عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-2009, 04:06 PM   #3
مراقب عام القسم التاريخي


السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




*- القواعد والمطالب المتعلقة بالتعامل مع المخطئ.
تأتي هذه القواعد بعد أن نكون قد أحسنّا الظن والتمسنا العذر، لكن إذا حصل الخطأ وكان خطأ واضحاً كيف نتعامل معه؟
أولاً: النصح. وأهل العلم بيّنوا هذا في كثير من مقالاتهم، وفرّق ابن رجب بين النصيحة والتعيير، هناك نصيحة وهناك فضيحة كما يقولون، والنصيحة مهمة، ومن أهم أسباب تفشي الأخطاء، أننا لا نأخذ في سبيل النصح، ولا نسير في طريق الغيرة على الحرمات كما ينبغي، وكلما عظمت محبة أخيك عندك، كلما كثر نصحك له، وبعض الناس يأخذ القاعدة على العكس، كلما عظمت محبتي لأخي تغاضيت عن خطئه، ولم أحرص على نصحه.
عجباً للإنسان كيف ينصح البعيد ولا ينصح القريب؟ وكيف ينصح البغيض ولا ينصح الحبيب؟ هذه قسمة ضيزى، ومقياس مرجوح وميزان مختل، ينبغي أن يكون التواصي بين أهل الحق والإصلاح والإرشاد والدعوة أكثر، وهذا جرير يقول: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)، وفي بعض الروايات، فزادني: (النصح لكل مسلم).
قال بلال بن سعد في شأن هذه النصيحة وأهميتها بالنسبة للإنسان:"
وأفضل الناس صديق إذا لقيك أخبرك بعيب فيك، خير من صديق إذا لقيك وضع في يدك درهمين".
فهذه مسألة مهمة، ولا بد أن يكون النصح بالرفق وبالتيسير، وحتى إذا ما زادت الصلة كان النصح أقوى، وربما أحياناً يكون أغلظ؛ لأن ما بينك وبينه من المودة يكون عاصماً عن النفرة بإذن الله عز وجل، وهذا عمر بن عبد العزيز يقول لعمر ابن المهاجر يطلب منه النصح يقول:" إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم قل لي ماذا تصنع؟"، وهذا أمر واضح وبيّن.
*- اليسر لا العسر.
المسألة تحتاج إلى اللطف لا الشدة، واللين لا الغلظة، واليسر لا العسر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع منه إلا شانه).
وقصة النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يلقي اليهود في مكان التحية قولهم:" السام عليكم "، يقصدون الموت . ويدعون على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت عائشة تغضب وترد عليهم فوراً فتقول:" بل الموت عليكم واللعنة"، وكان من النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه عائشة على الحكمة في الرد حين أمرها بأن تكتفي بقولها" وعليكم".
وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد، والذي قام عليه الصحابة يزجروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (لا تزرموه) أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف: (إن مثلي ومثلكم كمثل رجل ندّت له ناقة فجاء هذا يسوقه من هنا وهذا من هنا فجاء صاحبها وقال خلوا بيني وبينها ثم أخذ يتقرب إليها بشيء من خشاش الأرض، حتى استطاع أن يتألفها ويردها إليه).
ما دمنا عرفنا الخطأ فلا بد أن يكون هناك رفق في علاجه.

