عرض مشاركة واحدة
قديم 05-26-2010, 11:38 AM   #5


اليعقوبي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-20-2020 (12:54 AM)
 المشاركات : 668 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التلقب بالشريف للشيخ حاتم الشريف (1)



... تابع مقالة الشيخ وفقه الله ...

لماذا التلقب بالشريف؟
فإن سألت: لماذا إذن يتلقّب به آل البيت؟
فإنِّي أُجيب بسؤال: ألا تجد للتلقّب به معنى إلا معنى التكبّر والتعالي؟! فإن وجدتَ معنى آخر حسنًا غير مذموم، فالأصل حَمْلُ حال المسلم على المعنى الحسن ما دام محتملاً، ولا يجوز الدخول في النوايا، فضلاً عن وصف عشرات الألوف من المسلمين من (الأشراف) بالكبر والتعالي لمجرّد تلقّبهم بهذا اللقب!!! وعلى مَنْ بَهَتَ هذه الأمة الكبيرةَ من المسلمين (من أَوّليهم وآخريهم) بالكبر والتعالي، لمجرّد تلقّبهم بلقبٍ يحتمل غير معنى التكبر والتعالي = عليه أن يستعدّ للقصاص من حسناته وذنوبهم يوم القيامة !!!
فإن لم يجد صاحبُ ذلك السؤال إلا معنى التكبّر والتعالي للتلقّب بـ(الشريف)، سُئل: ألم تجد في الأشراف المتلقبين بالشريف رجلاً صالحًا قطّ ؟! ألم تجد فيهم حسنَ الأخلاق كريمَ الشّيَم ليّنَ الجانب أبدًا ؟! فإن لم تجد (تنزُّلاً)، أيحق لك أن تحكم على من لم تعرفه من (آل البيت) قياسًا على من عرفتَه منهم. وإن وجدتَ في آل البيت شريفًا صالحًا ومَنْ ظاهره التقوى وخوف الله تعالى، أفلم يكن ذلك كافيًا ليدلّك على تقصيرك الشديد في عدم رؤيتك في لقب (الشريف) إلا معنى التكبر والتعالي؟! وإلا فكيف وجدتَ من تلقّب بالشريف، وهو مسلمٌ صالحٌ ليّنُ الأكنافِ طيّبُ الأعطافِ؟!! وجودُ من تلقّب بـ(الشريف)، ولو آحاد منهم، وهو بعيدٌ في خُلُقه عن التكبّر والتعالي، يدلّك على عدم التلازم بين: لقب (الشريف)، والكبر والتعالي، ويدلّك على عدم جواز توهُّم ذلك التلازم، وأنه توهّمٌ باطل، ظلمَ به صاحبُه فئامًا كبيرًا من المسلمين بوصفهم بما ليس فيهم !!!
ووجود من تلقّب بـ(الشريف) قديمًا وحديثًا وهو من أهل الصلاح والفضل، وهو وجودٌ متيقَّنٌ، لا يكابر في إنكاره إلا من لا يستحقّ إلا أن يُذكّر بعاقبة البغي وبطر الحقّ وغمط الناس = وجودٌ يقطعُ بوجود معانٍ صحيحة صالحة للتلقّب بـ(الشريف)، غير معنى التكبّر والتعالي المتوهَّم.
ومن هذه المعاني الصحيحة:
(1) أنه لقبٌ لقبيلة، التدخُّل في استبداله من دون سبب مقنع لا يقبله أحدٌ من الناس. فليس هذا اللقب وليدَ العصر الحاضر، ولا القرن الماضي، بل له قرونٌ متطاولة.
(2) أنه شكرٌ لنعمةٍ لا يَدَ للمُنْعَمِ عليه بها، فهي نعمةٌ محضة. وأوّل درجات شكرِ النعمة ذِكْرُها والتنويهُ بها، كما جاء عن بعض السلف في تفسير قوله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ"[الضحى:11].
