الموضوع: فصول من حياتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-11-2012, 09:36 PM   #42
مراقب عام القسم الأدبي


الصورة الرمزية السوقي الخرجي
السوقي الخرجي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
 المشاركات : 780 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فصول من حياتي



المرحلة الثانية من مرحلة تعلمي.
وهنا ننتقل إلى المرحلة الثانية من مراحل طلبي للعلم والتي كانت بدايتها 1399 للهجرة ويبدو أنني أطلت في الحديث عن المرحلة الأولى,لأنها جرت أمورا وأحاديث بعضها لا يخصني شخصيا , وإنما جرها ارتباطي الذي يصعب فصله عن القبيلة التي أنتمي إليها, والاستفاضة في هذا الموضوع مهمة عندي إلى درجة أنها أهم من الموضوع الأساسي نفسه.
وعلى كل فقد اختار والدي أن يرسلني إلى حي(كل تجلالت) ليوجد قدرا من المنافسة التعليمية بيني وبين شقيقي سفيان الذي أرسله قبلي إلى حي (كل تبورق) تلميذاعند الشيخ المنير بن الشيخ حماد رحمه الله وكان الوالد كلما وجدنا مجتمعين في زياراته للحيين يقول لي أنا وسفيان, انتبها لأنفسكما وتعليمكما أنتما كفرسي رهان, فحينا في انتظار ما تعودان به من العلم في رحلتكما في طلب العلم.
فارسلني إلى الشيخ العلامة العتيق بن الشيخ سعد الدين وذلك بعد إكمالي القرآن بعضه حفظا وبعضه قراءة.
وقد ذهبت تلك الأيام بأسرارها وأخبارها, وحلوها ومرها, ولم أسجل من ذلك شيئا ولم تكن فكرة تدوين الذكريات مما يدور في أذهان الناس, وأبكي على ما ذهب ولم تسجله ذاكرتي من أحداث تلك الأيام والعتب في ذلك علي وعلى كر الليالي التي طوت غالب أحداث سني الطفولة والشباب, وطوحت بها في مجاهل الصحراء,فكنت كمن عثر على كنز ثم تركه ليعود إليه ولم يحدد معالم المكان, ولم يضع علامة تهديه السبيل,فلو قدرلي أن ارسم بقلمي ذكريات تلك الأيام والعيش غض, والعود رطب لكان ذلك آية في الروعة, وغاية في الجمال, أما الآن فهيهات, فقد تغيرت الاحوال, وتغير كل شيء, فلا ذلك الزمان مثل اليوم.
(ومن ذا الذي ياعز لايتغير).
محطات على ضفاف الذاكرة.
وبقي لي أن أقول أن هذه المرحلة لم تكن تختلف كثيرا عن المرحلة السابقة فإنها وإن كانت وفرت ما أحتاج إليه من الناحية التعليمية إلا أنها حرمتني من أشياء يحتاج إليها عالم الطفولة الذي يرقص ويطبل في داخلي ولم تُتَح لي أي فرصة للبطالة ولا الاستقلالية التي كانت تميل إليها شخصيتي بل نقلتني من سلطة (معلم القرآن) إلى صرامة (الشيخ) الذي يعتني بمراقبة السلوك والعادات إلى جانب التعليم .
ما وراء اللثام.
ويسعى الشيخ جاهدا في تنمية وتغذية الآداب التي كانت في مرحلة التخلق, إلى أن تتكون فيحمى حماها بالعمامة واللثام الذي لم يكن عند القوم مجرد عادة سائبة, بل أريد له أن يكون حاضنا لآداب وأعراف لها قيمتها وقامتها في المجتمع, وينظر إليه العلماء على أنه شعار العلم والهيبة وحبب إليهم ذكر المقولة المشهورة في ترجمة مالك (وما أفتى مالك حتى استفتاه أربعون محنكاً) ، والتحنك اللثام تحت الحنك لأنه شعار العلماء في القديم .
وصايا على درب الحياة.
فأول ما يقولون للشاب عندما يعممونه (انك صرت رجلا) أصبحت مطالبا بواجبات والتزامات الرجال, فاترك عنك حياة الطفولة وابتعد عن ضجيجها وصخبها.
بأي ذنب وئدت هذه الأحلام.
