المعلقة الحادية والسبعون
المعنونة بعنوان
طوق الحواصل ببعض الفوارق بين المواقع ووسائل التواصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأساتذة الأفاضل ـ بارك الله فيكم وفي همومكم الحميدة، وآرائكم البناءة الأكيدة.
إنه مما ينبغي أن لا يخفى على الجميع معنى من معاني قول من قال:
ومن يشتر أثمان المكارم يحمد
لذا فإن إحياء رسالة المواقع الجادة تحتاج إلى بذل المجهود الجاد علما وعملا..
وذلك بأن يبحث الباحث من أرباب المواقع فيها إلى موضوع علمي ديني أو تاريخي..مفيد فيجمعه جمعا ثم ينقحه تنقيحا ثم ينشره دينيا كان أو تاريخيا أو..
فلصعوبة هذا الدور علميا وعمليا..قل من يحيي رسالة المواقع الجادة إلا من توفر ذلك فيه ثم ضحى بشيء من علمه وشيء من وقته لهدف سام عنده يجعله مثالا حيا لقول من قال:
تلك آثارنا تدل علينا***فانظروا بعدن إلى الآثار
هذا فالمواقع الجادة كتابها مثل المصنفين بكل معاني الكلمة..كل ينبغي عليه أن يراعي ذلك ـ في كل موضوع يراه مفيدا ـ مستحضرا حقائق قول من قال:
وما مِنْ كاتبٍ إلاَّ سَيفْني***ويُبْقِي الدَّهرُ ما كتبتْ يَداَهُ
فلا تكْتُبْ بكفِّك غيرَ شيٍء***يَسُرُّكِ فيِ القيامةِ أنْ تراهُ
هذا فلما قل من يراعي ذلك كثر ترك المشاركات الجادة في المواقع الجادة إذ مواقع العقلاء يقل العبث بالوقت فيها بما لا ينبغي أو مما لا يعني..من مداخلات قليلة الجدوى متوالية متتالية..وتبريكات متكررة..وتشكرات..وثناءات..وإعجابات..وتمجيدات..لا أساس لها كأساس معتبر نقلا وعقلا تبنى عليها سوى فضول القول غالبا..هذا فقل مثل ذلك عن جهة ما تتداوله وسائل التواصل من موضوعات مقتبسة مرتجلة تنشر بين لحظة وأخرى غير جادة..مما لا طائل تحتها غالبا..بل هي من فضول الخواطر أيضا التي ينشرها غالبا من يعبث بوقته ووقت مثله..يحيون معنى من معاني اللغو المحض..الذي ينبغي أن من قدر له الوقوف عليه أن لا يضيف إليه لغوا آخر امتثالا لتعاليم قوله تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}
هذا ويتحتم البعد عن اللغو على كل عاقل فضلا عن ذي دين كما في تعاليم قوله تعالى أيضا: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ}
وعلى كل حال فإن العقلاء الفضلاء فضلا أهل الديانة ما ينبغي عليهم أن يعبثوا بوقتهم في مثل ما أقل أحواله أن يكون لغوا في الكثير الغالب..لذا قل ذلك اللغو في مثل مواقع العقلاء فضلا عن مواقع فضلاء العقلاء النبلاء أولي الديانة..
فمثل ذلك اللغو محله أن يذكر وينشر في وسائل التواصل التي هي مرتع من مراتع من يختلط عليه: الحابل والنبل. ممن هب ودب رجالا ونساء كبارا وصغارا فيحيون معنى واضحا من معاني: حاطب ليل. فيما ينشرونه بينهم في وسائلهم التواصلية ـ إلا من رحم الله وقليل ما هم.
وكأنهم نسوا أو تناسوا تعاليم قوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}.
قلت: وعلى ذلك ورد قول من قال:
وكُلُّ امرِئٍ يَوماً سَيعْلَمُ سَعْيهُ***إذا حُصِّلتْ عِنْدَ الإلهِ الحَواصِلُ
الخلاصة
فإن القول فيها أن وسائل التواصل: النشر فيها سهل باعتبار الإشارة السابقة..
هذا وكان مما شجع الركب إلى ضرب أكباد أزرار ألواح المفاتيح في ذلك هو قتل الوقت الغالي النفيس بآلة الفراغ الحاد..أو عدم وجود أو رسم الهدف الجاد..
إذ المثل يقول: النفس إذا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
قلت: وكذلك قل قياسا: النفس إذا لم تحملها إلى ما يفيد حملتك إلى ما لا يفيد.
