عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2009, 06:32 PM   #2
مراقب عام


الصورة الرمزية السوقي
السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 05-22-2024 (11:48 AM)
 المشاركات : 163 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الحداثة وعولمة الأدب 2



فما هي خصائص هذه الأشكال الجديدة.
الحداثة ومفهوم قصيدة النثر: ظهر هذا المصطلح في مجلة شعر سنة 1960 للدلالة على شكل تعبيري جديد انتهت إليه الكثير من الأشكال التجريبية التي جربها جيل النصف الأول من القرن العشرين، كالنثر الشعري والشعر المنثور والشعر الحر. ويعد في مرحلته بمثابة الثورة الأخيرة على عمود الشعر العربي في بعده الإيقاعي خاصة. و أهم خصائصها:
أ ـ الوحدة العضوية، فقصيدة النثر بناء يصدر عن إرادة واعية، وليس مجرد مادة متراكمة تراكما غفلا، إنها كل غير قابل للتجزئة أو الحذف أو التقديم أو التأخير بين مكوناته.
ب ـ المجانية: فهذا الشكل، شكل جديد لا علاقة له بكل أشكال الكتابة المعروفة من نثر وشعر، ورواية ومسرحية، حتى ولو وظف تقنيات هذه الأشكال، فهو شكل جديد لا غاية له خارج عالمه المغلق، أي، أنه مجاني ولا زماني.
ج ـ الكثافـة: يبتعد هذا الشكل الجديد عن كل خصائص النثر من استطراد وإيضاح وشرح وإطناب، وتكمن خاصيته الشعرية في كثافته وإشراقه، وبعبارة أدونيس أنه "كتلة مشعة مثقلة بلا نهاية من الإيحاءات قادرة على أن تهز كياننا في أعماقه، إنها عالم من العلائق" ويمكن أن نميز فيها بين نوعين: القصيدة الدائرية والقصيدة الإشراقية.
عن الأولى يقول أدونيس: "أما قصيدة النثر فذات شكل قبل أي شيء، ذات وحدة مغلقة، هي دائرة أو شبه دائرة لا خط مستقيم، هي مجموعة علائق تنتظم في شبكة كثيفة ذات تقنية محددة وبناء تركيبي موحد منتظم الأجزاء متوازن، تهيمن عليه إرادة الوعي التي تراقب التجربة الشعرية وتقودها وتوجهها، إن قصيدة النثر تتبلور قبل أن تكون نثرا، أي أنها وحدة عضوية وكثافة وتوتر قبل أن تكون جملا وكلمات."[18]
واضح من هذا القول حضور الشكل والنظام في قصيدة النثر كما نظر لها أدونيس، فهي ذات بنية دائرية، وهذه البنية تنبني أساسا على التكرار بمختلف أشكاله وأنواعه. مثل:
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة إعادة اللازمة عبر مسافات منتظمة لجعل الثابت محسوسا.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة تكرار بداية الجملة في النهاية لإغلاق القصيدة وتدويرها.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة تكرار الكلمات والانطباعات لاسيما في بداية المقاطع أونهايتها.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة تكرار الأصوات.
وتستمد قصيدة النثر عند أدونيس إيقاعها من طريقة بناء الجملة، "وهو إيقاع متنوع يتجلى في التوازي والتكرار والنبرة والصوت وحروف المد وتزاوج الحروف وغيرها ". وبذلك تفرض على النثر هيكلا منظما، وتدخل الحياة والزمن في أشكال دائرية.
أما النوع الثاني أي القصيدة الإشراقية فتتمرد على كل القوانين لتتجه كلية نحو الأشكال الأكثر فوضوية، والأقل قياسية، وبذلك يقطع الشعر أي علاقة له بوظيفة الاتصال بين الشاعر والقارئ ليصبح آلة يرفعها الفرد ضد الكون والثقافة والعقل وآلياته من أجل بناء عالم آخر أكثر بريقا وأشد صفاء.