وأشعر أنني لم أجد فرصة في تحقيق بعض أحلام الطفولة, التي وئدت في نفسي وهي حية, ولم أعطَ فرصة في بناء صروح أحلامي وأوهامي ورغباتي وعواطفي, ومنعتني من الانفعالات النفسية التي كنت أحتاج إليها في فترة الطفولة والمراهقة.
وقد دفع أبنائي ثمن ذلك حيث إنني أتابعهم في كل صغيرة وكبيرة وأطالبهم بمثل ما أطالَب به وقتئذ فأتذكر حاجتهم إلى اللعب وشيء من اللهو فأكف عنهم, ومع ذلك فقد أعطتني هذه المرحلة فرصة التحليق بعيدا عن الجو العائلي, إيذانا ببناء علاقات وصداقات بنيتها بنفسي, إشباعا لرغبة يواكب تعاظمها مراحل طفولتي كلها,وأحس من خلالها أنني لبيت فيها مطلبا ملحا لفكري وطموحي وشخصيتي, إلا أنني لا أستطيع تجاهل بعض طموحاتي التي دفنت في رمال الصحراء, وأعزي فيها نفسي, كيف لا وقد عوضني الله خيرا منها.
وعلى سبيل المثال كنت كأي شاب في الصحراء يعجبه أن يشبع رغبته في اللباس ويعيش حياة الشباب كما يعيشها أقرانه وأن يختار رحلا (تَرك) وجملا من خيار المهاري, ويسابق به في تلك الصحاري, ولا فخر وأنا ولله الحمد ممن يملك القدرة على تحقيق ذلك كله ولكنه لم يتحقق, بحجج أرى أنها واهية وهي حجة أنني طالب لابد أن تختزل حياته كلها في اللوح, والكتاب والدفتر.
ولم أنس في حياتي أن الشيخ العتيق أخذني أول وصولي إلى مسجد حي (كل تجلالت) مباشرة وأمرني بالوضوء, وكان الغالب من الناس في الصحراء يتيممون بدل الوضوء, وكان الشيخ العتيق من الربانيين الذين يربون بصغار العلم قبل كبارها مع كرم النفس، وسعة الصدر ، وعظم الصبر، متمكناً في قرآنه ، راسخاً في إيمانه داعية في سلوكه،أسوة في عمله وفي منطوقه،ومما أذكره في أول ليلة قضيتها في بيت الشيخ العتيق أنني سمعته بعد أدائه (وتره) يقول (سبحان الملك القدوس) ويكررها ثلاث مرات يمد بالأخيرة صوته فحفظت ذلك منه وكنت أقول هذا الذكر في وتري حتى جئت السعودية, وفي بعض المرات سمعني أحدهم وأنا أردد هذا الذكر فطالبني بإعادته عليه فقلت له لماذا؟ قال لأنني أول مرة أسمعه وتحاشى أن يقول لي بدعة فقلت حديث صحيح في سنن النسائي, فقال لم أسمع مشايخنا يقولونه , فقلت له هل كل ماقالوه سمعته قال لا فقلت له اجعل هذا الحديث من الجزء الذي يمكن أنهم يقولونه ولكنه لم يبلغك.
جزى الله شيخي العتيق عني خيرا.
فممالا أنساه أنني وجدت الكثير من شيوخ الجلاليين موجودا في المسجد فعرفهم الشيخ العتيق بي فوجدت نفسي وكأنني بين قومي ووجدت أنهم أعرف بي من نفسي, ورأيت فيهم من الحفاوة مالا أنساه لكل تجلالت ماحييت وقد أكرمني بذلك من حيث لايدري فأنا أحب الاستطلاع , ومعرفة الجديد في كل شيء ولا أمل من كثرة المعارف ولاأخاف في صغري أو في كبري من المجالس العامة, ولاآلف الخلوات في الفلوات.
وأذكرمن هؤلاء المشايخ.
الشيخ عبد القادر بن متال وأخيه محمد, والشيخ يوسف بن محمد أحمد واخيه الشيخ البشير والشيخ إسماعيل بن محمد الأمين والشيخ الحاج بن محمدأحمد والشيخ أمدي بن الشيخ حمدا,والشيخ أحمد بن الكرماني, والشيخ البشيربن أحمد بن موسى واخيه محمد الرشيد عرف) اعيد) وإن كان لغير هؤلاء من الجلاليين دور معين في مشواري التعليمي فإن من مر ذكرهم أقرب إلي من غيرهم وأشد ارتباطا.
تسعة أعوام في تلمذة الشيخ العتيق وعناية الشيخة سُلي بنت محمد عرف مهاما التبورقية.
