عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 12:28 PM   #19
مشرف منتدى الحوار الهادف


الصورة الرمزية أبوعبدالله
أبوعبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 05-20-2024 (10:00 AM)
 المشاركات : 1,679 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي خطبة لكوشوث



(خطبة لكوشوث )
في سنة 1848 شملت أوربا أو كادت تشملها ثورة تختلف نزعة ومبادئ باختلاف
المكان. فكانت في هنغاريا تنزع نحو استقلال البلاد. فأخذ المجريون في الاتحاد
وكافحوا الاستبداد مكافحة الأبطال وأوشكوا أن يتغلبوا على النمسويين. فما هو أن
أحست روسيا بنهوضهم وقرب انفكاكهم من قيد العبودية حتى خشيت على بنائها
أن يتهدم في أثر هذه الحركة التي تصير عندئذ مثالا وقدوة للشعوب المغلوبة على
أمرها في دولة القياصرة. فأرسلت جموعها إلى النمسا وشدت أزرها فأخمدت ثورة
المجر. وعادت هنغاريا في قيد الاستعباد ولكن لم تمض عشرون سنة حتى نالت
.« النمسا والمجر » استقلالها وصارت شريكة في مملكة
وكان زعيم الثورة في سنة 1848 رجل يدعى كوشوث وقف حياته على استقلال
بلاده وأرصد جهوده لتخليصها من نير النمسويين. فلما تألب الاستبداد وعقد
الروسيون والنمسويون الخناصر على خنق حرية المجر وغمروهم بجيوشها فر إلى
تركيا. فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار فقبض عليه الأتراك وسجنوه بدسائس
السياسة النمسوية. وقضى سنوات يكابد عذاب السجن في الأناضول حتى تحرك الرأي
العام في انجلترا والولايات المتحدة وطلب الإفراج عنه فسعى سفيرا هاتين الدولتين
حتى أطلق سراحه فقضى سائر ما بقي له من العمر فيهما. وكان يخطب ويدعو
إلى نصرة بلاده. وقد ألقى الخطبة التالية في برلمان الولايات المتحدة في واشنطون إذ
دعاه الأعضاء إلى وليمة في سنة 1852 تكريمًا له وإعزازًا للمبدأ الذي قضى حياته
في الدفاع عنه. قال:
أقف الآن أمامكم كما وقف قينياس الإغريقي أمام مجلس الشيوخ في رومية
— ذلك المجلس الذي كان بكلمة واحدة حافلة بجلالة القوة يتحكم في
أحوال العالم ويقف عتاة الملوك عن السير في طريق أطماعهم — أقف الآن
أمامكم وقلبي مفعم بالإعجاب والاحترام لكم أنتم المتشرعون في هذا البرلمان
الذين تمثلون جلالة الأمة المتحدة. إن جدران مجلس الشيوخ الروماني لا
تزال أطلالها قائمة ولكن روحها قد هجرها إليكم بعد أن تنسم نسيم
الحرية. وتلك الأطلال التي لا تزال شاخصة تغشيها الكآبة هي رمز إلى
فناء الجهود الإنسانية وزوالها بينما هذا المكان هو رمز للحقوق الأبدية.
كان ذلك المجلس كاسيًا بلون الفتوح والحروب أحمر قانيًا وهو الآن في
ليل حالك من ظلام الظالمين بينما مجلسكم يسطع بضوء الحرية اللامع.
كان ذلك يحتجن العالم إلى مجده بينما مجلسكم هذا يحمي أمتكم ولا
يرضى بأن يستحوذ على شيء من حقوق الأمة. كان لذاك روعة القوة
التي لا تقاوم بينما أنتم تفخرون بتقييد هذه القوة. وكانت الأمم ترتعد
وترتجف إذا رأت ذلك المجلس بينما الإنسانية تعقد الرجاء بكم عندما
تنظر إلى مجلسكم. وكان لا يدخل ذلك المجلس من الغرباء إلا مهزوم أو