وقد علّق أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن (2/199) على قوله تعالى: "وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"[النساء:37] بقوله: «الاعتراف بنعم الله تعالى واجب، وجاحدها كافر، وأصل الكفر إنما هو تغطية نعم الله تعالى وكتمانها وجحودها. وهذا يدل على أنه جائزٌ للإنسان أن يتحدّث بنعم الله عنده، لا على جهة الفخر، بل على جهة الاعتراف بالنعمة والشكر للمنعم، وهو كقوله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ... ".
وقد قال ابن قيم الجوزيّة في مدارج السالكين (3/442): «فالافتخار نوعان: محمود، ومذموم. فالمذموم: إظهار مرتبته على أبناء جنسه ترفُّعًا عليهم، وهذا غير مراد. والمحمود: إظهار الأحوال السنيّة، والمقامات الشريفة، بوحًا بها، أي تصريحًا وإعلانًا، لا على وجه الفخر، بل على وجه: تعظيم النعمة، والفرح بها، وذِكرها ونَشْرِها، والتحدّث بها، والترغيب فيها، وغير ذلك من المقاصد في إظهارها. كما قال –صلى الله عليه وسلم- : ((أنا سيّد ولد آدم ولا فخر...)).
وذكر الخطابي في إصلاح غلط المحدثين (62 رقم 103) حديث: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، ثم قال شارحًا له: «يريد أنه يذكر ذلك على مذهب الشكر والتحدّث بنعمة الله، دون مذهب الفخر والكبر».
وعقد شمس الدين ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعيّة بابًا عن هذا الموضوع، بعنوان: فصلٌ في تزكية النفس المذمومة ومدحها بالحق للمصلحة أو شكر النعمة. (الآداب الشرعية: 3/464-466).
وانظر كتب التفسير عند قوله تعالى حاكيًا قول يوسف –عليه السلام- : "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]. وقوله تعالى عن داود وسليمان عليهما السلام: "وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ" [النمل:15]. وقوله تعالى عن سُليمان: "وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" [النمل:16]. وقوله تعالى حاكيًا قول يعقوب –عليه السلام- : "وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" [يوسف:86].
وهي ثناءٌ من النفس للنفس، من هؤلاء الأنبياء الصفوة عليهم السلام! وهي بين ثناء لمصلحة، وشكرٍ على النِّعَمِ، وفرحٍ بالفضل الإلهي.
(3) أنه فرحٌ بالنعمة الربّانيّة، وهذا الفرح هو الذي يسمّيه الناس اعتزازًا، ويفرّقون بينه وبين الفخر المذموم. وأيّ الناس يخلو من فرح بنعم الله تعالى عليه، ويذكرها من باب الرضى عن ربه والحُبّ لعطائه –عز وجل-.
وانظر قول الله تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" [يونس:58]، وشَرْحَ ابن القيم لهذا الفرح، وأنه إظهار للنعمة من دون افتخار، وإن كان ظاهره الافتخار المذموم، حتى قال في آخر كلامه عن كلمة الفرح بالنعمة: «فمصدر الكلمة والحامل عليه يُحسّنُها أو يُهجِّنُها، وصورته واحدة». (مدارج السالكين 3/90).
(4) أنه علامةٌ تُذَكّر بحقّ صاحبه، وأنه من آل بيت النبوّة، ليقوم الناس بواجبهم الذي أجمع عليه أهل السنة تجاههم.
وقد سبق كلام العالم المجدّد محمد بن عبدالوهاب في العمامة الخضراء، وهي أوضح في ظهور هذا السبب، وأنه سبب مطلوب شرعًا.
(5) أنه سبب لحفظ هذا النسب، الذي تتعلَّقُ به أحكام شرعيّة خالدةٌ خُلودَ دين الإسلام؛ حيث إن إظهاره بهذا الإظهار أدعى لحرص المنتسبين إليه على التمسُّك به، حتى بعد هذه القرون المتطاولة، ولذلك انقطعت عامّةُ الأنساب إلا أنساب آل البيت. كما أن إظهاره بهذا الإظهار يساعد على حمايته من الدخلاء عليه؛ لأنه علامةٌ بارزةٌ لدعوى النسب، فما إن يذكره أحدٌ لَقَبًا له كذبًا وادّعاءً، حتى يُعرف ويُشتهر بين الناس وعند حَمَلة هذا اللقب بحقّ أنه دعيٌّ كاذب.