مااستفد في أي فترة من فترات تعليمي مااستفدته في هذه الفترة وكان الشيخ العتيق والسيدة سلي كفرسي رهان في توجيهي وإرشادي لما فيه صلاح ديني وتعلمي.
الفترة الأولى.
لم أتأخر ولا يوما واحدا في متابعة التعليم في كل تجلالت بل بدأ لي الشيخ العتيق من أول يوم دروسا في مقدمة ابن ابي زيد القيرواني والتي بدأتها في حينا ولكنه بداها من أول المقدمة إلى آخرها، ثم بدأت الأجرومية ولم أذكرأن أحدا شاركه في تدريسي في هذه الفترة غير الشيخ الحاج وغير الطلاب الذين يأمرهم بأن يسمعوا لي ما يسمى عند السوقيين (أكلم) وهي تمارين تنشيطية يتلقاها الطالب لتقوية معرفته لباب الكلام عن طريق السؤال والجواب لُقنتُها تلقينا وحُفظتها حفظا, دون استفادة تذكر بسبب صغر سني.
والشيوخ السوقيون على إدراك تام بأن الطالب في هذه المرحلة لايعي كلما يكتب له أو يحفظه, وإنما يركزون على الحفظ في هذه المرحلة لأن الطالب يكون اكثر استعدادا للحفظ فيها أكثر من غيرها.
وبقيتُ من عام 1400 إلى 1403هجري في بيت الشيخ العتيق وألازمه في جميع أسفاره ويردفني خلفه على الجمل فأسمّعُ أحيانا,وأحيانا كثيرة استمع إليه وهو يقرأ القرآن وكان من أقرإ من رأيت للقرآن,ويتم ذلك عن ظهر قلب , ولا أذكر أنني رأيته يقرأ في المصحف وكانت قراءته للقرآن هي الأصل في حياته وغيرها من الأمور إنما تأتي تبعا لها, ولا ينافسها من وقت الشيخ العتيق غير الإطلاع وجرد المطولات, ولا ينتهي من قراءة الكتاب عادة حتى يكمله, ويحافظ على الكتاب بشكل جيد, ولا يكثر من وضع الطرر على الكتب الجديدة, وإنما يكتفي بوضع خط يسميه السوقيون (بيان) ويكون هذا الخط فوق السطر عكس ما هو مشاع الآن في المشرق من تقليد الغرب في وضع الخط تحت السطر.
المرحلة الثانية.
وهذه المرحلة وجدت فيها بعض الحرية وبدأت أبني علاقات تعليمية وأخرى شبابية, وصرت آخذ كتابي إلى من أريد الأخذ عنه, وبدأت في البطالة, فيمر علي يوم من دون أخذ الدرس, فيراني شيخي العتيق ولا يزيد على أن يقول لي يامحمد( اتق الله), وتُعد هذه الكلمة على نفسي أشدّ من السياط الكاوي وكان الشيخ العتيق لايسب ولايعنف ولايضرب وله مزاح خفيف ألطف من النسيم, وأحلى من الماء الذلال وأما الشيخ محمد الحاج فإنه ينصحني دائما ويتعدى مجرد النصيحة إلى تذكيري بقصص الفاشلين في تعلمهم, والمتخلفين عن ركب زملائهم, وكانت كلماته وإشاراته لاتخلو من الإشارة إلى المستقبل وأن كلامه سوف أتذكر أهميته بعد حين فكان كما قال رحمه الله.
الطالب المدلل.
ولزوج الشيخ العتيق السيدة (سُلى) بنت محمد (مهاما) (التبورقية) دور كبير في حياتي كما أن لأمها أمامة بنت حماد رحمهما الله نفس الدور مع أخي سفيان, في حي (كل تبورق) وكانت تهتم به كما لوكان من أبنائها.
وكان اسم (سلي) لايقابله في ذهني وخيالي إلا كلمة (الأم) ويعد الحديث عنها أوذكرها في أي مناسبة أثبت في خيالي وأرسى من الجبال, فقد تجسدت في نفسي كما تتجسد الحقائق التي لاتتبدل ولاتتغير.