فالشاعر الإشراقي يأخذ على كاهله العناصر الخام والساكنة التي يحملها إليه اللاوعي وتشويش الحواس، فيتضمنها في نظام متصل بالبنية الداخلية لعالم الكلمات، وبهذا النظام يصبح موقف الشاعر تجاه اللغة والحلم اتجاها إيجابيا وخلاقا، إنه يهدم ويزرع الفوضى في كل ما هو مشترك وعام، وفي الآن نفسه يعزز سلطة الفرد الساخطة وتنظيمه الجديد للكون. وبذلك تكون الفوضى هي النظام الذي يود إقامته على نظام الأشياء القائمة ليتولد عنها شكل أدبي لا اجتماعي جديد .
وإذا كانت القصيدة الدائرية تسيطر على الزمن بصبه في أشكال دائرية، فإن القصيدة الفوضوية الإشراقية تتغيا بلوغ اللازمنية بنفي الزمن والتحرر منه وذلك بالقفز على المقولات الزمنية لتحقيق الاندفاع اللاشعوري اللانهائي. وذلك إما بإلغاء المقولات الزمنية لتصبح القصيدة بمعزل عن الزمان والمكان، أو بتقليص الديمومة واحتضان القرون في نظرة واحدة. وكما يتقلص الزمن تتقلص المسافات فتقترب الأشياء المتباينة والمتباعدة في ما بينها، وتنتفي المفاهيم المنطقية المرتبطة بمفهومي الزمان والمكان، وبذلك يتولد الحدس بعالم آخر غريب ومتوهج يسيطر فيه الإنسان على المادة بدلا من أن يخضع لها.
إن نفي الزمان والمكان وما يرتبط بهما من مفاهيم منطقية ينتج عنه بالضرورة هدم الأسلوب والترتيب الفني وتسلسل الأفكار وترابطها لتمنح الأولوية للكلمة بشكل عام، وللاسم منها بشكل خاص، لأنه دلالة على الشيء وإيحاء له في جوهره اللازمني. كما تتمتع الكلمة بكينونتها المستقلة التي لا تذعن لمنطق النحو، إذ "لم تعد تندرج في تنظيم الجملة لكي يعبر فيها المعنى كما يعبر التيار في سلك كهربائي، فإذا هي تلمع ببريقها الخاص الكوكبي المنعزل[19]".
وعلى الرغم من أن النثر لا يسمح بهذه العزلة والاستقلالية للكلمة، فإن أدوات الترقيم (خطوط صغيرة وبياض وتعيين الكلمات ونقط التعجب …) وسائل تفصل الكلمات عن السياق وتطبعها بنوع من الدلالة الخاصة إلى جانب دلالتها السياقية في الجملة. يضاف إلى ذلك تفكيك الجمل، والعطف، والتكرار الذي يؤدي إلى نفس الأثر. إلا أن التنظيم الشعري الحاضر بالقوة في قصيدة النثر يخلق ترابطا خاصا بين الكلمات وفق قوانين كونية خاصة بكل قصيدة يحكمها منطق داخلي خاص.
يقول أدونيس "إني لا أبحث عن الواقع الآخر، لكن أغيب خارج الواقع في الخيال والحلم والرؤيا. إنني استعين بالخيال والحلم والرؤيا لكي أعانق وأخفي الآخر، ولا أعانقه إلا بهاجس تبديل الواقع وتغييره"[20].
بهذا التصور، أي نفي الزمان والمكان والمناسبة والحادثة والجزئية والظرفية والإقليمية والوطنية والعقدية، يمكن للشعر العربي أن ينخرط في الشعر العالمي ليصبح شعرًا وحسب، مرتبطا بشاعر يقتسم مملكته مع باقي الشعراء لا مع باقي مواطنيه وبذلك تتحقق عولمة الأدب كما تحققت عولمة الاقتصاد.
*د. علي المتّقي
أستاذ الأدب الحديث والبلاغة
بكلية اللغة العربية في مراكش - المغرب


 
 توقيع : السوقي

من حكم المتنبي
ولم أرى في عيوب الناس عيبا = كنقص القادرين على التمام


رد مع اقتباس