إذ الكتابة في المواقع الجادة هي كتابة جادة نافعة في الحال والمآل دينية كانت أو تاريخية اشتغل بمثلها الأوائل والأواخر..وأما ما سوى ذلك فإن كان في الوقت نفسه يرى كاتبه أنه مفيد بالنسبة له ولمن يكاتبه في ذلك..إلا أن عمل العقلاء يسمو إلى الأفضل فالأفضل..لا إلى المفضول فالمفضول..إذا تنازلنا إلى اعتبار أن ما يكتب فيه من النوع: الأفضل لا المفضول فضلا عن لغو الكلام..فالمواقع الجادة هي أولى أن ينشر فيها مثل ذلك، لا وسائل التواصل التي بعضها تتواصل عن طريق: رسائل الجوال فتحذف تلك الرسائل بين حين وآخر..فتحرم الأجيال أفضل ما تراسل به المتراسلون في وسائل التواصل تلك..هذا ومن كان عنده وقت فسيح يتيح فيه المشاركة له في وسائل التواصل وفي المواقع الجادة بما يفيد دينيا أو ثقافيا فليفعل إذ كل ذلك نوع من الجمع بين الحسنين، وهي خير على خير: يذكر فيشكر للمشارك بذلك..أما أن تهجر المواقع الجادة خاصة مواقع الأسر الجادة الهادفة، فتهجر هجرانا يصل بأعضائها إلى ما ظاهره الانسحاب التام شهرا شهين.. سنة سنتين..إذن لمن أنشئت تلك المواقع إلا لأبنائها أينما كانوا..فإذا هجروها هجر ترك..فمن يحي رسالتها بما تعود فائدته لأجيال أسرهم في الحال والمآل، سواء في نشر ما يفيد دينيا أو ما يفيد تاريخيا..فمواقع الأسر شبه بيوتات أسرهم، فهل يعقل أن يهجر عامة أفراد الأسرة بيتهم، فيتوزعون المبيت والحديث..في بيوتات أسر أخرى أجنبية..هذا لا يعقله عاقل..فلو افترضنا وجود خلاف نظر ما، فينبغي أن تحله أفراد الأسرة داخل بيتها، بالتي هي الحسنى شرعا وعرفا..ولو افترضنا أيضا أن بعض أفراد موقع الأسرة أنشأوا موقعا آخر لسبب أو لآخر، فينبغي أن يعلموا بقية أفراد الأسرة بذلك الفرع الجديد ليشارك فيه أيضا..لكن افترضنا أنهم حجبوه عن بعض أفراد الأسرة دون بعض، فمع ما في ذلك إلا أنه ما دام أنهم ينشرون الخير دينيا أو ثقافيا، فقد قاموا بهجد يذكر فيشكر، لأن ذلك مما يصح أن يعبر عنه بأنه: وجهان لعملة واحدة. في سجل تاريخ تلك الأسرة..إذ المهم أن لا يتوقف دور أفراد الأسرة في سبيل نشر ما يرجع نفعه المعنوي التاريخي لهم فيما بعد دينيا كان أو ثقافيا، كما تكررت فيه الإشارة لأهميته..
هذا وأما النشر في المواقع الجادة: النشر فيها صعب باعتبار الإشارة السابقة أيضا..
فكانت المشقة في هذا دون الأول فقل المشاركون في الثاني دون الأول أيضا، لقول من قال:
لولا المشقة ساد الناس كلهم.
فلذا تجد وأجد ويجد غيرنا المواقع الجادة مواقع تحوي مواد علمية معتبرة في شتى الموضوعات الدينية والتاريخية والثقافية والاجتماعية وغيرها...
هذا وكل ذلك الجد دل على بذل مجهود أتعب جامعه حتى أتى بما أتى به على صورة تجعل الواقف عليه يستفيد منه بل وينقل منه إذا كانت حاجة المعني بها تدعو إلى ذلك..إنه مجهود تعطي صورته معاني قول من قال:
إن البناء إذا تعاظم قدره***أضحى يدل على عظيم الشان
لذا فالموقع: موقع ـ منتديات مدينة السوق ـ من يوم ما اتجه إلى رسالة المواقع الجادة بدا بين أربابه الغياب عنه جملة وتفصيلا..
فصح علينا أن يتمثل فينا أيضا معشر أربابه بقول من قال:
نعيب زماننا والعيب فينا***وما لزماننا عيب سوانا
نسأل الله أن يهدينا إلى سواء السبيل دينا ودنيا