذ ذكر الفتنة ذكر ما يراد به الإحياء، فإن مبتغي ذلك ملعون، كما أثر :(الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها).
وبهذه الاستئناسات انتهى ما يتعلق بموضوع ما نحن بصدده من القصة المتقدمة الذكر موضعا ـ موضعا.
هذا ونسأل الله أن يختم بالصالحات أعمالنا، وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتون.


 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الأسدي ; 09-04-2014 الساعة 12:02 PM

رد مع اقتباس