عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-2009, 04:04 PM   #2
مراقب عام القسم التاريخي


السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



القاعدة الثالثة: ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم
وهذه مسألة مهمة، من ارتكب حراما أو وقع في الإثم وهو جاهل ولا يعلم، وهو غافل لا يقصد، وهو مريد للخير ولكن تلبس الأمر عليه فكيف لنا ـ وقد عافاه الله من الجُناح ورفع عنه الإصر والإثم وأزال عنه الذنب - أن نحمله نحن ما رفعه الله عز وجل عنه؟! نعم يحتاج إلى تبيين، ويحتاج إلى تعليم، ثم تقام عليه الحجة إن عاد بعد العلم، وإن قارف بعد البيان، ولكن كما أخبر الحق عز وجل: { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم } والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليها)، أي رفع ما يترتب على الوقوع في الذنب خطأً أو نسياناًَ.
بعض المطالب في العمل والتعامل مع الأخطاء:
أولاً: ضرورة تمام التثبت
فإنه كثير ما ينسب إلى القائل خطأ، وليس بواقع فيه أو قائل له، وإنما سمعنا ما سمعنا، ونقلنا ما نقلنا من غير تثبيت ولا تحري، لا بد أن نعرف أن التبيّن والتثبّت أمر مشروع بنص القرآن الكريم: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }.
قال الشوكاني رحمه الله:" المراد من التبيّن التعرف والتفحص، ومن التثبت الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر".
بل قد وردت في الآيات القرآنية ما يدل على الأثر السيئ، والعاقبة الوخيمة، عند عدم التثبت، وعند إشاعة القول على عواهنه، وعند إطلاق المسائل ونسبتها إلى الناس دون بيان وإيضاح، أو دون استفسار واستبيان.
قال الله جلّ وعلا: { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم }، يكون من هؤلاء إجحاف وإرجاف، وأيضاً وقوع اتهام غير صحيح، وتعدّي في غير موضعه.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بئس مطية الرجل زعموا)، والحديث عند أبي داود. والأمر في هذا يطول، والآثار فيه كثيرة جداً.
ولعلنا نذكر قصة أبي سعيد الخدري لما جاء فاستأذن على عمر ثلاثاً ثم مضى، ولحقه عمر فقال له: مالَكَ!، قال: استأذنت ثلاثاً ثم مضيت، فقال عم: ولمَ؟، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استأذن ثلاثاً فإن أذن له وإلا فليرجع)، فقال له عمر: أما إنك لو لم تأتني بمن يشهد أنه سمع مثلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعلتك نكالاً، فذهب أبو سعيد إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه شيء من الخوف، فلما قال ذلك للأنصار، فقالوا كلنا يشهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فقال له عمر بعد ذلك: أما إني لم أتهمك ولكنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
تثبت كان بين الصحابة مع أنهم أهل صدق، وأهل حق وأهل تثبت، وأهل تروي، لكن المسألة تحتاج إلى مثل هذا، وقد قال أهل العلم إن هذه صفة لازمة للمؤمن التقي الورع، وإنها إذا غابت فهي صفة غائبة عن الأحمق الغر الجاهل.
وقال الطبري - رحمه الله - فيما يدل على أن هذه الخصلة تدل على أنها من صفات أهل الإيمان، قال: " خص الله بذلك القوم الذين يوقنون ؛ لأنهم أهل التثبت في الأمور والذين يطلبون حقائق الأشياء على يقين وصحة ".
والحسن البصري يقول: " المؤمن وقاف حتى يتبين ".
و من المقالات الجميلة في هذا، التي تصلح أن يفصل فيها للاستفادة والتوقي من الوقوع في بعض الأحوال والأخطاء، يقول ابن حبان: " من علامات الحمق التي يجب للعاقل تفقدها ممن خفي عليه أمره:
1 ـ سرعة الجواب.
2 ـ ترك التثبت.
5 ـ الوقيعة في الأخيار.
6 ـ الاختلاط بالأشرار. "
ويقول الشيخ السعدي:" من القول الخاطئ الخطر قبول قول الناس بعضهم في بعض، وما يبني عليه السامع حباً وبغضاً، ومدحاً وذماً، (لو وقع) لحصل بهذا الغلط أمور كانت عاقبتها الندامة".
