عرض مشاركة واحدة
قديم 04-21-2009, 05:44 PM   #6
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي المعلقة الأولى



وصل الترصيع بسلك خرز مقال التشجيع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمد صفوة خلق الله المنوه على عظم شرف مقامه بقوله سبحانه، حكاية عمن لا يزنون بالقسطاس المستقيم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
الأدرعي الجلالي الشريف، اللغوي الأديب ـ شكر الله مساعيكم الحليلة ـ خاصة في أهمية موضوعات مقالك التربوي.
لقد شجعني مقالك الرصيع، المشار إليه بـ: التقويم والتشجيع. بأن أعلق معلقتي على جدران بنيان أساسه الأسيس، الجميل الفقرات التربوية النزيع المنزع لكل نبيه أنيس.
فلما تأمتله تأمل القارئ المستفيد، هجس في نفسي أن أقتدي بالصنعاني ذي الصنع الحميد، حين قدر له أن ينظم (نخبة الفكر ـ بنظمه قصب السكر)، فقال:
طالعتـــها يوماً من الأيام فاشــــتقت أن أودعــــها نظام
فتم من بكــرة ذاك اليوم إلى المســــا عند وفـــود النـوم

مشاركاً في مجمل مضمونه بمقصورات فقرات هذه المعلقة في خيمة هذه النصوص الآتية:
الفقرة الأولى: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (49) سورة النساء.
قلت: هذه الآية أصل عظيم في الزجر عن تزكية المرء نفسه وغيرها بحق فضلا عن غير حق ـ والعياذ بالله ـ.
يقول الإمام القرطبي ـ رحمه الله - قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم)
- هذا اللفظ عام في ظاهره، ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد اليهود.
واختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم، فقال قتادة والحسن: ذلك قولهم: (نحن أبناء الله وأحباؤه)، وقولهم: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى). وقال ابن عباس: ذلك قولهم: آباؤنا الذين ماتوا يشفعون لنا ويزكوننا. وقال عبد الله ابن مسعود: ذلك ثناء بعضهم على بعض.
وهذا أحسن ما قيل، فإنه الظاهر من معنى الآية، والتزكية: التطهير والتبرية من الذنوب.
- الثانية: هذه الآية وقوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله، وزكاه الله عز وجل، فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له.
- وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم) فقالوا: بم نسميها ؟ فقال: (سموها زينب).
- فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه، ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية، كـ "زكي الدين ومحيي الدين" وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه الأسماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا.
- الثالثة: فأما تزكية الغير ومدحه له، ففي البخاري من حديث أبي بكرة أن رجلا ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك قطعت عنق صاحبك - يقوله مرارا - إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله ولا يزكي على الله أحدا).
فنهى صلى الله عليه وسلم أن يفرط في مدح الرجل بما ليس فيه فيدخله في ذلك الإعجاب والكبر، ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة؛ فيحمله ذلك على تضييع العمل وترك الازدياد من الفضل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ويحك قطعت عنق صاحبك).
- وفي الحديث الآخر (قطعتم ظهر الرجل) حين وصفوه بما ليس فيه.
وعلى هذا تأول العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: (احثوا التراب في وجوه المداحين) أن المراد به المداحون في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم، حتى يجعلوا ذلك بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه.
- فأما مدح الرجل بما فيه من الفعل الحسن والأمر المحمود ليكون منه ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه. وهذا راجع إلى النيات (والله يعلم المفسد من المصلح).
وقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة، ولم يحث في وجوه المداحين التراب، ولا أمر بذلك. كقول أبي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل.

وكمدح العباس وحسان له في شعرهما، ومدحه كعب بن زهير، ومدح هو أيضا أصحابه فقال: (إنكم لتقلون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع).
*****