منكوب قد شدت أيديه بالأغلال لكي يركع عند أقدام الظافرين وأما أنتم
فيدخل الغريب المبتئس إليكم فتدعونه إلى أن يقعد بجانبكم حيث لا يدعى
الملوك والقياصرة وليس لهذا الغريب من ميزة سوى أنه زعيم مضطهد
ويل » : لأمة مقهورة لا حول له ولا قوة. كان شعار ذلك المجلس القديم
بينما شعاركم حماية المظلوم ولعنة الغاصب وعزاء المهزوم في « للمغلوبين
قضية الحق. وبينما كان ذاك يقعد فيه رجال يفخرون بسيادتهم على
العالم يقعد هنا رجال ينحصر مجدهم في الاعتراف بنواميس الطبيعة وبأله
الطبيعة وفي إنفاذ إرادة الأمة التي هم خدامها.
وإن في تكريمكم إياي لتاريخًا للأجيال المقبلة. أجل. إن الأجيال المقبلة
ستقرأ تاريخ ذلك الرجل الذي كان أول حاكم لبلاد المجر المستقلة فأخرجته
القوة الروسية الغاشمة طريدًا من بلاده فعاش في المنفى في بلاد الأتراك
يحميه سلطان مسلم من استكلاب الجائرين المسيحيين ثم طوحت به
دسائس السياسة إلى سجون آسيا ثم مدت إليه أميركا يده فخلصته حتى
إذا عبر المحيط الاطلانطيقي وهو يحمل آمال الأمم المظلومة ويقف أمام
أهل هذه الجمهورية الكبرى فيذكر أمامهم ظلامات بلاده وارتباطها بمصير
القارة الأوربية ويصرح بجرأة من يدافع عن حق بوجوب رفع مبادئ
الدين المسيحي إلى أن تكون قوانين دولية، لم ير أن جرأته قد قوبلت
بالصفح فحسب بل يجد أيضًا عزاء في عطف الملايين وتشجيع الأفراد
والمدن والاجتماعات والولايات تسنده معونتهم العاملة وتحييه حكومتهم
وبرلمانهم وتقعده مقعد الضيف المكرم وتسبغ عليه من المكارم ما لا يطمع
فيه أمير قوي. ثم هذه الوليمة وهذا الشراب الذي نتساقاه — أجل إن
لفي هذا تاريخًا للأجيال المقبلة.
وإني أؤكد دون تردد أنه لا يوجد في بلادكم العظيمة هذه رجل
واحد قد خطر برأسه أن يضع مقعد أطماعه على أطلال حرية بلاده.
وهو لو أتيح له تحقيق ذلك لما رغب فيه. لأن للمؤسسات التي تنشأ بين
ظهراني أمة أثارًا تنعكس على أخلاق أفرادها. ومن زرع الريح حصد
الزوابع. فالتاريخ يكشف عن مقاصد العناية الإلهية. فالله القادر يدير
العالم المادي والعالم الأدبي بنواميس أبدية. وكل ناموس مبدأ وكل مبدأ
ناموس. والأفراد كالأمم لهم حق اختيار المبادئ بما لهم من الإرادة الحرة.
ولكنهم إذا ما اختاروا لم يعد لهم مفر من نتيجة اختيارهم. فالحرية
من لوازم الحكومة الذاتية. والعدالة والوطنية من لوازم الحرية. ومن مبدأ
في الحكم يتولد الطمع. والاستبداد من لوازم الطمع. وإن بلادكم « المركزية »
لسعيدة لأنها قد أغرمت بالحكومة الذاتية غرامًا شديدًا. وعلى هذا الأساس
بنى آباؤكم بيتًا للحرية هو أمجد ما رأى العالم. ورقيتم أنتم بهذا البناء
حتى صار أعجوبة العالم. إن بلادكم لسعيدة إذ اصطفاها لله لكي يثبت
إمكان اتحاد الولايات المستقلة كل منها محتفظ بحقوقه واستقلال حكومته
ومع ذلك فهي كلها متحدة في دولة واحدة لكل نجم منها نوره الخاص
يتلألأ ومن الجميع تتألف مجموعة تضيء سماء البشر.


 
 توقيع : أبوعبدالله


العقول العظيمه تناقش الافكار , والعقول المتوسطه تناقش الاحداث , والعقول الصغيره تناقش الاشخاص



رد مع اقتباس