فكم أشاع الناس عن غيرهم أموراً لا حقائق لها، ولا أصل لها، فالواجب على العاقل التحرّز والتنبه وعدم التسرع، وبهذا يعرف دين العبد ورزانته وعقله، فدينه يعرف به؛ لأنه يعرف أن التسرع سوف يلصق تهمة بآخر أو يظلم فيها إنساناً، أو يحمل على إنسان ويبغضه وهو غير مستحق لذلك منه، ويعرف به رزانته وعقله؛ لأن التسرع طيش وحمق كما مر بنا، ويقول مصطفى السباعي كلمة جميلة تدلنا على بعض طبائع الناس، وبعض ما قد يشيع فيهم فيقول: " لا تصدق كل ما يقال، ولو سمعته من ألف فم حتى تسمعه ممن شاهده بعينه، ولا تصدق من شاهد بعينه؛ حتى تتأكد من تثبته فيما يشاهد، ولا تصدق من تثبت فيما يشاهد حتى تتأكد من خلوه من الغرض والهوى
وأيضاً في شأن التثبت، مسألة وهي قضية العزو.. من أين لك هذا؟ من أين جئت به؟ من أخبرك به؟ وأما الغمغمة والهمهمة فلا تكفي في هذا، وأما التوثيق على الجهالة فأصل عند أهل الحديث غير مقبول؛ فإنك تسأل بعض الناس: من أخبرك بهذا؟ يقول: أخبرني من لا أتهمه، قد تقول له: من ليس متهماً عندك قد يكون متهماً عند غيرك! ويقول: أخبرني من أثق به، فنقول: من هو حتى يعرف حاله؟ فهذه مسألة مهمة.
ولقد قال أهل العلم كلاماً جميلاً، وأشير إلى مقدمة صحيح مسلم فإن فيها نقولاً نفيسة في هذا الباب، ومنها قول عبد الله بن المبارك - رحمه الله - عندما قال: " الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".
لك أن تقول قال فلان، ولكن إذا جئت نريد أن تعطينا الخطام والزمام، قل من قال هذا ومتى قاله لك؟ وكيف قاله لك؟ حتى نعرف، أما أن ترسل القول هكذا فلا ينبغي أن يقال هذا.
وقد قال ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى: " من أراد أن ينقل مقالة عن طائفة فليسم القائل والناقل وإلا فكل أحد يقدر على الكذب "، حتى في أهل الباطل، لا بد أن تنسب القول لهم، وأن تتحرى أن هذا القول هو قولهم، وأن هذا المذهب هو مذهبهم، وان تعزوه إلى كتبهم، وأن تسنده إلى علمائهم ثم بعد ذلك تقول هذا القول، ولعل الأمثلة في هذا شهيرة في بعض المسائل التي تنسب إلى الأئمة، وقد نبه على بعض هذا الشيخ أبو بكر أبو زيد في كتابه: " التعالم في الفكر و الكتاب".
ومن هذا في التثبيت معرفة حال الناقل: وهذه مسألة مهمة أيها الأخوة، فبعض الناس يقبلون في أهل الصلاح قول أهل الفساد، وفي أهل الدعوة قول أهل الشهوة.
*ـ من أحوال التثبت. أولاً: التثبت في الأقران والمتنافسين
من مسألة الاحترازات والتثبت مسائل الأقران، والذين يكونون متنافسين حتى من أهل العلم والخير والصلاح والتقى؛ فإن النفوس أحياناً يكون فيها مغاضبة أو فيها منافسة، فإذا سمعت قولاً من قرين في قرينه، فخذ قاعدة قالها أهل العلم:" كلام الأقران يطوى ولا يروى".
وقد قال بعض أهل العلم في هذا كلاماً نفيساً، قال:" دع عنك ما قاله فلان في فلان، وفلان مع فلان، وفلان مختلف فيه؛ فإنهم كانوا أهل علم وأمرهم إلى الله عز وجل".
قال السبكي رحمه الله في هذا: " إياك إلى ما كان بين أبي حنيفة والثوري وبين مالك وابن أبي ذئب، وبين أحمد بن صالح والنسائي، وبين أحمد بن حنبل والمحاسبي وهلم جرّا، ثم قال: فإنك إذا اشتغلت بذلك خفت عليك الهلاك؛ فإن القوم أئمة أعلام، ولكلامهم محامل، وربما لم نفهم بعضه، ولا يسعنا إلا الترضيّ عليهم والسكوت عن ما جرى بينهم".
*- التثبت وأهل الاختصاص.
بحث المسائل لإصابة الحق لا بد أن يكون من المختصين بالعلم من أهل العلم، وطلبته بقواعد أهل العلم.
وهناك مسائل كثيرة تعترض هذا، هناك غضب يعتري النفوس أحياناً، فما أقوله وأنا غاضب، أو عندما استثار بقول قائل أو بفعل معين، فلا يأخذ هذا القول ويسلم ويعتبر، وإنما ينبغي مراعاة هذه الأحوال كلها.
وأيضاً لا بد كما قلنا (من معرفة) حال الناقل وحال المنقول فيه، فإن كان المنقول عنه القول أو المنقول عنه هذا الفعل.. نعلم خيره وكثرة صلاحه، ونعلم ويغلب على ظننا أنه ما يقصد مثل هذه الأمور من الشر أو الفساد، فإن هذا له أثره في التثبت؛ حتى نتمم هذه القواعد الكاملة في هذا، ولا بد أيضاً من البيان كما قال ابن جرير رحمه الله: " لو كان كل من اُدِّعِيَ إليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ؛ لأنه ما منهم إلا ونسب إليه ما يرغب به عنه "، إما لاختلاف هوى أو للتنافس، أو لاجتهاد خاطئ. وما من واحد من الأئمة إلا وأنت واجد أنه قيل فيه قولاً عظيماً، حتى نسب كثير من أهل العلم كالشافعي إلى التشيع، وعبد الرزاق والحاكم وغيرهم من أئمة كبار، ولو أنك تأخذ هذا من غير هذا التثبت الذي قلناه، لوقعنا في كثير من الأمور الخطيرة التي ينبغي التنبه لها.
*- التثبت وإحسان الظن.
مسألة إحسان الظن، وهي مسألة مهمة قد نكون قد ألممنا ببعض الأمور فيها، ولكننا نفصل القول فيها قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} قضية مهمة، وقد أشرنا مراراً إلى حديث أبي هريرة: (اجتنبوا الظن فإن الظن أكذب الحديث)، ذكر ابن حجر رحمه الله:" لما جعل الظن أكذب الحديث مع أن الكذب من أكبر الكبائر؟ فجعل الظن أكبر هذا الكذب؛ لأن الظان ظن السوء يظن أنه يحسن صنعا، وهو لا يرى أنه أخطأ، أما الكاذب فهو يكذب وهو يعلم أنه مخطئ"، أيضاً هذه المسائل دقيقة، وفيها دقائق من أمور المراقبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في تهذيب وتنبيه وتذكير للمخالفين في هذا الباب: (يا معشر من آمن بلسانه ولمّ يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته) وفي رواية في جوف رحله، رواه أبو داود في السنن. لماذا ذكرنا الحديث الذي ذكر أمر التتبع؛ لأن تسلسل الظن أنه يقول ظننت ثم يقول أريد أن أتحقق، وقد ورد النهي عن هذا، وقد جاء كلام السلف في هذا مؤيداً لكلام الفاروق رضي الله عنه، لا تظنن على كلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً، وهذا كله يتعلق بسلامة الصدر، وإحسان الظن بأهل الإيمان يحتاج إلى نقاء النفس وطهارة القلب.
*- ما يدخل تحت حسن الظن: عدم التعرض للنوايا
من هذا الجانب وهذا الباب من إحسان الظن عدم التعرض للنوايا، يقول القائل قولاً فنقول يقصد به كذا، وهل شققنا عن قلبه؟ لم تكن هناك قرائن كثيرة (متحفة)، وشواهد كثيرة ظاهرة، وألفاظ صريحة ناطقة، فما لنا نحمل القول ما لم يحتمل، ونحمِّل أنفسنا من الإثم المتوقع ما لا نحتاجه، والأصل في هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري في حديث الرجل الذي جاء واعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: اتق الله واعدل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله!، ثم ولّى فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.
و(منه) أيضاً حديث أسامة بن زيد المشهور في بعثه في صحيح مسلم والذي قال فيه: فهويت بالسيف، فقال لا إله إلا الله، فقتلته، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقتلته بعد أن قال لا اله إلا الله، فقال أسامة: إنما قالها متعوذاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلاّ شققت عن قلبه!.
*- التماس العذر.
لا يكون ذلك إلا مع حسن الظن، وخاصة إن وقع الخطأ من أهل علم أو أهل صلاح؛ فإنه يغلب على الظن أنه وقع منه سهواً أو بغير قصد أو نحو ذلك، ومن هذا الباب أمر مهم وهو المقارنة بالمثل والمقياس بالنفس، وإن كنت تقول إن هذا وقع منه كذا، فهل أنت مثله أو دونه تستجيز على نفسك أن تقع في هذا الخطأ أو تقوم بهذا الخطأ، فتقول: معاذ الله ؛ فإن نفيت عن نفسك فانف عن أخيك؛ فإن هذا من باب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.
فهذه مسائل مهمة ينبغي أن ينصف فيه من نفسه، وأن يعذر فيه من وقع فيه الكلام بسوء الظن، وكما قال أهل العلم:" إن التماس العذر لأهل الخير أمر راجح لا مرجوح".
قال السبكي:" إذا كان الرجل مشهودٌ له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تعود منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح وحسن الظن به وبأمثاله، ومثل هذا أيضاً ما وقع من بعض الأئمة في بعض الأمور والاجتهادات..
يتبع


 
 توقيع : السوقي الأسدي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الأسدي ; 03-09-2009 الساعة 01:22 PM

رد مع اقتباس