وكانت تتابعني وتراقبني عن كثب , وتوقد في نفسي جذوة الجدية في التعلم وكأنها تحضرني إلى شيء معين, وكنت أستغرب من شدة حرصها في ذلك, ولها بصمة خاصة في سلوكي وأخلاقي, ولا أذكر أن أحدا يفوقها في هذا الجانب, وكانت رحمها الله خير النساء, وقد اجتمع فيها ما تفرق في غيرها ويكفي بعض الرجال اليوم, أن يكون لهم بعض ماتتمتع به من سمو الأخلاق ونبل المواقف, وهي في ترق دائم في مراقي الكمال الذي انتهى بها إلى الاستشهاد في مذبحة(وادي الشرف)التي راح ضحيتها جمع غفير من علماء وخيرة رجال السوقيين بيد الجيش(المالي) سنة 1415هجري.
وأصدق بيت عليها قول الشاعر:
ولوكان النساء كمل هذي = لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب = ولا التذكير فخر للهلال
شعاع من مشكاة (سلي).
كانت السيدة (سلي) حريصة على أن تربيني وتعلمني بأن الأدب شقيق للعلم, ودائما ما تقول لي بكل ثقة(الأدب خير من العلم) وكانت تقول دائما وتعنيني أحيانا بذلك أن الشرف يحتاج معه إلى شرف الأخلاق فهو مثل الثوب الأبيض تظهر فيه البقع السوداء أكثر من غيره فماذ أقول عنها وماذا أدع هي مثل المصباح الذي كان على الدوام يطارد الظلام في قلبي ونفسي, وكانت تمضي إلى الغايات التربوية بخطى ثابتة لاتمل ولاتكل وكأنها ترى النتائج ماثلة أمامها, وأذكر أنني غاضبت أستاذي وصديقي الشيخ البشير بن الكرماني وكان ذلك في غياب شيخي العتيق فأخذت كتبي وقررت العودة إلى بلدي وقبيلتي فسمعتها وهي تسعى خلفي وتقول يا محمد تعال لا تذهب من عندي بهذه الطريقة وخذ قرارك وأنت غير غضبان فلم يغن ذلك شيئا فأرسلت ورائي المحمود بن محمود الجلالي واثنين من خدم الشيخ العتيق فأقنعوني بالرجوع.
وكانت تبالغ في إكرامي والإحسان إلي في كل شيء فمما أذكر من ذلك أنها رأتني يوما أتململ في فراشي من شدة حر الأرض التي كنت نائما عليها فما كان منها إلا أن طلبت من بعض الإخوة وهو عبد الحي بن مالك بإحضار سرير حديدي يجلب في الغالب من بلد (النيجر) فجاء به ومنحته لي فكان الناس يتحدثون بأن(سُلي) أفسدت الطالب محمدا ودللته أكثر من اللازم فلا ترد عليهم بشيء وكانت غاية في الأناة ,لاتتكلم فيما لايعنيها ولاتقابل السيئة بمثلها, ويعيش الواحد في بيتها شهورا فلايسمع لها صوتا, ولاسبا أوشتما, وتكرم خادماتها إلى درجة أنهن يأمرن وينهين في البيت وكأنهن سيدات البيت, وصدق من قال: (عادات السادات سادات العادات).
فنعم العون على مكارم الأخلاق هي : اختطفتها المنية قبل أن أوفي ببعض حقوقها علي رحمها الرحمان.
أهكذا تنقضي دوما أمانينا = نطوي الحياة وليل الموت يطوينا
تمضي بنا سفن الأيام ماخرة = بحر الوجود ولا نلقي مراسينا
يادهر قف فحرام أن تطير بنا = من قبل أن نتملى في أمانينا
نساء في ركبها.
وهناك نساء معها في سجل الذكريات كالسيدة الجليلة سلمى بنت حماد وأحا بنت ابراهيم وتحا بنت محمد وفاطمة بنت المنير, وليلة القدر (تيا) بنت علي وذات الدين بنت حمدا وبشرى بنت ماني وبشرى بنت حمودا وأختها أيدا وبدرى بنت محمدأحمد أخت شيخي الحاج, وكوكا بنت محمد بن عبدالله بن الميمون, والختمة بنت الحسن, ولكوكا والختمة مكانة خاصة وكان احسانهما إلي ديمة كلما زرت كل تكيرتن ومدي بنت محمود.


 
 توقيع : السوقي الخرجي

غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعديل الأخير تم بواسطة الشريف الأدرعي ; 10-01-2012 الساعة 01:16 AM سبب آخر: أعجمت كلمة مهملة ووضعت بنت بدل ابن

رد مع اقتباس