عرض مشاركة واحدة
قديم 09-12-2011, 08:19 AM   #3
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: رعود العشي المطرة المزن بلآلي من مآثر قبيلة كل جنششي



الديباجة:
وداوني بالتي كانت هي الداء
إنها مقالة: تقرب الأقصى بلفظ موجز.
وذلك أن الإنسان إذا أحب شيئاً لا يرتاح فضلاً أن يقر له القرار حتى يتمكن منه، ولو أنه مضر له.
وكأس شربت على لذة**وأخرى تداويت منها بها
ومما وقع لي من معاني ما نحن بصدده، أني قبيل رحلتي الدعوية بأيام أصبت بمرض لم يصبني من قبل، من حمى أ ماتت علي جسمي، ولا زمني ضعف غير طبيعي بحيث إن لم أغتسل، لم أستطيع مفارقة الفراش، فلزمت الاغتسال صباح مساء، فلما لم يبق لي إلا يوم واحد للشروع في السفر إلى مكة منها إلى وطننا الغالي جمهورية مالي، عرضت نفسي على الدكتور: مكره أخاك لا بطل.
فقال لي بعد كشفيات طبية أولية، إنك تحتاج إلى كشفيات بالأشعة المقطعية، إضافة إلى التحاليل بالدم وما في معناه.
فقلت له: أنا غداً أسافر إلى مكة المكرمة منها إلى إفريقية ـ بإذن الله ـ فلما رأى عزمي بالسفر، قال لي: إذن ليس لدي حيلة إلا صرف أدوية هي في الحقيقة ليست أدوية علاجية، بل تهدئة، لأن حالتك تستلزم الكشفيات السابقة التي عن طريقها نتوصل إلى معرفة نوع المرض، ومن ثم صرف الدواء لعلاج ذلك المرض.
فأصبح الشروع في السفر هو المهدئات، لا ما صرف لي الدكتور من مهدئاته.
هذا ولقد حاول الأهل صرف نظري عن السفر، كما قرره الدكتور، وهم أعلم من الدكتور بشدة المرض لما يعاينونه من تدهور حالتي الصحية.
فلما رأيت الأهل كاد أن تغلبني نصائحه تظاهرت بتحسني صحياً، وطمأنتهم بالقول والفعل تصنعا.
فاستودعتهم الله، هو حسبي ـ نعم المولى الوكيل الحفيظ، ـ ثم ودعت الأهل غداة البين إلى أم القرى، ثم بعض القرابة في مكة المكرمة والأصحاب لما رأوا ما معي من إرهاق المرض علي، نصحوني بتأجيل السفر إلى حين التحسن، فتحايلت عليهم على نحو ما سبق.
وربما صحت الأجساد بالعلل
كما قال الشاعر الطبيب الحكيم، هذا وكنت كلما فكرت في الشروع في السفر، الذي هو: قطعة من العذاب.
كلما خف علي إرهاق الحمى وطاب، حتى دخلت عاصمة جمهورية مالي، ونويت أن أمضي في السفر على نحو الحالة، في اليوم التالي، لكني رأيت حالة المرض ثقلت عليّ، فقلت في نفسي إن حالتي الآن لا تسمح بتجاوز مواطن مستشفيات العاصمة، المتمتعة بكوادر الأطباء والأجهزة الطبية الحديثة، فاستشعرت خطورة المخاطرة بالمرض في أن أتجاوز به إلى مواطن الرحلة في المجتمعات المتوغلة في صحرائها، الفقيرة إلى أهم الحقائب الإسعافية المنزلية في العالم المتحضر، المتمثلة هناك في عدم وجود أبسط أنواع المستوصفات الحكومية، فضلا عن الأهلية، فضلا المستشفيات المزودة باللوازم الطبية في عامة صحراء ـ مضارب الطوارق..
فهنا أوقفني الواقع المر، إذ اضطررت إلى قطع السفر للخضوع لفحوصات طبية ـ رجاء الحصول على العلاج، ولو كلفني ذلك تأخير السفر إلى حين.
فذهبت إلى الدكتور أبروفسور عبد الله ابن الشيخ العلامة عالي بن محمد بن اليمان الإدريسي السوقي المرسي ـ حفظه الله.
إنه بالفعل من الأطباء الخبراء القدماء في الدولة المهرة، والآباء المحبين لمجتمعاتهم بها البررة.
فما إن رآني إلاّ دعاه الموقف الخطير الحالة لاستعمال كشفيات طبية بعضها ما رأيتها من قبل، إضافة إلى كشفيات مقطعية ليست أجهزتها في مستوصفهم، وبعضها فيه، فقمت بفعلها جميعاً إضافة إلى تحاليل دم وما في معناه..
عندما انتهيت مما ألزمني من الكشفيات، وتزامن انتهاؤها بقرب يومي الإجازة الأسبوعية تحيرت، إذ ذلك يلزمني أن أنتظر نحو أربعة أيام نظراً لخروج النتائج ومن ثم صرف الأدوية للمرض بعد معرفته..
عند ذلك قلت له: لعلي أذهب إلى الصحراء ـ مضارب الطوارق ـ وسأترك من يلحقني بالنتائج والعلاج، وهو الأخ ابن الأخت الحسين بن موسى الإدريسي السوقي التجشي، الذي كان في باماكو حتى شارك في دورة علمية أقمتها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأقام تلك الدورة في عاصمة مالي جمع من الدعاة الدكاترة السعوديين ـ أجزل الله لهم الأجر والمثوبة..