- وأما قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله) فمعناه: لا تصفوني بما ليس فيّ من الصفات تلتمسون بذلك مدحي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله فكفروا بذلك وضلوا.
وهذا يقتضي أن من رفع أمرا فوق حده وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعتد آثم؛ لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونخلص من كلام الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ إلى ما يلي:
*المسألة الأولى: تزكية المرء نفسه من خصال اليهود التي قبحوا بها: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء}.
قال: (((هذا اللفظ عام في ظاهره، ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد اليهود))).
*المسألة الثانية: استهجان تزكية المرء نفسه نقلاً وعقلاً.
قال: (((هذه الآية وقوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله وزكاه الله عز وجل، فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له. قائلاُ: فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه...)))
*المسألة الثالثة: جرم جانب التزكية مع ضبطها بقواعد دينية مشددة.
قال: (((فأما تزكية الغير ومدحه له، ففي البخاري من حديث أبي بكرة أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك قطعت عنق صاحبك))... وقد تقدم
*المسألة الرابعة: ردم الشرع أنفاق التزكية بمنع الكلمة الواحدة ذات معنى المدح والثناء المفرط. فما البال بجمل مركبة من معاني سامية في معرض المدح والتزكية والثناء.
في صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة... وقد تقدم
*المسألة الخامسة: بيان وجه الرخصة في باب التزكية مع قواعد شرعية محكمة.
قال: ((فأما مدح الرجل بما فيه من الفعل الحسن والأمر المحمود ليكون منه ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه. وهذا راجع إلى النيات (والله يعلم المفسد من المصلح)).
*المسألة السادسة: عظم ذنب تزكية المرء نفسه أو غيرها بما ليس فيها من معاني تلك الزكية.
قال القرطبي ـ رحمه الله تعالى: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن امريم وقولوا: عبد الله ورسوله). وهذا يقتضي أن من رفع أمرا فوق حده وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعتد آثم، لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا مما فوجئت من الغرائب وكثرتها في الشبكة العنكبوتية، فوجدت سبباً مناسباً لمشاركة مقال التقويم والتشجيع بما ـ أسأل الله أن يتقبله منا بقبول حسن، وهذا ملخص ما نحن بصدده:
1- تساهل الناس بالتزكية من غير طلب المزكى بها، بل يعطاها على طبق من ذهب، مع أن المتعارف من صنيع أهل العلم الربانيين أن لا يزكوا عالماً ذا مجهود جبار ملموس إلا بعد تردد رهبة من التزكية، بل بعضهم لا يتسامح بها حتى تطلب منه خاصة في باب تقريظ الكتب، فإن زكى زكى مستحضراً خطورة جانب التزكية على نحو ما رواه أبو داود ـ رحمه الله ـ باب في كراهية التمادح: عن عبد الله بن الشخير، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقلنا: أنت سيدنا فقال: السيد الله تبارك وتعالى، قلنا: أفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينَّكم الشيطان). صححه الألباني ـ رحمه الله ـ تحت رقم (4806) صحيح أبي داود.
2- تساهل البعض زيادة على التزكية فيما إذا رأى ما يدعو إلى تأويل مقال من يزكيه تجده يقول مثلاً: أنا متأكد أنه لا يقول بما يتضمنه ما ساقه، أو يقول: أنا جازم أنه ما أراد ذلك من باب حسن الظن، ونحو هذه المعاني، وطالب العلم غني عن مثل هذه الجزميات في أمر ذي بال فضلاً عما هو أقل منه بمفاوز، وليتأمل الجميع الفرق بين حقيقة قوة حسن الظن شرعاً وبين حقيقة الجزم بنفي الشيء المظنون أو بإثباته حكماً.
3- عدم انضباط تزكيات رواد الشبكة العنكبوتية بعضهم يقول إذا مر على بعض ما يتعلق بشكر من نوه بمجهوده بقوله: مثل كلمة: الأخ فلان. ككلمة افتتاح شكره له، ثم يشرع بموضوعه.
4- عدم انضباط تزكيات رواد الشبكة العنكبوتية أيضاً، إذ بعضهم يرى في بعض تزكياته على وجه لا يتصور في فرط عموم التزكية، التي لو نزلتها في حق سيبويه لصدقت في حقه على وجه مهارته في إحكام قواعد لسان العرب. ولو نزلتها في الوقت نفسه على البخاري لصحت في حقه على وجه مهارته في إحكامه معرفة الصحيح من سقيم الحديث. ولو نزلتها في الوقت نفسه على الدار قطني لصحت في حقه على وجه مهارته في إحكامه معرفة علل الحديث... وهلم جرا.. كل ذلك وغيره يندرج تحت عمومات تزكية واحدة لبعض رواد الشبكة العنكبوتية.
فينبغي حقاً أن نحذر هذا الجانب كل الحذر ونستغفر الله من ذلك ونتوب إليه. ولنستن بسنة المصطفى نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصة في استشعار باب عظم جانب التزكية كما تقدم شيئ من ذلك، ولنستحضر هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التزكية إذا دعت إليها الحاجة، مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم: عند مسلم من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َقَالَ لِلأَشَجِّ بن عَبْدِ الْقَيْسِ: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ).
فلننظر هل هناك خصال محمودة غير ما ذكر في هذا الحديث؟
نعم هناك بالطبع خصال خير وفضل غير ما ذكر لا تعد ولا تحصى. أين خصلة قيام الليل ـ خصلة قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ـ أين خصلة كثرة صيام النوافل ـ أين... أين... إلى ما لا نهاية له من خصال الإسلام الحسنة الكثيرة.
لذا ينبغي لمن رأى ما يستحسن أن ينوه به، إن كان ولا بد، أن يقول مثلاً: هذا مقال جميل النقول ـ هذا مقال ترجم لبعض العلماء ترجمة متينة ـ هذا مقال تناول أحداثاً تاريخية مهمة مهذبة ـ هذا مقال حرر محل نزاع في مسألة خلافية مشكلة ـ وهكذا.
وعند أحمد والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن أنس أن رسول الله قال: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)).
قلت: كل واحد وصف بخصلة من خصال الإسلام الحسنة مقيدة به مع أن كل واحد منهم ـ رضوان الله عليهم ـ حري أن يوصف بها كلها لأنهم خيار الصحابة نقلاً وعقلاً.
بل لنتأمل ما في صحيح البخاري، على وجه تلخيص ما نصه: ((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نصيفه)).
فلما كان من هدي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما تقدم من سنن التزكية، كما سبق من نهج من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى. لحكمة بالغة سواءً أدركناها أو لم ندركها.
فنحن معشر المسلمين لا يسعنا إلاّ أن نتبع هديه ـ الصحيح السليم من الإفراط والتفريط ـ حذو القذة بالقذة.
***
هذا ووصيتي لنفسي وغيري ـ أنه ينبغي لكل مسلم أن لا يعمل عملاً صالحاً لأجل ثناء الناس عليه. وكذلك لا يترك العمل الصالح لأجل مجانبة الناس كلهم الثناء عليه فضلاً عن بعضهم، وليتعظ ـ ما دام حياً ـ بقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وليعلم أيضاً: أن كثيراً من ثناء الناس تصنع محض من قديم الدهر وحديثه لأغراض شتى ـ الله أعلم بها ـ.
فقريش كانت تدعو النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بأجل الأوصاف الحميدة، مع ما يتبوأه بينهم من المقام الجليل حسباً ونسباً، لكن لما بعثه الله تعالى نبياً رسولاً قالوا ما قصه الله في قولهم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
أخي الكريم: صحح نيتك لله في كل صغيرة وكبيرة تعملها، واعلم يقيناً أن ما كان لله سيبقى كما أثر عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حين قيل له: ما فائدة موطئك بعد كتاب ابن أبي ذئب؟ فقال: ما كان لله سيبقى.
وصدق الله إذ يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}.
***