*- التعليم والإرشاد.
فلا يكفي الرفق وحده، بل لا بد أن نعلمه ونفقهه أن هذا الخطأ ونعلمه أن الخطأ هو كذا ونرشده، والنبي - صلى الله عليه وسلم في قصة المسيء صلاته ماذا صنع؟، قال له ارجع فصل ثم لم يحسن الصلاة، فقال له: أعد، ثم لم يحسن، حتى علمه خطوات الصلاة واحدة واحدة، وكيف يحسن صلاته وأهمية الطمأنينة. وقصة جبير بن نفيل، وأنه قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بوضوء فتوضأ فبدأ بفيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبتدئ بفيك فإن الكافر يبتدئ بفيه) ثم علمه الوضوء.
*- علاج الخطأ بالصواب.
وليس علاج الخطأ بالخطأ، فينشأ عن الخطأ خطأ (آخر) في العلاج، وينشأ عن مجموع الخطأين أخطاء أخرى، وهذه قضية خطيرة تكلم عنها العلماء إذا كان الإنكار يترتب عليه منكر أكبر؛ لأن الأسلوب كان غير موفق أو الظروف والملابسات لم تكن مناسبة، فيكون التصويب أو هذا الإنكار خطأ في حد ذاته، وهذه مسألة دقيقة لا بد من مراعاتها، ولها أمثلة كثيرة... فهذه مسائل تحتاج إلى بصر وبصير.
*- الرجوع عن الخطأ فضيلة.
هذه مسألة مهمة بعض الناس تنازعه نفسه بأنه يقول إنه أخطأ، أو يظهر له الحق فتأبى نفسه أن تقر به، أو يلوح له الصواب فيستكبر أن يتابعه، إما أن القائل بالصواب دونه في المرتبة والفضل (أو غير ذلك) وإن كان محقاً، وهذه مسألة خطيرة دقيقة، وهي من المسائل النفسية التي متى وقع المسلم أو المؤمن فريسة لها ولم يتخلص منها؛ فإنها تورد صاحبها إلى المهالك والمخاطر العظيمة؛ لأن الاستكبار عن الحق والتعالي عليه بعد وضوحه أمر ليس هيّناً.
ولعلنا نشير بذلك إلى حديث مسلم أن الرجل كان يأكل بشماله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك، فقال له: لا أستطيع - لعله تكبر أن يغير أمام الناس أن يستجيب للنبي صلى الله عليه وسلم أمام الناس - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا استطعت، فما استطاع أن يرفع يده إلى فمه.
وهذه قضية دقيقة ولنا من أمثلة السلف واعترافهم بالحق شيء عظيم، أمثلة تدل على تجردهم عن الهوى وعلى إذعانهم للحق يقبلونه ممن كان صغيراً أو كبيراً؛ فإن الحق عندهم أكبر من كل الناس، والحق أكبر من كل كبير والحق من كتاب الله، وسنة رسوله حاكم وليس محكوماً، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو من هو كان يستشير أصحابه، وربما ابتدئوا بالمشورة فمضى بقولهم وأخذ بمشورتهم، ولم يستنكف عن ذلك ولم يستكبر عليه الصلاة والسلام، فكيف بمن دونه وليس بأمر اختياري بل في خطأ وقع وثبت، فلا بد من الرجوع للحق، كما أوصى عمر في وصيته الشهيرة التي أقام عليها ابن القيم رحمه الله فصولاً كثيرة في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين كان من وصيته التي قال فيها: " لا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".

والرجوع للحق فضيلة كما يقولون. يقول الشوكاني رحمه الله:" من آفات التعصب الماحقة لبركة العلم أن يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة كما يصدر ممن يفتي أو يصنف يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عليه ؛ فإنه يصعب عليه الرجوع إلى ما يخالفه وإن علم أنه الحق، وتبين له فساد ما قاله، ولا سبب لهذا الاستصعاب إلا تأثير الدنيا على الدين ؛ فإنه قد يسول له الشيطان أو قد تسول له نفسه الأمارة بالسوء، أن ذلك ينقصه ويحط من رتبته، ويخدش في تحقيقه ويغض من رئاسته وهذا تخيل مختل وتسويل باطل ؛ فإن الرجوع للحق يوجب له من النبالة والجلالة وحسن الثناء ما لا يكون في التصميم على الباطل، بل ليس في التصميم على الباطل إلا محض النقص والإزراء بصاحبه، والاستصغار لشأنه ؛ فإن منهج الحق واضح كالمنار يفهمه أهل العلم ويعرفون براهينه. وقد قال أهل العلم في ذلك مقالات كثيرة)).
إلى هنا وقف بنا قلم التصرف بالاختصار والتلخيص من موسوعة الخطب والدروس التي جمعها ورتبها الشيخ علي بن نايف الشحود ـ أجزل الله له الأجر والمثوبة في الدارين ـ لما بذله من مجهود علمي رصين نصوح.
مقتصراً فيها عن بعض الجمل التي يحسن بطالب الحق والمعرفة الوقوف عليها، والاستفادة منها، لأن الحكمة ضالة المؤمن. مذيلاً عليها على وجه الاستخراج منها أيضاً ما يلي:
1- أهمية معرفة الصواب من الخطأ، أو العكس، والتأكد منهما حسب معاييرهما في ميزان النقل الصريح، أو العقل الصحيح، أو بهما جميعاً قبل كل شيء.
2- عدم إعطاء الخطأ قدراً أكبر من حجمه، لقوله تعالى: {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
3- أهمية بذل النصح لله ـ تعالى ـ حسب مقاصد الشرع الحكيم، لأن: الدين النصيحة.
4- تفضل الناصح بالنصيحة للمنصوح له على وجه لا يعلمه إلاّ الله علام الغيوب، كما أرشد إليه ديننا الحنيف من ذلك قول الإمام الشافعي:
تعمَّدني بنصــــــــــحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجمــــــاعة
5- فضل ستر أخطاء أخيك المسلم لأنها عيوب دينياً، أو اجتماعياً بأن لا تظهرها لأي أحد، لقول القائل:
إذا ضاق صدر المرء عن كتـم سره فصدر الذي يستودع السر أضــــيق
6- حسن الظن بأخيك خيراً مع التسامح في الله تعالى، ثم في الرحم،هذا إن أخطأ الصواب بالفعل لكن من غير قصد، مستصحباً الاتزان التام، والنزاهة عما لا يليق بمقام الكرام، مها بلغ الخطأ من الجلالة في نظر المخطّئ. مذكراً نفسي وجميع إخوتي بالحديث الجليل العفو: (اللهم أنت عبدى وأنا ربك): فيه أن ما قاله الإنسان من مثل هذا - من دهش، وذهول - غير مؤاخذ به إن شاء الله.إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض.