وما دام لهذا اللقب مثل هذا العمل المطلوب شرعًا، وهو أنه يساعد على حفظ النسب المطلوب حفظه شرعًا، فهو لقبٌ مطلوب شرعًا أيضًا.
وهنا: أذكّر أن الحميّة للقبيلة وأبناء العمومة فطرةٌ في الناس جميعًا، وهي ظاهرةٌ في عموم العرب كلهم. وما دامت هذه الحميّة فطرةً في الناس، فلا يمكن أن يعارضها دينُ الفطرة (الإسلام)، ولكنه هذّبها ووجّهها التوجيه النافع. وهذا التوجيه (لا الإلغاء) للحميّة القبليّة ظاهرٌ في نصوص عديدة وأحكام مختلفة، في مثل نصوص فضائل بعض قبائل العرب، وفي مثل قوله –صلى الله عليه وسلم- : (( ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ))، وفي مثل دية القتل الخطأ وأنه على العاقلة، وهم أقارب القاتل خطأً وأبناء عمومته، إلى غير ذلك من نصوص وأحكام وقصص في سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وسيرة خلفائه من بعده –رضي الله عنهم - .
أقول هذا لأذكر أن لقب (الشريف) أَوْجَدَ حميّةً بين المنتسبين إليه، أدّت إلى حفظ النسب المطلوب حفظه، لتعلُّقِه بأحكام شرعيّة منوطةٍ بالعلم به. وغلا بعض آل البيت في حميّته كما غلا غيرهم فيها، وتجاوزوا حدَّ تهذيب الشريعة لها. لكن هذا الغلو المذموم لا علاقة له باللقب، وإنما يتعلّق بالمتلقّب به وبكونه أخطأ في الوقوف بحميّته عند الحدّ المستحسن. ولذلك كان في المتلقبين بالشريف من لا يُتّهم في دينه أو خُلُقه، ولا يرى الناسُ منه بَطَرًا ولا أَشَرًا، مما يدل على عدم التلازم بين هذا اللقب الشريف وأن يكون المتلقِّبُ به بَطِرًا متكبّرًا.
هذه كلها مقاصد مشروعةٌ وحميدة للتلقّب بالشريف، وهي تبيّن أن لهذا التلقّب معانيَ غير المعنى المذموم، وهو التعالي والتكبر. ومعنى واحدٌ من هذه المعاني كافٍ لردّ التصوّر الخاطئ الذي توهّمه (أو أوهمه) بعضُ الناس، من أن هناك تلازمًا بين التلقّب بهذا اللقب وكون صاحبه متفاخرًا الفخر المذموم.
ويبقى أن هناك أسبابًا قد تخصّ بعض المتلقّبين بهذا اللقب دون بقيّتهم: كأن يكون صاحب هذا اللقب عالماً من أهل السنّة، فيريد بإظهار هذا اللقب أن يبيّن أن معتقد أهل السنّة لا يعارض الاعتراف بحق آل البيت، من خلال اعتناق واحدٍ من آل البيت لهذا المعتقد السُّنِّي. وفي هذا من الردّ العملي القويّ، وله من الدلالة الصحيحة السريعة، ما لا يكاد يوجد مثله في غيره نقضًا على المخالفين لأهل السنة ودفعًا لباطلهم.
أفيصحّ بعد هذا كلّه أن يُصرّ بعض الناس على إنكار التلقّب بهذا اللقب، دون أن يتثبّتوا من دواعي هذا الإنكار في أنفسهم، ودون خشية الجَوْر في الأحكام وعدم الإنصاف، الذي ظهر من ذلك التسرّع في التصوّر الخاطئ الذي قدحوه في عقولهم لمعنى هذا اللقب وللازمه.
إنّ الذين تلقّبوا بهذا اللقب ألوفٌ من الناس، بل مئاتُ الألوف قديمًا وحديثًا، وهم من أهل الشهادتين. فما أعظم وزر من ظلم هؤلاء جميعًا بأنهم أصحاب تكبّر وتعالي! وما أشدّ مناقضته لوصيّة النبي –صلى الله عليه وسلم- فيهم!! وما أبعده من رعاية حقّ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- في ذريته!!!
