التوطئة:
حقوق لإخواني أريد قضــــــــاءها***كأني ما لم أقضها لمـــــــــريض
إن من الشعر لحكمة، كما صح به الخبر عن نبي الهدى والرحمة ـ صلى الله عليه وسلم.
فإن هذا البيت الوفائي عند العجز من أرجى أنواع العذر المقبول، بين أفراد القرابة والمعارف إذ حق حقيقة معانيه عند المدينين بالحق لأهله الصادقين المقرين الخيرة العدول.
ولقد آن لي عبر بريد بيت: التوطئه، أن أرسله كرسالة إلى مجتمعات صحراء أسياد الصحراء ـ بيضاً وسودا، عربا وعجما، أني من لم أفق لزيارته لأداء حقه علي، فإني مريض مرض المدينين، لأهل الحقوق الموسرين الكرماء الميامين.
هذا على العموم، فبالكم حقوق أهل سوق العلوم.
فإني ما دمت حياً فلهم علي أداء حقوقهم ـ بإذن الله ـ حقاً حقا، ما استطعت إلى ذلك سبيلا فمن لم يتيسر لي أداء حقه فليعذرني صدقا.
فمن أداء شيء من تلك الحقوق، يممت وهجي شرط قبيلة: كَلْ تَجَايِّتْ ـ المغربية السوقية ـ فبلغناها وقت الغروب لا الشروق.
إلاّ أنها حصن منيع بغيثين: غيث مطر، وغيث ضيافة جليلة بخيار قوم في خيار سمر.
إنه لقد أوقفنا حقا غيث المطر قبل الوصول، عند قرية ماجَكُويْ، لكننا في محيط الديار ـ ديار فضل وكرم أصيل بمجد الدار.
إذ قد تبعد عن موطنهم الكريم، بكلوات ثلاثة تقريبا، فموطن القبيلة الآن بين تغارست، وتنبكتو، إلاّ أنه يبعد عن تنبكتو نحو ثمانين كيلو متر، وعن تغارست بنحو خمسة وأربعين كيلو متر.
وعلى كل فقد استقبلتنا منطقة قبيلتهم المكرمة بغيث مطر مدرار.
وكأن برقه الباكية سماء رعوده بماء منهمر، هو المعني في قول الشاعر في برق بيت صيدته المطر:
لا يكون بـــــرقك برقـــــــــــا خلبا***إن خــير البـــــرق ما الغــــــــــيث معه
فولجنا حي القبيلة بولوج نهارنا في ليله، إلا أن مطر الفضل حصرنا في سيارتنا في حي المكارم والفضائل وقتا من الزمان بوبله.
إنه حقاً ما ابتلي الكريم بمثل الفضل، ولا ابتلي المنصف بمثل العدل.
إذ نحن في تلك الحالة الممتعة، إذ بمرشد إلى باب الدار الخاص بمدخل السيارة فابتدرنا المجلس في حالة مطرة متعة.
فإذا سيد القبيلة أحد رجالات الدولة لتلك المناطق، السيد الشيخ الداعية المهدي بن عماد الدين السوقي التجايتي ـ أكرمه الله ودام عليه النعم ـ فإذا المجلس مهيئ بالزرابي الجميلة المكمل الزينة بزينة روائع النمارق.
فهو بالفعل منزل من المنازل الكريمة الجميلة، المؤثث بأثاث مجلس مشرقي في ديار مغربية جليلة، فاجتمع في حسنه المعاني الحسان ـ اللهم زد وبارك ما شاء الله فتبارك الرحمن.
فعاجــوا فأثنوا بالذي أنت أهـــــــله***ولو كـــــــستوا أثنت عليك الحقــــائب
إنه أبى سلطان الإحسان في معرض الحسن إلاّ أن يلهج بذكره اللسان.
إذ بلغ بنا كرم الضيافة العجب العجاب، منها أن الذبيح العظيم للضيافة كأنه من حينه استورده المضيف من بهيمة أنعام الحجاز السمينة لا من سمن بهيمة مرعى الغاب.
وما عداه من كرم الضيافة فحدث ولا حرج، فمن هنا أقول الحق: أن من أراد أن ينس عنه البر والفضل فليفعلهما وما عدا هما فستره لدى أولي الألباب لمن قصر دونهما هو المخرج.
فأكرم بمضيفنا الشيخ المهدي كرما وأنساً وانشراحا وفضلا، وأكثر من قوله في معرض المؤانسة لنا: أهلا وسهلا.
بل الأمر بلغ مبلغ قول الشاعر، في حسن وجلالة تلك المشاعر:
ومرحب بالزائـــــــرين وبشــــــره***يغنيـــــــك عن أهل لــــــــــــديه ومرحب