فيحسن بنا أن نتلمس آداب سلفنا الصالح، وسنن العلماء المحكمة في كل ما يدعو إلى التواضع لله تعالى، والإخلاص له، وتصحيح النية ـ رجاء ما عند الله من الأجر والثواب ـ في كل صغيرة وكبيرة.
قال أبو داود الطيالسي رحمه الله: ينبغي للعالم إذا حررّ كتابه أن يكون قصده بذلك نصرة الدين لا مدحه بين الأقران لحسن التأليف.
وقال الغزالي: هذا إذا خرج إلى طلب العلم النافع في الدين دون الفضول الذي أكب عليه الناس وسموه علماً.
والعلم النافع ما يزيد في خوفك من الله، ويزيد في بصيرتك بعيوب نفسك وآفات عملك وزهدك في الدنيا، فإن دعتك نفسك إلى الخروج في طلب العلم لغير ذلك فاعلم أن الشيطان قد دسّ في قلبك من الداء الدفين، وهو حب المال والجاه؛ فإياك أن تغتر به فتكون ضحكة له ثم يسخر بك.
وعن عون بن عبدالله قال: كان الفقهاء يتواصون بينهم بثلاث وكتب بذلك بعضهم إلى بعض: من عمل لآخرته كفاه الله ديناه، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.
وقال أحمد: قلت للفريابي: وأي شيء النية؟ قال: تريد به وجه الله والدار الآخرة.
وعن شعبة قال: ما أقول لكم إن أحداً طلب الحديث يريد وجه الله تعالى إلا هشاماً الدستوائي وإن كان يقول: ليتنا ننجو من هذا الحديث كفافاً لا لنا ولا علينا.
وكان الإمام النووي رحمه الله تعالى إذا دخل عليه أمير على غفلة وهو يدرس العلم في المدرسة الأشرفية أو جامع بني أمية يتكدر لذلك، وإذا بلغه أن أحداً من الأكابر قد عزم على زيارته في يوم درسه لا يدرس العلم ذلك اليوم خوفاً أن يراه ذلك الأمير وهو في محفله ودرسه العظيم ويقول: من علامة المخلص أن يتكدر إذا اطلع الناس على محاسن عمله كما يتكدر إذا اطلعوا على مساويه، فإن فرح النفس بذلك معصية، وربما كان الرياء أشد من كثير من المعاصي.
ولما ترك بشر الحافي الجلوس لإملاء الحديث قالوا له: ماذا تقول لربك يوم القيامة؟ فقال: أقول: يا رب إنك أمرتني فيه بالإخلاص، ولم أجد عند نفسي إخلاصاً.
وكان بشر الحافي يقول: والله لقد أدركنا أقواماً كانوا لا يعلمون أحداً العلم حتى يروضّوا نفسه سنين كثيرة ويظهر لهم صلاح نيته.
***

ختام الختام
كل أحد مرهون بسعيه: لقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. وقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ: بيان لحال تلك الأمة وحال المخاطبين بأن لكل من الفريقين كسبه لا ينفعه كسب غيره، ولا يناله منه شيء، ولا يضره ذنب غيره. وفيه الرد على من يتكل على عمل سلفه، ويروّح نفسه بالأماني الباطلة.
ومنه ما ورد في الحديث: [ من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ] والمراد: أنكم لا تنتفعون بحسناتهم ولا تؤاخدون بسيئاتهم ولا تسألون عن أعمالهم كما لا يسألون عن أعمالكم. فتح القدير.
اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم ـ آمين يا رب العالمين.
{وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
السوقي الإدريسي


 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الأسدي ; 04-22-2009 الساعة 05:14 PM

رد مع اقتباس