ألم يستوقف هؤلاء المنكرين لهذا التلقّب، أن إنكارهم هذا مُحْدَث، وأن هذا اللقب مع تقادم زمانه، لم ينكره أئمة الدين على مَرّ العصور. بل كانوا يستخدمونه ويطلقونه هم بأنفسهم على آل البيت، دون أي تحرّز في مشروعيّته أو تردّد فيها.
وذكر أمثلةٍ على ذلك مما لا داعي له؛ لأنه أوضح من أن يحتاج إلى مثال، وأسهل من أن يحتاج إلى عناء الاستدلال.
ولكن لا بأس من ذكر مقتطفات من كلام أهل العلم في ذلك:

بعض أقوال أهل العلم في لقب "الشريف"
قال السيوطي في فتواه المسمّاة بـ(العجاجة الزرنبيّة في السلالة الزينبيّة): « اسم الشريف كان يُطلق في الصدر الأول على من كان من أهل البيت، سواءً كان: حسنيًّا، أم حسينيًّا، أم علويًّا من ذرية محمد بن الحنفيّة وغيره من أولاد علي بن أبي طالب، أم جعفريًّا، أم عقيليًّا، أم عباسيًّا. ولهذا تجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحونًا في التراجم بذلك، يقول: الشريف العباسي، الشريف العقيلي، الشريف الجعفري، الشريف الزينبي. فلما ولي الخلفاء الفاطميون بمصر، قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط، فاستمرّ ذلك بمصر إلى الآن. وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الألقاب: الشريف ببغداد لقب لكل عبّاسيّ، وبمصر لقب لكل علوي، انتهى. ولا شك أن المصطلح القديم أولى، وهو: إطلاقه على كل علوي، وجعفري، وعقيلي، وعباسي؛ كما صنعه الذهبي، وكما أشار إليه الماوردي من أصحابنا، والقاضي أبو يعلى الفراء من الحنابلة، كلاهما في الأحكام السلطانية...»، إلى آخر الفتوى (الحاوي للفتاوي 2/32-33).
وواضح من هذه الفتوى أنه يرى مشروعيّة هذا اللقب، هو ومن سمّاهم من العلماء.
وأمّا ما جاء فيها نقلاً عن الحافظ ابن حجر، من أن لقب (الشريف) كان ببغداد يخص العباسيين، فليس بصحيح. فما زال الطالبيّون بالعراق وببغداد يتلقّبون بالشريف، ولهم نقابة الأشراف. وليس هذا مجال الاستدلال لذلك، لكن مما يدل عليه، ويدل على استخدام العلماء لهذا اللقب، قولُ القاضي أبي الحسين بن أبي يعلى الفرّاء الحنبلي (ت526هـ) في طبقات الحنابلة (3/456): «وحضر جنازته خلقٌ كثيرٌ من أرباب الدين والدنيا، وأصحاب المناصب، ونقيب العباسيين، ونقيب الأشراف الطالبيين...».
وقال شهاب الدين القرافي (ت684هـ) في كتابه الذخيرة (10/413)، وهو يضرب مثالاً لكتابة محضر في إثبات نسب: « تكتب في نسب الشرفاء: ويشهدون بالاستفاضة الشرعيّة بالشائع الذائع، والنقل الصحيح المتواتر، أنه شريف النسب، صحيح الحسب، شريف من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-، وأن نسبه صريح صحيح، متّصلٌ بنسب الحسين –عليه السلام-، من أولاد الصُّلب، أبّا عن أب، إلى أن يرجع نسبه إلى أصل نسب الحسين –عليه السلام-».
وقال أبو بكر ابن المقريء (ت381هـ) في معجم شيوخه: «حدثنا أبو محمد الشريف العلوي، ولم تر عيناي في الأشراف مثله: يحيى بن محمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب» (رقم 1367).
وقال الحاكم أبو عبدالله (ت405هـ): «وممن يجمعهم ورسولَ الله صلى الله عليه وآله هذا النسب من التابعين، بعد الأشراف العلويّة ...». (معرفة علوم الحديث 496).