ثم ليكن الجميع على ثقة تامة بمعنى قول الشاعر، ليؤنس وحشته، وممتثلاً بما تخلص إليه، في قوله:
سألت الــــــــــناس عن خل وفيّ فــــــــقالوا ما إلى هذا سبــــــــيل
تمسك إن ظفرت بــــــــــــود حرّ فـــــــــإن الحرّ في الدنيا قلـــــيل
وقول الآخر:
لكل شيء عدمـــــــــــــته عوض وما لفقد الصديق من عـــــــوض
هذا في أهمية التعلق بالأخلاء، فما بالك بأن لا يستمسك بالرحم بين ذوي القرابة المنوه بعظم شأنها عند الله كما في قوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصـــعب
إن القلوب إذا تنـــــــــــــــــــافر ودها شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
هذا الجانب الذي لمح إليه معنى البيتين ليس على الإطلاق إذ قد تتكلف به صلة الرحم بعد تقوى الله تعالى، والمحبة فيه، والتواصي بالحق وتواصوا بالصر.
يا أخي في لله تعالى، ثم في الرحم الثابت:
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير ســــــــلاح
7- العفو عموماً ممن أخطئ في حقه لوجه الله ذي الجلال والإكرام، إن كان الخطأ متعلقاً به رغبة في أجر العفو المنوه بشرفه وفضله في قوله سبحانه: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
هذا شأن العفو على عموم الناس فما بالكم بذوي المودة والقربى. هذا ونحن معشر أبناء مدينة السوق، المقول عن خصال سلفكم النزيهة الكريمة مقالة العالم العلامة الشيخ الكبير الكنتي ـ رحمه الله ـ عنهم:
إذا قيل أي الـــناس خير قـــــــــبيلة فأنتم خيار الناس ما ارتـــفعوا قدرا
بل ومما يرصع به بيته الجليل الثنا، وميض البقر ذي السنا ـ بيت العالم النحرير، والحبر الشهير، العلامة اللغوي الأديب، الفهامة اللوذعي المفوه الخطيب، أحد الأعيان في العلوم السويين، والأعلام المتفننين في عصره البارزين السوقيين، الندراء العلماء النجباء، والنبلاء الفقهاء النبهاء الشيخ محمد آلمين بن محمد الوامي الإدريسي ـ رحمه الله ـ منوهاً على بعض فضائل بيت من بيتات قبائل السوقيين، في قصيدة طويلة متينة رائعة، قائلاً ببيت القصيد:
لهم ســـــلف خيار من خـــــيار أولو بـــر كــدأب الصـــــالحينا
أوردته هنا من باب عطف الخاص على العام.

قاله من لا يسعه إلاّ الانضمام لركب زوار موقعكم الموقر
محبكم /أبو العباس السوقي


 
 توقيع : السوقي الأسدي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الأسدي ; 03-09-2009 الساعة 01:24 PM

رد مع اقتباس