ورجوعاً إلى ما نحن بصدده قال لي الدكتور عبد الله..: لا تتخيل الذهاب ما لم تنته من العلاج، إذ حالتك لا تسمح لغير الخضوع للعلاجات..
فلما رأيت نصيحته الطبية الأبوية جاملته بالامتثال ـ إن شاء الله.
لكن لما خرجت من عنده وفكرت بضيق وقت الجولات الدعوية، وزيارات القرابة في مواطن شتى صلة للرحم ـ تقبل الله.
قلت في نفسي معنى مقالة القائل: لا بد من صنعا وإن طال السفر.
أي: مهما بلغ بي المرض فلا بد لي من جولات في مضارب الطوارق ـ إن شاء الله ـ في هذه الرحلة، فعزمت على السفر إليها، ووكلت الأخ المذكور آنفا منتظرا إلى يوم النتائج، ثم يصرف لي دواءها، بعد أن تركت له تكلفة ذلك ـ حسب ما قدرنا لها من الاحتياط لها.
ثم مضيت في سفري حيث مواطنه، وكان الأخ يوم النتائج في حرج شديد مع الدكتور عبد الله الإدريسي السوقي المرسي، الذي بلغ به غضب تجاوزي ترك الانتظار لنتائج التحاليل، أن قال لمن وكلته: قل للأخ يحيى أنت بذهابك مع المرض لست مسئولاً طبياً من تصرفك هذا، لأن النتجية فيها أن فقر الدم بلغ بي درجة خطيرة جدا، درجة لا يخاطر بمثلها.. ثم كتب له أدوية مختارة ـ جزاه الله عني كل خير.
هذا أمر، وأمر آخر: أني لما وصلت منطقتنا ـ إبنغملان ـ شرعت في طلب سيارة أجرة قبل أن تأتيني الأدوية، لتتجه بها الرحلة الدعوية إلى تغارست لزيارة ما أمكن من القبائل، خاصة السوقيين، ولي فيها مآرب أخرى.
وكل يدعي وصلاً بليلى***وليلى لا تقر له بذاكا
إن سجلات التاريخ ليس كل أحد يسجل فيها قدر ما يتمنى، أو يمني به، ما لم ينتعل المؤرخ التاريخ العام نعال التضحية في سبيل تدوين التاريخ كما رسم خارطته..
هذا وكان من توفيق الله أن الأخ الذي كلفته البحث عن سيارة أجرة استقلالا، إن أمكنت، أو مع الركاب إن لم يكن بد من ذلك إذا لم يجد إلاّ سيارة أجرة بركاب إلى تغارست..
فكان من حسن الحظ أن مر على منزل السيد محمد إسوف بن غلس من إمكلكلن إحدى قبائل إمغاد، وهو من السادات السياسيين المشاهير، ومن رجالات الطوارق الأكابر، رئيس المستشارين لمنطقة تغارست، وعوض سياسي في مدينة قوسي التي تتبعها منطقتنا منطقة إبنغملان، فكان من مكرم هذا السيد ـ حفظه الله ـ أن قال للأخ الذي كلفته البحث عن سيارة أجرة: لما ذا الشيخ يحيى يبحث عن السيارة وعندي بعض السيارات ـ الحمد لله ـ مليئات بالبنيزم، ليس عليه إلاّ أن يحدد واحدة، ويختار لها سائق ممن يراه هو، مضيفاً قوله: إلاّ أن سائق خطيب جامع المركز الإسلامي، أي: الشيخ أحمد بن ذي القرنين السوقي الفهري، هو سائق له صلة بسيارات هذا السيد، ويعرف أيضاً طريق تغارست، معرفة جيدة..
فلما جاءني الأخ الذي أرسلته في البحث عن السيارة بهذا الخبر السار، ابتدرته بالقبول والترحيب مع علمي أن تسلم مسئولية سيارات الكبار، مما لا يطيق له إلاّ أصحاب المقامات الحميدة في عصورهم، أو من في مستوى السادة الأعيان أو من كان على شاكلة كبار المسئولين.
فتسلمتها ـ ولله الحمد ـ منطلقين إلى مدينة قوسي، إذ فيها ورشة لصيانة السيارة، فذهب السائق بها مع الأخ الذي جعلته المسئول على ميزانية الرحلة، وانتظرناهم أنا مع شيخي المؤرخ ربيعة الرأي عبد الله بن محمد آحمدْ الشهير بإنتملمولي الإدريسي السوقي المرسي ـ حفظه الله ورعاه.
فلبثنا زمناً وإذا السيارة قد رجعت بعد إجراءات صيانية، جعلت المسئول على ميزانية الرحلة يقول لي: إننا قمنا بصيانات هامة مكلفة..
فقلت في نفسي قديما قيل: من نكح الحسناء لم يغله المهر.
إضافة إلى عدة جوالين بنزيم، احتياطية التي قُدر أنها تكفي للسيارة من الذهاب إلى العودة من غير احتياج إلى مزيد بنزيم حسب ما قدر لمراحل الرحلة، التي يبق لها لمدينة تمبكتو إلاّ ثمانين كيلو..
وأما زاد المسافر، فقد أخذنا منه ما يحيي جمعا من أموات تميم على نحو قول من قال:
إن مات ميت من تميـــــم**فسرك أن يعيش فجئ بــــــزاد



 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ


رد مع اقتباس