ولمـّا ذكر الآجري (ت360هـ) في كتاب الشريعة له أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما مدفونان بقرب النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، ذكر أن بعض أهل البدع يُشكّكون في ذلك، ثم قال: «فإن قال قائل: فإن فيهم أقوامًا من أهل الشرف يعينونهم على هذا الأمر القبيح في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قيل له: معاذ الله! قد أجلَّ الله الكريمُ أهلَ الشرف من أهل بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وذريّته الطيّبة من أن يُنكروا دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، هم أزكى وأطهر، وأعلم الناس بفضل أبي بكر وعمر، وبصحّة دفنهما مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وما ينبغي لأحد أن ينحلَ هذا الخلق القبيح إليهم، هم عندنا أعلى قدرًا وأصوب رأيًا ممّا يُنْحَل إليهم.
فإن كان قد ظهر إنسانٌ منهم مثلما تقول، فلعلّه أن يكون سمع من بعض من يقع في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويذكرهما بما لا يحسن، فظنّ القول كما قال.
وليس كل من رفعه الله الكريمُ بالشرف وبقرابته من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عُني بالعلم، فَعَلِمَ ما له ممّا عليه، إنما يُعَوّل في هذا على أهل العلم منهم.
والذي عندنا أن أهل البيت –رضي الله عنهم- الذين عُنُوا بالعلم يُنكرون على من يُنكر دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع النبي –صلى الله عليه وسلم- ... (إلى أن قال فنحن نقبل من مثل هؤلاء الذريّة الطيّبة المباركة ما أتوا به من الفضائل في أبي بكر وعمر، وهل يروي أكثر فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وولده من بعده؟! يأخذه الأبناء عن الآباء، إلى وقتنا هذا.
نحن نُجل أهل البيت –رضي الله عنهم- أن يُنحل إليهم مكروه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أو تكذيب لدفنهما مع النبي –صلى الله عليه وسلم- .
(إلى أن قال عن الرجل من آل البيت يُنكر فضل الشيخين بل إذا سُمع منه ما لا يَحْسُنُ، وُقفَ على ذلك، ووُعِظَ، ورُفِقَ به. وقيل له: أنت وسلفُك أجلّ عندنا من أن نظنّ بك أنك تجهل فضل أبي بكر وعمر، أو تنكر دفنهما مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ...». (الشريعة للآجري 5/2375-2381).
وفي هذا النقل فوائد جليلة، غير استعمال لقب الشريف لآل البيت، ومنها: إجلالهم وتوقيرهم، والرفق بجاهلهم، ودفع قالة السوء عنهم ما أمكن ذلك، والحرص على هداية ضالهم.
وقال المرداوي الحنبلي (ت885هـ) في الإنصاف: « الثامنة: الأشراف: وهم آل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم-. ذكره الشيخ تقيّ الدين، واقتصر عليه في الفروع. قال الشيخ تقيّ الدين: وأهل العراق كانوا لا يسمّون شريفًا إلا من كان من بني العباس، وكثيرٌ من أهل الشام وغيرهم لا يسمّونه إلا إذا كان علويًّا. قال: ولم يُعلّق عليه الشارع حكمًا في الكتاب والسنة، ليُتلقَّى حَدُّه من جهته. والشريف في اللغة: خلاف الوضيع والضعيف، وهو الرياسة والسلطان. ولمـّا كان أهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- أحقَّ البيوت بالتشريف، صار من كان من أهل البيت شريفًا». (الإنصاف -بحاشية الشرح الكبير- 16/512).
وهذا كلام صريح في مشروعيّة هذا اللقب لآل البيت، وأن هذا اللقب من أمور العادات التي لا يُتطلّبُ معناها وحدُّها من نصوص الشرع، فلمّا وافقت حقيقةُ نسب آل البيت الدلالة اللغوية لهذا اللقب، كانوا أحقّ من خُصُّوا به.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميّة: «عن الوقف الذي أُوقف على الأشراف..؟ »، فأجاب عن السؤال، إلى أن قال: «وكذلك من وقف على الأشراف، فإن هذا اللفظ في العُرف لا يدخل فيه إلا من كان صحيح النسب من أهل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم-...». (مجموع الفتاوى 31/93-94).
ووصف شيخُ الإسلام ابن تيميّة عبدَالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بأنه: «أحد الأشراف الحَسَنين، بل أجلهم قدرًا في عصر تابعي التابعين». (مجموع الفتاوى 27/383).
وفي حاشية ابن عابدين الحنفي: «الشريف، كل من كان من أهل البيت: علويًّا، أو جعفريًّا، أو عباسيًّا، لكن لهم [أي للجعفري والعباسي] شرف الآل الذين تحرم الصدقة عليهم، لا شرف النسبة إليه –صلى الله عليه وسلم- ...». (حاشية ابن عابدين 6/685).
وقال اللقاني في شرح جوهرة التوحيد له: «يُطلق على مؤمني بني هاشم: أشراف، والواحد: شريف، كما هو مصطلح السلف. وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين في مصر خاصّة في عهد الفاطميين. ويجب إكرام الأشراف، ولو تحقّق فسقُهم؛ لأن فرع الشجرة منها، ولو مال». (حاشية الطهطاوي على مراقي الفلاح 1/8).
وقال المناوي في فيض القدير (1/522): «عدّوا من خصائص آل المصطفى –صلى الله عليه وسلم- إطلاق (الأشراف) عليهم، والواحد: شريف».
وهذه النقول غيضٌ في فيض إطلاقات العلماء للقب الشريف على آل البيت، دون نكير منهم، بل مع الإقرار، وربما صرّحوا بما يدلّ على المشروعيّة كما رأيتَ آنفًا.
أفيكون هؤلاء جميعًا -وغيرهم كثير- غافلين عن تحريم هذا اللقب؟!
ألا فليتق اللهَ مستحلُّ أعراض المؤمنين، وليَسْتَحْيِ راغبٌ في شفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يقابله يوم القيامة وقد آذى آله بالسبّ والشتم، أو الغمز واللمز. وقد قال القاضي عياض في الشفا (5/518): «وسب آل بيته وأزواجه وأصحابه –صلى الله عليه وسلم- وتنقُّصُهم حرامٌ ملعونٌ فاعله». وقال ابن قيم الجوزية في حاشيته على سنن أبي داود (3/17): «أنّ أذى أهل بيته –صلى الله عليه وسلم- وإرابتهم أذًى له».
وكيف يجتمع حبّ النبي –صلى الله عليه وسلم- وبُغْضُ آله في القلب ؟!
وكيف تجتمع الصلاة على النبيّ وآله صلى الله عليهم وسلم وشَتْمُهم وتنقُّصهم؟!
وكيف يجتمع ائتمارٌ بأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- وطاعةٌ له مع مخالفة وصيّة النبي –صلى الله عليه وسلم- في آل بيته؟!
وأما إن لم يبق للمتردد في مشروعية هذا اللقب إلا مسألة صحة تقديمه على الاسم لغة أو تأخيره، فالأمر سهل؛ لأنه لا يحتاج ذلك إلا إثبات صحته في اللغة.
ويكفي لإصبات صحته لغة أن يرد تقديم اللقب على الاسم في كتاب الله تعالى: قال الله تعالى: "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" [النساء:171]، وقال تعالى: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ" [النساء:157].
وبهذا تندفع الاعتراضات التي وجدتها على لقب (الشريف)، ولا أعرف للمعترضين غير ما سبق مما رددته وبينت سقوطه.
عفا الله عن الجميع ما أسرفوا فيه، وغفر لهم ظلمهم، وهداهم إلى رشدهم.
** والله أعلم **
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..

انتهت المقالة المباركة لشيخنا أبي محمد حاتم بن عارف الشريف العوني أستاذ الحديث المشارك بجامعة أم القرى وعضو مجلس الشورى والمشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء وفقه الله ورعاه وزاده رفعة ومكانة وعلما وعملا وبارك له في علمه ومنزلته ونفعنا بعلمه.
هكذا علمنا (هو وغيره من مشايخنا) ووصانا أن ندعو له لا أن نطريه فإن الكمل يكرهون الإطراء لأنهم أغنياء بحقائقهم عن أوصاف مجاز مجازف بها.


 
 توقيع : اليعقوبي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس